آخر ما كان يتوقعه الرأي العام المحلي الفكيكي وهو دخول الطرفين المتنازعين حول جانب من أراضي سهل بغداد أو ما يسمى ب "تيقورار"، في عمليات الانتقام والانتقام المضاد، وذلك ما حدث فعلا عشية يوم الثلاثاء 12/05/ 2009 ، بحيث لم يتضح بعد الطرف البادئ بالانتقام ما بين تخريب لإحدى الضيعات باقتلاع أبوابها وهدم جدرانها من جهة وتعرض إحدى السيارات الخاصة لكسر الزجاج الأمامي من قبل أشخاص ملثمين، على حد قول صاحب السيارة، واقتلاع فسائل النخيل، وهدم البناية الناتجة عن الأشغال التي عرفتها هاته الأرض، وإحراق دراجات نارية، وخلال كل هذه المشاهد، كانت القوات العمومية تتدخل تباعا لتفريق العشرات من شباب الأهالي الذين أخبروا من جهة الطرفين وهبوا لنجدة إخوانهم بما توفر لهم من أدوات حادة وحجارة وعصي، الشيء الذي خلف في البداية مجموعة من الجرحى البعض منهم غادر المكان بجروح ورضوض بليغة تم إجلاؤهم عشيتها إلى المستشفى الاقليمي ببوعرفة. و بما أن أحد الطرفين كان يوجد على الفضاء المكشوف فقد تعرض أفراده للضرب بشكل مباشر من طرف القوات العمومية في حين أن الطرف الآخر تمكن أفراده من الاحتماء بالبساتين وأن يكونوا أقل عرضة للتعنيف والضرب وهم سكان القصر «الحمام الفوقاني»، في حين رأى أهالي قصر «زناقة» أنهم كانوا مستهدفين بشكل مباشر، بل إن القوات العمومية شكلت الغطاء للطرف الآخر - بحسب تصريحات شهود عيان- وفي نفس الوقت عمل فريق من القوات العمومية على إزالة الخيمة التي اتخذها سكان قصر "الحمام الفوقاني" معتصما أمام مقر باشوية فكيك طيلة أيام النزاع بشكل نهائي. للإشارة فإن ليلة نشوب هاته الأحداث الدامية لم تمر من دون أن تخلف ردود أفعال غاضبة من طرف أهالي قصر "زناقة" الذين خرجوا كبارا وصغارا، نساء و رجالا، في مسيرة احتجاجية حاشدة انطلاقا من ساحة تاشرافت يتقدمهم الشباب حاملين العصي والهراوات متوعدين بالانتقام ليقفوا عند مصحة الهلال الأحمر بحي بغداد بحيث بدأوا في إغلاق الطريق المنحدرة من القصور العليا بالحجارة وإحراق العجلات المطاطية تحسبا لأية مباغتة من طرف القوات العمومية، وموازاة مع ذلك كان سكان القصر "الحمام الفوقاني" كذلك قد خرجوا للتعبير عن غضبهم حاملين مختلف الأدوات الحادة وهروات وعصي متوعدين بالانتقام بحيث لم يغادروا القصر إلى أي مكان تحسبا لأية مفاجأة. هذا وقد كشفت صبيحة اليوم الموالي (الأربعاء) عن أعمال تخريبية أخرى قام بها شباب "الحمام الفوقاني" على الأرض التي اشتغل عليها شباب قصر "زناقة" طيلة أيام النزاع، بحيث تمكنوا من هدم البناية المحدثة هناك عن آخرها تقريبا وردم البئرين وإحراق بعض الآليات واقتلاع العديد من فسائل النخيل وإحراقها. هذا، وإيقافا لكل هذا النزيف وللحد من هذا التصعيد الخطير، فقد تعززت القوات العمومية صبيحة هذا اليوم بوحدات إضافية أخرى نزلت إلى مسرح هذه الأحداث لتشكل جدارا فاصلا بين الطرفين المتنازعين مدججة بالهراوات والقنابل المسيلة للدموع، إلا أن ذلك لم يمنع بعض سكان "الحمام الفوقاني" من أن يستغلوا فجوة انسحاب فريق من هذه القوات في فترة ما بعد الزوال وكذلك مغادرة شباب قصر "زناقة"، الذين كانوا قد توافدوا بشكل حاشد إلى المكان للتعبير عن تشبثهم بالأرض، استغلوا هاته الفرصة ليجهزوا على عدد كبير مما تبقى من الفسائل المغروسة من طرف سكان قصر "زناقة" وهدم ما تبقى من البناية وإحراق بعض الآليات. هذا الحدث جعل القوات العمومية تنزل من جديد إلى عين المكان وتشبع من وجدته هناك من شباب قصر "الحمام الفوقاني" ضربا وتعنيفا ليستقر الوضع بعد ذلك إلى حدود الساعة، بحيث أن القوات العمومية عملت على إخلاء مسرح النزاع وهي إلى حد كتابة هذه السطور تسيطر على زمام الأمور هناك. وتفاعلا مع الأحداث وتتبعا لمجرياتها الخطيرة ومن أجل البحث عن مخرج ما لهذا الاحتقان أو تهدئة الوضع على الأقل، فقد حضر عامل الإقليم إلى مدينة فكيك ليلة يوم الخميس اجتمع فيها مع ممثلي سكان قصر "زناقة" خاصة، إلا أنه تبين بأن هذا اللقاء استنفد بالخصوص في احتجاج «الوفد الزناقي» على الطريقة التي تصرفت بها القوات العمومية مع سكان "زناقة"، و التي وصفوها بالمنحازة لسكان "الحمام الفوقاني" والمستهدفة لأهالي زناقة، وبالأخص ما سجل ضد الضابط وكذلك عميد الشرطة مما قد يكون وراء استقدام عميد آخر للشرطة للقيام بالمهمة بصفة مؤقتة. ونقلا عن مصادر مطلعة، فإن أهم ما سجل في هذا اللقاء هو تعبير سكان قصر "زناقة" من جهة أخرى عن التزامهم بالتهدئة وعدم الخروج إلى منطقة النزاع. هذا ومن المنتظر أيضا، بحسب ما أسفر عنه هذا اللقاء، أن تحل أيضا لجنة مركزية تقنية في القريب العاجل لتعمل على ملامسة أي حل يتراضى عليه الأطراف في الميدان. كما يمكن أن تحل بالمدينة أيضا لجنة تحقيق في كل ما وقع من تخريب للممتلكات والمغروسات نقلا عن ذات المصادر. تأتي هذه الأحداث مع الأسف بعد مرور يومين فقط على استقبال عامل الإقليم لوفد من مدينة فجيج السبت 09 مايو 2009 في مقر إقامته بمدينة بوعرفة، العامل الذي أسهب في كلمته الموجهة إلى أهل فكيك بحضور عدد من وكلاء الأراضي وأعضاء لجان التفاوض وبعض أعيان ووجهاء البلدة، لم يكن في نيته أن يجري تفاوضا وفرض أي حل على الفرقاء بقدر ما ركز على الإشعاع الحضاري والثقافي لمدينة فجيج وما عرف عن الفجيجيين من تضامن وتكافل، وأنه سيكون من المجحف ومن غير المعقول أن يضرب كل هذا عرض الحائط بسبب مشكل حول أراض قد يوجد لها حل بأي شكل من الأشكال. العامل اعترف بأن هناك أخطاء كبيرة ارتكبت في معالجة ملف هذه الأراضي مما جعلها تبقى دائما قابلة للانفجار في أية لحظة وهذا ما وقع بالفعل، ولذلك، على حد قول المسؤول الأول بالإقليم، فالمطروح الآن على الجميع إما العمل على إعادة معالجة هذا الملف بشكل سليم يرضي جميع الأطراف وإلا لمَ لا استحضار الجانب التنموي بشكل يخدم البلدة بجميع مكوناتها، مما سيعزز الاستثمار خاصة وأنه كما قال «أنني أول ما لاحظته في أول زيارة لمدينة فجيج أن هذه البلدة العريقة في تاريخها وحضارتها تعرضت للإهمال...» و من ثم فإن النهوض بهذه الواحة ينبغي أن يكون من أولويات الاهتمام بالإقليم بصفة عامة وذلك، كما صرح به دائما العامل، فإنه في إطار تحضير للزيارة الملكية التي كانت مرتقبة بإقليم فكيك فقد برمجت مشاريع قد يبلغ غلافها المالي 53 مليار سنتيم للنهوض بالإقليم وإخراجه من وضع الهشاشة، سيخصص منها مبلغ 21 مليار سنتيم لمدينة فجيج وحدها مما سيعكس ولاشك الأهمية التي يوليها جلالته لهذه الربوع العزيزة علينا جميعا. من جهة أخرى أعطى العامل مجموعة من الإشارات التي تصب كلها في الدفع إلى إيجاد حلول من شأنها أن تنهي الصراع وتجعل أهل فكيك يفكرون في المستقبل التنموي لمدينتهم بحيث أكد على أن السلطة ستبقى دائما رهن الإشارة لتنفيذ أي مقترح يسير في هذا الاتجاه إما على مستوى وزارة الداخلية، في إشارة لإعادة النظر في معالجة ملف هذا الوعاء العقاري، أو على مستوى وزارة الإسكان بحيث لم يفت المسؤول الإقليمي أن يعلق على تصميم التهيئة لمدينة فجيج على أنه لم يراع بتاتا خصوصيات البلدة الفلاحية والعمرانية أو على مستوى وزارة الفلاحة في إشارة إلى إمكانية استغلال هذه الأراضي في استثمارات فلاحية بصيغة يتم عليها التوافق. أكثر من ذلك فإن العامل الذي أبى إلا أن يكرم أهل فكيك في جلسة عائلية وحميمية، «استعطف» أهل فكيك وحتى أنه «أرْمَى عْليهُمْ العارْ» أن يساهموا في الدفع إلى إيقاف هذا النزيف المعنوي وتحقيق التصالح بين الأطراف المتنازعة بحيث أصر في آخر الضيافة على الحاضرين أن يسلموا على بعضهم البعض تعبيرا عن التسامح وفتح صفحة بيضاء في المستقبل. الآن وقد وقع ما وقع، وقد اضطرت السلطة إلى إعمال القوة من أجل فرض التهدئة في انتظار ما سيسفر عن لجنة مركزية تقنية لتشخيص وضعية هذا الوعاء العقاري المتنازع عليه (554 هكتارا) والمأمول أن تعطي مقترحات على الميدان قد تكون على الأقل قاعدة للجلوس إلى طاولة الحوار. والآن وقد بدأت مجموعة من الأفكار والطروحات تطفو على السطح من قبل مجموعة من الفعاليات في اتجاه البحث عن مخرج وكأن لسان أهل فكيك يردد الآن ما قاله نزار قباني: «لو أني كنت اعرف خاتمتي ما كنت بدأت» مما يوحي بأن الأمور الآن قد خرجت حتى من أيدي أهل المشورة والرأي والنفوذ محليا، إذ أصبحت جماعات من الشباب هي التي توجه الرأي العام المحلي بشكل غير محسوب العواقب، مما قد ينذر باحتمال الأسوأ ما لم تتضافر كل الجهود ليصبح كل أهل فجيج معنيين بالأمر بشكل مباشر، لأن فجيج الآن في حاجة إلى كل أبنائها في الداخل والخارج، لتخرج من هذه المحنة من دون خسائر ولا جروح عميقة قد تصعب معالجتها في المستقبل. أم هل سنسلم على أن عبقرية أهل فكيك قد تعطلت وأن أطر وأعيان ومفكري ووجهاء المدينة قد سلموا بالأمر وتركوا الأهالي يواجهون مصيرهم بأيديهم؟ أم أن الأمر يتعلق بعوامل ومحركات ظرفية ستنتهي بزوال دواعيها في الأجل القريب، خاصة وأن الرأي العام المحلي أخذ يلاحظ أن ثلة من العقلاء والمستبصرين من الطرفين بدؤوا في الانسحاب من صلب المشكل إدراكا منهم لخطورة ما يمكن أن تؤول إليه الأمور. وإذا كان الوضع كذلك فعلى الذين ركبوا هذا المشكل منذ البداية لدوافع أخرى من غير الأحقية المشروعة في الأرض، أن ينسحبوا أيضا ويجعلوا مصلحة ومستقبل فكيك فوق كل اعتبار. أما السلطة بكل مكوناتها فقد صرحت منذ البداية أنها لا تملك أي حل إلا ما صدر عن الأطراف المعنية وتراضوا عليه. فهل سيهب أهل فكيك، كل من موقعه، لإنقاذ هذه المدينة العريقة من أحداث دامية أخرى قد تكون «لا قدر الله» أشد وطأة وخسارة؟!