أكد الدكتور سعيد خمري أن حرية التعبير بصفة عامة، هي أساس وعماد كل نظام ديمقراطي، مشددا على أنها وحرية الصحافة تعتبران مؤشرين لأساس الديمقراطية في المجتمعات. وأبرز رئيس شعبة القانون العام بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالمحمدية في مداخلة له بمناسبة تنظيم الكلية لندوة وطنية حول المشهد الإعلامي في المغرب، بشراكة بين الهيئة المغربية للصحافيات ومختبر السياسات والحكامة الترابية، أن هذا المشهد يعاني من العديد من الأعطاب، أسباب بعضها موضوعية ترتبط بالسياق السياسي والاقتصادي والاجتماعي بينما هناك عوامل أخرى ذاتية، موضحا أن الممارسة المهنية تفرز إشكالات في ارتباط بالمعايير الدولية المتعارف عليها والضامنة لحرية الصحافة والتعبير. وتناول الدكتور خمري الذي تمحورت مداخلته حول حرية الصحافة في المغرب بين المعايير الدولية والتشريع الوطني، 3 محاور أساسية، الأول يتعلق ببعض المقتضيات المرتبطة بالمعايير الدولية لحرية الإعلام، مستعرضا مضمون المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، في الشق المتعلق استقاء المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها، إلى جانب المادة 19 من العهد الدولي لسنة 1966، ومقتضيات اتفاقية سراغوسا التي حددت المبادئ الكفيلة بالتعامل مع حرية التعبير، مشيرا إلى إشكالية تحول القانون من حامٍ لحية الصحافة إلى وسيلة للتضييق عليها في بعض الدول النامية، قبل أن ينتقل إلى المحور الثاني الذي يهمّ دستور 2011 ومدونة الصحافة والنشر وغيرهما، مبرزا سياقات إصدار المدونة في بلادنا التي جاءت في سياق تجاوز بعض مكامن الخلل في القوانين السابقة، وتأكيدها على عدد من الضمانات الحمائية للصحافي من خلال الالتزام بالدستور والمقتضيات الدولية التي صادق عليها المغرب، متسائلا في هذا الصدد عما إن كانت هذه النصوص الجديدة قد ساهمت في ضمان حماية الصحافي في المغرب والحدّ من المظاهر السلبية في علاقة بممارسة الصحافة مقارنة بالقوانين القديمة، مشددا على أنه في ظل غياب دراسات ميدانية في هذا الإطار فإن تقارير للنقابة الوطنية للصحافة المغربية ولهيئات مهنية أخرى، تؤكد على أنه لا تزال هناك إكراهات تخص أعمال الصحافة والنشر في المغرب. واختتم الدكتور خمري، الخبير في الشأن الإعلامي، مداخلته بتناول الشق الثالث الذي خصص لتسليط الضوء على التحديات المطروحة على حرية الصحافة والنشر في المغرب، مستعرضا 5 تحديات يواجهها المشهد الإعلامي في بلادنا، والتي تتمثل في الاستقلالية والحرية في علاقة بكل المؤثرات السياسية والمالية وغيرهما، إلى جانب إشكالية الأخلاقيات خاصة بالنسبة للصحافة الإلكترونية في الجزء المتعلق باحترام الحياة الخاصة للأفراد والحق في الصورة، ثم مسألة إعمال الحق في الحصول على المعلومات الذي ما تزال تكتنفه صعوبات ومشاكل على مستوى الممارسة، وأخيرا ما وصفه الأستاذ الجامعي والفاعل المدني بالتمرين المطروح على المجلس الوطني للصحافة باعتباره آلية، والمتمثل في مدى قدرته على القيام بدور استباقي في مجال الأخلاقيات وكذا في مجال الوساطة في قضايا الصحافة من خلال الإمكانيات المتوفرة له، والعمل على تكريس حرية الصحافة. من جهته، أكد الزميل عبد لله البقالي، رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، أن تغييرات كثيرة ومتعددة وقعت ولا تهم المشهد الإعلامي المغربي فقط وإنما تشمل المشهد الإعلامي العالمي عموما، مبرزا أن كل المجتمعات تعيشها مع تفاوت يرتبط بالبنية الفكرية للمجتمع ومدى تأثيرها فيه، لأنه كلما كان مستوى البنية متينا كلما كانت تكاليفها وتداعياتها قليلة. وشدّد البقالي في مداخلته على أن المتغير الرئيسي يتمثل في مفهوم الإعلام، حقوقيا ومهنيا، لأن الأول يعتبر الإعلام والإخبار حقا من حقوق الإنسان، الذي من حقه تلقي المعلومة وبثها، مما أفرز الحديث عن المواطن الصحافي، في حين أن الصحافة هي مهنة، وهنا مربط الاختلاف مع المفهوم الحقوقي، مؤكدا على أنه بالرغم من تشبع الصحافيين بالحقوق الكونية، إلا أنه ليس كل مواطن صحافي، لأنه يجب أن يتملّك آليات المهنة، على اعتبار أن المنتوج الإعلامي إذا لم يكن خاضعا للمهنية والتقنية فلن يكون منتوجا صلبا ومتينا وله مصداقية مهنية. واستعرض رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية عددا من التغييرات في المشهد الإعلامي الوطني، ومن بينها بنية الإعلام التي كانت تقليدية وثابتة وواضحة في حين أنها خضعت اليوم لتغيير عميق جدا وهيكلي وشامل أصبح خلالها المستقبل باثا ومشاركا في صنع القرار، مبرزا أن الرسالة الإعلامية كانت أحادية سابقا، في حين أضحت للمتلقي حاليا خيارات كثيرة ومتعددة لاختيار نوع الرسالة والمنتوج الذي يريد تلقيه. ووقف البقالي عند مفهوم الانتقال من إعلام المركز إلى إعلام اللامركز، جهويا ومحليا، هذا الأخير الذي يتسم بالسرعة، وكذا المقارنة بين الإعلام المكتوب والإعلام الإلكتروني، كما سلّط الضوء على المتغير المرتبط بمصداقية مضامين المواد الإعلامية وإلى ميثاق أخلاقيات المهنة الذي تم إعداده، وتوقف في هذا الصدد عند إشكالية وصفها بالفوضى الحقيقية التي نعيش مرحلتها، التي قد تكون انتقالية لكنها تحتاج إلى الوقوف عندها، والمتمثلة في أنه لأول مرة في تاريخ المغرب أصبح المجتمع يشتكي من حرية الصحافة خلافا للسابق، عندما كان يدافع عنها وعن حرية والأفراد والجماعات، التي يرى البعض أنها أصبحت سائبة في كثير من المناحي. البقالي تناول كذلك في مداخلته مفهوم المقاولة الإعلامية وإشكالية التكوين إلى جانب المتغير في الذوق العام في المجتمع الذي هو ليس اعتباطيا وإنما يرتبط بالتعليم والتكوين والأسرة والفضاء العام، مؤكدا أنه ليس من البساطة تجاوز هذا الإشكال ومعالجته حتى يتم التفاعل مع الجيد وتشجيعه ولفظ ما دون ذلك في الهامش، واختتم مداخلته بالوقوف عند إشكالية حرية الصحافة في عمقها وحدود الحياة الخاصة في علاقة بالحياة العامة للشخصية العمومية، مؤكدا على أن الهاجس الأساسي يكمن في ألا تستعمل حالة الفوضى والارتباك للتضييق على الحرية أو التقليل من أهميتها. وجدير بالذكر أن الندوة الوطنية تم تنظيمها في جلستين، الأولى وتدخل فيها إلى جانب الدكتور خمري كل من محمد حفيظ، الأستاذ الجامعي والإعلامي، ومحمد رضوان الإعلامي والباحث، ثم نجيب المهتدي وهو أستاذ جامعي وباحث، والتي قام بتسييرها الأستاذ الجامعي عزالدين العلام، في حين أن الجلسة الثانية التي أدارتها الأستاذة فتيحة مرشود، تميزت بمداخلة الدكتور عمر الشرقاوي، الأستاذ الجامعي والفاعل المدني، وفاطمة الزهراء أورياغلي، نائبة رئيس المجلس الوطني للصحافة، إلى جانب الزميل عبد الله البقالي.