لازال الفكر الصوفي سائدا في البلدان العربية الإسلامية منذ فجر الإسلام إلى يومنا هذا و انتشرت معه الطرق الصوفية من مختلف تجلياتها و امتدت إلى بعض الدول الإفريقية وكان على رأس هذه الطريقة مثلا الطريقة التيجانية والتي ظهرت في العراق مند قرون و بسطت نفوذها إلى شمال إفريقيا و إلى السنغال البلد الإفريقي الذي أولاها كل عناية و اهتمام إلى درجة كادت أن تصبح معه مذهبا عقائديا لدى مريديها الكثيرين من مختلف الأعمار و المستويات تتميز بطقوسها و أورادها و أذكارها أكثر مما كانت عليه الطريقة في البلدان العربية الإسلامية . أما في الأندلس فقد استأثر الفكر الصوفي باهتمام العلماء و الفلاسفة إبان عهد الدولتين المرابطية و الموحدية و ألف في شأنه الكثير من مؤلفات من قبل الأئمة و الفلاسفة كالغزالي صاحب سلسلة إحياء علوم الدين و ابن رشد صاحب تهافت الفلاسفة و غيرهم ، و كذلك الشأن بالنسبة للمشرق كابي بكر بن عربي و الشعراني و محمود طه و غيرهم أيضا، لكن الملاحظ في الظرف الراهن أن الفكر الصوفي المنحرف عما يدعو إليه الكتاب و السنة في توحيد الله و العبادة يشكل خطرا على السياسة و الدين كما كان عليه منذ قرون، خاصة أن العالم العربي الإسلامي في دول المشرق وليبيا يعاني من ويلات الفكر الاسلاموي الأصولي و الإرهابي المتشدد الذي تتبناه التنظيمات التابعة للجماعات التي تنتسب للإسلام و لا علاقة لما تقوم به بالإسلام. و قد اختارت هاته التنظيمات أسلوب العنف و الاقتتال و استمرت في تخريب و تدمير بلدانها كما تمادت في تهديد الأمن و الاستقرار بها و تنخر جسم مجتمعاتها و خلخلة عقيدتها و الإساءة إلى الدين الإسلامي الحنيف . و لم يكتف الأمر عند هذا الحد بل شرعت في انهيار الأنظمة و كيان دولها . ويبدو واضحا للعيان ما آلت إليه الأمور في اليمن و ليبيا وما سادها من غموض في مصر و سوريا و العراق ، أما بالنسبة للطرق الصوفية المنحرفة فقد صرفت أغلبية الناس عن الاهتمام بالشأن السياسي و عدم الاكتراث بأوضاع التي تعيشها الشعوب من مصادرة الحريات من طرف حكوماتها و تنامي ظواهر الفقر و الانحراف و البطالة في صفوف الشباب و استشراء الفساد و الرشوة في مرافق الدولة و بصفة عامة صرفت الأنظار عن جميع القضايا التي تهم بالأساس القوت اليومي و الكرامة و حولت شريحة عريضة من الطبقات الاجتماعية بمختلف المستويات و على رأسها مختلف الأطر العليا من مختلف التخصصات العلمية و أبعدت هذه الشريحة عن العمل السياسي بعد احتوائها و استقطابها من طرف بعض الطرق الصوفية المنحرفة و الزوايا للتعبد لغير الله و تحريف للآيات القرآنية و الحال أن كل عبادة دون التوحيد فباطلة و كان على رأس أغلبية الطرق الصوفية هاته شيوخ لا يفهمون في الدين شيئا، هذا و الغريب في الأمر أن هذه الطرق الصوفية تحظى بمساندة بعض علماء و قلة من رجالات الدولة ، و الحال أن هذه الطرق لا تنتج إلا فكر الانتكاس و الخنوع و الاستسلام كما هو الشأن بالنسبة للوصف الذي وصف به المرحوم محمد كسوس عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي و رائد علم الاجتماع في جامعة محمد الخامس بالرباط بقوله أن الجامعة تنجب جيلا من الضباع بعد حذف المواد من العلوم النيرة في برامج التعليم . و للتذكير، فإن الذكرى تنفع المؤمنين يبدو أن المنتمين لهذه الطرق المنحرفة عن الكتاب و السنة لم يسبق لهم عبر التاريخ أن قاوموا الاستبداد أو انخرطوا في صفوف المقاومة ضد الاستعمار الأجنبي إبان عهد الاحتلال الأجنبي لأوطانهم بل كانوا مع فئات الأعيان الذين استعان بهم المحتل الأجنبي بل كانوا أداة طيعة في خدمته ، كما لم يقدموا أية تضحية من أجل الحرية و الكرامة و السعادة التي يسعى إليها الإنسان في حياته قبل مماته، كما لا يعرفون الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و الإنفاق في سبيل الله و غيرها من الأعمال الصالحة التي يشفع بها الإيمان في الآيات القرآنية التالية الذين امنوا و عملوا الصالحات أو من امن و عمل صالحا و يتدبر القران لمعرفة أن الله قد وعد الذين امنوا و عملوا الصالحات بالجنة، و من ثم جاء المتصوفون سلبيين في حياتهم لجهلهم بالقرءان و عدم فهمهم وتدبرهم إياه ، منطوين على أنفسهم يسرى عليهم ما جاء في الحديث النبوي مفاده أن ( لا خير فيمن لا يألف و لا يؤلف ). وكذلك ( من لا يرحم لا يرحم ). وعن الصوفية و الصوفيين فقد أشار إليهم شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه ‹›الفرقان›› بين أولياء الرحمان و أولياء الشيطان من شرح فضيلة الشيخ صالح آل الشيخ ، أن لفظ الصوفية مشتقة من الصوف حسب بعض الأقوال، لان الصوفيين يرتدون الصوف الخشن في الصيف و في الشتاء و انهمكوا في التعبد و الزهد، لا يلبسون الثياب و لا القطن و لا الكتان، لأن الصوف فيه نوع من التلذذ و إقبال عن الدنيا لذلك يرى ابن تيمية أن هذه سنتهم، لكن في أصله خروجا عن سنة النبي (ص) .لأنه كان عليه الصلاة و السلام يلبس الثياب كعادة آهل قومه ما لم يكن مما يخص المشركين في هيئتهم الظاهرة و كذلك آهل الكتاب، و قد لبس الإزار و الرداء و لبس القميص و السراويل و لبس الصوف و لبس الحز و الكتان و نحو ذلك ، و هذا يدل على أن لبس الخشن من الثياب لآهل الصلاح انه بدعة و هذه خصال آهل التقوى و الإيمان التي يتسم بها أولياء الله خلافا للمتصوفة الذين يسمون أنفسهم أولياء الله و أحباءه و الحال أنهم يتركون الجهاد في سبيل الله و ينقطعون عن الأعمال الصالحة التي ذكرها الله جل وعلا في كتابه و بينه الرسول (ص) في سنته كما أنهم يلزمون مجالسهم في مساجدهم أو يلزمون الذكر و يلتزمون البيوت الأمر الذي يفوت لهم الطاعات التي تزيد في اكتمال الإيمان و من أتى بالطاعات أفضل منهم و لو كانوا منقطعين ذلك انه كلما كان المرء أكثر طاعة لله كلما كان أعظم و أكرم عند الله لان الإيمان يزداد و ينقص ، يزداد بالطاعة و ينقص بالمعصية . لهذا ليس من صفة الأولياء الانقطاع عن مخالطة الناس و ليس من صفة الأولياء أنهم يلتزمون البحت عن النفس و عيوبها و يتركون بهذا الأعداء بأصناف الأعداء بل أن الأولياء هم الذين يمتثلون للأوامر الإلهية و سنة رسوله حيت وجبت عليهم أو توجهت إليهم ، فإذا كان المقام مقام ترك للحرام تركوه و إذا كان المقام مقام جهاد جاهدوا و إذا كان المقام مقام دعوة دعوا و إذا كان المقام مقام أمر ونهي أمروا و نهوا الخ ، كل ذلك لتحصيل ما أمر الله به. أما من يترك هذا الأشياء و يلتزم الذكر الطويل و يلتزم العبادة الطويلة و الصلاة الطويلة و يترك واجبات كثيرة ليس بأفضل من يقوم بها و هنا يكمن الفرق بين الأولياء الذين أشار إليهم سبحانه في سورة يونس بقوله (( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم و لا هم يحزنون الذين امنوا و كانوا يتقون )) و يستفاد من الآية السمتين اللتين يتسم بهما الأولياء الصالحون و هما الإيمان و التقوى ، أما الصوفية فتاتي سماتهم و عقيدتهم مخالفة لسمات الأولياء المذكورين في القرءان و لم يرد في شأنهم أية صفة في الكتاب و السنة حسب علمي. و انطلاقا ما سبق ذكره عن الفكر الصوفي و الصوفية المنحرفين خاصة في الظرف الذي يعيشه عالمنا العربي حاليا من مأساة الأصولية المتشددة ، لأثير الانتباه إلى موقف الصوفية فيما يجري انه الغياب و الصمت و العجز وهم و العدم سيان لا يقدرون على مواجهة الحروب التي تدمر الشعوب باسم الدين و لا يستطيعون إظهار مواقفهم في شأنها و هذا هو الخطر الشديد الذي يحمله الفكر الصوفي المنحرف و ليس جلب الناس من اجل التعبد و الاعتكاف و الشطحات الشيطانية التي لا تمت إلى الشريعة الإسلامية الوسطية بأية صلة بل تسيء إلى الدين و السياسة ليس إلا . و هنالك أقوال تقول حسب بن تيمية بان الصوفية منسوبة إلى كلمة يونانية « صوفيا « و هؤلاء هم متنسكة اليونان الذين يطلبون الحكمة لكن إذا عرفت تاريخ ظهور هؤلاء الصوفية في بلاد الإسلام عرفت أنه جاء من جهة النصارى لان اتصال بعض من لا علم عنده من المتزهدة بالنصارى و انقطاع أولئك مع النصارى خارج المدن في معابدهم في الكنائس أو الأديرة فهم الذين اختاروا هذا المذهب و هذه الطريقة الصوفية و أنهم آهل الإشراق الروحي أو آهل الحكمة السلوكية وهذا قول نصره طائفة من العلماء . و جاء عن هذا المذهب الصوفي كتاب « الديارات « للسيسكي و الذي يعتبر الصوفية من أصل النصارى ( انظر الصفحة 58 من شرح كتاب الفرقان المشار إليه , ومن يرغب في التفاصيل فليرجع إلى الكتاب ) هذا باختصار ما ثبت عن خطورة الطرق الصوفية ، و الصوفيين الذين جيء عنهم أنهم زاغوا و انحرفوا عن الكتاب و السنة و اعني بالضبط الطرق المنحرفة ، أم تلك التي تجمع الناس على تلاوة القران كما انزل و تمسكت بسنة النبي كما رواها العلماء الإجلاء من آهل السنة و الجماعة و يدعون إلى مكارم الأخلاق و فضائلها من التسامح و الإخاء و المحبة و القيام بالواجبات المأمور بها شرعا فلا يعنيهم المقال إطلاقا بل سيستفيدون و يفيدون مصداقا لقوله تعالى في سورة الأنعام (( إن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه و لا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله )) . و قول النبي (ص) ( إني تركت فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله و سنتي ) . للإشارة فسيأتي المقال المقبل حول عقيدة الصوفيين و أراء علماء مغاربة و شرقيين مجددين و متنورين أمثال المرحومين محمد بن العربي العلوي و المكي الناصري و غيرهما.