انتهت أجواء الترقب بالمصادقة على برنامج المؤتمر الوطني الثامن مع بداية شوطه الثاني، و بذلك ينفرد الاتحاد الاشتراكي و لأول مرة بسابقة تنظيمية تجلت في إجراء مؤتمره هذا على مرحلتين مع فارق من الزمن أعطى فرصة ذهبية لكل المناضلين و المناضلات و المتعاطفين و حتى المواطنين، إضافة إلى كل المهتمين و المتتبعين للشأن السياسي بالبلاد للتفكير و النقاش بحثا عن صيغ الوصول إلى حل يعيد للحزب مكانته في المشهد السياسي، باعتباره قوة حقيقية في المعادلة السياسية كما شكل قرار التأجيل بفضل الدهاء السياسي لرئاسة المؤتمر و القيادات الحزبية سابقة متميزة تنضاف إلى المحطات المشرقة في مسيرة معركة النضال الديمقراطي بدءا من 1959 و مرورا ب 1975 و 1998 و التي تدخل في صلب التطور التاريخي للديمقراطية في المغرب. فنجاح المؤتمر بشوطيه هو نجاح للديمقراطية الداخلية و الوطنية، إذ يبرهن الاتحاد مرة أخرى على أن نضاله من أجل الديمقراطية هو قناعة و إيمان تجسد في انتخاب أجهزته الوطنية التقريرية و التنفيذية بأساليب مغايرة. فماذا ينتظر من الاتحاديين قيادة و قاعدة بعد هذا الدرس: المكسب؟ الجواب عن هذا السؤال يضع مناضلي الاتحاد أمام تحديين اثنين: 1 سياسي دستوري و مؤسساتي 2 تنظيمي و يجب أن ينسجم هذا الأخير مع الأفق المتطور للحزب و يتطلب استباق الزمن من منطلق مواصلة المسيرة النضالية بحزم و يقين و اعتماد منهجية عمل حداثية تعطي جوابا صريحا على انتظارات المواطنين. فالتحدي الأول يتمثل في تفعيل مقررات و توصيات المؤتمر المتعلقة بالإصلاحات الكبرى. إذ أضحت مسألة حتمية نظرا لتفاقم الأزمة الاجتماعية و استشراء الفساد بشكل مهول و انسداد أفق الحوار الاجتماعي، و استفحال الأزمة الاقتصادية التي يصعب التنبؤ بتداعياتها المستقبلية. و تتأكد حتمية هذه الإصلاحات بعدما تبين أن العشر سنوات الأخيرة مما سمي بالانتقال الديمقراطي»التوافقي» قد فقد قوة الدفع في وسط الطريق، و على الرغم من بعض إيجابياته أحدث خيبة بحجم الأمل الذي طبع المواطن عند انطلاق هذا المسلسل الذي أسال الكثير من مداد أقلام الفعاليات الوطنية و الأجنبية بالتحليل و القراءات النقدية المتعددة لهذه المرحلة. إن الإرادة السياسية الحقيقية في الإصلاح الحقيقي هي الكفيلة بإعادة الثقة و الأمل لدى شرائح واسعة من المواطنين في المؤسسات عامة و في العمل السياسي خاصة، تضمن لهم أسس بناء مجتمع ديمقراطي يشجعهم على الانخراط عن طواعية في هذا البناء تجسيدا لمبدأ الحق و الواجب و إفراز مؤسسات مواطنة ذات فعالية و نجاعة عن طريق صناديق الاقتراع.إن أي تأجيل أمام هول التراجعات عن المكتسبات: المسألة الحقوقية و الانتهاكات المستمرة رتبة المغرب حسب التقارير الدولية المسألة الأمنية و الدينية و علاقتها بالشبكات الإرهابية مدى تفعيل توصيات هيئة الإنصاف و المصالحة...، كل هذا يحيلنا على نتائج محطة 20090612، و ما هي الدروس المستخلصة لتفادي أزمة محطتي 7.09.2007 و الانتخابات الجزئية التي عرت واقع الفساد السياسي، حيث أكد المواطن أن لا أمل يرجى من العودة إلى صناديق الاقتراع. إنه الموقف الذي عبر عنه الناخبون أخيرا ليدرك الجميع أن مواطن اليوم ليس هو مواطن الأمس فحاجياته تعددت و انتظاراته طالت و هو بذلك في بحث مستمر عن أفق مشرق: المسألة التعليمية،الوضع الصحي،الحكامة الجيدة،العدالة الاجتماعية...، إن معاناته الحقيقية تتجلى في اصطدامه اليومي مع من و هبه صوته و ثقته، إنه مستشار دائرته أو رئيس جماعته أو ممثله في البرلمان الذين تحول بعضهم بين عشية و ضحاها إلى أصحاب عقارات و أملاك و أرصدة بنكية دون حسيب و لا رقيب، و لا يستطيع هذا المواطن رفع صوته أو الجهر بالتجاوزات التي يتعرض لها يوميا في جماعته لتظل وضعيته دون تحسن إن لم نقل في تراجع مستمر، و هكذا يتبين أن الجماهير المنظمة الواعية هي القادرة على تحقيق التغيير، إنه التغيير الذي كان من الممكن أن يتحقق لو لم تتخلى الأحزاب الديمقراطية عن دورها التأطيري، فكل يوم يمضي يحمل أكثر من دلالة ليصبح استمرار الوضع الحالي في البلاد غير ممكن حتى لا تتكرر الأزمات و السكتات القلبية. و بناء عليه يصبح الإصلاح مطلبا شعبيا ، و الأفق الذي سيعيد الثقة لدى عموم الجماهير في العمل السياسي و يحفز انخراطهم إذا ما تم توضيح الصلاحيات و تحديد الاختصاصات بين المؤسسات حتى يدرك و يميز بين مهام و أدوار كل مؤسسة مؤسسة. أما التحدي الثاني فيتمثل في المسألة التنظيمية التي لا تقل أهمية عن مسألة الإصلاحات،إذ تقتضي إعمال شعار القطيعة للتمكن من ترجمة و تحيين الممارسة النبيلة للاتحاد القائمة على أسس الديمقراطية، الشفافية، التخليق، المحاسبة، التجديد و التناوب... مع إيلاء مسألة العضوية ما يلزم من الاهتمام لضمان اطمئنان المناضل المنخرط عن وضعيته الاعتبارية. لقد أرجأت لجنة تفعيل الأداة الحزبية خلال الشوط الثاني من المؤتمر الوطني الثامن المسألة التنظيمية إلى حين انعقاد الندوة الوطنية التي سيتم التداول خلالها حول كل المبادرات و الاقتراحات التي تضمنتها ورقة تفعيل الأداة من طرف اللجنة التحضيرية من قبيل نظام اللائحة الاقتراع في دورتين مسألة التيارات ...إن إعادة البناء كشعار للمؤتمر يقتضي استثمار كل ما تراكم لدى الحزب من إنتاجات بدءا من المؤتمر الوطني السادس الذي أنتج تصورات و مقترحات متقدمة و جريئة طالما طالب العديد من المناضلين تحيينها غير أنها لم تعرف طريقها إلى التطبيق، و هو ما يستوجب اليوم تكاثف كل الجهود لإقرار منظومة جديدة تمكن من تفعيل مقررات المؤتمر دون معيقات. أما على المستوى الآخر فإن الحسم في مسألة التحالفات و تحديد التعاقدات المستقبلية المبنية على الوضوح و الشفافية أصبحت مرتبطة بالزمن الاتحادي رغم المسؤولية المشتركة بين الجميع، و مدى قدرته على تدبيرها في زمن قياسي استعدادا للاستحقاقات المقبلة باعتماد ما وصل إليه النقاش مع اليسار في الجهات و الأقاليم والمفروض فيه أن يتمأسس أفقيا و عموديا باستشراف المستقبل و ضمان الاستمرارية . إن إعادة ترتيب بيت اليسار القائم على مبادئ أساسية مشتركة: التحرير، الديمقراطية، الاشتراكية المؤسسة للمشروع المجتمعي الديمقراطي هو الكفيل بعودة الأمل لدى المواطنين الدين ساروا على دربه منذ ما يناهز الخمسين سنة. و الاتحاد الاشتراكي اليوم على موعد مع التاريخ في الذكرى الخمسين للتأسيس و هي المحطة التي تفرض رد الاعتبار إلى مفهومي القيم و النضال المرتبطين بالالتزام و المسؤولية و النزاهة حتى لا يعود إلى التأسف مجددا على ما حدث و يعمل على تحرير الطاقات الشعبية المعطلة التي لا يمكن أن تختار إلا الهوية الاشتراكية كإيديولوجية فكرا و ممارسة و يفتح المجال لعودة كل المناضلين إلى صفوفهم و تنظيماتهم الطبيعية ليساهموا عمليا في إعادة البناء.كل هدا يحيلنا على طرح السؤال التالي: ألا يحق للاتحاد أن يبلور مفهوم تيارين يتيحان صراعا فكريا و إيديولوجيا يمكن المناضلين من بلورة خطط عمل و برامج يعطيانه مسارا صحيا يضمن تطوره و المجتمع؟ و بعبارة أخرى ألا يمكن لشحذ أسلحة النقد أن يطور الوعي النقدي؟