في بداية الأسبوع الجاري، وهم يهمون بالانسحاب من تمبوكتو، جوهرة الصحراء المتربعة فوق الرمال، حاضنة الإسلام في المنطقة ومنارة العلم فيها ومجمع الفقهاء والعلماء، أقدم المتطرفون الماليون الذين يضعون قناع ديانة الرسول محمد على إضرام النار في محتويات معهد أحمد بابا النفيسة، وهي عبارة عن آلاف المخطوطات الإسلامية النفيسة التي تعود إلى عدة قرون. وحسب الأخبار الواردة أمس الأربعاء، فإن ألسنة النيران «الإسلامية المتطرفة» قد أفلتت الجزء الأكبر من نفائس العاصمة الثقافية والروحية للإسلام في الصحراء الكبرى خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر. وهو خبر لا يمكن إلا أن يغضب أعداء الفكر والحفاظ على التراث العالمي كيفما كانت لغته أو العقيدة التي ينتمي إليها. وإذا كان معهد كيب تاون الجنوب إفريقي هو المشرف على حفظ الثروة المادية والرمزية التي تشكلها مخطوطات معهد أحمد بابا للدراسات العليا والأبحاث الإسلامية (ما بين 60 ألفا و 100 ألف مخطوط) وباقي فضاءات تمبوكتو التي تضم ما لا يقل عن 300 ألف وثيقة تاريخية نادرة، فإن متشددي مالي أكدوا عداءهم، ومعهم كل مدمني التعصب، للثقافة والتراث المتنور والفكر المنفتح عبر جريمتهم الثقافية هذه. إنهم كانوا يبتغون إقبار تاريخ المدينة العلمية ووأد ذاكرتها، علما بأنهم خربوا العديد من ثرواتها المعمارية والدينية حين سيطرتهم عليها، وأن من يدافعون عنهم اليوم باسم «سيادة» مالي الافتراضية لم ينبسوا بحرف يتيم أيامها والتراث الإسلامي بالمنطقة يتعرض للذبح من الوريد إلى الوريد بدعوى كونه بدعة! ولم يفعل متطرفو مالي الذين يضعون قناع إسلام طهراني مفترى عليه إلا تكرار تجارب أمثالهم، ذلك أن كراهية كل ما يمت للفكر والعلم والثقافة والفنون الجميلة منغرسة في جيناتهم. أو ليس «أهل ملتهم» الحاملين لصفة «طالبان» هم من دمر تماثيل بوذا في باميان الأفغانية بعد وسمها بكونها... أصناما حرمها الإسلام!؟ نعرف أن التطرف ينطلق دائما بافتعال حروب صغيرة حول قضايا تبدو غير ذات أهمية من قبيل قبلة في شريط أو ساق عارية لممثلة أو جسد نسائي يزين غلاف كتاب، لكن لا أحد يستطيع التنبؤ بالحد الذي قد يصله في مسلسل التحريم. ولذا فمواجهته يجب أن تبدأ منذ التجليات الأولى له، قبل أن تصل نيرانه للكتب، تاريخية كانت أو معاصرة، ومتفجراته للموروث المعماري.