يحرص بعض الإسبانيين على اهتمام مبالغ فيه بالمغرب وأحواله، بل يستبدلون، في حنين معكوس، واقعه بما يريدون، باختلاق واقع آخر. الإسبانيون الذين نقصدهم، ليسوا أولائك الذين يحملون مكتبات غرناطة في تراثهم، ولا الذين يحملون كمنجات لكي يغنوا أو يبكوا على العرب الخارجين من الأندلس. الإسبان الذين يتابعون هم سمبريرو، الذي يقفز من وراء العمل الصحافي المحض، لكي يدخل غمار التعبئة السياسية، والتحوير التاريخي ويتقمص غيڤارا في منتصف الصحراء، لكي يصبح ثوريا، قبيل صدور يومية إلباييس بساعات. وأحيانا يستبق التاريخ الشخصي للصحافيين المغاربة ويتصور لهم مستقبلهم .. هذا النوع من الصحافيين الذي يكتب كتابا وينتظر أن يلتحق به تاريخ الوطن وأن يقلده القدر المغربي. من قبل سامبريرو، كان هناك صحافيون إسبان ساندوا المغاربة في معاركهم من أجل الديمقراطية، صحافيون كان يعرفون أن المعلومة الصحيحة وحدها مساعدة كبرى للنضال الديمقراطي في البلاد. واليوم ينتقل كتاب إسبان إلى الضفة الأخرى للخيال الأدبي ويكتبون كيف أن المغرب، مثلا، كان وراء كارثة 11 مارس الإرهابية بمدريد، والتي أودت بحياة 192 مواطنا منهم مغاربة. ومن بين الإسبان من يريد من المغرب أن يسير في اتجاه ما تمناه. لنتفق من البداية: هل يحق لأي كان أن يكتب ؟ طبعا. هل من حق أي كان، حتى ولو كان يقتسم مائدته مع الشيطان اليميني، أن يجرب فينا استيهاماته؟ طبعا لا. هل من حق الجيران أن يخطئوا في حقنا؟ عندما لا يكون ذلك سببا كافيا لكي يتحول الجوار إلى جحيم. ما يحدث مع الإسبانيين الجدد، فيه نوع من الاستيعلاء على بلد في الجنوب، يصدق عليه ما كان سانت إيكزيبوري يقوله عن عجرفة الشمال الذي اندهش أمام قدرة الجنوب على أن يكون مغايرا وأن يستطيع أن يبقى ويصارع من أجل أن يتجاوز نفسه ويتجاوز أعطابه. يريدون منا أن نلقي على أكتافنا معاطف الموت ونصعد الجبل لنرقص في انتظار شبحها. وهم في ذلك يشبهون بعض الفرنسيين أيضا الذين يتنبأون، في ساعة قيلولة وجودية وسياحية، بسقوط كل مقومات الدولة المغربية لأنهم شاهدوا الغروب ...في امزودة! البعض من الذين ساندوا المغرب في تطوير ذاته، كانوا من كبار الأقلام ومن خيرة المفكرين (بيرك على سبيل المثال) ولم يتصنعوا أبدا معرفة بالمستقبل المغربي ولا كتبوا تاريخ نهايته. هؤلاء الصحافيون يسيئون إلى بلدنا كثيرا. وبالنسبة لمن يريد أن يكتب تاريخ بلد آخر، عليه، على الأقل، أن يسلم .. بأن فيها شعب وصناع تاريخ وقبائل من الكتاب وتراث يسير حيا على الأقدام. كيطال أميكوص؟ ما بالكم أيها الزملاء، فإن بلدا مثل المغرب لا يتعامل معه كما لو أنه أكلة خفيفة في الطريق الطويل للقارة العجوز. والإسبان الذين يحبون بلدهم يتركونها أولا وقبل كل شىئ مثالا لنا ونموذجا في النجاح وفي الفوز بتاريخ من قبل التاريخ الشرس والصعب، وليسوا أساتذة جالسين جلسة بوذية يرفعون الأصبع على أمل أن تهتز الأرض من تحت جيرانهم.