قصة المغرب والخمر تعود إلى ما قبل التاريخ، عندما أدخل الفينيقيون زراعة الكروم لأول مرة إلى بلادنا ثم خلفهم الرومان الذين اهتموا كثيرا بهذا النوع من الزراعة لعدة قرون قبل استثباب الإسلام في بلاد المغرب، فالمغرب يوجد في قلب منطقة بحرمتوسطية تعرف بصلاحيتها لهذا النوع من الزراعة، واستغل الرومان هذا المعطى لإنتاج ما يحتاجونه سواء في روما أو في كل مستعمراتهم آنذاك من خمور. سقوط الإمبراطورية الرومانية أدى إلى انهيار كبير لهذا الإنتاج الزراعي، ثم جاء العرب المسلمون الذين أصبحوا ينتجون زراعات بديلة. بل إن زراعة الكروم المخصصة أعنابها للخمر قد ألغيت تماما في المغرب الذي أصبح منتجا كبيرا لمزروعات أخرى بديلة، فقد كان المغرب في عهد السعديين من أكبر مصدري سكر القصب الذي أصبح من بين الزراعات البديلة كغيره من الزراعات الأخرى. لم يكن المغاربة مهتمين بعد جلاء الرومان بإنتاج الخمر؛ لأنه محرم في دين الإسلام الذي اعتنقوه وتشبثوا به وبأخلاقه، لدرجة أنه يحكى أنه في عهد يعقوب المنصور الموحدي كانت المرأة تمشي من فاس إلى تونس بمفردها لا تخاف إلا الله والذئاب (الحيوانية). وكان المال يسقط من صاحبه ويبقى في مكانه لا يمسه أحد لعدة أيام حتى يعود إليه صاحبه فلا أحد كان يمكن أن يمد يده إلى مالِ ليس له. لهذه الدرجة بلغ المغاربة من التقوى في ذلك الحين. ولكن نهاية القرن التاسع عشر، وبالضبط سنة 1874ستشهد انعراجا كبير؛ وذلك عندما عرفت أوروبا أزمة خطيرة مست زراعة الكروم بها، فقد دمرت دودة فيلوكسيرامزروعات الكروم الأوروبية بأكملها تقريبا عندما التهمت جذورها من الأصول، وهو ما تسبب في كارثة اقتصادية لمنتجي الخمور في القارة العجوز، خصوصا وأن استهلاك الخمور في أوروبا كان يصل آنئذ إلى حوالي المائة وسبعين لترا للفرد الواحد سنويا.وبما أن الطلب كان مرتفعا بشكل رهيب فقد توجه الأوروبيون إلى مستعمراتهم القديمة لزراعة سهول شاسعة بالكروم المخصصة للخمور، وذلك أولا للاستجابة للطلب الكثيف وكذلك لإيجاد بديل عن الأراضي التي دمرتها دودة الفيلوكسيرا. وتبعا لذلك أصبح المغرب منذ سنة 1950 منتجا لما يزيد عن خمسة ملايين هيكتوليتر من الخمور، وهي كميات كانت تباع أغلبها في فرنسا ولكن الموزع منها في المغرب كان كثيرا كذلك. إنتاج الخمور لم يتوقف بالمغرب بعد جلاء الاستعمار؛ بل انتشر وعم وطم، ولم يجد المغرب في مسؤولي الاستقلال من يفكر في بدائل كما فكر فيها المغاربة الأوَّل بعد جلاء الرومان. ودخولهم في الإسلام. وعلى الرغم من تناقص الإنتاج والتوجه نحو سياسة أخرى تعتمد على إنتاج خمور عالية القيمة وإن قلت عوض الخمور العادية الكثيرة التي كانت تنتج في الستينات والسبعينات؛ فإن المغرب ينتج اليوم حوالي أربعمائة ألف هكتوليتر في السنة، وذلك راجع للاهتمام البالغ بهذا المنتوج نظرا للأرباح التي يوفرها لمروجيه، ورغما عن الإكراهات المناخية: فالكروم المخصصة للخمر تحتاج إلى ما لا يقل عن450 لى 500 ملليتر من ماْء السقي، وخلال فترات مختلفة ومحددة من السنة:في الخريف، وفي نهاية فصل الشتاء، إضافة إلى عاصفة ممطرة صغيرة في شهر يوليوز. التوزيع بعد هذه النظرة المقتضبة عن الإنتاج؛ كيف يتم التوزيع!؟ من الحقل إلى البقال هناك العديد من المتدخلين في ترويج هذه الآفة الاجتماعية والصحية، غير أن الواقع في المغرب جعل أن أغلب، إن لم يكن كل منتجي الخمور أصبحوا يتوفرون كل على أرضيته الخاصة بالتوزيع سواء كان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر. وهو ما يعني أن الأثمنة تبقى تحت مراقبة المنتج إلى أن تصل إلى آخر متدخل قبل الاستهلاك النهائي. وكمثال على ذلك فإن طالفان توزع خمورها عن طريق إيبيرطيك وإم.إير.رونوفو وهما شركتا توزيع في ملكية شركة إيبيرطيك التي تملك الشركة المنتجة نفسا طالفان...أما بالنسبة لمجموعة كاسطيل فهي تتحكم منذ سنة 2003 في مجموعة توزيع المشروبات سواء الكحولية أو الغازية في المغرب براسري دو ماروك وكذلك فإن مجموعة كروم مكناس تتوفر على شركتها الخاصة بها للتوزيع. وإذا كانت هذه الشركات تتحكم في أثمنة البيع لدى البقالات الصغرى فإن الأمر ليس كذلك بالنسبة لعالم المطاعم الكبرى والفنادق السياحية. يقول هشام الرخى المدير التجاري لشركة التوزيع بورشانمان التي توزع خمور صحاري التي أصبحت في ملكية كاسطيل:>منذ وقت قصير عندما كنت في زيارة لزبنائنا أصحاب المطاعم الكبرى في مراكش، وجدت أن هناك من يبيع الخمور بخمسة أضعاف ثمن الشراء». ولكن التوزيع داخل المغرب يختلف عنه خارجه، فالتوزيع في أوروبا يقتضي الالتزام بعدة التزامات تفرضها الضوابط الصحية للدول الموجه إليها المنتوج، مثل احترام مباديء معينة في تهيئة الظروف للمنتوج حتى يصل في أحسن الظروف، وكذلك بالخصوص الكتابة بخط واضح على البطاقة الخارجية لكل قنينة عبارةالإفراط في تناول الكحول مضر بالصحة. وهو ما ليس المنتج ولا الموزع ملزما به بالنسبة لما يوزع في المغرب. كيف تمنح الرخص؟ بما أن السلطات العمومية هي صاحبة القرار الوحيدة في هذا المجال فإن الرخص تسلم حسب رغبة التوجهات الاستراتيجية. وحتى يمكن بيع الكحول، هناك نوعان من الرخص يتم تسليمها: رخص البيع بالجملة ونصف الجملة؛ وهذه يقدم من أجلها طلب إلى مديرية حماية النباتات والمراقبة التقنية ومحاربة الغش، بوزارة الفلاحة. وتحتاج الرخصة قبل تسليمها إلى موافقة عامل المدينة المعنية. ثم تقوم مديرية محاربة الغش بزيارة إلى المحلات المعنية للتأكد من صلاحيتها، وترفع تقريرا إلى المكتب المركزي للمديرية الذي يقدمه بعد الموافقة عليه للتوقيع من طرف وزارة الفلاحة. وهناك رخصة البيع بالتقسيط؛ وهذه تسلمها ولاية المدينة المعنية مباشرة.ومع أنه وطبقا للقانون وللمباديء العامة لا يجوز أن تسلم الرخص في الأحياء التي يقطنها المسلمون فإن هذا ما لا يحترم إطلاقا. بل إن المغاربة المسلمون هم أكثر مستهلكي الخمور.وهذا يتم على مرأى من السلطات، بل وتحت حمايتها. تكفي نظرة إلى أبواب الخمارات للتأكد من ذلك. وهنالك أيضا البيع غير الرسمي وهو يقدر بحوالي 15% من مجموع مبيعات الخمور في المغرب.