في يناير 2013، تعرضت آلاف المخطوطات والوثائق التاريخية النادرة، المحفوظة في "معهد أحمد بابا للتوثيق والأبحاث" بتمبوكتو، للحرق من قبل الجهاديين المسيطرين حينها على المنطقة. وحسب منظمة اليونسكو، فإن عدد النفائس المحروقة بلهيب نيران المتشددين المتأسلمين بلغ حوالي 4200 مخطوط ووثيقة من التراث الإسلامي الإفريقي. لكن، وسنة قبل الجريمة الشنعاء هذه ضد مكون أساسي من مكونات الذاكرة الفكرية والحضارية للإنسانية وموروثها الورقي النادر، أقدم عدد من الماليين الذين استشعروا الخطر الزاحف على فعل شجاع ومحفوف بالمخاطر تمثل في النقل السري من تمبوكتو إلى باماكو، عاصمة مالي، للعديد من كنوز معهد أحمد بابا ومكتبات أخرى خاصة موجودة بالمدينة. وقد كشفت ندوة علمية انعقدت مؤخرا في مالي وخصصت لصيانة وإنقاذ مخطوطات ووثائق خزانات تمبوكتو، وجود وثيقة مغربية ذات حمولة تاريخية مهمة، هي نسخة نادرة لمعاهدة مدريد الموقعة في سنة 1880 خلال حكم الحسن الأول والمتعلقة بالحماية القنصلية. وإذا كانت ممثلية اليونسكو في مالي قد قدرت عدد ما تم إنقاذه من ذخائر تمبوكتو وناحيتها في 370 ألف وثيقة ومخطوط يعود بعضها إلى القرن الثاني عشر، فإنه يبدو أن النسخة المغربية من معاهدة مدريد قد أودعت في المدينة إبان سيادة سلاطين المغرب على أمراء شمال مالي. ويروي محمد القاضي مايدا، المكتبي في معهد أحمد بابا والمكلف حاليا بالسهر على الوثائق "المهربة" من نيران التزمت وصيانتها، أنه سهر شخصيا على نقلها إلى باماكو داخل أكياس أرز وحقائب، مضيفا "لو أوقفنا الجهاديون، لكانوا بتروا أيادينا". هذا، وقد انعقد مؤتمر مدريد سنة 1880 بحضور ممثلي الدول الأوربية والولايات المتحدة والمغرب، وتمخضت عنه قرارات من أهمها تأكيد الحماية القنصلية، ومنح المحميين في المغرب امتيازات منها عدم الخضوع لقانون البلاد، وبالتالي عدم أداء الضرائب والرسوم الجمركية والغرامات والخدمة العسكرية.