أشرت في الحلقة الأولى إلى خطورة الفكر الصوفي على السياسة و الدين, باعتبار إن الفكر الصوفي المنحرف قد زاغ عن الصراط المستقيم, حيت يصد الناس عن تعاليم الله و سنة رسوله (ص) كما يصدهم عن الواقع المعيش و السياسة المتبعة في تدبير الشأن العام و قضايا المجتمعات في بلداننا العربية الإسلامية . و اتضح جليا إن الفكر الصوفي يعد من اشد الأخطار على الأمة الإسلامية , لقد حول عزتها إلى الذل و المهانة في وقتنا الراهن حيث تعيش وضعا مقلقا في جميع المجالات , هذا و لا يزال هذا الفكر مستمرا على الدوام ينخر و يهدم مجتمعات الأمة بلا هوادة , كما أشرت إلى مفهومه و مصدره استنادا إلى ما جاء في الفرقان بين أولياء الرحمان و أولياء الشيطان لشيخ الإسلام ابن تيمية .يبدو من خلاله إن لا خلاص للأمة من هذا الفكر إلا بالتخلص منه و من الفكر الإسلامي الأصولي الإرهابي المتشدد. و تأتي هذه الحلقة لإبراز العقيدة التي يرتكز عليها حسب ما جاء في كتب أهل العلم المجددين و المتنورين المناوئين لما يحمله الفكر الصوفي و يصبح عقيدة المسلمين المستمدة من الكتاب و السنة. و ها هو العلامة فضيلة الشيخ عبد الخالق عبد الرحمان ليشير في كتابه « الفكر الصوفي في ضوء الكتاب و السنة «أن أغلبية الصوفيين يخرجون على العالم بأنهم أولياء الله وأنهم يملكون مفاتيح القلوب و منهاج التربية لإخراج المسلمين من الظلمات إلى النور , و الحال أن هذه هي عقيدتهم و هذا منهجهم في إفساد دين المسلمين و صرف الناس عن رسالة رب العالمين . و من اشد خطرهم ادعاءهم التلقي المباشر من الله بكل ما جاءت به عقيدتهم و فتح باب التفسير الباطئ للقران و الحديث. و على ضوء هذا الادعاء عمد المتصوفة قديما و حديثا إلى صرف الناس عن القرآن و يكرهون تدبره بأسباب شتى و بطرق ملتوية, حيث يريد كل منهم أن يكون اله و يتصف في رحمه بصفات الله , فلننظر إلى ما جاء عن احد رجالات الصوفية الشعراني في كتابه « الكبريت الأحمر على هامش البواقيت و الجواهر « حيث يقول الله في بعض المواتق الإلهية ( يا عبادي الليل لي لا للقرآن يتلى ذلك في النهار سبعا طويلا فاجعل الليل كله لي و ما صليتك إذا تلوت القرآن بالليل لتقف على معانيه فإنها تفرقك عن المشاهدة الخوارق و الكرامات , و بالتالي شغلة و انصراف عن الله ) و الحال أن قراءة القرآن بالليل هو أعظم فريضة فرضها الله على رسوله يبلغ بذلك المنزلة العظمى يوم القيامة و جاءت فيه آيات كثيرة تشير إلى التهجد في الثلث الأخير من الليل و منها ما جاء في سورة المزمل :((يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه و رتل القران ترتيلا))و كذلك قوله في الآية 79 من سورة الإسراء ((و من الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا )) .ويستفاد من الآية الواردة في سورة المزمل أن التهجد كان فرضا على المسلمين, حيث وجه الخطاب إلى الرسول (ص) إلا انه أصبح في الآية المشار إليها في الإسراء تطوعا للتخفيف عن الأمة , و للإشارة فإن التهجد بالليل من أفضل الأعمال المقربة إلى الله , أما الصوفية فتزعم أيضا أن اجر أذكارهم هي أفضل من القران وقيل عن احمد التيجاني و غيره أن صلاة الفاتح تعدل ذكر تلي في الأرض ستة آلاف مرة ثم أن قراءة القرآن تبغض الله لان للقرآن أسرارا و رموزا ظاهرا و باطنا و لا يفهمهما إلا الشيوخ الكبار , وجاء عن بعض كبار الشيوخ المتصوفة باب الرعد صفات الملائكة و البرق زفرات أفئدتهم و المطر بكاؤهم , و قال الحلاج في قوله سبحانه (( فلله الحكم جميعا )) أن لا مكر أمين فيه من مكر الحق بعباده, حيث أوصاهم أن لهم سبيلا إليه بحال أو للحدث اقترافا مع القدم, ومن أراد المزيد من التفاصيل فليرجع إلى كتاب « تبليس إبليس صفحتي 332-333 «, و هذا هو الذي ذكره الإمام ابن الجوزي من أن هذا تأويل باطل للقرآن و الحديث و هناك نماذج كثيرة قد درج عليه من صار على هديهم إلى اليوم . و أصبح منهاجا و أسلوبا لمن امن بالتصديق لهذه الخرافات الصوفية , ومنهم الدكتور محمود مصطفى في كتابه « القران محاولة لتفسير عصري « حيث جاء في قوله أن المتصوفة هم أهل أطوار و أحوال و لهم أراء طريفة لها عمقها و دلالتها فهم يقولون آن المعصية تكون أفضل أحيانا من الطاعة فرب معصية تؤدي إلى التقرب من الله و إلى الذل و الانكسار و طاعة تؤدي إلى الخيلاء و هكذا أصبح العاصي أكثر قربا و أدبا من المطيع ,و يختم قوله أن هؤلاء أي الصوفيون هم أهل إلى القرب و الشهود الأولياء الصالحون . أما بالنسبة للعقيدة الإسلامية فهي المستهدفة من الفكر الصوفي بالأساس قصد إتلافها و تبديلها بخلط كامل الفلسفات و الخزعبلات و الخرافات التي انتشرت في العالم قديما و حديثا. أما شيخ الصوفية الأكبر ابن عربي يقول (بان كل ما عبد في الأرض من الحيوان و الأصنام و النبات والشمس و القمر إلى غيرهما بالنسبة إليه ما عبدت إلا الله و ما إبليس عنده إلا الاه و العياذ بالله , كما سبق فأعظم أولياء فيزعمون إن الولي الكامل هو الذي يأتيه الوحي صبحا و مساء و هو المطلع على الغيب و القارئ في اللوح المحفوظ و يعتقدون أيضا أن معنى إلزام النفس آفات الهموم و تعذيبها بعذاب الهموم و إلي معنى تترك الامتزاج لتلتقي الأنوار و تصفو الأرواح و تقع الاختلافات و البركات.وهكذا يتيقن أن هذه الطائفة لم تكن في كل عصورها إلا مجموعة من الزنادقة الملحدين وتظاهروا بظاهرة الشريعة التي يهتدوا إليها في زندقتهم , و هنا نذكر ما جاء عن ابن عقيل كما نقل عنه ابن الجوزية أنهم زنادقة جمعوا بين مدارع العمال مرقعات و صوف و من أكل و شرب و رقص و سماع و إهمال لأحكام الشرع و لم تتحاسر الزنادقة أن ترفض الشريعة حتى جاءت المتصوفة فجاؤوا بوضع أهل الخلافة يسلمون أنفسهم إلى شيوخهم , فإن عولوا إلى مرتبة الشيخ قيل الشيخ لا يعترض. و الخطير في الأمر أن من سار على هذا النهج الذي لا يمت إلى الإسلام بصلة , يعتقد أن المتصوفة في الله عقائدته منها الحلول كما هو مذهب الحلاج ومنها و حدة الوجود, حيث لا انفصال بين الخالق و المخلوق و هذه هي العقيدة الأخيرة التي انتشرت مند القرن الثالث الهجري إلى يومنا هذا أضيف إليها أخيرا كل رجال التصوف و أعلامهم منهم ابن عربي و ابن سبعين و التلمساني و عبد الكريم الجيلي و عبد الغني النابلسي و عامة طرق الصوفية المحدثين. أما بالنسبة للرسول (ص) فمنهم من يعتقد انه لم يصل إلى مرتبتهم وحالهم, وانه جاهلا بعلوم رجال التصوف كما قال البسطامي و منهم من يفضل الولي على النبي (ص) وعامتهم يجعل الولي مساويا لله في كل صفاته فهو يخلق و يرزق و لهم تقسيمات للولاية. وهكذا تأتي شبكة الأولياء العالمية لتتحكم في الخلق و لهم ديوان يجتمعون في غار حراء كل ليلة ينتظرون في المقادير و العباذ بالله. و يبدو أن هذه العقيدة تخالف الولاية في الإسلام التي تقوم على الدين والتقوى و الإيمان و عمل الصالحات و العبودية الكاملة لله سبحانه و الفقر إليه و أن الولي بالنسبة للشريعة لا يملك من أمر نفسه شيئا, فضلا عن انه يملك لغيره مصداقا لقوله تعالى لرسوله (ص) (( قل إني لا املك لكم ضرا و لا رشدا )) هذا ضلال مبين أما إبليس بالنسبة إليهم فيعتقد عامة الصوفية انه أكمل العباد و أفضل الخلق توحيدا لم يسبحوا لا لله بعدما رفض السجود لأدم و أن لله قد غفر له ذنوبه و ادخله الجنة . و يعتقد الصوفية بالنسبة للعبادات كالصلاة و الصوم و الحج هي عبادات العوام, أما بالنسبة إليهم فلهم عبادات مخصوصة , و قد شرع هذا قوم منهم شرائع خاصة بهم كالذكر المخصوص بهيئات مخصوصة و الخلوة و الأطعمة المخصوصة و الملابس و الحفلات المخصوصة , في حين أن العبادات التي شرعت في الإسلام تهدف إلى تزكية النفس و تطهير المجتمع و هي تتنافى مع هدف عبادة التصوف التي تربط القلب بالله للتلقي عنه مباشرة و لا حول و لا قوة إلا بالله , و لعل اخطر ما في الشريعة الصوفية هو منهجهم في التربية, حيث يستحوذون على عقول الناس و يلقونها و ذلك بإدخالهم في طريق مندرج يبدأ بالتأنيس ثم التمويل ثم بالرزق لعلوم التصوف شيئا فشيئا, ثم بالربط بالطريقة بعد ذلك للخروج , و يبدو مما سبق ذكره أن الفرق بين منهج الإسلام يختلف عن منهج التصوف في شيء أساسي جدا و يتعلق الأمر بالتلقي بالنسبة للمنهج الصوفي , ذلك أن هذا الأخير يستمد مصادره في المعرفة الدينية من الوحي المزعوم للأولياء و المنامات و اللقاء بالأموات و بالنظر في اللوح المحفوظ و الاخذ عن الجن الذين يسمونهم بالروحانيين و الشيوخ و لذلك تعددت طرق التصوف و لها آلاف الأديان, في حين أن الإسلام يحصر مصدرا لتلقي في العقائد في وحي الأنبياء و الرسل , كما جاء في الكتاب و السنة خلافا أيضا للصوفية, حيث تعتمد كتب شيوخها على سبيل المثال , كالحلاج الذي يعتمد أن كل من عبد شيئا فما عبد إلا الله و قد أشير إليه ضمن المقال , ثم كتاب ابن عربي « الفصوص « يقول ( أني رأيت رسول الله في مبشرة « رؤيا « في محروسة دمشق و أعطاني هذا الكتاب و قال لي اخرج به على الناس ) و هذا الكتاب هو الذي ذكر فيه أن إبليس و فرعون هما من العارفين الناجين و الحال أن إبليس كافر و انه و أتباعه في النار كما قال تعالى في الآية 23 من سورة إبراهيم (( وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق و وعدتكم فاخلفتكم و ما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني و لوموا أنفسكم, ما أنا بمصرخكم و ما انتم بمصرخي إني كفرت بما اشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب اليم )) . وجاء في تفسير الصابوني صاحب صفوة التفاسير أن الآية تتعلق بالخطبة البتراء التي يخطب بها إبليس أولياءه الأشقياء حين يلقى بهم في جهنم يوم الحساب , ودخل أهل الجنة الجنة و أهل النار النار, ذلك أن الله لا يخلف وعده فيتوب عن المطيع و يعاقب العاصي, في حين أن الشيطان وعد أولياءه بالا بعت له و لا تواب له و لا عقاب فكذبهم و اخلفهم الوعد و لم تكن له القدرة و التسلط و القهر بعدما استدرجهم في الدنيا للدخول في الكفر و المعصية كما انساقوا معه في الضلال بالوسوسة و التزيين فاستجابوا له عن طواعية و اختيار و بالتالي فما كان عليهم أن يلوموه و لا يلوموا إلا أنفسهم ,لأن الذنب ذنبهم و ليس بمغيثهم و لا هم بمغيثيه من عذاب الله . و قال المفسرون أيضا أن هذه الخطبة لإبليس هي التي اخبر به الحق سبحانه أهل النار عندما شرعوا في لومه لما كان يدعوعهم إليه من اتخاذ سبيله و استحب لهم أعمالهم و معتقداتهم ما انزل الله بها من شيء, ناسين قول الحق سبحانه حول النهي و التحذير من إتباع خطوات الشيطان الذي أنساهم الله فنسيهم و تركهم في طغيانهم يعمهون , وكان مصيرهم جهنم يصلونها و بيس المصير , هذا و مما لا شك فيه أن ما جاء في الذكر الحكيم من وعد و وعيد و كل أمر و نهي وبصفة عامة جميع الأحكام القطعية الواردة فيه التي لا تقبل التأويل أو الخروج عنها . هذا و انطلاقا مما جاء في الآية المشار إليها في سورة إبراهيم يبدو أن الطرق الصوفية التي انحرفت عن ما جاء في الكتاب و السنة و شرعت في الخوض عن جهالة في تأويل الآيات القرآنية بدون علم و لا سلطان مبين و أبرزت ظواهر و أحداث ربما لم يسبق لها أن كانت في أقوام قبل الإسلام كالموتفكات و أصحاب الرس و من قوم عاد و ثمود , وفي هذا الإطار روى عن احد الصوفيين عن نفسه انه مزق ثوبه و أن جبريل أخذ قطعة منه فعلقها على العرش و الامثال كثيرة ....كما هو الشأن بالنسبة للنصارى و اليهود الذين يعتقدون أنهم أولياء الله و أن محمد رسول الله , لكن إنما أرسل إلى غير أهل الكتاب و لا يجب إتباعه لأنه راسل إليهم رسلا قبله , و الحال أن الإيمان هو الإيمان بالله و كتبه و رسله ....هذا و قد ذهب بعض المتأخرين من الجهال أن من أولياء الله من يأخذون من المعدن الذي أخذ منه الملك و يقولون أن الولي يأخذ من الله مباشرة , أما النبي فيأخذ من الله بواسطة جبريل كما ذكر عن ابن عربي و عيره و زعموا أن هناك من تسقط عليه التكاليف للخروج من شريعة محمد, كما وسع الخضر للخروج من شريعة موسى و منهم من يقول أيضا أن الغوت الأكبر واحد و كل غوت له أقطاب أربعة في الأرض و لكل واحد منهم قسط من الأرض .و الواضح من ما ذكر أن الوضع الذي تعيشه الأمة العربية السلامية مازال يثير قلقا شديدا من حيث الأمن و الاستقرار و تعاني من آفات ظاهرتي الأصولية المتشددة و الإرهابية و الطرق الصوفية المنحرفة و لا يمكن الخروج من هذه الأزمة إلا بالتخلص منهما والتخلص أيضا من جميع مظاهر التخلف و التمسك بالكتاب و السنة و العقيدة .ويبدو أن القاسم المشترك بين هاتين الفئتين هو إفساد للعقيدة و الإساءة للدين الإسلامي الحنيف , أما بالنسبة لوجه الاختلاف بينهما فيتجلى في الممارسة الميدانية للأصولية التي تقتل الفكر و الجسد , و الصوفية التي تقتل الفكر و التربية على الجبن و الانطواء على النفس. ومن شأنهما العودة بالأمة إلى عصر الانحطاط , و في هذا الصدد جاءت بعض الآيات من سورة الحج لتشير إلى ما أشير إليه و ذلك بقوله سبحانه : (( ومن الناس من يجادل في الله بغير علم و لا هدى و لا كتاب منير .)) و كذلك (( ومن الناس من يجادل بغير علم و يتبع كل شيطان مريد كتب عليه انه من تولاه فإنه يضله و يهديه إلى العذاب السعير .)) وستأتي الحلقة المقبلة إن شاء الله حول الفكر الصوفي و الصوفية في المغرب و أراء علمائنا في شأنهما.