تكتسي قمة حلف الأطلسي، الناتو، أهمية خاصة، تتميز أساسا بتجديد العقيدة الأمنية والعسكرية والسياسية للحلف ودوله، بعد أن تقادم «المفهوم الاستراتيجي» الذي وضعته قمة 0102.. ومن المتوقع أن قادة حلف شمال الأطلسي (الناتو) سوف «يكشفون خلال قمتهم في مدريد عن التزامات جديدة لتعزيز قدرات الردع العسكري للحلف».ويتميز هذا اللقاء أيضا بانعقاده على بعد كلمترات قليلة من المغرب، في العاصمة مدريد، التي دخلت بلادنا في علاقة خاصة بها. والمغرب، إضافة إلى هاته التحولات معني بأجندة الناتو، كما الناتو يضع المغرب في أجندته منذ 1995 مع انطلاق الحوار المتوسطي الأطلسي… الناتو ، في الأيام القليلة الماضية، شارك لأول مرة في مناورات الأسد الإفريقي، وهو أمر يشي بتقدم في التعاون، بعد أن كان المغرب قد حضر العديد من المناورات الكبرى للناتو سواء في البحر المتوسط أو في غيره، كما أسس المغرب لعلاقة خاصة منذ بداية التعاون في المشاركة في القوات التي ينشرها الناتو (كما في كوسوفو منتصف التسعينيات أو في غيرها). وقد أعطى الجنرال اندرو نفسه معنى لمشاركة الناتو هذه السنة بقوله «قد أصدر الناتو مؤخرا، وثيقة «الاتجاه الاستراتيجي لحلف الناتو في الجنوب»، والذي ينظر إلى قارة أوروبا ليس فقط جهة الشرق، وإنما من منظور 360 درجة لحلف الناتو. وإذا نظرت إلى الجنوب من الناتو، فستجد القارة الإفريقية بالطبع. لذا فإن إدراج الناتو في هذا التمرين (الأسد الإفريقي) يساعد في الجمع ما بين ما تقدّمه دول الناتو إلى إفريقيا وما تقدّمه إفريقيا للناتو… وهو ما ينم عن مركزية المغرب كمركز لهذا التمرين… سواء مدريد العضو أو المغرب الذي يصنف من طرف المنظمة العسكرية الغربية «الحليف الاستراتيجي المفتاح»، هناك تشابه في الجغرافيا وتكامل في الأولويات بين المغرب والبلاد الحاضنة للقمة، إسبانيا: فكلاهما على ضفتي المتوسط والأطلسي! ولست أذكر من كتب أن ماريشالا عسكريا أمريكيا وصف المغرب بأنه أكبر حاملة طائرات في العالم! ولهذا، عندما تدعو إسبانيا إلى التركيز على الضفة الجنوبية للناتو عوض التركيز الحصري على الضفة الشرقية..حيث الحرب وروسيا وطريق الصين إلى أوروبا، فإن المغرب يحضر كجزء من الانشغال الجنوبي..لها وللحلف، وقد كان الإسباني خافيير سولانا، الذي شغل منصب الأمين العام للناتو، هو الذي كتب أن «أمن المنطقة الأورو أطلسية شديد الارتباط بالأمن المتوسطي.. كما أن البعد المتوسطي أحد مكونات الهندسة الأمنية الأوروبية». وهو ما يجعل خط المواجهة بالنسبة لانخراط قائدة الحلف أمريكا لفائدة الأمن الأوروبي ينتقل نحو المتوسط وإلى ما وراء الحوض المتوسط. وفي التعريف السياسي والاستراتيجي الذي يقدمه الناتو يشكل المغرب «شريكا استراتيجيا أساسيا ومفتاحا وبلدا محركا ومحفزا على التعاون ومخاطبا مفضلا في الحوار المتوسطي»... وانخراط المغرب في منطقة الناتو، انخراط بلا تردد وشراكته بلغة الحلف نفسه، شراكة صادقة وموثوقة تظهر جليا في حضوره بانتظام في التمارين البرية والبحرية والجوية للحلف… وبالنسبة للحوار المتوسطي الذي انطلق في 1995 كان المغرب من الدول الست الأولى التي شاركت فيه. كما كانت قمة مدريد السابقة التي احتضنتها في 1997 هي المرة الأولى التي سنَّتْ بعدا جديدا للحوار بخلق «مجموعة التعاون المتوسطي»… ومن الوارد أن تتكرر القمة نفس الاهتمام بإعطاء هذا البعد نفسا جديدا وتدفع نحو أفق جديد له على ضوء ما يقع في علاقتها الجنوبية وتوتراته. ويتركز التعاون المتوسطي الأطلسي تحت قبة الناتو في الحوار السياسي والعمليات العسكرية البينية وإصلاح آليات الدفاع ومحاربة الإرهاب، وبالرغم من انعدام وجود تهديد عسكري مثلما عليه الأمر في حالة روسيا، فإن الناتو يهتم للغاية بما تسميه أدبياته «تفاعلات الأمن الناعم»، والتي تتجلى في متابعة القلق السياسي والاستقرار والقضايا السوسيو اقتصادية ودمقرطة الأنظمة وتحسين حقوق الإنسان ووضعية المرأة ومحاربة الفقر… إلخ. وهي نقط التقاء مع ما يتطور فيه المغرب، وتتعثر فيه دول متوسطية وشمال إفريقية أخرى.. لهذا يكتسي المغرب نموذجية محددة وملموسة في الأجندة الأطلسية في هذا الباب. ويلتقي المغرب والناتو في «النظرة الجديدة التي تجمع بين الأمن الخارجي والأمن الداخلي وتدفع نحو التعاون الوثيق للجمع بين مجهود التنمية الاقتصادية وبين الاستقرار السياسي لدفع المنطقة نحو السلام والاستقرار والدينامية الاقتصادية» كما نصت على ذلك تقارير الجمعية العامة للناتو بخصوص الأمن في شمال إفريقيا.. - إسبانيا تضغط كي تدخل مناطق سبتة ومليلية السليبتين ضمن خارطة الناتو، وهي رغبة عبرت عنها العديد من القوى السياسية، والحال أن اتفاقية واشنطن لم تدرج المنطقة في خارطة الناتو منذ التأسيس… وما زال الضغط الإسباني حول هذه النقطة يشكل أحد متمنيات الجارة الشمالية، بأن تنص خارطة الطريق الجديدة على ضم المدينتين السليبتين ضمن مقتضيات البند الخامس من اتفاقية الناتو، التي تجعل الهجوم على أراضي دولة عضو هجوما على الحلف بأجمعه!