لا أحد يخمن ما يدور في رأس الحكومة، أو يمكنه أن يتمرن، ولو من باب الخيال السياسي، على توقع ما قد تُبادِر إليه. في انتظار ذلك، يمكن التلهي بأكثر السيناريوهات إمعانا في الفكاهة، وأفترض أن الحكومة تحب المغاربة وهم حائرون، لا لكي يكتشفوا قدرتهم على الدهشة بل فقط لكي تبهرهم بمهارتها في «لخبطة» تصريف سياسة وقائية أمام استفحال وضع صحي، يبدو أنه ينذرنا بقسوته. لم تقدم لنا قراءة واقعية وملموسة لما يجب أن نفكر فيه جماعيا والعمل من أجله… الحكومة، ككيان، لم تقدم لنا قراءتها للخطاب الملكي وطريقة تفعيله، بل فوضت، ولا تفويض إلا بثقة، لوزير تقنو-مالي ترجمة ما تراه، إلى أرقام. لم تطرح أمامنا الأسئلة التي يطرحها المغاربة: هل نسير مثلا نحو موجة ثانية؟ وهل سنتحمل صرامتها وضراوتها لا قدر لله؟ هل سنتعايش، بايعاز من معادلة مترنحة بين الحياة الضرورية وبين الوقاية الضرورية، معها كما فعلنا إلى حدود الآن؟ ولعل أهم سؤال هو: هل الدولة تستطيع أن تصمد وتعيل الشعب كما فعلت إلى حدود الآن، ولاسيما فقراءه وعاطليه ومهمشيه ومقصييه؟ أبدا. وهذا الجواب الحاسم، الواقعي في استحالته، هو بوابة الجواب بصراحة ومصداقية.. إذن كيف سنعالج الوضع ؟ ولا أحد، بقوة المنطق الواقعي الواضح للخطاب الملكي الأخير، يمكنه أن يدعي أن الوباء صار جزءا من ماضينا، بل إننا نسير في اتجاه يزيد من قساوته… اللوحة تزداد قساوة، وما سجلناه في أسبوع واحد مضى لم نسجله طوال الأربعة أشهر الماضية… لاشيء يطمئن في الخبر ولاشيء يمكنه أن يمهد لأية لامسؤولية في قراءة هذا الوضع، كما لو أنه وضع عاد.. وكلما ازدادت اللوحة قتامة، كلما ازداد تراخي الحكومة، تراخ ليس سببه استسهال الوباء بقدر ما أن سببه التضارب في تقدير الوضعية وفي القرارات والقرارات المضادة… وحقيقة القساوة، أن الانتشار الوبائي النشيط لا يوجد في الماضي، بل هو جزء من الحاضر، وعدد الوفيات حقق رقما قياسيا منذ أيام بوفاة 19 مصابا في ليلة واحدة… ومكمن المفارقة هو أن الذي يجب أن يبعث الإشارات هي الحكومة، الإشارة المطمئنة التي تعتقد فيها وتعتمد فيها على واقعية الخطر، مع العمل على ضمان الحقوق الاجتماعية، وإلا فإن انهيارا اجتماعيا ينتظرنا جميعا.. وربما ستطلب الحكومة من المغاربة، غدا، أن يداووا أنفسهم، وتطلب منهم تحويل المنازل إلى بنيات صحية تنوب عنها في تأهيل القطاع الصحي !