يبدو أن الغرب العريق في الديمقراطية، وفي القيم الأخلاقية لعصر الأنوار، يسقط هذه الأيام في ظلمات الفساد، فمن فضائح النواب ببريطانيا، الذين دفعت فضائحهم وزير العدل إلى الاستقالة، وتلويح رئيس مجلس العموم باستقالته، إلى برلسكوني بإيطاليا، ومطالبة المعارضة باستقالته لنفس الأسباب المتمثلة في الفساد، إلى فرنسا حيث قال القضاء كلمته في عمدة مدينة سابق ورئيس مجلس جهوي حالياً بتهمة الفساد واختلاس المال العام. هكذا ، وفي ظرف أسبوع واحد، تبزغ هذه الحالات للفساد، وتتفاعل في دول الاتحاد الأوروبي، التي ظلت غالبيتها تعتبر نماذج تقتدى في الديمقراطية والشفافية وحسن تدبير الشأن المحلي والعام، وهي بكل تأكيد حالات لا يمكن للفاسدين المفسدين عندنا إلا أن يبتهجوا لها، ويفرحوا لحدوثها، لأن كل طرف يبحث عن نماذجه، وما يمكن أن يُبرر به سلوكه وممارساته، حتى إذا ما اتُهم أحدهم غداً بالفساد، رفع رأسه عالياً، واشرأب بعنقه، وأداره ذات اليمين وذات الشمال، ورفع صوته الجهوري: «ياك غيرْ الفَسَاد، إيوَا رَاهْ كَايَنْ حْتى فَفْرَنْسَا، وبْريطَانيا»!. وبالطبع، فإن الحالات التي تحدثنا عنها دفعت بعض المسؤولين المعنويين عنها إلى الاستقالة، وحصلت متابعات قضائية في شأن بعضها، وفجرت الصحافة الحرة بعضها، ولم يستطع هؤلاء الفاسدون أن يتحولوا إلى مفسدين، ليفسدوا القضاء مثلا، أو ليسخروا الإعلام لفائدتهم، لذلك رغم هذه الحالات هناك، فإن ثمة قيماً تظل قائمة، ولا يمكن إغماض عيونها، أما الفاسدون عندنا، فهم أيضاً مفسدون، لذلك يستطيعون أن يُجيِّشوا الإعلام المحلي والوطني والدولي أيضاً، ويحاولوا شراء القضاء، هذا إن لم يهجموا بعصاباتهم ليمارسوا اعتداءاتهم داخل المحاكم. ثم إن للفاسدين عندنا أجنحة لا يملكها الفاسدون الغربيون، إذ يستطيع فاسد عندنا أن ينطلق كمستشار في جماعة قروية أو بلدية، وفي رمشة عين إذا وصل إلى عين المال، يصبح رئيسها، ثم نائباً في البرلمان.. ثم في رمشة وزيراً أو في أحد المناصب الكبرى، إذ ما أن يفتح له سِمْسِمْ القُمقم حتى تراه وقد طار وتربع على القمم. ورغم أن للمفسدين عندنا أجنحة يطيرون بها، إلاّ أن طيرانهم لا يشبه طيران الطيور ولا النسور، وإنما يشبه طيران رجل العنكبوت، فهم يصنعون شبكاتهم في كل قفزة، وينصبون حبالهم وخيوطهم مع كل نطة، ويشْبكُون شِباكهم بشبكات من هم أكبر منهم، مشاركة ومصاهرة وصفقات وشراء وإفساداً، حتى يكتمل لهم المراد، لذلك لا يصلح الفاسدون الغربيون ليكونوا نماذج للمفسدين الفاسدين عندنا. فالفاسدون في الغرب يكبرون ببطء الدجاج البلدي، والفاسدون في المغرب يكبرون بسرعة ضوء الدجاج الرومي! لذلك، فإن الغربيين قبل أن يقفزوا القفزة الأولى يسقطون في الشِّباك. أتذكر أنه في أواسط الثمانينيات انطلقت دعوة جدية بإحدى الدول الآسيوية لتأسيس حزب الفساد، ومع الأسف، فالدعوة لم يكتب لها النجاح، لأن من عادة الأحزاب الفاسدة أنها لا تحب التكتل، فكل بما لديه فرح، فكيف يتقاسم غنائمه مع غيره. لكن من يتأمل مثل هذه الدعوة، لابد من أن يتوصل الى أن الأحزاب جميعها هي مجرد حزبين: حزب المفسدين. وحزب الحرب على المفسدين. ولذلك على التكتل الحقيقي أن ينبني على هذا الأساس، وفي ذلك، فليتنافس المتنافسون.