«التهاون في مراقبة أشغال البناء داخل تراب الجماعة وعدم متابعة المجزئين السريين، الذين قاموا بإنشاء مستودعات على مساحات شاسعة واستغلالها من أجل بناء عدد من الدور السكنية غير المؤهلة للسكن وكذا عدم متابعة المخالفين لضوابط التعمير أمام القضاء بمن فيهم المستشارون الذين ساهموا في انتشار البناء العشوائي». هذا ما دونته تقارير المفتشية العامة للإدارة الترابية ضد رئيس جماعة الهراويين عمر المبروكي، وهي التقارير التي أدت إلى عزله ليس فقط من منصب رئيس جماعة، بل أيضا من العضوية داخلها. ومعلوم أن هذا العزل الذي جرف أيضا أربعة أعضاء آخرين داخل الجماعة، وهم سيف الغزواني، النائب الثاني للرئيس، ومصطفى صبير، النائب الرابع للمجلس، بالاضافة إلى عبد الرحيم بنلحسن وبوشعيب الزبير، وهما عضوان بالمجلس، جاء في سياق الملف الذي فتحته الدولة مؤخرا والمتعلق بالبناء العشوائي الذي اكتسح كل أطراف مدينة الدارالبيضاء. الوقوف على ملف البناء العشوائي بمنطقة الهراويين سيكون من نتائجه ليس فقط عزل الرئيس وأربعة أعضاء من الجماعة، بل «سيعزز» سجن عكاشة بأكثر من 50 متورطا في اتساع رقعة العشوائية بهذه المنطقة بعد تحقيق ماراطوني معهم من طرف قاضي التحقيق بالدارالبيضاء على رأسهم رئيس الشؤون الداخلية (DAG) وتسعة دركيين و4 قياد، مرورا بمسؤولين في المنطقة وجيش من الأعوان وآخرين... وكانت لجنة عليا قد شكلت من أجل العمل على محاربة البناء العشوائي ضمت كلا من وزير الداخلية ووزير العدل والجينرال دوكور دارمي حسني بنسليمان والمدير العام للأمن الوطني الشرقي اضريس والجنرال حميدو العنيكري بالاضافة إلى مسؤولين آخرين، عقدوا لقاء في عمالة مديونة، وبعدها بأيام ستبدأ مطاردة المتورطين في البناء العشوائي بالهراويين. من جهته وزير الداخلية شكيب بنموسى، وأثناء حفل تنصيب الوالي والعمال الجدد بالدارالبيضاء، أثار موضوع البناء العشوائي، وشدد لهجته تجاه من سيتورط فيه. صرامة الدولة في هذا الملف جاءت بعد أن اتضح لها بأن معظم الأراضي الخلاء المتواجدة بجانب المدينة والتي كان من المقرر أن تشيد عليها مشاريع استثمارية وسكنية، كما حدد ذلك تصميم التهيئة الجديد للعاصمة الاقتصادية، قد تحولت إلى «قندهارات»، وأن مشاريع الاستثمارات القادمة غير قابلة للتنفيذ بسبب مافيا البناء العشوائي. وفي الحقيقة، فإن الحديث عن البناء العشوائي يفتح نقاشا واسعا، ويفتح كذلك أسئلة المسؤولية في انتشاره.. ويتضح من خلال كل المخالفات العشوائية أن أغلب من أحيلوا على القضاء في مثل هذه الملفات هم من السلطات أو من الدرك، كما هو حال الكولونيل العمراني في ملف دوار التقلية.. اتساع الكاريانات والأبنية العشوائية كان يدخل في إطار استراتيجية سياسية وضعتها وزارة الداخلية في العهد القديم لخلق احتياط انتخابي متحكم فيه، لكن مع مرور الأعوام ستجد الدولة أنها أمام مدن موازية للمدن الأصلية، كما حصل بدوار التقلية، الذي بني على «مهل» وأمام أعين كل المسؤولين بالدارالبيضاء إلى أن أصبح مدينة قائمة الذات ويعطي بذلك الاشارة لانطلاق مدن مماثلة له، فلم يتأخر «منعشو» هذا النوع من الأبنية في وضع «حجر الأساس» في كل من الهروايين والشلالات وبوسكورة ودار بوعزة وغيرها. عبقرية هؤلاء لم تتوقف عند حد بناء دور سكنية عشوائية، بل ستذهب في اتجاه بناء مصانع عشوائية، هي الآن تنتج في منطقة بوسكورة على الخصوص أهم المواد الغذائية وتلك رواية أخرى. وبالعودة إلى موضوع العزل، يعد عزل رئيس جماعة الهراويين هو ثالث عزل لمسؤول جماعة بالدارالبيضاء، فقبله تم عزل عدنان النائب الأول لساجد، رئيس مجلس المدينة، لأنه كان يوقع على تراخيص أبنية وغيرها غير تابعة للدار البيضاء، وبعده تم عزل بنشهله رئيس مقاطعة عين السبع بسبب ما يجري في أحد الكاريانات هناك والذي تحرق براريكه وتعود مضاعفة بعد إعادة بنائها، كما تم توقيف رئيس جماعة الشلالات لمدة معينة بسبب الأبنية العشوائية لكنه عاد لمزاولة مهامه.