إن الحديث في هذا الموضوع يجرنا بالضرورة الى الحديث عن مميزات المشهد السياسي ببلادنا، بل حتى المحيط الاقليمي الذي نعيش فيه. فلازلنا نعيش ثمرات ربيع عربي أزهر في وقت نحن في اشد الحاجة الى قطف ورود الانتصار. والحال ليس متشابها بالنسبة للدول العربية، فمنها من كان خريفه مبشرا وانتهى بسلام وبأقل الخسائر ومنها ما كان مأساويا وتراجيديا كما كان الشأن البارحة بالنسبة لقطر مغاربي يجمعنا معه الكثير. لم يكن هذا التقديم اعتباطيا، بل كان متعمدا، لكي نكرر من الحمد والشكر كمغاربة لأن ربيعنا كان مختلفا،و لم يكن ذلك قدرا او هبة من السماء، بل لأن هذا البلد الآمن اختار منذ عقود نهج الحرية والتعددية والديموقراطية، ويتوفر منذ الاستعمار الى الان، على احزاب وطنية تقدمية ويسارية، استطاعت بفعل التوافق وحل الوسط التاريخي مع مؤسسة ملكية ذكية ومنفتحة منذ 1998، ان تضع البلاد على السكة الصحيحة وبالتايل مباشرة اصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية مهمة، بل فتح ملف الماضي بكل جرأة و نجاعة وحكمة للتوجه نحو المستقبل. نفس التوجه استمر بعد بداية الربيع العربي, فبفعل تراكم خبرة ونضال وحكمة الاحزاب الوطنية واليسارية وتجاوب جلالة الملك، محمد السادس، جاءنا دستور المرحلة ودستور اللحظة التاريخية، وشكلنا فعلا النموذج في المنطقة - حتى لا نقول الاستثناء - وبالتالي تمكنا من عبور مرحلة المطبات السياسية بنجاح. لماذا كل هذا، السؤال بسيط لأن دور اليسار بمصداقيته وعمقه المجتمعي وتاريخه النضالي كان اساسيا في هذه المرحلة. لكن مع الاسف ورغم كل هذه الاشراقات والنجاحات، هناك جهات نافذة لها مصالح تأبى إلا أن لا تتنازل عنها, لازالت تخوض «الصراع الطبقي» في اشكاله الجديدة، نعم نحن لسنا سذج في السياسة. الديمقراطية ليست طريقا سيارا مفروشا بالورود وبمحطات الاستراحة الجميلة، بل منعرجات احيانا خطيرة، ويمكن ان تكون هناك تراجعات الي الوراء. ان اشكال الصراع حول المصالح تتطور بتطور الزمان والظروف، فمن قبل كنا نواجه بالقمع والسجون والمنافي، وبعد ذلك بمظاهر ديمقراطية مغشوشة، عن طريق تزوير ارادة الشعب في كل العمليات الانتخابية، سواء عبر خطف الصناديق او تصويت الموتى، وتطور الامر إلى مواجهتنا بشكل ذكي عبر حياد اداري سلبي وترك الحرية لتجار الفساد الانتخابي، وصنع النتائج بشكل ناعم بواسطة الاموال، وبعد ان لم تنفع معها كل هذه الوسائل لثنينا، اصبحنا نواجه بطرق اكثر ذكاء عن طريق تبخيس العمل السياسي والقدح المستمر في الاحزاب السياسية مقابل اعلاء شأن التكنوقراط ليصل الامر الى مداه مؤخرا عبر تقمص افكارنا وبرامجنا، بل استغلال تاريخنا واستدراج ابنائنا من خلال خلق كيانات في البداية هجينة لا طعم لها ولا مذاق، وبعد ذلك تحالفات اقل ما يقال عنها إنها خلطة كيميائية استعصت على الفهم من طرف أكبر كيميائي العمل السياسي، وتفرض على فقهاء العلوم السياسية والقانون الدستوري إعادة النظرفي المفاهيم البدائية والاولية التي تدرس لطلبة مبتدئين في السنة اولى حقوق، خاصة حول قاعدة ذهبية تشترط الانسجام في البرامج والافكار بالنسبة لاي تحالف سياسي. كل هذا، بزعم ان الايديولوجيا انتهت والحال انهم يريدون قتل السياسة، عن طريق الضبابية والخلط والغموض وعدم وضوح الرؤية، وهذا هو الاسلوب الجديد في الصراع، حتى يتمكنوا من جرنا الي حيث يريدون وانتم تعلمون ان الذي لا يرى يمكن أن يمسك بيد اي احد يتقدم له استجلاء للطريق هذه هي الوضعية اليوم والآن، لكن ماذا نحن فاعلون؟ فأين دور اليسار اذن؟، ان اليسار كإيديولوجيا، ليس بمفهوم بعض الفلاسفة طبعا الذين يعتبرونها تفكيرا خاطئا، بل كمشروع مجتمعي وكأفكار و قيم مثلى للانسانية يتجاوز اللحظة السياسية والانتخابية على أهميتها طبعا، الى افاق اعلى وأرحب واشمل الى تحقيق تغيير مجتمعي عميق نحو السلم والعدالة الاجتماعية والحرية وتنمية القوى المنتجة وتكافؤ الفرص والمساواة بين الجنسين وتقديس الحق في الحياة، وكل قيم الانسانية التي ترفع من قيمة البشر، بغض النظر عن عرقه، وجنسه ودينه و لونه، انها قيم لا يعرفها ولا يمتلكها الا المناضلون اليساريون الذين نهلوا من التراث الاشتراكي واليساري والذين تربوا في احزاب ومنظمات صنعت تاريخها ومجدها احيانا بالدم او العرق او بالانتصار لقضايا الكادحين وكل الفئات المتضررة من كل اشكال الاستغلال، لذلك اسمحوا ان اعرج على المكونات الأساسية لمحور تدخلي هذا: تاريخ اليسار إن تاريخ اليسار، سواء عبر العالم او في بلادنا او في المنطقة العربية هو تاريخ كفاحي نضالي، بني وأسس على مناهضة الاستغلال والاستعباد والاستبداد وكل اشكال التحكم السياسي. واجتماعيا، انتصر اليسار لصف الكادحين والمظلومين والاجراء والفئات الصغرى والمتوسطة، وتاريخه معروف بنضاله من اجل الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان والمساواة وكل القيم النبيلة في المجتمع. كما ان تاريخ اليسار ايضا، عرف بتضامنه ونضاله من أجل السلم والاستقرار ومناصرة قضايا الشعوب العادلة (ضمنها القضية الفلسطينية مثلا) حيث جعلناها في المغرب ومنذ الستينات قضية وطنية. تاريخ اليسار الكفاحي ايضا كله تضحيات ونضالات ونكران للذات في اوربا وامريكا اللاتينية وبعض الدول العربية والافريقية، قدم اليسار تضحيات مهمة في سبيل الديمقراطية والتقدم الاقتصادي والاجتماعي. أما بالنسبة لبلدنا، فيكفي الرجوع لأرشيف الدولة وكذا المجلس الوطني لحقوق الانسان وهيئة الانصاف والمصالحة، لنجد انه في الوقت الذي كان فيه مناضلو اخر ساعة ومحترفو السياسة الجدد يراكمون الثروات ويهتمون بنفسهم وعائلاتهم و مستقبل ابنائهم، كان اليساريون يتذوقون علقم السجون والمنافي والتعذيب وكل اشكال القمع والترهيب. ان تاريخ اليسار المغربي قبل سنوات التسعينات هو تاريخ كفاحي، ونضالي وبامتياز ولنشخص اكثر، نقول إن تاريخ اليسار تماهى مع سنوات الرصاص. أما بخصوص الهوية وهذا بيت القصيد فمفهوم اليسار مفهوم نسبي ومرحلي، اي انه مقرون في نسبيته بالمعيار الذي نقيس عليه السياسي او الايديولوجي او الاجتماعي او التنظيمي، ومقرون في مرحليته بالاهداف الرئيسية المتوخاة من كل مرحلة، فإن اليسار الذي نعنيه يتشكل من كل القوى التي تشترك فيما بينها (ومع بعض القوى الأخرى) في المشروع الديمقراطي الحداثي، تشترك ايضا في مرجعيتها الثقافية الاشتراكية الواحدة التي تسم الى حد كبير نزوعها الايديولوجي ومشروعها المجتمعي المستقبلي، وتناضل من أجل العدالة الاجتماعية ونصرة قضايا الكادحين. وفي هذا السياق الجوهري لهوية اليسار ولإنتمائه الاشتراكي، تبرز مجموعة من القواسم المشتركة، والتي لا تعفيه من مسؤولية البلورة الثقافية لمشروعه المجتمعي في كل مرحلة تاريخية بعينها. ولا تعفيه أيضا من ضرورة المراجعة النقدية الشاملة للتراث الاشتراكي في اتجاه تقوية رصيده المعرفي وتأسيس مرجعيته النظرية في ضوء الخبرة المكتسبة وتراكمات المعرفة الإنسانية. في تعيين القواسم المشتركة بين قوى اليسار الاشتراكي عادة ما يتجه التفكير مباشرة إلى نصوص الخطابات والبرامج للبحث عن المتشابه فيها، بينما الهوية الحقيقية لأي حزب تملأ تاريخه الفعلي الممارس في مجموعه.. ولذلك غالبا ما يقع إغفال أحد أهم القواسم المشتركة لهذا التاريخ لحساب تشابهات الخطاب وفن القول. وهي مسألة في غاية الخطورة في اللحظة السياسية الراهنة التي يحاول فيها» »اليمين»« تقمص خطاب اليسار لتمييع الحياة السياسية وزرع الخلط واللبس لدى الجماهير... إن القاسم المشترك الأول والأساسي، والذي ينبغي إبرازه على غيره في هذا التاريخ، يتجسد في الممارسات النضالية التي أدت بقوى اليسار الاشتراكي إلى تقديم تضحيات غالية مازالت ذكرياتها حية وعالقة بالأذهان. إن هذه الركيزة الروحية، إن صح التعبير، هي الخلفية التاريخية الأساس لكل القواسم المشتركة الأخرى. بعد ذلك وعلي ضوئه يمكن إبراز القواسم المشتركة التي سنعرضها .. وبطريقة تكاد تكون وصفية. 1) على المستوى الإيديولوجي: من اللافت للنظر أن اليسار مازال يعلن عن تشبثه وعن نسبه الصريح الى الإيديولوجية الاشتراكية وإلى كل تراثها الإنساني. وهذه علامة فارقة ينبغي الوقوف عندها، إذ رغم المخاض العسير الذي تعيشه النظرية الاشتراكية، ورغم تفاوت الاجتهادات في استثمار هذا التراث وتقييم حصيلته التاريخية، فإن اعتماد اليسار للاشتراكية كمرجع ثقافي رئيسي ينمي لدى مكوناته ثقافة مشتركة تتقارب في إشكالياتها وهمومها ومنطلقاتها. إن كون اليسار منشغلا بقضايا وهموم واحدة في حواره مع التجربة التاريخية الاشتراكية واستنطاقه لمستقبلها هو في حد ذاته عامل تقارب وتشابه بين القوى اليسارية..و علامة دالة على رفض اليسار في اجتهاده من أجل تغيير الحياة لهيمنة الفكر الوحيد والخضوع للنزوعات البراغماتية السائدة والفاقدة لكل منظور تاريخي إنساني شمولي والمفتقرة للبعد الثقافي الحضاري. أضف إلى هذا أن اليسار في بلادنا يتفق في الجملة على «»بيت القصيد» «من ضرورة المراجعة النقدية، حيث يبدو أن عنوانها الواضح يدور، نظرا «»للمرحلة التاريخية»« التي يمر منها مجتمعنا حاليا، حول «»التقدم والحداثة««لا غرو في ذلك، فالمعضلة التاريخية التي يواجهها اليسار ليست بكل المعايير »التقليدية« مهمات اشتراكية، إنها بالأحرى معضلة التأخر المجتمعي بكل حمولاته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية... وفي هذا الصدد، لا يوارب اليسار في أنه صاحب نزعة تقدمية تحديثية واضحة المعالم في كل القضايا التي يطرحها علينا واقع التأخر. ومن البين لدى اليسار أن معاركه التحديثية لا يمكنها أن تتنكر لإطارها الحضاري المغربي، أو أن تكون ضده، بل هي تنطلق منه وتتواصل معه لكي تؤسس لمعاصرة صلبة ضاربة بجذورها في العمق الثقافي للشعب المغربي بأبعاده الإفريقية والأمازيغية والعربية التي تشكل المبادئ السامية للإسلام أسمدتها. 2) على المستوى السياسي، حقق اليسار بالمغرب منذ ثلث قرن على الأقل، طفرة نوعية في وعيه الديمقراطي، طفرة برأته من كل الاختلاطات والنقائص التي شابت قسما من مسيرته، وأرست اختياره الديمقراطي على أساس نهائي وثابت. لقد استعاد اليسار للاشتراكية طابعها الديمقراطي الأصيل. فالاشتراكية باعتبارها تحرير للإنسان، وهو قيمتها العليا، لا يمكنها أن تكون إلا ديمقراطية في المبنى والمعنى أو في الوسيلة والغاية. ويتوفر لليسار، بالمغرب، اليوم، برنامج مرحلي، منها ما تحقق من خلال الدستور الجديد، ومنها مازال على أجندة الإصلاحات المرتقبة. 3) على المستوى البرنامجي: لقد استطاع اليسار أن يكيف برامجه مع المعطيات الدولية الجديدية أولويات المرحلة. وتكاد تكون نقط الاتفاق بين الأحزاب اليسارية على الاختيارات الكبرى متطابقة هنا أيضا. ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: - اختيار الانخراط الإيجابي في الاقتصاد العالمي، لا رضوخا لواقع إمبريالي، لكن تأكيدا على فكرة الكونية Universalisme التي أتى بها رواد الاشتراكية وبما يستلزمه هذا الانخراط من تأهيل للاقتصاد المغربي ليكون قادرا في المواعيد المحددة (الانعكاسات المترتبة عن المنطقة العالمية للتجارة واتفاقية الشراكة مع أوربا..) على المنافسة والاستفادة من التحولات التي يعرفها الاقتصاد العالمي، دون إغفال ولا قبول الجانب الإمبريالي بالمفهوم اللينيني للاقتصاد العالمي الراهن. - اختيار الاقتصاد المختلط مع الاحتفاظ للدولة بدور وازن في القطاعات التي لا يستطيع الرأسمال الخصوصي ولوجها, سواء في ميدان التجهيزات التحتية أو غيرها من المشاريع الكبرى أو القطاعات الرائدة... إضافة لدورها في التوجيه وضبط التوازنات الاقتصادية والاجتماعية. وهذا ما يفرض نفسه بإلحاح أكبر جراء الأزمة العالمية وعواقبها علي اقتصادنا الوطني. - اختيار العدالة الاجتماعية والتضامن المجتمعي، بما يعنيه من ارتباط صميمي بين التنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية، مع إعطاء الأولوية لتكافؤ الفرص في ميادين الشغل والتعليم والصحة، ومحاربة الفقر وإدماج المرأة في عملية التنمية الشاملة، وتشجيع المقاولات الصغرى والمتوسطة، والاقتصاد الاجتماعي مع الوعي التام أن المجتمع هو مجتمع يعتمد الصراع الطبقي, بالتالي فلا هوادة في الدفاع على مصالح الكادحين ورفض كل أنواع استغلال الإنسان للإنسان. - اختيار البعد المغاربي أولا، والعربي بمعناه اللاإثني ثانيا، باعتبارهما البعدين الحضاريين والاقتصاديين الأكثر ملحاحية في عالم التكتلات الضخمة والرافعة التاريخية للخروج من حلقة التخلف والتبعية المطلقة. - الاختيار الثقافي الذي ينطلق من الهوية المغربية ذات الأبعاد الإفريقية والأمازيغية والعربية المجتمعة في البوثقة الإسلامية. - الاختيار السياسي الديمقراطي الذي ينبذ كل أشكال الكليانية totalitarisme ,d وينبني على احترام الحريات العامة والفردية والرأي الآخر. - الاختيار التقدمي: الذي يروم مواجهة كل أشكال الماضوية والرجعية والنكوصية وبالتالي الدفع بالمجتمع إلى التقدم والتحرر، بناء على القيم العقلانية. كل هذه الاختيارات هي قواسم مشتركة بارزة في برامج أحزاب اليسار أو في تصوراتها وتكون في مجموعها محاور مشروعه المجتمعي الديمقراطي والمتجدد البناء وترتيب الأولويات بحسب طبيعة كل مرحلة. الآن، أي مستقل لليسار؟ لقد سئمنا من تلك المقولة التي تفيد أن تاريخ اليسار هو تاريخ انشقاقاته، هناك تسعة أحزاب يسارية (مع التفاوت في هذا الشأن)، فهل هناك 9 مشاريع يسارية؟ ثم أين هي المشاتل والمحاضن الطبيعية لليسار؟ كالحركة الطلابية أو الحركة النقابية التي باتت مشتتة، إن واقعنا في هذه المجالات الاخيرة يفرض علينا تقديم نقدنا الذاتي. وعليه فلا مناص من العمل الوحدوي في اتجاه قطب اليسار. وتأسيسا على ذلك، ظل السعي الوحدوي لحزبي حاضرا عبر مختلف مراحل تاريخه النضالي الحافل، بدءا بالعمل من أجل ميثاق وطني، ثم الدعوة إلى جبهة وطنية تقدمية والسعي الدؤوب لتطوير علاقات متميزة مع حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وباقي أحزاب اليسار، والإسهام البين لقيادة حزبنا في إنجاح تجربة الكتلة الديمقراطية، وصولا إلى ما يبذل من جهود لبلورة مشروع قطب اليسار. إن العبرة في التحالفات، من منظور حزب التقدم والاشتراكية ليست في التضخيم المصطنع للتنظيمات وأعداد المناضلين، بل المبتغى هو ما ينتج عن دينامية الوحدة من حركية مجتمعية منفتحة على المستقبل، بمقدورها صهر مجهودات مناضلات ومناضلين ينحدرون من آفاق مختلفة، في قوة مادية موحدة، تمكن من تأطير وقيادة الحركة الاجتماعية من أجل التغيير، وتؤلف بشكل خلاق بين إسهامات القوى المتحالفة وكل من يناصرها داخل المجتمع، في احترام للخصوصية وبعيدا عن الحسابات العددية وبالأحرى الذوبان. إن وحدة اليسار من شأنها أن تبعث من جديد الأمل في صفوف أنصاره وأن تساهم في تعبئة المواطنين والمواطنات التواقين إلى الديمقراطية الحق والحرية والعدالة الاجتماعية، أي بعبارة أخرى إلى الديمقراطية المشاركاتية والحداثة الحقيقية، خصوصا في هذا الظرف الدقيق الذي تجتازه بلادنا والذي يتميز بمخاطر تهدد مصير ومستقبل المسلسل التقدمي والمكتسبات الديمقراطية التي حققها الشعب المغربي من خلال نضالاته بقيادة قوى الصف الديمقراطي ومن ضمنها اليسار. ومن نافلة القول، إن فوز الديمقراطية في جانبها التمثيلي أولا، ثم في جوانبها الأخرى ثانيا، ورسوخها في أي مجتمع، يبنيان فيما يبنيان عليه على مدى نضج المجتمع المدني ومدى حضوره وفاعليته. ولا يخامرنا شك في أن اليسار الديمقراطي هو القوة الأكثر انسجاما والأكثر مصلحة في الدفع بقوى مجتمعنا المدني إلى هذا المستوى التاريخي المطلوب، وهي مهمة صعبة المنال في ظل التشتيت والضعف الذي يعاني منه يسارنا اليوم. إن حالة الضعف والتشتت التي طالت كل القوى الديمقراطية في بلادنا، هي المحفز الأول والأخير لقيام القطب اليساري الموحد، وبالتالي فإنها تستحق منا التفحص في معانيها البعيدة. ومن منظور الرد على الهجمة اليمينية وعلى الأخطار المحدقة بتجربة بلادنا الفتية في ميدان الدمقرطة والتقدم، فإننا في الوقت الذي نعمل فيه من أجل توحيد اليسار الاشتراكي في قطب جماهيري كبير, علينا أن نعمل في آن واحد من أجل تطوير الكتلة الديمقراطية وتوسيعها والرفع من فعاليتها... قناعة منا من أن اليسار الاشتراكي لا يمكنه أن ينمو ويقوى إلا في نهوض جماهيري ديمقراطي واسع يشمل كل القوى والفعاليات ذات نفس الطموح. هكذا ننظر، في حزب التقدم والاشتراكية إلى الإشكال المطروح. لاندعي أننا نمتلك الحقيقة, وبالتالي نحن على أتم الاستعداد للنقاش الموضوعي الرزين. (*) ألقيت هذه المداخلة في ندوة «اليسار ومغرب المستقبل» التي نظمها الاتحاد الاشتراكي