مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    الاعلام الإيطالي يواكب بقوة قرار بنما تعليق علاقاتها مع البوليساريو: انتصار للدبلوماسية المغربية    الخطوط الملكية المغربية تستلم طائرتها العاشرة من طراز بوينغ 787-9 دريملاينر    مؤتمر الطب العام بطنجة: تعزيز دور الطبيب العام في إصلاح المنظومة الصحية بالمغرب    استقرار الدرهم أمام الأورو وتراجعه أمام الدولار مع تعزيز الاحتياطيات وضخ السيولة    السلطات البلجيكية ترحل عشرات المهاجرين إلى المغرب    الدفاع الحسني يهزم المحمدية برباعية    طنجة.. ندوة تناقش قضية الوحدة الترابية بعيون صحراوية    وفاة رجل أعمال بقطاع النسيج بطنجة في حادث مأساوي خلال رحلة صيد بإقليم شفشاون    أزمة ثقة أم قرار متسرع؟.. جدل حول تغيير حارس اتحاد طنجة ريان أزواغ    جماهري يكتب: الجزائر... تحتضن أعوانها في انفصال الريف المفصولين عن الريف.. ينتهي الاستعمار ولا تنتهي الخيانة    موتمر كوب29… المغرب يبصم على مشاركة متميزة    استفادة أزيد من 200 شخص من خدمات قافلة طبية متعددة التخصصات    حزب الله يطلق صواريخ ومسيّرات على إسرائيل وبوريل يدعو من لبنان لوقف النار    جرسيف.. الاستقلاليون يعقدون الدورة العادية للمجلس الإقليمي برئاسة عزيز هيلالي    دعوات لإحياء اليوم العالمي للتضامن مع الفلسطينيين بالمدارس والجامعات والتصدي للتطبيع التربوي    ابن الريف وأستاذ العلاقات الدولية "الصديقي" يعلق حول محاولة الجزائر أكل الثوم بفم الريفيين    توقيف شاب بالخميسات بتهمة السكر العلني وتهديد حياة المواطنين    بعد عودته من معسكر "الأسود".. أنشيلوتي: إبراهيم دياز في حالة غير عادية    مقتل حاخام إسرائيلي في الإمارات.. تل أبيب تندد وتصف العملية ب"الإرهابية"    الكويت: تكريم معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية كأفضل جهة قرآنية بالعالم الإسلامي    هزة أرضية تضرب الحسيمة    ارتفاع حصيلة الحرب في قطاع غزة    المضامين الرئيسية لاتفاق "كوب 29"    مع تزايد قياسي في عدد السياح الروس.. فنادق أكادير وسوس ماسة تعلم موظفيها اللغة الروسية    شبكة مغربية موريتانية لمراكز الدراسات    ترامب الابن يشارك في تشكيل أكثر الحكومات الأمريكية إثارة للجدل    تنوع الألوان الموسيقية يزين ختام مهرجان "فيزا فور ميوزيك" بالرباط    خيي أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    مواقف زياش من القضية الفلسطينية تثير الجدل في هولندا    بعد الساكنة.. المغرب يطلق الإحصاء الشامل للماشية    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد        نادي عمل بلقصيري يفك ارتباطه بالمدرب عثمان الذهبي بالتراضي    مدرب كريستال بالاس يكشف مستجدات الحالة الصحية لشادي رياض    الدكتور محمد نوفل عامر يحصل على الدكتوراه في القانون بميزة مشرف جدا    فعاليات الملتقى العربي الثاني للتنمية السياحية    ما هو القاسم المشترك بيننا نحن المغاربة؟ هل هو الوطن أم الدين؟ طبعا المشترك بيننا هو الوطن..    ثلاثة من أبناء أشهر رجال الأعمال البارزين في المغرب قيد الاعتقال بتهمة العنف والاعتداء والاغتصاب    موسكو تورد 222 ألف طن من القمح إلى الأسواق المغربية        ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    مظلات ومفاتيح وحيوانات.. شرطة طوكيو تتجند للعثور على المفقودات    الغش في زيت الزيتون يصل إلى البرلمان    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة    قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في محيط السفارة الإسرائيلية    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مخطوطات تومبوكتو النفيسة بمالي.. إنقاذ 360 ألف مخطوط من نيران ظلامية القاعدة وأنصار الدين

في الزقاق الممتد، حيث يوجد مسجد سيدي يحيا، بقلب تومبوكتو (بمالي)، ثمة باب خشبي قديم مزين بنقوش نحاسية، ينبهك بحروفه البيض الناصعة أنك أمام «مكتبة الونغاري»، محفورة بالعربية والفرنسية. يبادرك المختار سيدي يحيا بالقول: «أنا حفيد حفيد مؤسسها»، وهو المسؤول اليوم عن أقدم مكتبات المدينة، التي تعود إلى القرن 15 والتي تضم 9 آلاف مخطوط. مؤكدا باعتزاز أنها: «تضم مراجع طبية ودينية وفي الحساب وأحاديث السيرة والفلك. فهي تضم مختلف المعارف ويكفي أن تعلم أنها تضم 8 آلاف قصيدة لشعراء تومبوكتو».
حيطانها تتفتت وفي السقف ثمة دوائر تهوية تسمح بإنارة المكان. لقد بقيت المكتبة تلك مغلقة خلال احتلال القاعدة للمدينة، «حتى لا نثير انتباههم». مما يعني عدم إجراء أية إصلاحات لمواجهة تبعات المطر والرياح، خلال الأشهر العشرة للإحتلال بين أبريل 2012 و يناير 2013، بل إن أولئك المتطرفين قد حاولوا تدميرها مثلما فعلوا مع مختلف أضرحة المدينة. ويؤكد محافظ المكتبة قائلا: «حين رأيت الخطر قادما، استنجدت بكل أبناء العمومة من عائلتي، لأن المكتبة إرث عائلي أيضا، حيث هربنا مختلف المخطوطات وبفضل مساعدة سبعة منهم تمكنا من حمل الصناديق إلى منازل بعض أبناء العمومة. وحرصنا أن نخبئها عند أفراد العائلة دون غيرهم لأنها ثروة هائلة لا يمكن أن نغامر بوضعها في أي مكان. ولقد بنينا عليها حيطانا جديدة في تلك المنازل حتى لا يكتشفها أحد.» وبفضل تلك المبادرة أنقذت اليوم كل تلك المخطوطات.
ففي مدينة تومبوكتو، تتوفر العديد من العائلات على مخطوطات قيمة، تم توريثها من جيل إلى جيل منذ قرون. وحسب تقديرات لليونيسكو فإنه ثمة حوالي 370 ألف مخطوط. دون إغفال وجود مخطوطات أخرى عند عدد من العائلات لم تكشف عنها أبدا، حماية لها من أية أياد خارجية، أو فقط لعدم إدراكها لأهميتها. وهي جميعها محررة بين القرنين 15 و 19، وأغلبها في القرن 18، حين كانت تومبوكتو مركزا علميا ودينيا ما جعلها وثائق تعالج مختلف العلوم من فلك وقانون وشعر وعلوم الدين. ولقد قامت عشرات العائلات أثناء الإحتلال، بما قامت به عائلة مختار سيدي يحيا، حيث أنها خبأت عشرات المخطوطات تحت أخشاب أو في آبار حفرت خصيصا لهذا الغرض في فناءات المنازل، حتى يحموها من همجية القاعدة. بل كانت هناك محاولات أخرى أكثر خطورة، مثل ما وقع في المعهد العالي للدراسات والأبحاث الإسلامية المعروف بمعهد أحمد بابا. فقبل الإحتلال كانت مكتبته تضم 40 ألف مخطوط. ويؤكد بويا حيدرة مراقب المكتبة قائلا: «كنا نتوفر على أرشيف رقمي وقاعة حفظ حديثة، لكن أنظر لاشيء بقي اليوم، فقد سرقوا كل أجهزة الكمبيوتر وأرشيفنا الرقمي».
قبل وصول القوات الفرنسية والإفريقية، قامت عناصر القاعدة في المغرب الإسلامي وعناصر أنصار الدين، بتدمير كل الأرشيف ذاك، حيث أكلت النار ما يفوق 4203 وثيقة هامة جدا. كانت خطوات المحافظ، تسمع في ردهات المعهد، وهو يأخذنا إلى القاعة التي تضم المجموعة الرابعة من المخطوطات، حيث أفلتت بضربة حظ مجموعة من المخطوطات تصل 10603 مخطوطا، التي كانت مخبأة في صناديق خاصة. مؤكدا: «كانت هنا في هذا المخزن غير المضاء ولم ينتبهوا إليها». بالتالي، فمن مجموع 40 ألف مخطوط أحرق 4 آلاف مخطوط من قبلهم، وأنقذ 10 آلاف مخطوط فقط، لأنها كانت في مكان معتم. والباقي حمل إلى العاصمة باماكو في سرية كاملة، هناك يشرف مجددا محافظ المعهد، عبد القادر مايغا، على تلك الثروة التي لا تقدر بثمن. مؤكدا: «هنا نخزن تلك المخطوطات»، فاتحا باب منزل غفل عادي في حي هامشي بالمدينة، معتبرا أنه «مهم عدم تعريضها للخطر». وجميعها وضعت في أماكن محكمة الإغلاق، بحث لم نكن نلج إلى فضاء قبل أن يحكم إغلاق الفضاء الأسبق. وهي جميعها فضاءات نظيفة. وأشار إلى حامل المفاتيح الذي كان يبقى واقفا في البعيد، قائلا: «إذا كان هناك من بطل فهو ذاك الرجل».
يشكل محمد القاضي سليمان مايغا، واحدا من الرجال الذين غامروا بحياتهم لإخراج تلك المخطوطات من تومبوكتو. موضحا: «لقد غادرنا تومبوكتو عبر سيارات. كنا في البداية نحمل القليل، مجرد كيسين وصندوقا واحدا». فكان ضروريا القيام بعدة رحلات لنقل ما بين يوليوز وأكتوبر 2012، حوالي 26 ألف مخطوط، هي اليوم بالعاصمة. «كنا نشتغل بليل. كنا نخرج المخطوطات من صناديقها ونضعها في أكياس. كان علينا أن نحتاط جيدا، لأنها لو وقعنا في يد الإسلاميين المتطرفين كانوا سيقطعون أيدينا بتهمة السرقة، لأننا سنكون في نظرهم سارقي مخطوطات». بعد أن يتم إخراج تلك المخطوطات من المعهد الإسلامي كانت تخزن عند صاحب بقالة بتومبوكتو، كونه كان رجل ثقة عند الجميع بما فيه الإسلاميون المتطرفون الذين كانوا يثقون فيه، مما سهل أمر دخوله وخروجه من المعهد حاملا معه الأمانة. ذلك ما سمح بمغادرة تلك المخطوطات بالتتابع صوب العاصمة داخل أكياس أرز، وبلغ عددها 360 ألف مخطوط. كانت تضم مخطوطات معهد أحمد بابا وكذا مخطوطات عشرات العائلات بالمدينة، التي خزنت اليوم في منازل عائلية أخرى بالعاصمة المالية. بذلك فالآلاف من مخطوطات تومبوكتو التاريخية الهامة قد أنقذت بفضل شجاعة رجال مماثلين في نكران كامل للذات ودون أي دعم لا داخلي ولا خارجي.
اليوم توقفت كل أعمال الأرشفة والتبويب، خاصة أن هناك مخاطر أخرى تهدد تلك النفائس، خاصة شكل تخزينها. ومما يؤكد عليه ممثل مالي في اليونيسكو السيد لازار إليندو، أنه ضروري وضعها في مناطق تهوية خاصة وأن يزال عنها الغبار والأتربة وأن يعاد حفظ الأكثر تضررا ضمنها بسبب ظروف نقلها أو بسبب ما لحقها من ضرر أصلي. فيما الخطر الثاني الذي يتهددها يتمثل في التهريب، والخوف اليوم كل الخوف هو أن يتم تهريبها خارج مالي، خاصة أنه بالنسبة للعديد من العائلات التي اضطرت للهرب إلى مخيمات اللاجئين بموريتانيا أو بوركينا فاسو، والتي حملت معها عددا من المخطوطات العائلية القديمة، فهي تعتبر مصدرا لرزق إذا بيعت في السوق السوداء خاصة أنها تعاني العوز في تلك المخيمات. وهذا أمر سبق أن وقع سنوات الجفاف في السبعينات كما يؤكد ممثل اليونيسكو بمالي. وكل الجهد هناك أن لا يتكرر ذات الأمر بالمخيمات. لكن، منذ اندلاع الأزمة لم يسجل أي حادث مماثل حتى الآن. لكن ما هي الضمانة أن ذلك لن يقع في المستقبل، لهذا ضروري التحرك بسرعة. واليوم هناك هدف مشترك لدى العائلات والباحثين والسلطات الحكومية هو استعادة ما يطلق عليه ساكنة تومبوكتو «رئة وقلب المدينة». ويؤكد لازار إليندو، أنه «علينا التريث قليلا، لأن الظروف الأمنية اللازمة لم تتحقق بعد. ثم هناك ضرورة توفير الأمكنة الصالحة لحفظها من التلف لأن العشرات من المكتبات قد دمرت وأتلفت بناياتها ولا بد من إعادة بنائها وإصلاحها، وإعادة تجهيزها بأجهزة المراقبة والكمبيوتر». وبالنسبة لهذا المسؤول المالي باليونيسكو فإنه علينا انتظار حتى يوليوز 2014 قبل الشروع في إعادة تلك المخطوطات. بالتالي فإن أسطر إنقاذ تلك النفائس لم يكتب بعد جديا.
(*) المبعوث الخاص ليومية «لوموند» الفرنسية (عدد 17 يناير 2014).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.