تتناسل الأسئلة مع كل حلول موسم دراسي جديد. فهل من جديد أم لا تزال دار لقمان على حالها، ولا جديد تحت شمس حقلنا التربوي والتعليمي؟ إلى متى تظل مواسمنا نسخا متشابهة بنفس الأسئلة، وبنفس المشاكل، وبنفس الإكراهات وبنفس المعوقات التربوية التعليمية؟ ومن يؤدي ثمنها من غير أبناء بسطاء الشعب ممن لا طاقة لهم بنقل أبنائهم إلى التعليم الخصوصي على الأقل لإعفاء أبنائهم من (سير واجي للمدرسة بدون فائدة) بسبب الإضرابات المتوالية لأستاذة التعاقد. كبرت مشكلتهم ككرة ثلج. أعتقد جازما أن نضالاتهم في السنوات الأولى من اعتماد هذا النظام كانت نضالات مشروعة لا غبار على معقولية مطالبهم، تحقق لهم منها الكثير مما كان يهددهم، إذ كان مصيرهم تحت رحمة تقارير قد ينجزها مدير مؤسسة أو مفتش تربوي. أما اليوم فلهم كل الضمانات ليمارسوا مهامهم بأريحية، ولهم كل الحقوق التي يتمتع بها زملاؤهم الذين هم في طريق الانقراض بسبب التقاعد العادي أو النسبي. فلم يعد هناك ما يغري. فالكل متوجس من رفع السن إلى خمس وستين سنة، فضلا عن الزيادة في الاقتطاع والنقص في التعويض. فهل من حل جذري لوضع حد لهذا الوضع المتأزم لا يكون ضحيته غير مرتادي المدرسة العمومية؟ أما دغدغة العواطف والقول بأن أعلى المعدلات تكون من نصيب تلاميذها، فهي من باب مؤهلات خاصة يتمتع بها بعض المتعلمين والشاذ لا يقاس عليه. أما حال مدرستنا العمومية فخبرها عند المكتوين بنارها. إكراهات بالجملة لا تزال تعوق الفعل التربوي التعليمي وتكبله. فلا ينتظر في ظلها أن تراوح منظومتنا التعليمية مكانها. فهل من جديد بخصوص معضلة ما بات يقع خلال الامتحانات الإشهادية، إذ أصبح الغش هو الأصل والاعتماد على النفس هو الفرع. فمن بداية الموسم المفروض الحسم فيها بأية وسيلة. معظم التلاميذ أصبحت قناعتهم راسخة أن «من نقل انتقل ومن اعتمد على نفسه بقي في قسمه». حقيقة كنا في زمن مض ىنتفكه بها ونتهكم من قائلها. أحيانا لله حتى رأيناها عيانا. فأصبح الغش مكسبا لا يمكن المساس به، ومن أجله كم من أستاذ و أستاذة يحاول التصدي للظاهرة يذهب ضحيته. والطامة العظمى لما يجد الضحية نفسه وجها لوجه في المحاكم بجنحة الضرب والجرح المتبادل؟ الأستاذة (ة) يدلي بشهادة والتلميذ يدلي بشهادة ربما أيام عجزها أكثر، مما يجعل الأستاذ يتحول من ضحية إلى متهم. فهل من جديد بخصوص ظاهرة الاكتظاظ التي باتت خلال المواسم الأخيرة تحطم الأرقام القياسية بتجاوزها الخمسين وأحيانا الستين تلميذا في الفصل بسبب النقص الكبير في الأطر التربوية، والطامة بالمستويات الأساسية مثل الثالث ابتدائي أو المستوى الأول أو المستويات الإشهادية. فأية جودة يمكن الحديث عنها في ظل أقسام مكتظة بثلاثة يجلسون في طاولة واحدة وأحيانا أربعة؟ والعكس بمناطق نائية أخرى وخاصة بالوسط القروي، بسبب قلة عدد التلاميذ، فيتم اعتماد الأقسام متعددة المستويات أو الأقسام المشتركة، إذ عادة ما تسند لهم بدون تكوينات تذكر، وبدون وسائل تعليمية خاصة لهذا النوع الشاذ من التعليم، فتجد الأستاذة أو الأستاذ وكأنه يرقص للأعمى أو يغني للأصم؟ وماذا عن البنية التحتية لعدد كبير من المؤسسات وخاصة بالوسط القروي؟ كم منها لا تزال تفتقر لأبسطها كدورات المياه. فكم من الفتيات يغادرن المدارس لهذا السبب. فهل تعوز الوسيلة القائمين على الشأن التعليمي للقطع مع هذا الخصاص وتجهيز المؤسسات التعليمية بما يلزم لتكون فضاء جذب وليس فضاء تنفير من مراحيض وملاعب مجهزة وقاعات للمعلوميات ومراسم وغيرها؟ ألا يعلمون أن هذه التجهيزات بإمكانها أن تسهم بفعالية في الحد من النسبة المهولة التي تسجل بخصوص الهدر المدرسي تقدر بمئات الآلاف سنويا؟ وماذا عن المقررات وهل من جديد بشأنها شكلا ومضمونا؟ ألم يحن الوقت بعد لتكون الكفاءة هي الفيصل في توليها، ويتشكل أعضاؤها المشرفون على إقرارها من أطر كل مستوى دراسي، فأهل مكة أدرى بشعابها، بدل ما نجده في معظمها. أساتذة من أسلاك عليا يتولون وضع المقررات للابتدائي مثلا ولن تجد العكس أبدا، فتكون المقررات في واد ومستوى التلاميذ وما يناسبهم في واد آخر؟