تتبعنا هذه الأيام، ولا نزال، على المستوى الرياضي، صناعة تلفزيونية حقيقية، صناعة خلقت فرجة داخل فرجة، آليتها المباشرة ما تتيحه الوسائل التكنولوجيا التلفزيونية الحديثة من إمكانيات بصرية تجعل المتتبع ينشد إلى ما يتابعه أمامه من أحداث، خصوصا إذا كان أبطالها ليسوا رياضيين على رقعة الميدان فقط، بل كذلك جمهورا ومتفرجين على المدرجات.. كانت الدورة التاسعة عشرة من دوري الخليج لكرة القدم التي جرت أطوارها في سلطنة عمان واختتمت أطوارها نهاية الأسبوع ما قبل الماضي بفوز البلد المضيف، ثم نهائيات كأس العالم لكرة اليد التي تجري فعالياتها، حاليا، في كرواتيا، اللتان احتكرت بثهما القناة القطرية «الجزيرة الرياضية»، نموذجا مثاليا يحتذى في كيفية البث التلفزيوني الحي الحديث المستند إلى استغلال كل ما يوفره فضاء التباري، لأجل إنجاز فرجة تلفزيونية تنزاح عما اعتاده المشاهد من نقل ضيق للصورة وتتبع مباشر ل«الفعل»الرياضي دون ابتكار واجتهاد يناسب الحدث.. فقد كانت كاميرا التظاهرتين حاضرة في كل رقعة من مجال التباري، في الملعب كما في المدرجات، تتصيد اللقطات الاستثنائية وتترصد المشاهد الشاذة والفادة وتبحث عما يضيف جديدا ونكهة مزيدة ومنقحة للمنافسة.. عبر توظيف الصورة بطريقة استرجاعية والتحريك البطئ و«اللعب» بمحتوى إطار الشاشة بين المشهد القريب والمشهد البعيد لكل ما يقع في حينه أو بعد حين .. جعلت الجميع، جمهورا ورياضيين.. كي ينخرط في ابداع احتفالية فرجوية تلفزيونية بإرادة أو بدونها.. ما دامت لغة التكنولوجيا هي التي تبسط إرداتها على الجميع، بل ومادامت الصورة، في مجتمع الصورة، هي التي تتكلم لغة التسيد.. هذه الوسائل والآليات التكنولوجية الرقمية التي تصنع الحدث، وتصنع الفرجة التلفزيونية الحقيقية، قيل عنها - والله أعلم - أنها متوفرة في كلا القناتين الوطنيتين «الأولى» والثانية ومن آخر طراز، وتغطي حجم الخصاص بهما بنسب مئوية كبيرة إلى درجة «الشبع»، وقيل، كذلك أن العديد من التقنيين والفنيين بالقناتين خضعوا للتكوين وإعادة التكوين، داخليا و خارجيا، وبدرجات عالية المستوى لأجل التحكم وتوظيف ما تتفضل به الآليات الرقمية الجديدة من تقنيات الاسترجاع والتحريك والتنقل وهلم جرا .. لكن يبقى استغلالها، تقنيا وعمليا، على مستوى شاشتنا في خبر«سيكون»، إلى أن يرث الله الأرض وما عليها.. ربما لأن النقل التقليدي، لدينا، لازال يستهوي أصحاب القرار التلفزيوني، أو ربما المتابعة التلفزيونية الجافة والباردة لمبارياتنا الرياضية لازالت تجد من يستمتع بها... ألم يقل المثل المغربي المأثور: «.. البالي لا تفرط فيه!!»