الوزير قيوح يدشن منصة لوجيستيكية من الجيل الجديد بالدار البيضاء    حقائق وشهادات حول قضية توفيق بوعشرين مع البيجيدي: بين تصريحات الصحافي وتوضيحات المحامي عبد المولى المروري    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    الدورة ال 44 لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب بالمنامة .. السيد الراشيدي يبرز الخطوط العريضة لورش الدولة الاجتماعية التي يقودها جلالة الملك    حصيلة سنة 2024.. تفكيك 123 شبكة لتنظيم الهجرة غير النظامية والاتجار في البشر    الدكتور هشام البوديحي .. من أحياء مدينة العروي إلى دكتوراه بالعاصمة الرباط في التخصص البيئي الدولي    التجمع الوطني للأحرار يثمن المقاربة الملكية المعتمدة بخصوص إصلاح مدونة الأسرة    فرض غرامات تصل إلى 20 ألف درهم للمتورطين في صيد طائر الحسون بالمغرب    الدفاع الحسني يهزم الرجاء ويعمق جراحه في البطولة الاحترافية    38 قتيلا في تحطم طائرة أذربيجانية في كازاخستان (حصيلة جديدة)    رحيل الشاعر محمد عنيبة أحد رواد القصيدة المغربية وصاحب ديوان "الحب مهزلة القرون" (فيديو)    المهرجان الجهوي للحلاقة والتجميل في دورته الثامنة بمدينة الحسيمة    انقلاب سيارة على الطريق الوطنية رقم 2 بين الحسيمة وشفشاون    المغرب الرياضي الفاسي ينفصل بالتراضي عن مدربه الإيطالي غولييرمو أرينا    رئيس الرجاء يرد على آيت منا ويدعو لرفع مستوى الخطاب الرياضي    الإنتاج الوطني من الطاقة الكهربائية بلغ 42,38 تيراواط ساعة في متم 2023    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    الندوة 12 :"المغرب-البرتغال. تراث مشترك"إحياء الذكرىالعشرون لتصنيف مازغان/الجديدة تراثا عالميا. الإنجازات والانتظارات    حركة حماس: إسرائيل تُعرقل الاتفاق    أخبار الساحة    الخيانة الزوجية تسفر عن اعتقال زوج و خليلته    روسيا: المغرب أبدى اهتمامه للانضمام إلى "بريكس"    عبير العابد تشكو تصرفات زملائها الفنانين: يصفونني بغير المستقرة نفسياً!    السعودية و المغرب .. علاقات راسخة تطورت إلى شراكة شاملة في شتى المجالات خلال 2024    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    الريسوني: مقترحات مراجعة مدونة الأسرة ستضيق على الرجل وقد تدفع المرأة مهرا للرجل كي يقبل الزواج    التنسيق النقابي بقطاع الصحة يعلن استئناف برنامجه النضالي مع بداية 2025    تأجيل أولى جلسات النظر في قضية "حلّ" الجمعية المغربية لحقوق الإنسان    بعد 40 ساعة من المداولات.. 71 سنة سجنا نافذا للمتهمين في قضية "مجموعة الخير"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    ابتدائية الناظور تلزم بنكا بتسليم أموال زبون مسن مع فرض غرامة يومية    جهة مراكش – آسفي .. على إيقاع دينامية اقتصادية قوية و ثابتة    برنامج يحتفي بكنوز الحرف المغربية    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    مصرع لاعبة التزلج السويسرية صوفي هيديغر جرّاء انهيار ثلجي    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    لجنة: القطاع البنكي في المغرب يواصل إظهار صلابته    ماكرون يخطط للترشح لرئاسة الفيفا    بطولة إنكلترا.. ليفربول للابتعاد بالصدارة وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    نزار بركة: 35 مدينة ستستفيد من مشاريع تنموية استعدادا لتنظيم مونديال 2030    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب    مجلس النواب بباراغواي يصادق على قرار جديد يدعم بموجبه سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية    باستثناء "قسد".. السلطات السورية تعلن الاتفاق على حل "جميع الفصائل المسلحة"    تقرير بريطاني: المغرب عزز مكانته كدولة محورية في الاقتصاد العالمي وأصبح الجسر بين الشرق والغرب؟    تزايد أعداد الأقمار الاصطناعية يسائل تجنب الاصطدامات    مجلس النواب بباراغواي يجدد دعمه لسيادة المغرب على صحرائه    ضربات روسية تعطب طاقة أوكرانيا    وزير الخارجية السوري الجديد يدعو إيران لاحترام سيادة بلاده ويحذر من الفوضى    السعدي : التعاونيات ركيزة أساسية لقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني    ارتفاع معدل البطالة في المغرب.. لغز محير!    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    ما أسباب ارتفاع معدل ضربات القلب في فترات الراحة؟    "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الرحيم بوعبيد يقول في استجواب مع مجلة «المشاهد»: لا نتعامل ولن نتعامل مع الحكم الفردي

أدلى الأخ عبد الرحيم بوعبيد، عضو الكتابة العامة للاتحاد الوطني للقوات الشعبية، بحديث هام، في استجواب أجرته معه مجلة «المشاهد» مؤخراً، حول الوضع السياسي والقضايا الأساسية في مغرب اليوم، والعراقيل التي تعترض بناء هذا المغرب بناء سليما يستهدف خير الجماهير ومصلحتها.
ونشر فيما يلي نص هذا الاستجواب الهام:
ماهو مدلول الاشتراكية في مفهوم الاتحاد الوطني للقوات الشعبية؟
يختلف هذا المدلول بحسب ظروف وأحوال كل قطر من الأقطار وخاصة من الناحية الاقتصادية كأسلوب للوصول إلى النمو الاقتصادي.
واختيارنا للاشتراكية في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية لا يمكن أن يعتبر بالنسبة لمجموع أعضاء وعناصر الاتحاد كمبدأ فلسفي، لمن هذا الاختيار جاء على أساس ملاحظة الواقع وعلى أساس التجارب التي مرت منها الأقطار المتخلفة اقتصاديا وثقافيا وسياسيا.
فهناك أقطار متخلفة استعملت الأسلوب الرأسمالي، مؤملة أن تبلغ بواسطته أهدافها الوطنية، أي رفع مستوى العيش والقضاء على البطالة وتعميم الرفاهية على سائر طبقات السكان والمواطنين.
ويمكننا أن نقول هذا الأسلوب الرأسمالي كان هو الأسلوب المستعمل عند الأقطار الحديثة العهد بالاستقلال قبل نهاية الحرب العالمية الثانية، وتجربة أمريكا اللاتينية هي أوسع تجربة في هذا الميدان. نعرف أنها تلقت من الخارج - وخاصة أمريكا الشمالية كميات وافرة من رؤوس الأموال خلال ما يقرب من 50 سنة، والأرقام تدل على ذلك، كما بينت ذلك الأبحاث الدقيقة التي قامت بها بعض الهيئات الخاصة في هيأة الأمم المتحدة.. لكننا نستطيع أن نتساءل ماهي النتائج التي توصلت إليها أمريكا اللاتينية باتباع الاسلوب الرأسمالي؟
حقيقة، لقد تكون هناك اقتصاد عصري في سائر هذه الأقطار، ولكن في حيز محدود وفي نسبة ضئيلة بالقياس إلى مجموع الجماهير التي كانت من المنتظر أن تستفيد من ذلك، حتى أن هذه النسبة لا تعدو (على أكثر تقدير) 20 في المائة، بينما بقي مجموع الأمة في فقر وفي تخلف وفي حالة من البؤس، أصبح اليوم من غير الممكن السكوت عنها... فالنظام الرأسمالي كون حقيقة طائفة ولكنها تشكل أقلية من المواطنين استفادت وحدها (دون باقي الشعب) من رؤوس الأموال الأجنبية التي شاركت معها في التجارة والصناعة، لكن هذه الطائفة القليلة من المواطنين أصبحت تكون تقريبا جالية أجنبية بالنسبة إلى شعبها وأصبحت تقف مواقف التضامن من الرأسمال الأجنبي وتقف ضد كل حركة تحريرية.
وخلاصة القول، فالذي يهمنا من هذا القول هو معرفة هل استطاع الأسلوب الرأسمالي على ضوء مدة طويلة وتجارب عديدة أن يخرج قطر ما من الأقطار الحديثة العهد بالاستقلال من دائرة التخلف والبؤس والسيطرة الأجنبية...؟
إلى جانب هذه التجربة هناك تجارب أقيمت في أقطار أخرى، لكن بعد الحزب العالمية الثانية، لكن اختارت فيها عرض النظام الرأسمالي أسلوبا أو اتجاها اشتراكيا، إما لعقيدة مذهبية كان يؤمن بها قادة هذه الأقطار وإما نظرا للتجربة الفاشلة التي سجلتها تجربة الرأسمالية..
ويحسن أن نتحدث قليلا عن الأسلوب الاشتراكي: إنه أسلوب يعتمد قبل كل شيء على الموارد الداخلية للأمة، جميع الموارد المادية منها والبشرية وتنظيمها تنظيما محكما على أساس قاعدة شعبية حتى تستعمل وتستغل كل هذه الموارد في صالح الأمة بأجمعها، لا لصالح طبقة أو هيئة معينة... فبينما يقول المسؤولون عن الأسلوب الرأسمالي: إذا أردتم النمو الاقتصادي والخروج من التخلف فلا مناص لكم من الاعتماد على الرأسمال الخارجي ولا مناص من ربط «علاقة» متينة بالأقطار التي يأتي منها الرأسمال الخارجي... ثم بعد ذلك عليكم بالصبر وبالانتظار لأن النمو الاقتصادي يأتي عفوا وبصفة تلقائية على غرار ما عرفته الأقطار الغربية..
ويقولون: إن النمو الاقتصادي في أوربا تطلب مرحلة عديدة ومتواصلة وقد تمتد هذه المراحل على عشرات السنين، بل تطلب أحيانا قرنين أو ثلاثة قرون...
ويقولون: هذه طريقكم.
لكن الأسلوب الاشتراكي يقول: إذا كان هذا التدرج وهذا التطور البطيء ممكنا في الماضي، نظرا لأن وعي الشعوب لم تصل الى المستوى الذي وصل إليه الآن، فلم يعد من الممكن اليوم أن ننتظر عشرات السنين لأن الجماهير الشعبية لها مطالب ومطامح ثورية مستعجلة، فالتشغيل الكامل يتطلب حلولا ثورية والتعليم الشامل والسكن للجميع والإصلاح الفلاحي والتصنيع... كل ذلك أصبح يتطلب حلولا ثورية وجهازا وأساليب ليست لها أية علاقة بالجهاز والأساليب المبنية على النظام الرأسمالي.
هذا ملخص الاتجاه الذي يعبر عنه الاتحاد وهو اتجاه يتطلب من دون شك تدقيقا في الدراسة وسيرا للأحوال الخاصة بالمغرب، لأنه ليست هناك اشتراكية خاصة تطبق سائر الشعوب وسائر القارات، ولكن هناك اتجاه يمكن أن يكون عاما يحتوي على أساليب تختلف باختلاف الظروف المحلية وتتكيف وفق التقاليد المحترمة في القطر الذي يختار هذا الاتجاه... فنحن مثلا نرى أنه توجد عندنا تقاليد محترمة يجب الاحتفاظ بها وهي لا تتنافى مع الاتجاه الاشتراكي، فلا مجال لاستغلالها كما يريد البعض كستار لاختيار الأسلوب الرأسمالي وتدعيم هذا الأسلوب تحت شعار مزيف...
نحن نقول في الاتحاد: عندما حصل المغرب على استقلاله، كان المغاربة كلهم سواسية في التخلف وفي الفقر وهم جميعهم (باستثناء بعض العائلات) يكونون تقريبا طبقة موحدة بنسبة تفوق 90 في المائة من مجموع السكان.. فإذا كان الأمر كهذا - وهو كذلك - فإن الأسلوب الاشتراكي هو الذي الذي سيخرج الجميع من المستوى المنحط الموجود اليوم، إلى مستوى متحسن بالتدريج وعلى أساس تخطيط شامل مدقق تحت مراقبة شعبية لتكون الفائدة ر اجعة على الشعب المغربي بأجمعه ولئلا تستغل تضحيات هذا الشعب لفائدة طبقة معينة.. وقد برز اليوم بالمغرب اتجاه مناف للاتحاه الذي حدثتكم عنه ويدعي أصحاب الاتجاه الجديد أنهم بالطبع من أنصار التحرر الاقتصادي والتصميم والتشغيل الكامل، لكن على أساس رأسمالي، فلنترك الجوانب الخاطئة لهذا الاتجاه نظرا للتجربة التي تكلمنا عليها، فيما يرجع لأمريكا اللاتينية، لكن الأمر الذي يجب أن ننتبه اليه هو أن هذا الاتجاه الجديد يريد (تحت ستار التحرر الاقتصادي والخروج من السيطرة الأجنبية) أن تصبح طبقة معينة وارثة للرأسمال الأجنبي، سواء في الميدان الصناعي أو الفلاحي.. وهم يقولون أن تحرير صناعة البلاد مثلا هو إعطاء هذه الصناعة (بوسائل الدولة وأموال خزينتها) لجماعة و طنية مغربية، وفي الميدان الفلاحي يهدفون من تحرير الأرض التي بيد الاستعمار منح الضيعة التي بيد المعمر الأجنبي لمعمر آخر مغربي.. والمقصود من ذلك هو تكوين بورجوازية مغربية وإقطاعية فلاحية تتوصل الى نفوذ اقتصادي بواسطة أموال الدولة وتسهيلاتها لتحل محل الرأسمال الأجنبي أو الاستعماري الأجنبي...
والأمر إزاء هذه الحالة واضح بالنسبة للشعب ولمستوى معيشته، ولذا فنحن نقول ونعني جيدا ما نقول: «إذا كان هناك وارث للرأسمال الأجنبي والاستعماري الأجنبي في الميدان الفلاحي، فهذا الوارث هو الشعب المغربي وهو الدولة المغربية، إذا كانت هذه الدولة تعبر حقيقة عن مطالب الشعب وتدافع عنه.
القمع الأمريكي لا يدوم...
والمساعدات الأجنبية لا تدوم...
لكن الرشوة والتبذير في النفقات.. هذا شيء موجود ودائم.
ما موقف الاتحاد من الدعوة إلى الاشتراكية الاسلامية؟
نحن لا نعارض في اشتراكية اسلامية.. و لكن نخاف استغلال الإسلام في مواقف التضليل، فالاسلام غير مناف للمواقف الاشتراكية مادامت تضمن العدالة والرفاهية للجميع، ولكن لا نظن ان الاسلام يقرر الوسائل المتبعة للترويج الاقتصادي في العصر الذي نعيش فيه اليوم. وهنا يجب ان نعلن في غير التباس ان هناك تضليلا مقصودا من طرف بعض الهيئات لاستغلال الشعب واستغلال فطرته الروحية، وهذا التضليل تضخمه في الواقع ألفاظ جوفاء وبرامج لا تؤدي الى الاهداف المرسومة.
* ماهو المشكل السياسي المتعلق بالاسلوب الاشتراكي في المغرب؟
- لا يمكن ان تقوم في المغرب اشتراكية حقيقية الا اذا كانت على أساس القاعدة الشعبية والمراقبة الشعبية، ومن هنا يأتي المشكل المتعلق بالحالة السياسية
هل سيؤدي الاسلوب الاشتراكي في المغرب الى الاستغناء عن المساعدات الخارجية؟
كثيرا ما يلقى هذا السؤال، وهو جد مهم، وهنا يجب ان نوضح بأن الاسلوب الاشتراكي يعتمد قبل كل شيء على الموارد الداخلية للبلاد وعلى تعبئة هذه الموارد في تنظيمات محلية واقليمية وفي نطاق الصعيد الوطني ومراقبة المسؤولين على تحقيق البرامج والسير نحو الاهداف المرسومة في التصميم.. لكن ليس بمعنى ذلك ان الاسلوب يصبح في غير احتياج الى مساعدات اجنبية، نعم يجب ان تستمر هذه المساعدة لكن يجب ان تكون لها صفة تكميلية لا صفة اساسية، مثل التي تكون عليه عندما يطبق الاسلوب الرأسمالي ونضرب مثلا لذلك بالمساعدات التي تستهدف تكوين الاطارات الفنية وإقامة بعض تجهيزات التصنيع، وقد اصبح اليوم في الامكان الحصول عليها سواء من طرف الدولة الرأسمالية او من طرف الدولة الاشتراكية، وحتى من بعض الهيئات والمنظمات الفنية التابعة للأمم المتحدة
كيف ترون الوضع السياسي بالمغرب في الظروف الراهنة؟
الوضع السياسي للمغرب في الظروف الراهنة اصبح اليوم واضحا كل الوضوح، فامتداد التجربة التي ابتدأت في شهر ماي 1960 اماطت اللثام عن النوايا الحقيقية من جانب، وعن قيمة الخطب والقصائد التي كان يفوه بها البعض والمتعلقة بالديمقراطية وتحرير الشعب واقتصاده من جانب آخر. ويتلخص الوضع السياسي في أن جماعة قد اختارت ان توالي تجربة الحكم الفردي في تناقض مطلق مع برامجها النظرية والتصريحات المتكررة التي عبرت عنها في مختلف الظروف، فأصبحت توافق على القانون الاساسي وعلى تدابير اخرى مماثلة دون ان تراعي لا شعور المناضلين في صفوفها ولا وعي طبقة المثقفين والاطارات في هذا البلاد ولا الشعور الشعبي.. وعلي اي فالأمر اصبح اليوم واضحا.
نحن نقول: لا يمكن ان تستقر اسس الحكم والإدارة في هذه البلاد الا اذا خرجنا من الحكم الفردي الذي هو مناف للحكم الملكي و متناقض مع مبادئه الصحيحة كل التناقض، والا اذا اعطيت الكلمة للشعب عن طريق الانتخاب العام لتعيين الممثلين الحقيقيين المعبرين عن مطالب الجماهير الشعبية.
قد يقول البعض: لقد التجأنا إلى هذا النظام نظرا للخلافات الموجودة بين الاحزاب وعدم اتفاقها على برنامج موحد.
ونحن نقول: هذا تضليل.. فهناك هيئات لها وجود حقيقي وهناك هيئات مصطنعة، ومن هنا يتضح الخلط. فعندما نقول نحن ونكرر: حددوا تاريخا للانتخابات العامة نريد بذلك ان يتبين للمسؤولين ثق ووزن وقيمة القوات الحقيقية الموجودة في البلاد... فالانتخابات إذن ميزة كبرى، وهي الخروج بالبلاد من الخلط والغموض ووضع النقط على الحروف ومعرفة القوات الحقيقية وفرزها من التجمعات المصطنعة... ومع ذلك ورغم ما أكدناه للملك وما أوضحناه في برامجنا، تبين بوضوح ان المقصود من الاسلوب الحالي هو إقامة نظام فردي دون أن تلجئنا لهذا النظام تجربة يقتنع بجدواها الجميع... ولا تجربة في هذا الميدان الا تجربة الانتخابات.
ومن جهة أخرى يتضح اليوم - (كما اتضح في السنوات التي جاءت بعد الاستقلال) انه لا تصميم هناك ولا تشغيل ولا تصنيع ولا تعميم تعليم ولا إصلاح زراعي جذري، الا اذا كانت مراقبة شعبية (بواسطة نواب منتخبين) على الحاكمين حتى تكون المحاسبة، وحتى تقرر الاشياء والتدابير على ضوء امكانيات البلاد الحقيقية وحاجيات الشعب الثورية... وباختصار فنحن لانتعامل - ولن نتعامل - مع الحكم الفردي لأننا نعتقد أنه غير مجدي نظرا لكونه يرفض الرقابة الشعبية.
{ ماالذي آلت إليه فكرة التصالح بين الاحزاب التي برزت قوية اثر وفاة المغفور له محمد الخامس رضي الله عنه؟
كانت الاحزاب في مجملها من الناحية النظرية تدعى انها متفقة معنا على الاسس التي كنا حددناها في ذلك الوقت وهي:
1- انتخاب مجلس لاعداد الدستور
2 - إنشاء حكومة مسؤولة تحدد اختصاصاتها للاشراف على تحقيق انجاز الحكم الديمقراطي بالمغرب في الوقت الذي يتطلبه الانجاز من الناحية الادارية، لكن هذه الاحزاب كانت تضيف الى ذلك بأنها متفقة معنا على هذه البرامج اذا كانت هي برامج الملك...
وكنا نقول ان للملك في نظرنا وضعية خاصة، فليس له ان يخطط البرامج، لان موقفه يجب ان يكون موقف الحكم، بينما الاحزاب يجب ان تلتزم بمواقف محددة تعتبرها معبرة فيها عن طائفة الرأي العام الذي تمثله..
اما اذا كانت الهيئات والاحزاب تعلن بأنها في خدمة الملك بدون قيد ولا شرط، فما نظن ان هذا التعريف يصلح لما يسمى بالاحزاب والهيئات التي تدعي انها تمثل ولو طائفة قليلة من الرأي العام...
وبينت الظروف بعد ذلك، ان اتصالاتهم كانت مجرد مناورات ولم تستطع الحصول على تصريح أو بلاغ مشترك في نقط محدودة معينة نظرا للاعتبارات الخاصة التي كانت تصطبغ بها هذه الاحزاب...
ثم تشكلت الحكومة فأميط اللثام وطلع النهار!
ألا يمكن ان تؤدي العلاقة الموجودة بين الحكومة والمعارضة الى جو من التوتر يؤثر بشكل او آخر على الحياة العامة في البلاد؟
نحن ندافع عن أفكارنا ومبادئنا بكل وضوح،وليست لنا أية عداوة مع أي شخص، او أية هيئة معينة وغايتنا هي الوضوح والخروج من الخلط والتضليل.
اننا لانطالب بالحكم، ولو بقسط ضئيل في الحكم، إنما نطالب فقط بإجراء انتخابات عامة حتى يتبين من له الصلاحية في تحمل المسؤوليات بالبلاد... وبالطبع فإننا نندد بالتعفن الاداري وبأساليب الرشوة التي أصبحت شاملة عامة... حتى الملك تكلم عنها في خطابه بالمجلس البلدي بمكناس وهذا دليل قاطع على وجودها... وفي مستطاعنا تقديم بيانات ومعلومات دقيقة حولها... فلو كانت للمسؤولين جرأة أدبية وتقدير لمسؤولياتهم امام الامة وامام الدولة لقرروا فتح بحث قضائي في الاشياء حتى تتبين الحقيقة وحتى يعرف المسؤولون اذ كانوا لم يعرفوا بعد؟! سنستمر في هذه الخطة، وعلى الحكومة أن تتخذ مسؤولياتها ونحن نعتبر أن في علمنا اليوم امتداد للمبادئ الوطنية الحقيقية التي كنا ندافع عنها يوم كان الاستعمار مقيما بهذه البلاد.
والقضية الموريتانية، ما موقفكم منها وأين وصلت وكيف وصلت وكيف ستنتهي؟
يقولون كثيرا إن كل سياسة تقاس بالنتائج التي توصلت إليها، ويحكم عليها وفق الاساس الذي بنيت عليه هذه النتائج.. وقضية موريتانيا ابتداء من تجرب الحكم الفردي وهي الاساس في سياستنا الخارجية، وها نحن اليوم نغادر الهيئات والتشكيلات الدولية وموريتانيا تحتل المقاعد بها.. وغدا ستجتمع الامم المتحدة وستتوصل موريتانيا من دون شك الى الحصول على ثلثي الاصوات اللازمة لقبولها في عضوية هيئة الأمم المتحدة.. هذا رغم التهريج والتصريحات والبعثات والوفود الموجهة الى الخارج قصد التعريف بالقضية الموريتانية.. الحقيقة ان موريتانيا أرادت ان تستغل قضية موريتانيا في شكل التطرف ظاهريا نظرا لضعفها في الداخل، ونظرا لاحتياجها الى الارتكاز على نقط من نقاط القضايا الوطنية الكبرى حتى تستعيد شيئا من السمعة والتفاف الجماهير الشعبية إليها...
وكنا ترددنا في اتخاذ موقف القضية الموريتانية في السنة الماضية، لا من الناحية المبدئية والتاريخية، لكن من ناحية الاسلوب الذي عولجت به هذه القضية.. و لم نكتف بذلك فقد اتصلنا بمدير ديوان محمد الخامس رحمه الله ونبهناه الى خطورة الاسلوب الذي سيستعمل في معالجة هذه القضية والعواقب الوخيمة التي ستتحملها البلاد من جراء هذا الاسلوب، وقلنا لمدير الديوان: إنه من الأحسن ومن المفيد ان نعتبر الظروف المحيطة بنا في قضية موريتانيا، وخاصة بالنسبة للدول الافريقية والآسيوية، وأحطناه علما بأنه إذا قدمت هذه القضية على أساس تقرير المصير، واستفتاء شعبي تحت مراقبة دولية، فإنه تكون لنا إمكانيات صحيحة لربط علاقة متينة بين المغرب وبين هذا القطر الذي كان في الماضي جزءا منا ومن ترابنا.. لكن تعنت المتعنتون، وأرادوا ان يتظاهروا بالتطرف في الوطنية وها هي نتيجة تعنتهم نراها اليوم.. فهم في اضطرار إذا أرادوا أن يعيدوا نوعا لا إداريا كيف يكون شكله من العلاقات مع موريتانيا ،ان يعترفوا لها بالسيادة وبالعضوية في هيئة الامم، ويجب أن نضيف الى هذا كله ان الدول التي ساندتها في مؤتمر الدار البيضاء هي نفسها مترددة، فمالي وغينيا لا يصوتون مع المغرب ولكن يحتفظون بأصواتهم، وكذلك الهند والباكستان.. إن قضية موريتانيا ستبقى في التاريخ مقياسا لسوء التدبير والارتجال وعدم المقدرة والكفاءة...
ونضيف الى ذلك: أن أول حكومة تكلمت عن قضية موريتانيا في الامم المتحدة هي حكومة الرئيس عبد الله إبراهيم.. وان الاتفاقات التي كانت بيننا وبين عدة دول منها العربية والافريقية والآسيوية كانت في عهد حكومتنا..
والكل يعلم اليوم أنه عندما كان السيد بلافريج وزيرا للخارجية، رفض ان يتكلم عن موريتانيا في الخطاب الرسمي الذي ألقاه ممثل المغرب في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ما هو أسلوبكم في معالجة القضية الموريتانية إذن؟
نعرف بالطبع ان فرنسا منحت موريتانيا استقلالا مزيفا، وكونت حكومة موالية لها نظرا للمصالح الاقتصادية والاستراتيجية التي تريد ان تحتفظ بها في موريتانيا.. ونحن نأتي أول ما نأتي بملفنا وحججنا التاريخية والسياسية والدينية.. لكن لا نختم الملف بإرجاع موريتانيا للمغرب فقط، بل يجب ان نقول: ان الشعب الموريتاني لا يختلف عن شعب المغرب، وهو جزء منه لذلك نحن نطلب من الدوائر الدولية ان تبعث بلجنة تحقيق لتقوم باستفتاء لتقف على حقيقة الامر، فيأتي الاستفتاء مدعما لحججنا. وأسلوب تقرير المصير في الأمم المتحدة لا يمكن ان يعارض فيه أحد.. ولو اتبعنا هذا الاسلوب، لكنا ربحنا القضية ربحا منطقيا يعتبر الظروف المحيطة بنا.
فهناك (كما لا يخفى على أحد) كثير من الدول الافريقية التي اشمأزت من أسلوب حكومة المغرب، بحجة أنه لم تكن لافريقيا في الماضي (وخاصة التي تعرف بالسوداء) أية دولة من الناحية القانونية، والدول الحديثة التي ظهرت إنما تكونت على أساس الحدود التي خطتها الدول الاستعمارية. فتقول الدول الافريقية الاستوائية من ناحية هذا المبدأ إنكم تناقشون في وجود باقي الدول كمالي وغانا.. ولا سبيل لتوضيح الامر من المطالبة زيادة على الملف بالاستفتاء وأخذ رأي الشعب الموريتاني تحت مراقبة نزيهة دولية.
سؤالنا الأخير: يا أستاذ؟
تفضلوا
ما رأي الاتحاد الوطني في مشروع التعبئة المدنية التي أعلنت عنها الحكومة المغربية، وهل تؤيدونه أم تعارضونه، وما هي مبررات موقفكم إزاءه؟
نحن نعتبر أن كل ما جاء في تحليل حالة التخلف جد صحيح، وهذا التحليل تكلمنا عنه عدة مرات، وتحدثنا عنه بإسهاب في تحليل التصميم الخماسي.. وكنا نقول إنه لا خروج من التخلف الاقتصادي إلا بالتعبئة، تعبئة الشعب للعمل قصد الخروج من دائرة التخلف.. لكن شتان بين تعبئة وتعبئة، فالتعبئة تأتي من الاعلى وتأتي كشيء مفروض في نظام حكم لا يشارك فيه الشعب، ولا يراقبه، وعلى إثر تجارب فاشلة متعددة بينت تعفن الادارة وعدم كفاءتها.. فكيف يمكن للشعب ولا لأية طائفة من الرأي العام ان تعبر أن ما قيل في التعبئة يكون عملا جديا يستطيع ان يحقق الاهداف التي تحدثنا عنها؟.. ثم نتساءل ماهي الاطارات التي ستقود هذه الجماهير وهذه الفيالق وتستطيع ان تبعث فيها روح الحماس والتضحية؟
إننا لا نعلم ان هذه الاطارات موجودة لدى الحكومة.. نعم هي موجودة في صفوف الشعب، ولا وجود لها في صفوف الحكومة.. أما إطارات الجيش فهي غير كفيلة ولا تستطيع ان تقوم بمهمة الخروج من التخلف الاقتصادي.. ثم نتساءل ماهي الوسائل المالية التي يمكن ان تعبأ لمدة سنوات طوال.. فالقمح الامريكي لا يدوم، والمساعدات الاجنبية لا تدوم لكن الرشوة والتبذير والتدهور.. شيء موجود ودائم، نحن نقول بالتعبئة، لكن تعبئة من القاعدة الشعبية في إطار تصميم وتخطيط محدد الاهداف والوسائل، ولا يتم ذلك إلا إذا كانت أجهزة الحكم قابلة لتنظيم هذه التعبئة ولإيجاد هذا التخطيط.. إن مشكلة المغرب تتلخص في سؤال واحد: من سيستطيع أن ينفذ هذه البرامج، وهل أجهزة الحكم الحالية تستطيع حقيقة أن تقرن القول بالعمل؟
نجيب عن هذا السؤال بلا، لأن التجربة الطويلة بينت ذلك!
عن مجلة المشاهد العدد 61 السنة السادسة. وأعيد نشره في جريدة التحرير ليوم 24 أكتوبر 1961.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.