طوال تسع سنوات، «تدردف» العوني منذ حلوله بالعاصمة الاقتصادية قادما إليها من مسقط رأسه بالعونات، بعدة «مهن»، اشتغل بها ومارسها من أجل كسب قوته اليومي. بحثه عن لقمة العيش دفعه وهو ابن البادية الذي لاخبرة ولاتكوين له، وغير متوفر على مستوى دراسي يؤهله أويمكنه من شغل إحدى الوظائف أو المهام «المحترمة»، إلى العمل في البداية ك «طالب معاشو»، في «المرسى»، ثم حمالا ب «مارشي الكْرو»، لينتقل بعد ذلك إلى الاشتغال مياوما في أوراش البناء، إلى أن استقر به المقام بإحدى المخابز «الشعبية» مدة ليست بالهينة، فموزعا للخبز بعد ذلك. توزيع الخبز شكّل آخر المهن التي «استقرّ» فيها وواظب عليها، ابن العونات، ووجد فيها راحته، فهي رغم ما تتطلبه من «فياق بكري»، إلا أنها منحته فسحة زمنية مهمة للراحة، ووفرت له عائدا ماليا محترما، عكس مهن أخرى. مكنته من استئجار شقة بحي شعبي ملائمة للسكن استقدم إليها زوجته التي عقد عليها قرانه مؤخرا، فأوجد لنفسه فضاء يضمهما معا، متسلحين بالجد والصبر حتى يتسنى لهما أن «يدورو مع دواير الزمان»! يعمل العوني دون كلل أو ملل على مدّ زبنائه من أصحاب الدكاكين والمحلبات المتواجدين ب « سكتور» مولاي رشيد، بالخبز منذ الساعات الأولى من الصباح، ثم يمر عليهم في فترة الظهيرة، وكذلك في الفترة المسائية للاستجابة لحاجيات المواطنين من الخبز، الراغبين في إعداد اللمجة / «الكُوتي» ، ثم لتناول وجبة العشاء. «تموين» يومي على مدار الأسبوع، والسنة بصيفها وشتائها، فالخبز مادة ضرورية لايمكن الاستغناء عنها. جريا على عادته ، يعمل موزع الخبز ، بعد إتمامه لجولاته اليومية التي تهم التوزيع، على «جني» مداخيلها من زبنائه، ليعود إلى منزله في الختام. «مشوار» يومي معروف، فما أن يطالع العوني «مول الحانوت»، حتى يقوم هذا الأخير بِعدّ ما تسلمه من خبز خلال ذلك اليوم مع وضع الخبز «البارد» جانبا لاستثنائه من المجموع، ويقوم بتسليمه مقابله. في أحد الأيام الفارطة قبل عيد الأضحى، وبعدما حصّل العوني، مداخيله اليومية مغادرا دكان أحد زبنائه بأحد الأزقة، وما أن عرّج على شارع آخر على متن دراجته النارية، حتى فوجىء بدراجتين ناريتين تحاصرانه، وأرغمه سائقاها على التنحي جانبا والوقوف عند ناصية مظلمة، فترجل أحدهما مخرجا سكينا من الحجم الكبير، ووضعه على رقبة الضحية مطالبا إياه بتسليمه ما بحوزته! تلعثم العوني وارتعدت فرائصه، فيما اصفر وجهه متوجسا خيفة أن يطاله مكروه، إلا أن الوضع لم يمنعه من محاولة استعمال الحيلة، فأفرغ ما بجيوبه من نقود، وسلمها للمعتدي عليه، هذا الأخير أبدى ضيقه وتبرمه وهو يعاين «هزالة» الغنيمة، فضغط على «فريسته» مشددا على إمكانية إلحاق الضرر به كي يخرج ما ب «جعبته» من أموال، ف«تبرأ» هذا الأخيرمن أية نقود لاتزال بحوزته. مكر السارقين سيكون أكبر وهما ينتزعان سلة الخبز من مكانها ويقلبانها أرضا، لتسقط بعض قطع الخبز والغطاء الذي كان «يدثرها» وتسقط معه «رولوات» من القطع النقدية من فئة 5 و 10 دراهم، كل «رولو» على حدة ، البعض يبلغ مجموعه 50 درهما والبعض 100، فخاطبه أحد اللصين :«عند بالك عايق، ايوا هادوا ماشي فلوس؟»، بينما أضاف الثاني :«راه عقنا بيكم غير قلبُو اللعب، انتوما فالسلّة ومَّالين الإرْكاط ولإردوز تحت من الكوسان»! بعد ذلك جمعا ما انتشر من قطع على الأرض، وأخليا سبيله بعد نزع «البوجي» من الدراجة، مؤكدين أنهما «اتقاو فيه وجه الله وما بغاوش يكرفسوه»!