2 - الشباب والمواطنة(17) : التمثلات، الممارسة، المرجعيات : تعني المواطنة بمفهومها الواسع والوصفي، الصلة أو الرابطة القانونية بين الفرد والدولة، وتحدد هذه العلاقة عادة حقوق الفرد في الدولة وواجباته تجاهها، وهي بهذا المعنى وضع قانوني للفرد تترتب عليه حقوق يتمتع بها كمواطن، وواجبات يتحمل مسؤولياتها تجاه الدولة(18) . إنها باختصار شديد، هي المشاركة المتساوية، أي إمكانية تدخل المواطن بما هو كائن تاريخي، حقوقي، قيمي، في اقتراح وصياغة القرار، وفي تدبير وتسيير كل من الشأنين المحلي والعام. كما في تقاسم ممارسة السلطة وتداولها والرقابة عليها، وذلك بمساواة في الحقوق والمسؤوليات مع المواطنين الآخرين، رجالا ونساء (19) . ولأن الأمر يتعلق بقيمة مكتسبة، فإن بحث علاقتها بفئة عمرية في الشباب، لا بد أن يقف عند تمثلات هذه الفئة للمفهوم وللقيمة، ثم عند ممارستها من طرفهم، ثم عند المرجعيات أو المرجعية الموجهة للشباب في تعامله مع «المواطنة». في بحث استطلاعي لإحدى جمعيات المجتمع المدني(20) تضمنت الاستمارة أسئلة تبحث عن قياس المواطنة من خلال عناصرها الثلاث : الحقوق المدنية، الحقوق السياسية، الحقوق الاجتماعية. وكان أحد هذه الأسئلة يتعلق بالموقف من أشكال التحرك السياسي والجماهيري الممكنة في بعض الحالات، وكانت خلاصة البحث في هذه النقطة، هي أن الشباب يقف إلى جانب أشكال التحرك المتعقلة وسهلة الضبط، وهذا ما يتناقض مع الكليشيهات التي ينتجها الراشدين أو السوسيولوجيا العفوية. وفي نفس البحث وكخلاصة لرصد تمثلات الشباب المغربي لمفاهيم المواطنة والديمقراطية، يتم الإقرار بكون أن ثمة ثقافة شبابية في طور التبلور، وأن على المجتمع قطاعا حكوميا، وهيئات مدنية وسياسية ونقابية وقطاع حر، أن تعمل على خلق الفضاءات الحاضنة لهذه الإرهاصات، وأن تخلق القنوات الكفيلة باستثمارها بما يفيد تجدد المجتمع وتمنيعه(21) . وعموما لا تخرج العديد من الدراسات الميدانية والبحوث المعتمدة على بناء منهجي علمي، عن هذا الاستنتاج، حيث تبدو المواطنة كأفق ممكن أكثر مما هي واقع مكتمل. وتبدو تمثلات الشباب حولها أقرب إلى الإرهاصات الأولية، أكثر مما يتعلق الأمر باستيعاب بين وواضح. تتأكد هذه الخلاصة عندما نقف في أكثر من دراسة على الصعوبة التي يجدها الشباب المغربي في تعريف العديد من المفاهيم ذات العلاقة مع القيم الديمقراطية(22)، وهو ما يطرح مسؤوليات الأحزاب السياسية والجمعيات ومختلف التنظيمات المدنية، في تأطير الشباب وتعميق معرفته بتقنيات وقيم الديمقراطية(23) . إذا كان هذا ما يمكن قوله بإيجاز عن تمثلاث الشباب المغربي لقيمة المواطنة، فماذا عن ممارسته لها ؟ نورد هنا مؤشرين دالين، الأول يهم تردد الشباب المغربي على فضاء دار الشباب، انطلاقا من أن الأمر يتعلق بفضاء للمواطنة(24) بامتياز، ويرتبط الثاني بنسبة انخراط هذا الشباب في التنظيمات الجمعوية. ففي الاستشارة الوطنية للشباب، المنظمة من طرف وزارة الشبيبة والرياضة(25) سنة 2001، احتلت دار الشباب المرتبة الخامسة من الفضاءات التي يتردد عليها الشباب المغربي، وذلك بعد المقهى ثم المسجد ثم الملعب الرياضي ثم نادي الأنترنيت إن تردد الشباب على دور الشباب يبقى إذن ضعيفا، وإن كان هذا الضعف كما لاحظ البعض يعود بالأساس إلى عدم اتساع شبكة هذه المؤسسات، وانعدام التوازن بين العالم القروي والمدينة داخل هذه الشبكة(26) . فاعتمادا على نفس الاستشارة المذكورة، تبين أن نسبة الشباب الذي يتردد بانتظام على دار الشباب لا يتعدى 17,6 %، غالبيتهم تلاميذ وطلبة، ويحتفظون بصورة سلبية عن هذه المؤسسة : غياب التجهيزات ووسائل العمل، وطبيعة البنايات، فيما يظل التأطير يشكل نقطة إيجابية في تقييمهم لها(27). المؤشر الثاني والذي من شأنه أن يقربنا أكثر من قياس مواطنة الشباب، يرتبط بمعرفة مدى تبينهم لقيمة الالتزام الجماعي ومدى استبطانهم للروح المدنية، إنه نسبة انخراط الشباب المغربي في التنظيمات الجمعوية . في هذا الاتجاه، تقدم لنا الاستشارة الوطنية للشباب، السابقة الذكر نسبة 15,2 % من المستجوبين، الذين عبروا عن انخراطهم داخل منظمة غير حكومية. تتوزع هذه النسبة من العاملين في الجمعيات، إلى ما يعادل 70 % من الذكور، و30 % من الإناث، ومجاليا فإن ثلاثة شباب جمعويين من أربعة، هم من ساكنة المدينة. وترتفع هذه النسبة بارتفاع السن، فالفئة من 24-20 سنة، أكثر إقبالا على العمل الجمعوي من الفئة 19-15 . ويحضر داخل الشباب الجمعوي، الطلبة والفئة النشيطة، بنفس النسبة تقريبا، فيما يظل حضور العاطلين عن العمل ضعيفا، إذ لم يعبر سوى 9,6 % منهم عن انخراطه في إحدى الجمعيات. ويأخذ انخراط الشباب في منظمات المجتمع المدني العديد من الأشكال، فأكثر من النصف (55,1%) يعتبرون نشطاء حاملي العضوية، فيما يبدو 12,6% منهم كمتطوعين، و12 % كمجرد متعاطفين، ويحتفظ 3,7% منهم بعضوية غير نشيطة... أما عن طبيعة الجمعيات، التي تستقطب الشباب، فالأمر يتعلق بجمعيات ثقافية (31,8%)، رياضية (30,2%) أو فنية (11,3 %) . فيما لا تمثل الجميعات الشبابية أو النسائية إلا (11,2 %)(28) . إذا كان هذان المؤشران، يقدمان لنا صورة تقريبية عن مدى ممارسة الشباب لمواطنته الكاملة، وهي ممارسة تظل في إرهاصاتها وبداياتها الأولى، فإنه يمكن القول كذلك بأن المواطنة لدى الشباب تعرف تحولات جديرة بالانتباه، حيث أن الانتماء السياسي لم يعد المعبر الأوحد عن الالتزام لدى الشباب، بل نذهب في اتجاه بلورة الشباب أشكال جديدة للمواطنة(29)، لعل أهمها مواطنة «القرب»، حيث الحقول الجديدة للعمل الجمعوي، ذي الأهداف التنموية، وفضاءات الحركة الاجتماعية الملتفة حول مطالب فئوية وآنية، وانشطار دوائر لاهتمام الجغرافي إلى دوائر صغيرة (القرية/الحي/...)(30) . إن رهان مواطنة الشباب، يتطلب مرافقتهم وتربيتهم ليتحولوا إلى مواطنين لهم المعلومات الكافية، والضرورية للتفكير في ما هو منتظر منهم، لكي يقبلوا عليه بمسؤولية وبوعي بحقوقهم وواجباتهم، فداخل المدرسة، يمكننا القول بأن تكوين المواطن متضمن في بناء المعارف، لكن السؤال هو هل مدرستنا، بل ومختلف مؤسساتنا التنشيئية تقدم لتلامذتها المعارف والمهارات التي يحتاجونها للعب دور فعال داخل المجتمع ؟(31) . إن السؤال هنا إذن، هو سؤال المرجعيات، المرجعيات التربوية القادرة على إعادة تشكيل التمثلات وعلى تحفيز الممارسة، مرجعيات التربية على المواطنة. فالمشروع التربوي يصبح في هذا السياق، هو النواة الصلبة لكل مشروع مجتمعي متكامل، ولكل تنمية أو ديمقراطية أو حداثة، فالتربية بمفهومها الشمولي، وبآلياتها المؤسسية واللامؤسسية، هي الأداة الرئيسية لبناء الفكر والوعي وتكوين المواطنة(32) . إن المؤكد أن قطاع التربية الوطنية، بغض النظر عن التقييم الإجمالي، قد خطى خطوات مهمة في أفق بناء مرجعية تربوية مؤمنة بقيم المواطنة من خلال(33) : - إصلاح الكتاب المدرسي على أرضية ضرورة التشبع بالرغبة في المشاركة في الشأن العام، والوعي بالواجبات والحقوق الفردية والجماعية والتربية على المواطنة. - إحداث لجنة القيم داخل اللجنة الدائمة للبرامج والمناهج، مهمتها التدقيق في الجانب القيمي داخل المناهج والبرامج الدراسية، وخاصة ما يتعلق بقيم المواطنة. - إدماج معايير وقيم المواطنة ضمن دفاتر التحملات الخاصة بتأليف الكتب المدرسية. - إحداث اللجنة المركزية لحقوق الإنسان والمواطنة، كآلية وظيفية تستهدف تعزيز ثقافة حقوق الإنسان والمواطنة في الفضاء والحياة المدرسية. - إدماج مرصد للقيم في إطار تفعيل إصلاح المنظومة التربوية، وذلك من أجل دعم وتعزيز مجهودات القطاع في مجال إعمال القيم الوطنية والحضارية والإنسانية في المناهج والبرامج الدراسية. - إدخال الممارسة المواطنة لقلب الحياة المدرسية والعلاقات بين مكونات العملية التربوية عبر تأسيس وتفعيل وتوسيع خريطة أندية حقوق الإنسان والمواطنة داخل المؤسسات التربوية، وتشجيع عضوية التلاميذ في مجالس التدبير بالمؤسسات التعليمية الثانوية، وتوسيع نطاق الشراكات مع منظمات المجتمع المدني وتكوين الأطر التربوية في مجال التربية على حقوق الإنسان والمواطنة.