وتتساقط رموز الإبداع المغربي تباعا. غادرنا الى دار البقاء ليلة الجمعة الماضية، المؤسس الأول لجيل النقاد المسرحيين المغاربة الراحل الدكتور حسن المنيعي الذي شكلت تجربته في مجال النقد المسرحي، محطة أساسية في تاريخ الأدب والفن المغربيين بصفة خاصة والعربيين بصفة عامة، كما شكلت أبحاثه مرجعية قيمة للباحثين في الميدان المسرحي، وحلقة من حلقات الدرس النقدي المسرحي الأساسية في المشروع النقدي الحديث، ما يجعل الدكتور حسن المنيعي عميدا للنقد المسرحي المغربي بامتياز. وقد نعى العديد من الكتاب والمثقفين الراحل المنيعي بكلمات مؤثرة، حيث كتب الروائي والناقد أحمد المديني: "وداعا أستاذنا وصديقنا والرائد الكبير للتجديد والتنوير الذي كنته لجيلنا ، حسن المنيعي . لا أملك الكلمات لنعيك، أنت من تعلمنا منه ذلاقة اللسان، وعذوبة اللفظ، ولطف الحوار، وجمال الأدب، ورقة الحاشية ، والشغف بالحياة، هي ضحكة رشيقة لا تفارقك . كلية الآداب في فاس ظهر المهراز، منذ ستينات القرن الماضي من اليوم ستعلن الحداد (رغم أنف الغربان) ، معها الأجيال التي علمتها وتخرجت على يديك،، وهي في ربوع المغرب كله تلهج بذكرك الحسن. أما الدرس المسرحي الذي كنت معلمه طرا، فهو في يتم؛ وهل تنسى مكناس، مكناسةً الزيتون، كنت كعبتها، وإليك المحج ، فما الطريق الى مكناس بعد رحيلك؛ عّم مساء أستاذنا وحبيبنا حسن وإلى اللقاء". الناقدة الأكاديمية زهور كرام، ودعت الراحل بعبارات مثقلة بالحزن: " يا الله كم احزنني هذا الخير. رحل أستاذنا الجليل سي حسن المنيعي الرجل الذي ينحني من شدة ثقله المعرفي والإنساني الأكاديمي الذي انتصر للبحث العلمي والمعرفة . رفض المناصب من أجل العلم وطلبته وأنا واحدة منهم . لله يرحمك أستاذي ستظل كبيرا ومحترما وتظل نورا في ذاكرتنا . حزينة جدا لرحيلك الله يرحمك أستاذي." فيما كتب المخرج المسرحي الحسين هموش ينعي أستاذه الراحل : " لاشيء يقال..جفت الحناجر...رحيل موجع...المسرح في حداد...المسرح يبكي رحيل مؤسس الدرس الجامعي والنقد المسرحي...عزائي لكل المسرحيين في بقاع هذا الوطن من المحيط إلى الخليج". مشاعر الحزن لهذا الفقد عبر عنها الناقد عبد الرحمان تمارة مدونا": "حزين جدا لرحيل أستاذي الفاضل الدكتور حسن المنيعي. أستاذي وأستاذ الأجيال. قامة علمية يتعذر تعويضها. حصل لي شرف الدراسة على يديه، لمدة سنتين بالسلك الثالث. نبل إنساني لا يحد، ومعرفة راسخة في العمق تخلخل الأفكار. محاضراته درس في الفكر والحياة. إنسان جميل الروح، عميق الفكر. لذلك تأثيره كان عميقا، ورحيله فادحا جارحا. ستظل منارة مضيئة في سماء ثقافتنا. مؤلم رحيلك. لكن هذا قدر الله. رحمك الله أستاذي الجليل النبيل برحمته الواسعة. وأسكنك الجنة. وإنا لله وإنا إليه راجعون. ولا حول ولا قوة إلا بالله". من بين القضايا الشائكة والمعقدة التي ناقشها الدكتور حسن المنيعي وحظيت باهتمامه الكبير، طيلة مساره النقدي، قضية تأسيس المسرح في المغرب وتأصيله وتطوره، إذ تميزت أعماله بالامتداد على فترة زمنية مهمة، انطلقت منذ الستينيات، رصد خلالها الراحل مختلف قضايا وإشكالات الممارسة المسرحية بصفة عامة والمغربية بصفة خاصة، فمن الاهتمام بتأريخ الظاهرة المسرحية المغربية منذ بداياتها الأولى، مرورا بمرحلة التأسيس إلى مرحلة التأصيل والتطور. أنجز الدكتور حسن المنيعي قراءات ومقاربات نقدية نوعية في طرحها ومواقفها، متعددة في مصادرها: مقالات نقدية وكتب مطبوعة وأعمال مترجمة، إضافة إلى محاضراته في مدرجات الجامعة المغربية والندوات والعروض التي قدمها في المناسبات المسرحية والثقافية، والرسائل والأطاريح الجامعية التي أشرف عليها وأطرها، فاتحا بذلك ورشا كبيرا في الجامعة المغربية لمناقشة القضايا المسرحية المغربية والعربية والعالمية، وتوجيه الطلبة إلى قضايا محددة، وبحثها ومناقشتها من زوايا مختلفة. يذكر أن الفقيد ازداد بمكناس بتاريخ 17 غشت سنة 1941. تابع درسته العليا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، حيث حصل على الإجازة في الأدب العربي سنة 1961 وعلى شهادة الدروس المعمقة في الأدب المقارن عام 1963. التحق بجامعة السوربون وحصل على دكتوراه السلك الثالث سنة 1970، كما أحرز على دكتوراه الدولة سنة 1983 من الجامعة نفسها. بدأ النشر عام 1963 بجريدة "العلم". له كتابات في المسرح والنقد الأدبي بالإضافة إلى إسهاماته في الترجمة. نشر أعماله ب جرائد: الاتحاد الاشتراكي، آفاق، أقلام، الأقلام (العراق)، الآداب (لبنان)، دراسات أدبية، الوحدة...التحق باتحاد كتاب المغرب سنة 1968 من إصدارته في النقد المسرحي نذكر: أبحاث في المسرح المغربي – التراجيديا كنموذج – آفاق مغربية – نفحات عن الأدب والفن، – هنا المسرح العربي، هنا بعض تجلياته – المسرح والارتجال، البيضاء – المسرح المغربي [من التأسيس إلى صناعة الفرجة] – المسرح والسيميولوجيا – دراسات في النقد الحديث – الجسد في المسرح – قراءة في الرواية.