بعد مرور قرابة شهر ونصف على انطلاق الموسم الفلاحي، مازال المزارعون في المغرب يتطلعون برجاء إلى السماء علها تجود بأمطار تروي أراضيهم، في أعقاب 3 أعوام متوالية من الجفاف. وعلى الرغم من التساقطات الضعيفة و المتفرقة التي شهدتها بعض المناطق في البلاد، قبل أسابيع، فإن الانتظار الممزوج بالقلق والرجاء، يهيمن على الفلاحين الصغار، الذين اتصلت جريدة "الاتحاد الاشتراكي" ببعض منهم، فأكدوا أنهم ما زالوا لم يباشروا بعد عملية رمي البذور بسبب وضعية التربة الصلبة التي تضررت بفعل قلة الأمطار طوال المواسم الثلاثة الماضية. وإذا كانت الزراعات الخريفية المحصورة زمنيا بين 15 أكتوبر و15 دجنبر، تعتمد بشكل أساسي على كمية التساقطات خلال هذه الفترة الحاسمة من الموسم الفلاحي، فإن انحباس الأمطار في المناطق الزراعية الكبرى بالمملكة إلى الآن، بات يهدد العديد من هذه الزراعات، بدءا من الحبوب بشتى أنواعها ومرورا بالخضروات (لاسيما البطاطس والبصل) وانتهاء بالقطاني على اختلاف أنواعها. أحد الفلاحين من منطقة المذاكرة نواحي الدارالبيضاء (ش. ج) صرح لنا بأن هناك العديد من العوامل التي تزيد من عوامل القلق لدى المزارعين، وعلى رأسها نفاد المؤونة المالية التي تتطلبها تكاليف شراء البذور ولوازم العمليات الزراعية، هذه المؤونة المالية التي كانت عادة تتأتى من بيع جزء من القطيع، تأثرت هي الأخرى بسبب موجة الغلاء التي رفعت تكاليف جميع الأنشطة الفلاحية بدون استثناء، ما جعل الفلاحين الصغار في حاجة إلى المال لشراء المدخلات الزراعية. وعلى الرغم من أن الحكومة، ممثلة بوزارة الفلاحة، أكدت أنها قامت بتعبئة حوالي 1.1 مليون قنطار من البذور المختارة للحبوب بأسعار تحفيزية، من خلال تسويق بذور الحبوب بأسعار بيع مدعمة تصل إلى 210 درهم / قنطار للقمح اللين والشعير و290 درهم /قنطار للقمح الصلب، معلنة أن السعر المدعم لبيع بذور الحبوب (فئة (R2 هو 400 درهم / قنطار للقمح والشعير و620 درهم / قنطار للقمح الصلب، فإن مصادرنا من الفلاحين تؤكد أن أسعار معظم المدخلات الفلاحية شهدت خلال الأسابيع الأخيرة ارتفاعا متزايدا ، فبذور الشعير وصل ثمنها إلى 5 دراهم للكيلوغرام عوض درهمين أو 3 دراهم المسجلة في المواسم العادية، في حين أن بذور القمح الطري وصل سعرها اليوم في العديد من المناطق إلى 4 دراهم، هذا مع العلم أن ثلث الكمية غير قابلة للإنبات ما يرفع كلفتها الحقيقية إلى ما يناهز 7 درهم . وتضيف ذات المصادر أن الغالبية العظمى من المزارعين الصغار تجد صعوبة كبيرة في الحصول على البذور المدعمة بالأثمنة التي أعلنتها وزارة الفلاحة، وحتى عندما تتوفر هذه البذور فإنها تكون، في الكثير من الأحيان، غير ملائمة لتربة المنطقة التي توزع فيها من طرف الشركة الوطنية لتسويق البذور (سوناكوس). كل هذه العوامل مجتمعة جعلت العديد من المزارعين يترددون في بدء عملية رمي البذور، وحتى أولئك الذين يشرعون في هذه العملية لا يغامرون بزراعة المساحة الاجمالية لأراضيهم، بل يزرعون نصفها أو أقل. وفي مقابل هذه التخوفات التي يبديها المزارعون الصغار، غلبت لهجة التطمين على خطاب الجهات الرسمية التي ترى أنه من السابق لأوانه الحديث عن سنة فلاحية صعبة في البلاد في الوقت الراهن. وقد أكدت الوزارة الوصية أنها اتخذت سلسلة من التدابير، خاصة فيما يتعلق بتوفير عوامل الإنتاج (البذور والأسمدة) وتنمية سلاسل الإنتاج وإدارة مياه الري والتأمين الفلاحي والتمويل ومواكبة الفلاحين من أجل إنجاح الموسم الفلاحي وذلك في مسعى لمواجهة التحديات المتعلقة على وجه الخصوص، بندرة المياه وارتفاع تكلفة المدخلات الفلاحية. كما وعدت الحكومة بمنح إعانة لاقتناء بذور وشتلات الطماطم المستديرة والبصل وبذور البطاطس تصل إلى 50٪ من أجل تقليص تكلفة الإنتاج وضمان إنتاج هذه الخضروات لتزويد السوق الوطنية. ولتبديد مخاوف المزارعين الذين يجدون صعوبة في الحصول على الأسمدة، وعدت الوزارة الوصية بتزويد السوق ب 600000 طن من الأسمدة الفوسفاتية بنفس سعر الموسم السابق. بالنسبة للأسمدة الأزوتية التي يتم استيرادها بالكامل، تزويد السوق الوطنية بكميات كافية قدرها حوالي 500.000 طن بأثمنة مدعمة، 240 درهم/قنطار لأمونيترات النيتروجين 33٪، و330 درهم/قنطار لليوريا 46٪، و150 درهم/قنطار لكبريتات الأمونيوم 21٪ من خلال مراكز للبيع، بأسعار مدعمة وذلك للحفاظ على أسعارها عند مستويات بمتناول الفلاحين في جميع أنحاء المملكة.