ارتأت القناة الثانية أن تدخل مرحلة جديدة في علاقتها مع المشاهد المغربي، علاقة كما عبر عنها سليم الشيخ، المدير العام للقناة الثانية في خرجته الإعلامية الأولى الثلاثاء الماضي أكثر إنسانية ، حيث تصبح قناة «تشبه الجمهور المغربي وتجمعه» من خلال «هندمة» جديدة وشبكية برامج «أكثر وضوحا وعقلانية وتفاعلية» لأجل تحقيق «رهان القرب» من المشاهد المغربي بالشكل الذي «يعكس اهتماماته ويستجيب لأفق انتظاره». سليم الشيخ كان واضحا من خلال الإشارة إلى أن الإحصائيات وقياس المشاهدة تمكن من تقييم نوعي للمتابعة لمعرفة المدة الزمنية التي يعمد فيها المشاهد الى تشغيل التلفاز وضبط الوقت، وكذا ميولات المشاهدين الى برامج القناة الثانية مثلا. وأكد أيضا أن حصص المشاهدة لا تجيب عن سؤال: ماذا يحب أو يحبذ جمهور القناة الثانية؟ وقراءة متأنية لما قدمه المدير العام للقناة الثانية معتبرا إياها ملامح شبكة برامج قابلة للتطوير، تبين انها برمجة مفتوحة، إذ الامر يتعلق بقناة يتم تسييرها بأسس التدبير الخصوصي، وفي ذات الآن برمجة موجهة كما هو الحال بالنسبة لاي تلفزيون حكومي او عمومي؛ وهذا يظهر بشكل واضح من خلال، من جهة الانصياع الطوعي والتام لمنطق القياس الكمي لحجم الاقبال، وكذا الانسياق لاغراءات الاحتضان، ومن جهة ثانية بعض الحرص على توزيع المواد الاعلامية المقترحة داخل مساحة زمنية توزيعا يتناسب وإيقاع النشاط المجتمعي عموما ويتلاءم مع سلوك المشاهد. إن سليم الشيخ يبدو انه خلال وضعه سياسة برامجية جديدة للقناة الثانية خضع بالأساس لمنطق القياس الكمي لحجم الاقبال الجماهيري وجعل شبكة البرامج مرتبطة به. فالمؤكد من خلال الحجج التي دفع بها سليم الشيخ أن جمهور القناة الثانية جمهور تخييل بدرجة أولى بحصة مشاهدة تبلغ 68 بالمائة، ورقم كهذا لا يجعله سوى من أكبر المراهنين على مزيد من استقطاب المشاهدين من جهة من خلال برمجة وإعادة برمجة عدد من الاعمال التخييلية، سواء تعلق الأمر بالدراما، الكوميديا او المسرح التلفزيوني ، هذا الاخير الذي اصبح أكبر المغيبين في القناة الثانية! ويظهر اقتناعه ايضا بنتائج قياس المشاهدة من خلال اقتراحه تقديم 26 دقيقة من الأعمال التخييلية، وحلقة اسبوعية من مسلسل تبلغ مدتها 45 دقيقة، وبنفس الوتيرة سيتم تقديم عمل تلفريوني أو شريط سينمائي متلفز وتقديم عدد من المسلسلات والسيتكومات والفكاهة، وأيضا ما نعته ب «الترفيه الهادف» إضافة الى فسحه المجال لتحسين كتابة السيناريو وإطلاق عمليات تطوير عدد من الاعمال التخييلية. 68 بالمائة كحصة مشاهدة للاعمال التخييلية كما جاءت بها مجتمعة «ماروك متري»، وهي ذات المؤسسة التي ستجعل سليم الشيخ ، وهذا ما دلت عليه اولويات البرمجة الحالية، يراهن على البرامج الاخبارية ذات البعد الاجتماعي والسياسي ايضا، ودون الخوض في أسماء البرامج ومن يديرها، الواضح انها برامج حظيت بالاولوية كونها «تخرج» في جزء منها من «رحم» مديرية الاخبار مع بعض الاستثناءات! وبلغة الارقام ، فإن الاولوية الثانية المبنية على نتائج قياس المشاهدة كانت للنشرات الاخبارية ومجلات التحقيق بكل انواعها ، مما يعني الانصياع لنتائج «ماروك متري». فهناك مواعيد جديدة مثل برنامج النقاش الشهري «بوليميك» الناطق باللغة الفرنسية والبرنامج نصف الشهري «نقط على الحروف» مع تشبث سليم الشيخ ببرنامج «مباشرة معكم» ، الذي كان سيكون مصيره مشابها لما آل إليه برنامج تيارات ! وعلى مستوى الأخبار سيلتقي المشاهد مع «المسائية»، وهس نشرة إخبارية باللغة العربية منقحة مزيدة لنشرة الظهيرة؛ وقد يثير توقيتها مستقبلا كثيرا من الكلام، اذ الاسبقية لنشرة الأخبار بالفرنسية، ثم لقاء يومي مع نشرة الاخبار بالامازيغية دون مقدم ، مع الابقاء على نفس الاهمية لبرامج التحقيقات الخارجة من رحم الاخبار التي تم منحها الاسبقية. هكذا يلاحظ ان المحور الاساسي الذي منحت له الاسبقية بعد الاعمال التخييلية ، حسب لغة الارقام، كان النشرات الاخبارية التي حققت مجتمعة حصة مشاهدة تصل الى 19 بالمائة بما فيها مجلات التحقيقات بشتى انواعها. هذا يعني ان هذا المحور الاخباري إن صح التعبير، وجد ،الى جانب حجة الارقام التي منحته أولوية مباشرة، وجد في مديرة الاخبار وهي نائبة المدير العام المكلفة بالاخبار، مدافعا عنه ولا تُستبعد لمستها عليه. فتفكيك الانتاجات الاخبارية الاخرى التي لاتدخل في فلك الاخبار، كان مآلها الابعاد مثل الرياضة سواء في صيغتها الفرنسية او العربية التي تحولت الى «كبسولات» على طول الاسبوع ضمن نشرات الاخبار، مما يعني احتواء «الإخباري للرياضي» كما سبق للبرامجي. ان ما تبقى من الاعمال على شبكة البرامج هو فقط تأثيث للتخييلي والاخباري، وهو ما يعني ان الترفيه الهادف كما تمت الاشارة الى ذلك خلال الندوة الصحافية لسليم الشيخ سواء فكاهة، سهرات او حفلات، هو «ترف اعلامي». كما ان البرمجة الحالية بينت ان «الحرب» على البرامج المنضوية تحت لواء مديرية البرامج التي كانت ملاذا آمنا لعدد من الصحفيين، في طريقها للاندثار سواء عن طريق سوء البرمجة او بحجة تحيينها. ففي الوقت الذي حظيت فيه برامج من مديرية الاخبار بالقبول والاحياء لوجود اصحابها في فلك مديرة الاخبار رفضت اخرى لصحافيين مغضوب عليهم! اذن فالانصياع لنتائج مقياس المشاهدة و لمسة مديرة الاخبار، كانا بكل تأكيد حاضرين في ذهن سليم الشيخ وهو يضع الانطلاقة الاولى لشبكة برامج متجددة من المؤكد انها ستتغير مع حلول الصيف ورمضان. كما انها برمجة تنبئ بتجدد موازين القوى الغلبة فيها لمديرية الاخبار بعد رفع مديرية البرامج «الراية البيضاء».