نشرة انذارية.. تساقطات ثلجية على المرتفعات بعدد من مناطق المملكة    التفكك الأسري: من إصلاح مدونة الأحوال الشخصية إلى مستجدات مدونة الأسرة المغربية    محكمة سلا تقضي بالحبس موقوف التنفيذ في حق 13 ناشطًا من الجبهة المغربية لدعم فلسطين بسبب احتجاجات    تعيين أنس خطاب رئيساً لجهاز الاستخبارات العامة في سوريا    "زوجة الأسد تحتضر".. تقرير بريطاني يكشف تدهور حالتها الصحية    تحذير من ثلوج جبلية بدءا من السبت    أبناك تفتح الأبواب في نهاية الأسبوع    المحافظة العقارية تحقق نتائج غير مسبوقة وتساهم ب 6 ملايير درهم في ميزانية الدولة    المديرية العامة للضرائب تعلن فتح شبابيكها السبت والأحد    "منتدى الزهراء" يطالب باعتماد منهجية تشاركية في إعداد مشروع تعديل مدونة الأسرة    330 مليون درهم لتأهيل ثلاث جماعات بإقليم الدريوش    سرقة مجوهرات تناهز قيمتها 300 ألف يورو من متجر كبير في باريس    نظام أساسي للشركة الجهوية بالشمال    بيت الشعر ينعى محمد عنيبة الحمري    إياب ساخن في البطولة تبدأ أطواره وسط صراع محتدم على اللقب وتجنب الهبوط    المنتخب المغربي يشارك في البطولة العربية للكراطي بالأردن    غياب الطبيب النفسي المختص بمستشفى الجديدة يصل إلى قبة البرلمان    الدحمي خطاري – القلب النابض لفريق مستقبل المرسى    العام الثقافي قطر – المغرب 2024 : عام استثنائي من التبادل الثقافي والشراكات الاستراتيجية    استخدام السلاح الوظيفي لردع شقيقين بأصيلة    الكونفدرالية الديمقراطية للشغل تصعد رفضها لمشروع قانون الإضراب    إسرائيل تغتال 5 صحفيين فلسطينيين بالنصيرات    اكتشاف جثة امرأة بأحد ملاعب كأس العالم 2030 يثير الجدل    تعاونيات جمع وتسويق الحليب بدكالة تدق ناقوس الخطر.. أزيد من 80 ألف لتر من الحليب في اليوم معرضة للإتلاف    طنجة تتحضر للتظاهرات الكبرى تحت إشراف الوالي التازي: تصميم هندسي مبتكر لمدخل المدينة لتعزيز الإنسيابية والسلامة المرورية    الارتفاع يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    بلعمري يكشف ما يقع داخل الرجاء: "ما يمكنش تزرع الشوك في الأرض وتسنا العسل"    "ال‬حسنية" تتجنب الانتقالات الشتوية    "التجديد الطلابي" تطالب برفع قيمة المنحة وتعميمها    "الاتحاد المغربي للشغل": الخفض من عدد الإضرابات يتطلب معالجة أسباب اندلاعها وليس سن قانون تكبيلي    حلقة هذا الأسبوع من برنامج "ديرها غا زوينة.." تبث غدا الجمعة على الساعة العاشرة    أسعار الذهب ترتفع وسط ضعف الدولار    هجوم على سفينة روسية قرب سواحل الجزائر    كندا ستصبح ولايتنا ال51.. ترامب يوجه رسالة تهنئة غريبة بمناسبة عيد الميلاد    مقتل 14 شرطيا في كمين بسوريا نصبته قوات موالية للنظام السابق    صناعة الطيران: حوار مع مديرة صناعات الطيران والسكك الحديدية والسفن والطاقات المتجددة    أسعار النفط ترتفع بدعم من تعهد الصين بتكثيف الإنفاق المالي العام المقبل    سنة 2024 .. مبادرات متجددة للنهوض بالشأن الثقافي وتكريس الإشعاع الدولي للمملكة    الممثل هيو جرانت يصاب بنوبات هلع أثناء تصوير الأفلام    الثورة السورية والحكم العطائية..    اعتقال طالب آخر بتازة على خلفية احتجاجات "النقل الحضري"    مباراة ألمانيا وإسبانيا في أمم أوروبا الأكثر مشاهدة في عام 2024    "أرني ابتسامتك".. قصة مصورة لمواجهة التنمر بالوسط المدرسي    المسرحي والروائي "أنس العاقل" يحاور "العلم" عن آخر أعماله    الضرورات ‬القصوى ‬تقتضي ‬تحيين ‬الاستراتيجية ‬الوطنية ‬لتدبير ‬المخاطر    جمعيات التراث الأثري وفرق برلمانية يواصلون جهودهم لتعزيز الحماية القانونية لمواقع الفنون الصخرية والمعالم الأثرية بالمغرب    مصطفى غيات في ذمة الله تعالى    جامعيون يناقشون مضامين كتاب "الحرية النسائية في تاريخ المغرب الراهن"    التوجه نحو ابتكار "الروبوتات البشرية".. عندما تتجاوز الآلة حدود التكنولوجيا    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النص الكامل لحوار أندري أزولاي مع الفقيد عبد الرحيم بوعبيد سنة 1966: المغرب جرب جميع صيغ الحكم، باستثناء الديمقراطية

سبق للجريدة أن نشرت، يوم الثلاثاء 17 يناير الجاري، مقتطفات من الحوار الذي كان أندري أزولاي قد أجراه، بصفته رئيس تحرير «ماروك أنفورماسيون»، مع الراحل الكبير سي عبد الرحيم بوعبيد في مارس وأبريل 1966، وهو الحوار الذي لم ينشر قيد حياة فقيد المغرب والمغاربة, نظرا للمنع الذي تعرض له العنوان المذكور في شهر ماي من سنة إجراء الحوار.
«الاتحاد الاشتراكي» حصلت على النسخة الكاملة من الحوار- الوثيقة الذي تمحور حول أوضاع مغرب منتصف الستينيات وسيناريوهاته المحتملة آنذاك، وتقدم ترجمته الكاملة للقراء والمهتمين.
يبدو أن الأزمة القائمة في العلاقات المغربية - الفرنسية تدفع المغرب للاقتراب أكثر من الولايات المتحدة الأمريكية. هكذا نرى توافد رجال الأعمال والاختصاصيين الأمريكيين إلى المغرب. ويقال إن المساعدة الأمريكية ستتدعم في كل المجالات، بل هناك من يذهب إلى حد الزعم أن العديد من العسكريين الأمريكيين قد عادوا إلى القنيطرة. ما رأيك في كل هذا؟
أعتقد أن الأمر يحتضن خطرا بالفعل. في فترة سابقة، كان نظام الجنرال ديغول يساند، بدون تحفظ، حكام المغرب، وذلك منذ 1960 . وعلى المستوى الداخلي، فنحن نعرف أن سفارة فرنسا وأرباب المقاولات الفرنسيين العاملين في المغرب، لم ينقطعوا، منذ الاستقلال وإلى حدود 1960، عن عرقلة سياستنا، وعن الإقدام على كل ما بوسعهم لتسريع مغادرتنا للحكومة.
زد على ذلك أن خروجنا من الحكومة كان كافيا لكي تعيد فرنسا تزويد المغرب بمساعدتها المالية، هي التي جمدتها منذ الاستقلال.
أقول هذا لأنه يتم تقديمنا الآن على أساس كوننا حلفاء لسياسة ديغول. إنه أوج العبث!
لقد لعب المستشارون الفرنسيون، على المستوى العسكري والبوليسي، دورا مهما في القمع الذي تسلط على بلادنا.
والآن، وقد تم ارتكاب غلطة مع الفرنسيين، أصبحت الحكومة المغربية تبحث عن مساندين خارجيين جدد، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية.
لكن، هل الأمريكيون مستعدون للانخراط في هذا السبيل؟ إن أقصى ما يمكن أن يدفعهم إلى سلك هذا السبيل هو رغبتهم في تشجيع وصول أنظمة "موثوق بها" إلى سدة الحكم في إفريقيا. تعرفون أن الأمريكيين يخافون من الصينيين بشكل مَرَضي.
لا أعتقد أن الأمريكيين يريدون تشجيع تصنيع فعلي في البلاد. لا أعتقد، مثلا، أنهم مستعدون لتشييد صناعتنا الحديدية. يمكنهم، على أبعد تقدير، إقامة بعض الصناعات التحويلية من قبيل صناعة عصير الفواكه. نحن لا نرفض، بالطبع، حتى هذا الصنف من الصناعة، لكن الشك يمتلكني شخصيا بالنسبة للبقية.
ما الذي يمكنهم فعله إذن؟ الاستثمار في المناجم، في النفط، المساهمة في رأسمال الصناعات الموجودة المملوكة من طرف أجانب آخرين؟ في هذه المجالات أيضا تظل الاحتمالات محدودة، كما أنها لن تقدم شيئا جديدا للبلاد إذا ما رافق الاستثمارَ الجديد سحبٌ مواز للاستثمارات السابقة.
من البديهي أن الفوسفاط يُسيل لعاب الكثيرين، لكن الأمر سيؤدي إلى منح الأمريكيين مؤسسة وطنية تمتاز بالمردودية ولها إنتاج يتم تسويقه بسهولة.
وقد سبق لي، من جهة أخرى، الحديث مع الأمريكيين أنفسهم حول هذا الموضوع لمعرفة القطاعات التي يمكنها أن تهمهم. لكن جوابهم اتسم دائما بالتملص.
علينا ألا نتعلق بالأوهام. لن تكون ثمة استثمارات أمريكية تلقائية وخاصة. سيتم، على أبعد تقدير، تقديم مساعدات مالية عمومية يمكن أن يكون حجمها كبيرا نظرا للسياسة الإستراتيجية الأمريكية الحالية، ولكن هذا سيفرض على بلادنا قبول نوع من الخضوع. زد على ذلك أن هذه الاعتبارات الإستراتيجية نفسها ظرفية، ذلك أنها تأخذ بعين الاعتبار، إلى حد بعيد، الظرفية الحالية للعلاقات الفرنسية - الأمريكية.
وفي هذا السياق، يبدو المغرب، للأسف، موافقا، بل سأقول إنه معروض للبيع تقريبا. علما بأنه من اللازم، أولا وقبل كل شيء، أن يتخذ المشتري قراره، لكن هذه قصة أخرى.
هل اقترحت عليكم المشاركة في الحكومة بعد أحداث مارس 1965؟
بالفعل، اقترح على الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في شهر مارس 1965 المشاركة في الحكومة. أجبنا حينذاك أننا نريد رئاسة الحكومة حتى نتمكن من تحمل المسؤولية الكاملة في إدارة الشأن العام. لكن المكونات الأخرى للمعارضة لم تتصل بنا، في ذلك الوقت، لنتفاوض جميعا حول إنشاء حكومة تحالف لم يكن الاتحاد سيتمسك ، ضمنها، بالوزارة الأولى بالضرورة.
خلال مفاوضاتكم مع القصر، هل بالإمكان الإفصاح لنا عن الشروط الأخرى التي وضعتموها للمشاركة في الحكومة؟
طرحنا أولا مبدأ مراجعة الدستور الحالي ( دستور 1962 - م)، وهو المبدأ الذي وافق عليه جلالة الملك. وتمسكنا، في المستوى الثاني، بضرورة إدانة الظروف التي أحاطت بالانتخابات وإقامة البرلمان ( برلمان 1963 -م)، وهو ما حصل. أما بالنسبة للجانب الاجتماعي والاقتصادي، فقد اقترحنا برنامجا مستمدا من بعض الأفكار الرامية إلى تحسين توزيع الناتج الوطني، من دون أن نذهب إلى حد اقتراح تصورنا الاشتراكي.
هكذا، عرفت الأفكار التي اقترحناها ضمن مذكرتنا الثانية للملك بداية تطبيقها، باستثناء طلبنا بتكوين حكومة يسارية يسيرها الاتحاد الوطني والاتحاد المغربي للشغل. وبالطبع، فإن مذكرتنا تضمنت نقطا تفصيلية أخرى.
يبقى أن تجربة من ذلك القبيل كانت تبدو لنا ممكنة في تلك الحقبة. وبالمقابل، فإنه لم يعد يبدو لنا ممكنا المشاركة ضمن تشكيلة حكومية تخلط في صفوفها هيئات سياسية مختلفة. هذا ما لن يوافق عليه أطرنا ومناضلونا ،لأنهم مازالوا يتذكرون جميعا تجربة سنوات 1958 1960، حين كانت حكومة عبد الله إبراهيم هدفا دائما للتخريب المتعمد من طرف بعض الوزراء أنفسهم.
لنفترض وجود الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في الحكومة. كم من الوقت ستحتاجون لتهيئ الانتخابات العامة؟
قلت لجلالة الملك إننا سنحتاج إلى ستة أشهر في أقصى تقدير لتهيئ هذه الانتخابات، وقلت له إننا مستعدون، في حالة ما إذا أراد استمرار البرلمان القديم، للتقدم أمام هذا الأخير للدفاع عن سياستنا.
لذا، فلا يجب أن يأتي أحد ليقول لنا اليوم إننا أعطينا موافقتنا على إعلان حالة الاستثناء. لم تتم استشارتنا إطلاقا حول هذا الموضوع.
يبدو أن الشرخ القائم بين الشعب والحاكمين يولد تدريجيا نوعا من اللامبالاة في صفوف مختلف فئات الساكنة. هل تعتقد أن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وهو في صفوف المعارضة، يتحمل جزءا من المسؤولية في هذا الوضع؟
أعتقد أنه ليس هناك وجود للامبالاة. إن وجودها هو ما تتمناه الأجهزة القمعية أكثر من غيرها. ليس هنالك انشغال لهذه الأجهزة غير «تهشيمنا» لأننا نمثل تجسيدا لتطلعات فئات واسعة من الشعب.
حين يشهد الشعب ويتأكد من أن اللغة الممارسة في البلاد تندرج أكثر في منحى المواجهة وأن الإعمال الحر للديمقراطية قد اختفى (انظروا إلى أحداث مارس 1965 التي لم يتم أثناءها التردد في إطلاق النار على الأطفال)، فإن هذا يؤدي بالضرورة إلى تولد نوع من اللامبالاة لدى البعض، ذلك أن هؤلاء يتساءلون إن كان بإمكان اليسار الاستمرار في الوجود وتطبيق مبادئه ذات يوم عن طريق النهج الديمقراطي.
إن عمل قوى القمع النفسي يعتمد كثيرا على بزوغ مثل هذه العقلية. والقمع، الذي يتخلله ،بين الفينة والأخرى، انفتاح نسبي، يهدف بالضبط إلى إرهاق الشعب واختبار مناضلينا. وتتمنى هذه القوى، بفعل هذا، الاستمرار في الحكم لمدة عشر سنوات أو عشرين سنة بدون معارضة، مستلهمين التجارب الإسبانية والبرتغالية حيث تعرض كل رد فعل ضد السلطة للاجتثاث تقريبا.
تم الحديث مؤخرا عن احتمال تشكيل حكومة من حزب الاستقلال والاتحاد المغربي للشغل. إلى أي حد لا يعتبر تحالف من هذا القبيل مدخلا لعزل الاتحاد الوطني؟
لا، بل إننا قلنا للاستقلال بأننا قد نضمن لهم مساندتنا في حالة تمكنهم من تشكيل حكومة بمعية الاتحاد المغربي للشغل على أساس برنامج مقبول. نحن في وضع جد مريح.
هل يمكنكم الالتحاق بهما عند الاقتضاء؟
لقد تركناهما يتحاوران آملين أن يصلا إلى نتيجة. وفي حالة ما إذا تمخضت مباحثاتهما عن حل عملي، فليس من المستبعد أن ينفتحا على آخرين.
لقد تمت كل هذه المناقشات مع السلطة، وأنا لا أعرف لماذا توقفت فجأة.
باستحضار التجارب السابقة، هل تعتقد موضوعيا أنه بالإمكان الاستمرار في الرهان على التناقضات القائمة في أوساط الحركة الوطنية؟ أم تظن، بالمقابل، أن الوعي الشعبي والضغوط الممارسة من طرف القواعد، تحد كثيرا من هامش التحرك والتسوية المتاح للأحزاب السياسية؟
أعتقد بالفعل أن هامش التحرك أصبح محدودا، وذلك رغم أن مخيلة البعض تزخر ولا تزال بالخصوبة. لنقل إن الأمور صارت، في كل الأحوال، تتسم بالوضوح اليوم، وإن الاختيارات غدت أكثر بساطة: إما سنعود إلى شكل من أشكال الديمقراطية ، وإما سنجد أنفسنا أمام حكومة عسكرية. وللأسف، فنحن بدأنا نمضي في هذا الاتجاه الأخير مع تعيين عدد من أطر الجيش في مناصب عمال.
لم يستوعب البعض الأسباب التي تكمن وراء توقيف الاتحاد الوطني للقوات الشعبية لإصدار جرائده. ويظن البعض أنه كان عليكم، على الأقل، الاستمرار في إصدار إحدى جرائدكم للتعريف بمواقفكم حول القضايا الخطيرة الراهنة.
هذا ما نريده، لكننا نصطدم بتعسف شامل. لقد تعرضت جرائدنا للحجز حوالي عشرين مرة. مواردنا المالية ليست من الصنف الذي لا ينضب للأسف، ولم يكن باستطاعتنا الاستمرار في دفع أجور مداومينا وهم معطلون عن العمل.
ومن جهة أخرى، لم يكن بإمكاننا عدم التطرق لقضية المهدي بنبركة في الوقت الذي كانت خلاله الصحافة العالمية تغطي بإسهاب الملف. أقل ما كان يمكننا القيام به إزاء رفيقنا هو ترديد ما يكتب حول قضيته عبر العالم. لم يكن بإمكاننا الصمت على كون الجنرال أوفقير يتحمل جزءا من المسؤولية. زد على ذلك أننا لا نطلب منه غير تفسير موقفه.
وفوق ذلك، فمنع الصحافة الوطنية من التطرق إلى هذه القضية أمر بليد، ذلك أنه ليس بمقدور أي كان منع المغاربة من الاستماع إلى الإذاعات الأجنبية لمعرفة ماذا يحدث. لقد ذهبنا إلى حد مطالبة رجال البوليس، ونحن نعرض عليهم صفحات الجرائد قبل طبعها، أن يدلونا على الفقرات التي علينا عدم نشرها، لكننا وجدنا أنفسنا أمام مجرد منفذين عاجزين عن الجواب، منفذون كانت التعليمات الموجهة إليهم تقتصر على منع الجرائد من الصدور.
هذا، وبمجرد ما سيصبح ذلك ممكنا، سنعيد إصدار جرائدنا.
كيف يمكننا وسم العلاقات الحالية بين الاتحاد الوطني للقوات الشعبية والاتحاد المغربي للشغل؟
فاترة وجافة.
أعتقد بصدق أن المحجوب (بن الصديق .م) يرتكب خطأ جسيما. إنه إنسان يتمتع بمواصفات لا سبيل لإنكارها، وهو صديق قديم، لكنني أظنه الآن "يهشم" مركزيته النقابية مع أن المطلوب منه، ببساطة، هو حد أدنى من الديمقراطية. نحن ضد الفيودالية السياسية، وبناء عليه، فليس ثمة مبرر لقبول هذه الفيودالية على المستوى النقابي.
والحال أن هناك أطرا شابة وواعية تريد النضال، وأنه على التنظيم النقابي أن يشرع أمامها أبواب التفتق.
ومن جهة أخرى، فالمحجوب يسعى الآن إلى إبرام اتفاقات مع حزب الاستقلال. لا اعتراض لي على ذلك، لكنه كان عليه أن يسعى إلى عقد هذه الاتفاقات معنا.
هل تعتقد أنه من الممكن، في رحم الوضع الحالي، فصل السلط بين السلطة التشريعية والتنفيذية؟
يتعلق الأمر هنا باختيار يجب الإقدام عليه؛ فإما ستظل الملكية إقطاعية مع كل النتائج المحتملة لاختيار من هذا القبيل؛ وإما ستتكيف مع العالم المعاصر. ومن جهة أخرى، فنحن لا نطالب بملكية على النمط الإنجليزي أو الاسكندنافي، إننا جد بعيدين عن هذه النماذج لكنه من اللازم إقامة نظام جدي. من الواجب، قبل أي شيء آخر، أن تكون هناك حكومة تستطيع تحمل مسؤولياتها أمام الرأي العام الداخلي والدولي.
ويجب أيضا احترام نوع من التراتبية في القيم. يجب احترام الوظيفة العمومية.
والواقع أنه لم تبق اليوم هناك إدارة، ولم تبق هناك جدية في تسيير الشؤون العامة.
لن يكون على رئيس الدولة التدخل إلا في حالات استثنائية وحول قضايا تهم المصلحة العليا. وعبر هذا، ستستمر الملكية في تجسيد استمرارية مؤسساتنا، ودوام تاريخنا وتقاليدنا، وتضطلع بدور تفوق أهميته بكثير ما تستطيع القيام به مجرد رئاسة دولة.
لا يمكن لملكية من النمط الفيودالي أن تسير بلدا عصريا.
كيف يمكن إذن إجراء مثل هذا التغيير؟
إذا كان الشعب يمثل قوة ما، فليس بإمكانه تنظيم نفسه بعفوية. يجب أن تقود الأطر، بالضرورة، كل عملية تطور، أطر منبثقة من الشعب تستطيع فهم مشاكله.
المحزن أننا نعاين، في هذا البلد، استقالة للأطر. هناك عناصر تتمتع بكفاءة عالية، لكنه يبدو، للأسف، أنها استقالت بسبب هيمنة الذاتية والنهم المفرط عليها. كيف تريدون، في ظل مثل هذه الشروط، أن يتطور الشعب بمفرده، خاصة وهو يلاحظ أن بعض النخب، التي كان يؤمن بها سابقا، قد أصبحت مجرد كراكيز عديمة الشكل، لا هم لها سوى تحقيق امتيازات شخصية.
لنذكر، على سبيل المثال، الدكتور بنهيمة، هذا الطبيب الذي يغلق المدارس ويطرد الطلبة من الحي الجامعي، في جنح الليل، ليرميهم في الشوارع. بالنسبة لي، لا يمكن لوزراء من هذه الطينة أن يحظوا بالاحترام. هم اليوم يعيدون إنتاج لازمة تعود لعهد الحماية، مفادها أن الشعب المغربي الطيب لا يبتغي غير العيش في أمن وأمان، وأن ثمة "مشاغبين محترفين" يدفعونه إلى الانزياح عن سبيله. تذكروا هذا! والمرء يستمع لهؤلاء، يتخيل له أن المغرب لم يعش سنوات طوال من الكفاح، وأن هؤلاء الناس لم يتمثلوا أبدا مثلا أعلى، ولا تطلعوا برهة من الزمن، معنا، للتعليم الذي كنا نريد توفيره لأبنائنا بعد الاستقلال.
أما نحن، فإننا فخورون بأن نظل أوفياء لهذا المثل الأعلى.
لقد اطلعت، بكل تأكيد، على المطبوع الذي نشره السيد علي يعته، والذي نشر ضمنه الرسائل المختلفة التي وجهها إلى الاتحاد الوطني للقوات الشعبية والاتحاد المغربي للشغل وحزب الاستقلال، الرسائل التي دعا فيها هذه الهيئات إلى تشكيل "وحدة وطنية". ما رأيك في هذا؟
أولا وقبل كل شيء، يجب التذكير أن الحزب الشيوعي (حزب التقدم والاشتراكية اليوم ?م) محظور. وبناء عليه، فالاقتراح هذا نابع من أشخاص، علما أنه من الضروري بالنسبة لنا أن نعرف مع من نتكلم، مع من ننخرط في الحوار. أظن أنني على علم بأنهم كانوا قد قرروا تكوين حزب جديد مؤسس على إيديولوجيا تأخذ بعين الاعتبار الإكراهات الوطنية. وحسب اعتقادي، فإن عليهم الإقدام على هذه الخطوة قبل الشروع في أية مبادرة تتعلق بالوحدة الوطنية أو توحيد اليسار. لقد تحاور الشيوعيون أيضا مع الاتحاد المغربي للشغل وحزب الاستقلال، لكنه ليست لدينا أوهام حول مآل هذه المفاوضات.
ومع ذلك، فإن طرح هذه الأفكار يظل أمرا جيدا.
طلب منا الشيوعيون في لحظة معينة، أيضا، الاندماج معهم، لكننا أجبناهم بأن هذه العملية الاندماجية ستؤدي فقط إلى انقراضنا نحن في آخر المطاف. إن مسايرتهم كانت تعني، بالنسبة لنا، التنازل عن هويتنا مقابل الانخراط في إطار افتراضي ذي معالم غير محددة بوضوح ودقة.
ألا يتطلب هذا نقدا ذاتيا من قبل الحركة الوطنية في مجملها؟ هل تم استخلاص كل الدروس اللازمة من أحداث مارس 1965 لتنسيق عمل الحركة الوطنية في مواجهة الرجعية؟
الآن، وقد انتهت هذه الأمور، يمكننا الحديث عنها بسهولة. من واجبي القول إن الأمور لم تطرح في هذا السياق إبان مناقشاتنا حول الوحدة الوطنية. مثلما يجب الاعتراف أن كل طرف كان يقوم بحساباته الخاصة. لنأخذ مثال المجلس التأسيسي، فقد كنا نلاحظ بتغييب هذا المطلب أحيانا ضمن برامج اليسار، أو التعبير عنه أحيانا أخرى حسب الظروف.
هذا، وحين تعلق الأمر بتشكيل حكومة ائتلافية قبل أحداث مارس 1965، فإن الحزب الشيوعي لم يقدم لنا دعمه.
لكنه جاء، بعد هذه الأحداث، ليطرح علينا مسألة حكومة الوحدة الوطنية. وهذا لم يكن تصورنا للأمور.
من المستحب، بالنسبة لي، أن يقوم كل واحد بنقده الذاتي، لكنه يجب، مع ذلك، التذكير بتصريحات كل طرف خلال المراحل المختلفة، وخاصة قبل وبعد أحداث مارس 1965.
وفي كل الأحوال، وفيما يخص الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، فنحن قد قبلنا دائما تحمل مسؤولياتنا من أجل المساهمة في انعتاق البلاد من وضعيتها الحالية، لكن بشرط أن تتحقق على أرض الواقع بعض الشروط المحددة.
لقد سعى رفاقنا في المعارضة، أحيانا، لاستدراجنا إلى نوع من الديماغوجية (انتخاب مجلس تأسيسي على سبيل المثال)، لكننا رفضنا أن نطرح مجددا هذه القضية لإيماننا بأنه على اليسار أن يظل واقعيا وأن لا يقيم دائما في الماضي.
وللأسف، فأنا أخشى أن لا يستمر التلويح بفكرة الوحدة الوطنية بين الفينة والأخرى، من طرف البعض على الأقل، إلا بهدف التعلق بمطلب لم يتم تحديد لا مضمونه ولا حدوده بدقة إلى حد الآن.
أقدمت، منذ البداية، على التنديد صراحة بأية شراكة بين المغرب والسوق الأوربية المشتركة. هل يمكنك، مع أخذ التطورات الأخيرة بعين الاعتبار، تأكيد هذا الموقف الأولي، أم تراك أدخلت عليه بعض التعديلات؟
أظل مناهضا، بشدة، لهذه الشراكة. وأظل أعتقد، دائما، أنها غير قابلة للتحقق في الإطار الذي اقترحته الدول الأوربية الستة (المكونة آنذاك للسوق الأوربية المشتركة ?م).
يجب التذكير أن رهان المغرب يتمثل في تسويق منتجاته الزراعية في ظل شروط مُرضية تسمح له، في نفس الآن، بتطبيق مخطط تنميته الاقتصادية. لكننا نلاحظ أن أوربا الستة تتجه نحو إقرار سياسة زراعية جد حمائية. وهي السياسة التي تسعى أساسا إلى حماية الفلاحين الأوربيين وتمكينهم من تنمية منتوجهم الفلاحي وتسويقه بحرية داخل السوق الأوربية المشتركة، وذلك بواسطة إغلاق الحدود عمليا أمام استيراد المنتوجات الزراعية الأجنبية وفرض ضرائب تعويضية متعددة. على المستوى الصناعي، ورغم بنود الحماية المتضمنة في معاهدة روما، فسنكون مجبرين على الاقتصار على بعض الصناعات التحويلية في أفضل الأحوال، وذلك تطبيقا لنوع معين من التخصص وتماشيا مع قواعد المردودية والتنافسية المقدسة. سيكون محظورا علينا إقامة صناعات أساسية نعتبرها حيوية بالنسبة لتقدمنا الاقتصادي ولإقلاعنا الفعلي.
عمليا، ونظرا لحرية المبادلات التي تعتبر نتيجة ضرورية للشراكة، فسيكون على المغرب الذهاب إلى بروكسيل قصد مناقشة كل مشروع لإقامة صناعات جديدة مؤدية إلى الحماية الجمركية، والحصول على موافقتها. ذلك أن أي حماية من هذا القبيل ستعتبر عرقلة لصادرات أوربا التقليدية نحو المغرب. أضف إلى كل هذه السلبيات تلك المتولدة عن تحديد حريتنا في المبادرة كلما فرضت علينا الضرورة تأميم قطاع حيوي.
ومع ذلك، فنحن لسنا ضد كل حوار مع السوق الأوربية المشتركة التي هي واقع لا يمكن القفز عليه. لكنه علينا أن نبحث، مع هذه المجموعة، على الصيغ المناسبة والملائمة لمصلحتنا الوطنية. ويبدو لي أن إبرام اتفاق تجاري يستجيب لهذا الأمر، اتفاق يجب أن يكون مبنيا على قاعدة المعاملة بالمثل وقابلا للمراجعة زمنيا، مما سيسمح لنا بتنويع مبادلاتنا الخارجية في نفس الوقت الذي نقيم فيه علاقات تجارية منسجمة مع السوق الأوربية المشتركة. ولكننا نتمسك، قبل أي شيء آخر، بالحفاظ على حريتنا كاملة في مجال تحديد سياسة اقتصادية تنموية وفي مجال التصنيع الذي يستجيب لحاجياتنا.
هذا، وتعرف أوربا نفسها العديد من المتغيرات. فأوربا الخضراء تجتاز الصعوبات التي يعرفها الجميع، كما أنه من الممكن أن تفتح مفاوضات مع بريطانيا وإسبانيا (علما أن الانخراط في السوق المشتركة يقتصر حصريا على الدول الأوربية).
ومن الممكن أن تؤدي كل هذه الأبعاد الجديدة إلى مراجعة معاهدة روما نفسها.
ويظهر مما سلف، في آخر المطاف، أن كل هذه الدعاية المدوية التي تحملناها طيلة سنوات والتي كان هدفها دفع المغرب إلى عقد شراكة مع السوق الأوربية المشتركة بأقصى سرعة ممكنة، (أن كل هذه الدعاية) كانت مغالية ومقصودة. وكثيرا ما تم انتقادنا على أساس كوننا نتردد في أخذ الوقت الكافي للتفكير في الموضوع، كما ووجهنا بخطر عقد شراكة بين السوق الأوربية المشتركة مع إسبانيا أو البرتغال، الخ. كل هذا كان مثيرا للسخرية. وأضيف أن انخراط المغرب في السوق الأوربية المشتركة سيجعل من بلادنا شريكا من الدرجة الثانية سيكون عليه الخضوع لقرارات الستة. لنتأمل ما الذي يحدث في إطار العلاقات بين هذه الدول الستة وشركائها من دول إفريقيا، وجميع هذه المجالس الأورو-إفريقية التي تسعى إلى أن تكون هيئات للتصور والقرار... كل هذا ليس جديا.
على مستوى الاستثمار، تمنح كل سنة لهذه الدول الشريكة بضعة مليارات لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا يمكنها في كل الأحوال أن تنقدها من التخلف.
ما رأيك في الجهود المبذولة حاليا قصد التنسيق مغاربيا؟ ويبدو للبعض أن الجزائر غير متحمسة لهذا الآن، فهل تشاطر هذا الرأي؟
التنسيق سيتحقق، لكن ليس في ظل المناخ الحالي القائم على الشك المتبادل. وللأسف، فقد تكدرت روح التعاون بسبب الخلاف الحدودي الجزائري-المغربي ومخلفاته. ومن جهتها، وبفعل خوفها من أن يتم ابتلاعها من قبل المجموعة المغاربية، فتونس تدافع عن نفسها حسب قدرتها رغم عدة مصاعب، مصاعب متولدة عن مجهودها الرامي إلى النمو الاقتصادي.
لكن، هل يجعلنا هذا الواقع نفقد الأمل في التنسيق المغاربي؟ لا أظن ذلك نظرا لأن نقط الالتقاء بين المغرب والجزائر، على سبيل المثال، متعددة، لكن شرط أن تنبثق عن حكومات جدية، حكومات ذات تصورات متطابقة وقادرة على الانخراط في المستقبل.
إن الدراسات التي تنجز حاليا مهمة لأنها تسمح بتمهيد الطريق. لكن المضي قدما إلى الأمام يستلزم، بالضرورة، تطهيرا سياسيا.
لنأخذ مثال الجبيلات حيث كان بإمكان اتحاد صناعي جزائري-مغربي أن يلحم هذه الوحدة الاقتصادية.
والحال أن جميع المفاوضات الجزائرية-المغربية حول هذا الموضوع قد تميزت دائما بالتحفظ. هكذا، وبدل تجاوز المشكل الحدودي والعمل على إنشاء قطب اقتصادي محوره حديد منطقة الجبيلات ذو الحمولة الفائقة، تم التركيز على الخلاف حول تندوف التي هي مجرد ضيعة.
لكن تشييد المغرب العربي يتطلب، كما قلت قبل قليل، حكومة جدية، حكومة يؤمن رجالاتها بهذه المهمة الآن مثلما آمنوا بها دائما.
ماذا لو طلب منك تشخيص حصيلة موجزة للوضع الحالي في المغرب؟
إذا أعددنا حصيلة، فإننا سنلاحظ، أنها غير مطابقة، للأسف، لا لفكرة ولا لمضمون الاستقلال كما كنا نتصوره إبان كفاحنا ضد الحماية.
على المستوى السياسي، وخاصة في ما يتعلق بالمؤسسات، فالحصيلة كارثية تقريبا. الملك قال هذا بنفسه في مارس 1965 . لقد اعترف أن تجربة الدستور، هذا الدستور الممنوح دون مشاركة الشعب، لم تكن مقنعة. كما اعترف العاهل أن التجربة البرلمانية، كما مورست، لم تخلق إلا شللا شبه تام في البلاد. لقد وعد الملك بمراجعة هذا الدستور، لكنه ليس من الممكن تصور هذا الإصلاح الدستوري خارج منحى الدمقرطة، ومن ثمة المشاركة الشعبية.
أما على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، فالوضعية اخطر، وتدني أوضاع المغاربة ظل معطى ثابتا طوال السنين الأخيرة. أجل معطى ثابت، لكن ليس بالنسبة للجميع، ذلك أنه بينما يستمر مستوى عيش 12 مليون مغربي في التدني، نجد بالمقابل أن ثروة بضع مئات من آلاف مواطنينا تراكمت. هكذا إذن، فقد تعمق التمايز، وأصبحنا أمام فئتين اجتماعيتين منفصلتين تماما: تلك التي تتحمل مجموع وزر نفقات الدولة وأخطائها وارتجالها من جهة، ومن جهة أخرى تلك التي تستفيد من هذه الوضعية. ومن ميزات الأوضاع الاقتصادية القائمة أن الدخل السنوي الفردي يتجاوز بالنسبة للبعض خمسمائة ألف فرنك، مما يجعله في مستوى الدخل في الدول الصناعية الأكثر رفاهية. وبالمقابل، فالدخل الفردي للأغلبية الساحقة من المغاربة الذين يعيشون في كنف اقتصاد كفاف، تلك الأغلبية التي كان من اللازم تحديدا إدماجها في القطاع العصري، تدهور بشكل ملموس. هي ذي المعالم الكبرى للوضع الحالي.
ما الوسائل التي تقترحونها لتجاوز المأزق؟
ليس ثمة وسيلة سحرية. وفي الواقع، فاللازم هو تمتيع البلاد، أولا وقبل أي شيء آخر، بحكومة مسؤولة وجدية تتوفر على سياسة متناسقة. ومن اللازم أيضا التوفر على إدارة قادرة على تنفيذ أكثر المخططات تواضعا.
إن مشكلة الدول المتخلفة لا تكمن أساسا في البحث عن الاستثمارات، بل هي، أولا، التوفر على حكومة وإدارة واعيتين بمسؤولياتهما.
لم ننتقد خصومنا السياسيين على أساس دعوتهم إلى اعتماد الليبرالية الاقتصادية كسبيل وحيد يمكن البلاد من التخلص من التخلف. لكن ما كان من حقنا مطالبتهم به، هو أن يكونوا جديين، أن يكونوا قادرين على تطبيق سياسة مستلهمة من الليبرالية الاقتصادية، متميزة بالاستمرارية، تطبيقها بجدية وبواسطة إدارة بمقدورها الحفاظ على هذا التصور. والحال أن شيئا من هذا القبيل لم يحدث. وفي الحقيقة، وبالرجوع إلى استمرارية أفكارهم، فقد كانوا ينتقلون من الليبرالية الاقتصادية إلى ما يشبه الليبرالية، ثم إلى نمط ما من الاشتراكية.
أكرر أن الحل الفعلي لتجاوز الأزمة يتمثل في تمتيع البلاد بمؤسسات وحكومة وإدارة قادرة على تطبيق أي برنامج طرح. لكن وجود مثل هذه الحكومة غير ممكن إلا إذا كانت تتمتع بالمساندة التامة من طرف الشعب.
إن هذا يختصر ، إجمالا، مشكلة مراجعة الدستور. ولقد كان فرض مؤسسات بدون مشاركة ممثلي الأمة إجراء فاشلا.
وإذا ما تم الاتفاق على مبدأ هذه المراجعة في اتجاه الدمقرطة، وفي اتجاه المشاركة الشعبية الفعلية شكليا ومسطريا، فإننا لن نكون «مماحكين» كثيرا. سنقبل، مثلا، عملا مشتركا يوفق بين الإرادة الملكية والتمثيلية الوطنية، بحيث تجسد المراجعة الدستورية نقطة الالتقاء بين هاتين الإرادتين.
حين سيرى الشعب أنه تمت استشارته، بواسطة ممثليه، حول مراجعة الدستور وتشكيل الحكومة، وحول الإصلاحات الضرورية للإدارة لكي تصبح أداة قادرة على تدبير وتطبيق البرنامج والأهداف المرسومة، فإنني متيقن من حصول صدمة نفسية وتغيير في العقليات. وسيكون بإمكاننا أن ننتظر من الفئات الأكثر حرمانا، الفئات التي عانت إلى حد الآن، أن ننتظر منها تضحيات إضافية، وهي تضحيات سيتم تحملها بفعل الأمل في كونها ستؤدي، هذه المرة، إلى التغيير.
يمكن أن يرد علينا البعض متسائلين: كيف ستحققون كل هذا؟ إنها إشكالية الوحدة الوطنية وأنتم منقسمون، علما بأن اليمين بنفسه منقسم إذا ما سلمنا بوجوده فعليا. لماذا، سيقولون لنا، لا تقيمون وحدة وطنية؟
لكن الأمر يتعلق أولا بمعرفة مضمون هذا المفهوم. نحن لسنا ضد مبدأ الوحدة الوطنية، لكنني اعتقد أنه علينا التفكير في مرحلتين حين نقارب قضية الوحدة الوطنية.
في المرحلة الراهنة، فسيكون المفروض هو صياغة برنامج مشترك وعاجل لتجاوز المأزق ومعالجة السلبيات المشار إليها، ونحن موافقون على هذا.
لكنه من المفروض تحديد معنى هذا المأزق. بالنسبة لنا، فالمأزق الحالي يعني غياب حكومة ومؤسسات تمثيلية، ومن ثمة غياب انتخابات. وبالطبع، هناك قضية مراجعة الدستور.
لنجلس إذن جميعا حول الطاولة لتحديد برنامج مشترك قادر على إعادة الأمور إلى نصابها، علما بأن الأمر يتعلق بمرحلة مؤقتة. وبعد ذلك، ستنظم الانتخابات لتفرز نتائج الاقتراع القوى السياسية في البلاد، لكن شرط أن تمر هذه الانتخابات في شروط ديمقراطية نسبيا. هكذا، وإذا أفرزت الانتخابات حزبا أغلبيا، فهو الذي سيوكل إليه أمر تشكيل الحكومة. وفي هذه الحالة، أي في حالة وجود برلمان بأغلبية مريحة، فلن تعود ثمة حاجة للوحدة الوطنية.
إن الوحدة الوطنية لا تفرض نفسها إلا في الظروف الاستثنائية، كاندلاع الحرب مثلا. أما في غياب مثل هذه الظروف الاستثنائية، فإنه على الحزب الحاصل على الأغلبية في الانتخابات أن يعمل لإخراج البلاد من الركود.
هذا، وفي حالة انتخاب برلمان بدون أغلبية واضحة فقط، يمكن تصور تشكيل حكومة ائتلافية. إن الوحدة الوطنية تصير ضرورية حين لا يمثل أي حزب الأغلبية الوطنية.
لا أحد غير الحزب الشيوعي يتحدث عن الوحدة الوطنية، مع إبداء بعض التحفظات. ومن اللازم القول إن المشهد يتحول إلى ما يشبه السوق حين لا تكون الأمور واضحة. سيقدم كل حزب منظوره الخاص للحلول التي يقترحها للقضايا الوطنية الكبرى، لكنه لن يبرز أي عامل موحد مشترك.
إذا ما نظمت الانتخابات وتمخضت عنها خريطة سياسية لا تسمح ببروز أغلبية، فحينها سنكون مضطرين لتشكيل حكومة ائتلافية. وعلى هذا الأساس الذي أوضحته، يمكننا المشاركة في اجتماع مع الأحزاب الأخرى.
هل توافقون على المشاركة في حكومة انتقالية؟
نعم.هذه الحكومة الإنتقالية ستكلف بالإعداد للإنتخابات والقيام بمراجعة الدستور.كما ستتخذ إجراءات تحفظية للتدبير.هدفها سيكون هو الوصول إلى مرحلة استقرار.
في تصور الإتحاد الوطني للقوات الشعبية، من هي الأحزاب التي يمكن أن يفتح معها الحوار؟
كل الأحزاب السياسية الموجودة التي لها بنية حقيقية، الإستقلال،الإتحاد المغربي للشغل...ولا أستثني شخصيات أخرى، حزب السيد اكديرة إذا كان موافقا. وبصفة عامة، كل حزب ممثل لتيار كبير له مكانه. نحن نقبل لعبة لديمقراطية.
الغضب عام تجاه كل الأحزاب.وإذا ما جرت الإنتخابات هل بإمكان حزب معين أن يحصل على الأغلبية؟
نحن نطمح للفوز . وفي الحقيقة ليس هناك غضب تجاه كل الأحزاب، ولكن هناك إحباط عام . يجب أن نعلم أن أي حزب لم يعط لمسار الأشياء وجهة قد تكون فشلت . نحن أعطينا لفترة قصيرة من الزمن توجها معينا لشؤون البلاد. وبالتالي فالأشياء التي تشتغل في هذه البلاد على المستوى الإقتصادي هي الأشياء التي خلقناها. نحن لا ندعي أننا خلقنا أشياء خارقة. لقد اضطلعنا بأصعب فترة كان يتعين خلالها الإضطلاع بمهمة تسيير الشؤون العامة في الوقت الذي كنا نواجه تقنيين فرنسيين كانوا يريدون استمرار الحماية.
وللخروج من هذا الوضع، كان لابد من التوفر على أفكار محددة، ومعرفة ماذا نريد، لقد وضعنا تصورا معينا )ربما تضمن بعض الأخطاء( ومؤسسات. والمخطط الخماسي كان عملا محمودا مكننا من معرفة مجمل المشاكل المطروحة على اقتصادنا ، ويجب أن لا ننسى ، أنه كان بالنسبة لنا طريقتنا الخاصة للتعلم. وانطلاقا من سنة 96 كان يفترض انطلاق الإقتصاد.
فلو أنجزنا المركب الكيماوي كما تم تصوره منذ 9591-0691 ، وطبقنا سياسة التصنيع كما رسمت في البداية، لكن بنظرة أكثر جدية: تتمين محلي إلى أقصى حد،الدعوة إلى المناولة التي كان من المفروض أن تستثمر بدورها للإستجابة للحاجيات ، وأعتقد أن المغرب كان سيصبح البلد الأكثر تصنيعا في افريقيا متجاوزا مصر.
لقد تركنا وضعية اقتصادية ومالية سليمة، فالمدخرات الخارجية للدولة كانت تمثل أكثر من مليار درهم ، ومديونية الدولة كانت تمثل 41في المائة)تمثل اليوم 42 في المائة(. وسياستنا كانت تقود إلى رؤية واضحة بأن تطور البلاد يمر عبر تراكم داخلي لرأس المال بفضل تدخل الدولة ، واستثمار أكبر نسبة من الإدخار.
كنا نريد تعويض نقص الإدخار من خلال التضخم ، ولكنه تضخم سليم كان سيمكن من بناء الناضور وآسفي، وليس تضخما موجها لتغطية النفقات غير ذات جدوى.
كان يقال بأن استثمار 02في المائة من الناتج الوطني كان مجحفا ومبالغا فيه، )اليوم نستثمر أقل من 01في المائة من الدخل الوطني( ومع ذلك أثبتت تجارب الدول المتخلفة أنه بالإمكان استثمار 02 في المائة.
ورجال الأعمال الفرنسيون لهم نصيب كبير في فشل هذا التوجه. لقد اعتقدوا أنه سيتم تأميم كل شيء، لقد انتابهم الخوف.
بعض الشركات ذات الحجم الدولي التي كانت تعرف أننا نطبق أساليب إشتراكية ابدت ثقتها فينا . وهكذاتفاوضنا مع شركة "»شل"« التي تعهدت ببناء مركب فوسفاط-أمونيوم بآسفي والتكفل بالتسويق في الخارج. اضطرت »شل «بعد ذلك للتخلي عن المشروع وإنجازه في بلد آخر.
هل الإتحاد الوطني للقوات الشعبية قادر على التفاوض مع القصر ، وهل تعتقدون أن حزبكم قادر لوحده على تحمل مسؤولية الجهاز التنفيدي، وبأية شروط؟
خلال الحوار مع الملك طيلة السنة الماضية، لم نخف اننا كنا على استعداد لتسلم السلطة على أساس برنامج محدد من أجل الوصول إلى تصور أكثر انسجاما للعمل الحكومي. الحوار لم يفض إلى تلبية مطالبنا.
هل نحن اليوم في نفس الظروف؟نعم ، نظريا.والسؤال المطروح لدينا دائما هو تدقيق الشروط التي سنتسلم فيها السلطة.
غير أنه سيكون من الأسهل والطبيعي ألا نتصور هذه القضية إلا بعد الإنتخابات. لقد انتقدنا كثيرا لطريقة المتمتلة في تعيين حزب غير تمثيلي حتى نقبل ذلك اليوم. نريد أن نحكم إذا ماحصلنا على ثقة الشعب عبر انتخابات حرة ومراقبة.وإذا لم تنبثق أغلبية من هذه الإستشارة ، إذاك يمكن النظر في إمكانية تشكيل حكومة تحالف من خلال مشاورات بين الأحزاب.
لابد من وضع مؤسسات جديدة بعد مراجعة الدستور وانتخابات حرة . في انتظار ذلك يمكن وضع حكومة ببرنامج محدد ومحدود في التدبير، ولفترة قصيرة ما أمكن قبل الإنتقال بأسرع ما يمكن إلى مرحلة الإستقرار.
غير أنه يوجد شرط أساسي حتى بالنسبة لهذه المرحلة الإنتقالية.لابد من توضيح قضية اختطاف أخينا المهدي بن بركة.بعض أعضاء الحكومة ولاسيما المدير العام للديوان الملكي أشاروا إلى ضرورة إجلاء الحقيقة. ليس لدينا هدف آخر ولا رغبة أخرى. نؤاخذ على الحكومة كونها لم تقم بما كان يجب أن تقوم به. والحكومة المغربية لم تقم بأية مبادرة تجاه الحكومة الفرنسية في قضية مواطن مغربي اختفى في ظروف مأساوية فوق التراب الفرنسي . كان يتعين على الحكومة المغربية أن تتحرك، لكنها لم تفعل شيئا. عندما يختفي عامل ، هناك السفير المغربي في عين المكان ليطلب من السلطات الفرنسية ماذا جرى.
وبعيدا عن هذا، هناك اتهامات محددة تطال بعض كبار الموظفين ، ووزير الداخلية الجنرال أوفقير. وحسب التحقيق الذي قاده قاضي التحقيق ، تأكد أن بعض المتهمين في القضية فروا من التراب الفرنسي واستقروا في المغرب. بوشيش ، لوني و دوباي لم يقدموا للعدالة الفرنسية.وزوجة بوشيش صرحت خلال التحقيق معها أمام القاضي الفرنسي أنها زارت المغرب يوم 13 أكتوبر وأن زوجها التحق بها يوم 2 نونبر. لماذا لم تعتقل السلطات المغربية هؤلاء المجرمين؟يقال اليوم أنهم غادروا المغرب لكن الشرطة المغربية لا يمكنها أن تجهل مكان تواجدهم ولا المكان الذي توجهوا إليه.
شئنا أم أبينا ، هذا المشكل يجب أن يرفع. نحن لسنا مهووسين، أو مدفوعين بشكل أعمى لاتهام فلان أو علان. فإذا كان الأشخاص الذين توجه لهم التهم أبرياء، عليهم أن يتبثوا براءتهم. وبهذه الطريقة فقط يمكن أن تظهر الحقيقة.
كيف تفسر التكذيب الصادر عن القصر في بداية نونبر 1965 والمتعلق بالاتصالات بينك شخصيا وبين العاهل؟
إنه تكذيب جد ملتبس. وحزبي لم يعتقد أنه من الضروري تكذيبه.
لقد تمت اتصالات، في عدة مرات، بين العاهل وبيني شخصيا. أجل، لم تكن هذه الاتصالات رسمية، لكن بعضها كان كذلك لأنه تم بحضور أعضاء في الديوان الملكي ومن ضمنهم على وجه الخصوص المدير العام لهذا الديوان. كنا متفقين جميعا حول موضوع هذه الاتصالات، ألا وهو البحث عن حل للوضعية.
بعد أحداث مارس، وإعلان حالة الاستثناء وتجميد البرلمان والدستور، لم يبق ثمة حوار بين العاهل والاتحاد الوطني في أفق المشاركة في الحكومة.
وبالطبع، فقد التقيت فعلا بالعاهل بعد إعلان حالة الاستثناء، لكنه لم يكن واردا إطلاقا تشكيل حكومة للاتحاد الوطني خلال هذه الفترة.
ما هي في نظرك التشكيلة الحكومية النموذجية الأكثر "قربا" من الواقع المغربي؟
يبدو لي أن الحكومة التي يمكنها أن تكون "قريبة" إلى أقصى حد من الواقع المغربي هي الحكومة الأكثر تمثيلية: حكومة منبثقة من الانتخابات.
لقد تم تجريب كل الصيغ إلى حد الآن، لكن المغرب لم يعرف إطلاقا إقامة نظام ديمقراطي حقيقي. لقد جربنا جميع الصيغ الحكومية، لكنه لم يتم أبدا الإقدام على تجربة ديمقراطية فعلية بطريقة جيدة نسبيا. لماذ لا نقوم الآن بإعمال هذه التجربة الديمقراطية لنعرف واقع البلاد؟ ذلك أنه من المحتمل جدا أن يكون هذا الواقع مختلفا عن التصور السائد لدى البعض حوله.
أعتقد بصدق أن البلاد لن تعيش انقسامات حادة بعد تنظيم انتخابات نزيهة نسبيا. سنكون أمام تيارين كبيرين، وربما يوجد تيار ثالث آخر على أكبر تقدير. وفي كل الأحوال، فأنا متأكد من انبثاق تيار أغلبي يمثله اليسار التقدمي. وسيحصل هذا التيار على الأغلبية، بكل تأكيد، حتى في البوادي، لكن شرط أن يتمتع الفلاحون بحرية التصويت.
من يكون الاتحاد الوطني اليوم وماذا يمثل حزبكم؟
هناك أولا تصورنا الذي هو تصور ذاتي، وتصور الآخرين لنا، بالإضافة إلى تصور أجهزة مخابرات الشرطة التي تتابع أنشطتنا عن قرب.
وكيفما كان الحال، فنحن نمثل، بكل تأكيد، الأمل بالنسبة لبلدنا. هل سنكون في مستوى هذا الأمل، هل سنكون قادرين على الاستجابة لانتظارات جميع فئات البلاد منا؟إن الجواب على هذا السؤال رهين بجديتنا. وفي جميع الأحوال، فالمستقبل كفيل بالجواب على هذا السؤال.ومع هذا، فنحن ديمقراطيونز وهذا يعني أننا نسعى إلى تطبيق تصورنا الاشتراكي إذا وضع الشعب المغربي ثقته فينا من خلال انتخابات نزيهة وحرة. وبالمقابل، وإذا تبين أننا أقلية كحزب، أو أننا حزب للمدن فقط كما يزعم البعض، فسنستخلص العبرة من ذلك. حينها، سيفرض علينا تكثيف العمل بهدف إقناع الفئات الأخرى من المواطنين بقبول أفكارنا.
ومع ذلك، فأنا أعتقد أن خصومنا داخل الإدارة وداخل الأحزاب السياسية الأخرى يخشون هذه الديمقراطية. هم يخشونها لأنهم يعرفون أن المفاجأة ستكون كبيرة في حالة تنظيم انتخابات حرة نسبيا. نحن نتحداهم في أن يترشحوا أمام الشعب.
أما الآن، وبالعودة إلى موضوع من يكون الاتحاد الوطني حاليا، فنحن نواجه القمع. لقد تعرضنا للتفكيك مما أثر سلبيا على تنظيماتنا. كما أن المئات من مناضلينا معتقلون، بينما اختفى آخرون أو اختطفوا منذ شهور. ومع هذا، فسنظل صامدين وسنواصل النضال كيفما كانت الأحوال، لكن مع التشبع بأمل أن يفهم حكام البلاد في نهاية المطاف، أن استقرار المؤسسات رهين بنهج سبيل الديمقراطية.
يمكن لنظام مؤسس على القمع أن يكون ناجعا خلال مرحلة معينة، لكنه لا يمكن للقمع أن يشكل نظام حكم، خاصة إذا كان همنا الأساسي هو الاستقرار والرغبة في إخراج البلاد من التخلف.
هل تظن أن الاتحاد الوطني سيستأنف نشاطه رغم القمع، أم تراه سيفضل عدم تشغيل تنظيماته؟
لم تتوقف هياكل الحزب التنظيمية عن الاشتغال في أي وقت من الأوقات. ونحن نتلاءم مع وسائل القمع.
بالطبع، لم نعد ننظم تجمعات جماهيرية ولا استعراضات قوة، وهي طرق عمل محدودة الفعالية. لكننا نحافظ على فعلنا النضالي في كل ربوع البلاد، في صفوف الفلاحين والطبقة العاملة والمثقفين.أكرر أن القمع حد من نشاطنا بالطبع، ذلك أنه يفرض علينا باستمرار تعويض مناضلينا المعتقلين أو الممنوعين من الإقامة بآخرين.
هناك نوع من الانقسام داخل الكتابة العامة للاتحاد الوطني، فهل يشكل هذا المعطى عائقا أمام حسن سير الحزب؟
نعم. لقد شكل هذا عائقا خلال فترة من الزمن. لكن الأمر لم يعد كذلك اليوم. وفي كل الأحوال، فالقاعدة لم تعد تعتبر هذا عائقا. ومع ذلك، فنحن نتمنى بصدق أن يجتمع جميع أعضاء الكتابة العامة المنبثقة عن مؤتمر 1962 ويعودون إلى الحزب الذي هم من أسسوه، وذلك في فترة لم أكن قد التحقت بهم بعد. إذا تعقل هؤلاء المسؤولون وتجاوزوا بعض التصورات التي لم تعد القاعدة تقبلها، فمن الممكن أن تتم الوحدة من جديد. وهذا مشروط، بالطبع، بالزاوية التي نتناول منها القضية.
في حالة مشاركة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في الحكومة، فما هي الإجراءات الثلاثة الأولى التي ستتخذونها في المجال السياسي (المؤسسات، التعددية الحزبية والعلاقات الدولية)، والاقتصادي (الفلاحة، المالية، التجارة والصناعة) والاجتماعي؟
على مستوى المؤسسات، يبدو لي من الضروري تزويد البلاد بحكومة قادرة على المساهمة في إقامة نظام دمقراطي.
على مستوى التعددية الحزبية، لسنا ضدها. لأننا لا ندعي امتلاك الحقيقة لوحدنا.لكننا من أجل نزاهة و صدقية الانتخابات، نحن مع انتخابات تسمح بإظهار المنظمات السياسية ذات التمثيلية الحقيقية.
على المستوى الدولي،فإن سياسة المغرب، لا يمكن وصفها بالاستمرارية. فقد مررنا من ميثاق "الدار البيضاء" إلى النزاع مع الجزائر مع عودة - متأخرة إلى حد ما- إلى المفهوم المغاربي. رغم أننا أطلقنا منذ زمن طويل هذه الفكرة المغاربية كمؤسسة قادرة على تجاوز النزاعات الحدودية لوضع علاقاتنا مع الجزائر داخل مفهوم أوسع للتعاون الاقتصادي و السياسي.
أما سياستنا الإفريقية فتتسم بالتردد الدائم: فبهذا السلوك الذي يصبو للخروج من المآزق دون الإساءة لأي أحد، تبدو سياستنا غير فعالة.فقضايا مثل جنوب إفريقيا و روديسيا والآن غانا هي قضايا أساسية. فإذا استقالت الدول الإفريقية المحررة أمام طموحات القوى الامبريالية، فستصبح بالتأكيد حقلا للتنافس الدولي.
وبالتالي، ينبغي رسم سياسة أكثر جرأة، دون أن تكون مغامرة. فالتدابير التي اتخذتها بلادنا حيال المشكل الروديسي تدابير غير فعالة. والحال أنه إذا لم تتم تسوية القضية الروديسية، فإن قضية جنوب إفريقيا لن تحل أبدا. و إذا لم يتم حل المسألة الجنوب إفريقية بدورها، فإن حركتنا التحريرية، و استقلالنا الاقتصادي و الدور الذي ننوي لعبه على الصعيد الدولي لصالح السلام و التعايش السلمي، كلها ستصاب بالضرر. فعلينا ألا ننسى الضغوط الدائمة التي تواصل ممارستها الامبريالية في قارتنا من أجل الحفاظ على نفوذها.
بيد أننا لا يمكن أن نقوم بسياسة دولية دون تبني سياسة داخلية مستندة على الاستقلال حيال الخارج، و لست واهما في هذا المجال.
أما حينما نضطر إلى التسول الدولي، و حين نلجأ دوما - من أجل مراكمة احتياطي خارجي بعد أن بددناه من قبل , إلى الديون الخارجية، فليس هناك سياسة خارجية مستقلة ممكنة.فالبلد لا يحسب له حينها أي حساب.
على الصعيد الاقتصادي، أريد في البداية التأكيد على نقطة أساسية. لا يمكن الخروج من التخلف طالما أن مشكل مراكمة الرأسمال الداخلي لم تجد لها حلا.
فحكومة اشتراكية، و لنفترض أنها حكومة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، عليها أن تضع منهجية للمراكمة الداخلية للرأسمال. هذا هو الشرط الضروري إذا أردنا تطبيق مخططاتنا للتنمية و إيلاء المساعدة الخارجية الثنائية أو متعددة الأطراف، الدور الطبيعي الذي عليها ، أي دعم المجهود الرئيسي الذي تقوم به البلاد.
مراكمة الرأسمال معناه جلب التوفير بكافة الطرق الممكنة: تأميم ، ضرائب، تقشف في النفقات العمومية، كي يتجاوز معدل الاستثمار معدل الاستهلاك بكثير. ينبغي الوصول، كيفما كان الأمر، إلى توفير 20 بالمائة من ناتجنا الوطني لتخصيصه للاستثمار.
أما بخصوص تصورنا الراهن و الذي يتمثل في تطبيق توصيات البنك الدولي و صندوق النقد الدولي، فإن من شأنه فقط أن يغرقنا في تخلفنا و يجعل منا بلدا للسياحة.
يقال لنا ، من جهة أخرى، أنه ينبغي إنقاذ العملة. لكن عن أي عملة يتحدثون؟ فالذي ينبغي إنقاذه هو مستوى العيش، هو خلق قدرة شرائية لملايين المغاربة: هذا هو المشكل الحقيقي. أما إنقاذ العملة فمعناه تطبيق سياسة المالكين والأثرياء.
إذن، فالمشاكل الحقيقية هي غير ذلك. ينبغي القيام بإصلاح زراعي، ينبغي فرض تدابير مالية تقشفية فيما يخص نفقات الدولة و القيام بإصلاح إداري. ينبغي إصلاح الوظيفة العمومية و إعطاء الكفاءة والامتياز القيمة التي يستحقانها. فمن بين مظاهر التردي اليوم، هو تهميش الكفاءات وإحباطها لدرجة نجد أنفسنا أمام أشخاص مستعدين لخدمة أي كان، و بشكل لامشروط.
ينبغي أيضا إصلاح مفهوم الحرية. فكيف يمكننا مثلا أن نقول بأن الصحافة حرة في المغرب بينما لا زال رجال الشرطة يطوقون مطابعنا لمنع صدور صحفنا. يقال لنا،حقا، أنه لا وجود للرقابة و أننا أحرار في طبع جرائدنا، لكن الشرطة أيضا حرة في منع توزيعها. أي فهم مغلوط للحرية.
على صعيد التجارة الخارجية، فإن المظهر الأساسي هو تأميم قنوات التصدير و الاستيراد و التأميم التدريجي للتجارة الداخلية. و هو ما سيشكل للدولة موردا مهما لمراكمة الرأسمال. أما اليوم، فإن الأرباح الضخمة الناتجة عن عمليات الاستيراد و التصدير، يتم تحويلها للخارج و هذه الواردات لا تمنح الأفضلية إلا للمواد الاستهلاكية غير الضرورية.
في بلاد تحتاج لجلب كل الرأسمال المتوفر نحو الاستثمار، فإن تأميم كل القطاعات يفرض نفسه.فالأمر لا يتعلق فقط بمسألة مبدئية أو بعدالة اجتماعية، لكنه أسلوب فعال للتنمية.
ينبغي أيضا رسم مخطط عقلاني تشارك فيه كافة القطاعات المعنية، و يحظى بموافقة ممثلي الأمة المنتخبين.
نحن نعتقد أن من شأن مثل هذا المخطط المرسوم في مثل هذا السياق السياسي أن يخلق الحماس لدى الفلاحين و العمال و الطبقات المتوسطة.
هل من الممكن، على الصعيد الاجتماعي، تصور تعددية نقابية أو أن مركزية واحدة هي الأفضل في نظركم؟
مبدئيا، لا يمكن أن نكون مع مركزية نقابية واحدة،لأنه يخشى أن يتم تدجينها. لكن غير المقبول هو خلق نقابات غير موجودة أو ذات وجود لا يتعدى مكتبا و تلفونا.
نحن نؤمن بأن وحدة عميقة توجد داخل الطبقة العاملة.و أغلبية هذه الطبقة موحدة بالكامل. المسألة الوحيدة التي تطرح نفسها، لكنها تتعلق بمشكل داخلي، هي ضرورة استلهام المركزية النقابية الموجودة للمناهج الدمقراطية في تعيين وانتخاب ممثلي العمال. و هذا، في رأيي، هو المشكل المطروح حاليا. لكني أكرر ، أنه فيما يتعلق بنا كحزب سياسي ، أن هذا المشكل الذي يمس مصالح الطبقة العاملة، ينبغي أن يجد حله في إطار نقابي.
من شأن سياسة انضباط كما تدعون من أجل إنقاذ البلاد على الصعيد الاقتصادي، أن تؤدي بالضرورة إلى تضحيات من طرف الجميع ، بمن فيهم الطبقة العاملة. هل تعتقدون أن بإمكان حكومة للاتحاد الوطني للقوات الشعبية، في الوقت الراهن، أن تحصل على تضحيات إضافية من طرف الطبقة العاملة؟
أنا مقتنع بأنه إذا ما وجدت حكومة تمثيلية تجسد أفكار الطبقة العاملة، فإن هذه الأخيرة ستقدم كل أنواع التضحيات، شريطة أن تكون هي و الفلاحين مقتنعين بأن تضحياتهم لن تذهب هباء. هذا يعني أن الفلاحين و العمال لن يتراجعوا أمام الحرمان إذا كانوا يعلمون مثلا بأن هذا سيوجه فعلا إلى الاستثمار، و بالتالي إلى مكافحة البطالة و التخلف. و هذا يفترض أيضا إشراك الطبقة العاملة في وضع مخططات التنمية الاقتصادية. فالتاريخ أبان بأن الطبقة العاملة قد قدمت التضحيات في السابق.
فأنا إذن مقتنع بأن حكومة تقدمية في السلطة لن تحظى فقط بدعم الطبقة العاملة بل ستخلق انخراطا حماسيا.
ماذا سيكون موقف مثل هذه الحكومة ، إذا ما طلبت تضحيات من البورجوازية الوطنية و من البورجوازية الكبرى خصوصا، و قوبلت بالرفض؟
يتطلب المشكل بالنسبة لنا ، أن ندفع البورجوازية إلى التعقل. فنحن لا نريد اغتصاب أملاكهم، لكن الوصول -بواسطة الجبايات أو بتدابير أخرى زجرية ملائمة - إلى أخذ جزء من استهلاكهم ،الذي يعد سبة للملايين من سكان هذا البلد، من أجل تخصيصه للاستثمار. أعرف بأن الكثير من البورجوازيين وطنيون و يعلمون تماما بؤس شعبنا. و بما أنهم يملكون الوسائل فإن هذه هي الفرصة لإظهار تضامنهم مع طبقة المستضعفين.
أما إذا لم تقبل البورجوازية، فآنذاك يتم فرض قانون الأغلبية.
و إذا ما أفرزت الدمقراطية ، على العكس، أغلبية بورجوازية في البلاد، نتيجة لانتخابات حرة و نزيهة، و ذلك بفضل ما تملكه هذه البورجوازية من إمكانات، و التي تسمح لها مواصلة بناء القصور غير المفيدة و التي تعد شتيمة لبؤس الآخرين، فإننا سنواصل نضالنا. و أنا مؤمن، على كل حال، بأن البورجوازية الكبرى و المتوسطة واعيتان تمام الوعي بترابط مصالحهما مع الطبقة العاملة و مع مجموع الشعب المغربي.
في حالة ما إذا بقيتم في المعارضة، كيف ترون عمليا، عملكم في المستقبل؟
- إن عمل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية يقتضي مواصلة المطالبة بتطبيق البرنامج الذي أوضحت لكم خطوطه العريضة.هذا العمل سيتواصل طالما سمح لنا الإطار القانوني بذلك.
أما إذا ما تم ، على العكس، حظر الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ففي هذه الحالة لن يعود للحزب وجود.
في حالة ما تكثف القمع ضد حزبكم، كيف ستعملون للدفاع عن برنامجكم و إلى أي حد ستظلون مسالمين؟
- سنواصل.فوضع مماثل لهذا ليس غريبا عنا.فخلال الانتخابات البلدية لسنة 1959، عرفت فروع الاتحاد الوطني للقوات الشعبية كيف تجد الأساليب لتجاوز القمع، خاصة في البادية. هذه الأساليب اقتضت تقديم مرشحين بدلا من المرشحين الذين تم اعتقالهم. و حينما تم اعتقال الأخيرين بدورهم، كنا نقدم آخرين و هكذا دواليك إلى أن تعبت السلطات، وسمحت للمرشحين الأخيرين بالتقدم للاقتراع.
هذا لكي أقول لكم أنه بالنسبة لنا، فإن الأمر يتعلق بالاستمرار إلى أن يتم اعتقالنا. آنذاك، فإنه لن يكون للاتحاد الوطني للقوات الشعبية أي وجود.
فلتتحمل الحكومات مسؤولياتها، لأننا لن ننسحب أبدا.سنتكيف مع الظروف بغريزة البقاء.
بالطبع، فنحن اليوم لا نعقد مؤتمراات و لا لقاءات ولا تجمعات، إجمالا لا نقوم بأي تظاهرات باهرة. والأمر مؤسف ربما، لكن الحقيقة أن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية حي و متواجد أكثر من أي وقت مضى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.