عذرا لأهل فاس، المدينة الطيبة التي تفوح منها الحضارة في كل جانب، عذرا لتاريخها الذي تكالبت عليه الأهوال ، لكن أنى لها أن تقصم ظهره، عذرا لكل الذين اغتصبت إرادتهم ليقعوا تحت رحمة من قال فيهم القائل : «اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا» قبل شباط بسنوات، في ظل الغموض السياسي ، وهبوب رياح الانتهازية الهوجاء، اعتلى زيان صهوة جواده الأعرج ، وسار في موكب حكومة «المانكاطيس» لوحده يهتف بأن «نوبير الأموي» مخطئ حين انتقد اختيارات الحكومة وزلتها التي لن تغتفر ، فنال جزاءه على هذا الركوب وزارة معزولة ومستهجنة ، وفتحت لصنيعه مزبلة التاريخ ليصبح نسيا منسيا. أما أنت يا من لا حظ لك لا في التاريخ ولا في الجغرافيا ، لأنك نشأت بذهنك المتكلس وترعرعت أميا في السياسة ، فلم تجد سبيلا للظهور غير مناوشة الأسياد لعلك تظفر بحبة خرذل من الاهتمام . لقد اخترت نهش أمجاد من قدموا أنفسهم وأمن أسرهم فداء للوطن لترعى أنت وأمثالك في ظله كافرين بالنعمة . سيذكر الذاكرون أن المهدي بن بركة عريس الشهداء رغم كيد الكائدين ، وسيذكرون أيضا أنك من طفيليات هذا الزمن اللئيم ، حيث شاءت ظروف الميوعة السياسية أن تندس في وسط حزب سيعرف لا محالة كيف يطهر جسده من أدران الوقت ، ليقدم ولو جزءا يسيرا من الاعتراف بأفضال المهدي ، مهدي النضال والتحدي والتضحية ونكران الذات ، ذاك العلم الذي لا ينكر فضله إلا جاحد. وحيث إنك من المنكرين الذين لا يعرفون من أفضال المهدي إلا ما تعرفه البقر من وجه الأرض ، فلتهنأ في بؤسك الثقافي والسياسي ، وتكتفي بما استطعت أن تقتنصه من الأيام الغبراء ، لتعتلي «مجدا فاسدا» لن يهنأ لك بال ، ولن تقر لك عين لأنك تعرف جيدا من أين أدركته ، وما هو محاط به ومهدد من مساءلة الشعب الذي ينسى مهما غفل أو استغفل . إن المهدي الذي ترتعد فرائص الجبناء من مسخريك كلما ذكر، سيظل حقيقة تطاردهم ما دام مغربي واحد على هذه الأرض يسعى لمعرفة التاريخ الحقيقي لبلاده . ولئن كنت مجرد دمية خيوطها بيد أسيادك فلن تقوى على مواراتهم لأنك جدار واه ، وظلك خرافة لا تقنع حتى البلهاء ، فبالأحرى ساكنة مدينة فاس الضاربة في أعماق التاريخ ، إذ أخال كل فرد منهم يردد في نفسه : اللهم إني لست مسؤولا عن عمودية غير نظيفة ، فبالأحرى تمثيلية برلمانية لا تشرف المغاربة قاطبة حين يطعنون في تاريخهم . ولئن كان اسمك ، وفق مكر الصدف ، يفيد في القاموس البرد القارس والشديد الذي تهجر فيه القطا أوكارها،مثلما يفيد في العامية اللبنانية الضرب والجلد والسوط ، وفي المغربية «بوعفاس» و»البوط» و»الطالون» أو الالتصاق غير المشروع بالشيء ، فإن مكر الصدف جعلته أيضا لا يتجاوز العنف والهمجية وهي كلها سلوكات لا تمت إلى الحضارة التي تريد قسرا أن تلبسها متجاهلا تاريخك الحافل بضدها وأنت البدوي المتنكر لأصله . إن راهن الثقافة المغربية يستوجب تنقية الذاكرة من مثل شطحاتك ، حتى لا يقال في السنة كذا طعنت الذاكرة الوطنية من طرف من لم يساهم في صنعها لأنه يوجد أصلا خارجها . فبئس السياسة أن يدخلها غير الطاهرين ، وبئس الصمت عن كل فيروس يهدد كياننا إذا لم نهيءله التلقيح المناسب . إن المهدي بن بركة ذاكرتنا الجماعية نحن المغاربة الأحرار على طول هذا الوطن وعرضه ، تراثنا المضيء في زمن العتمة ، في غنى عن كل دفاع ، لكن أجلاف المرحلة وسوقتها في حاجة إلى من ينير لهم درب الوطنية لأنهم لا يبصرون ، وليس لنا أن نقول لهم «ليس على الأعمى حرج « ، فالمسؤولية لا تقبل بغير العارفين ، ومن هو غير ذلك فليرحل عن كياننا السياسي حتى لا يستفحل فساده .