قال الخبير في مجال الإعلام وأخلاقيات الصحافة، جمال الدين الناجي، إن الصحافة مهنة وحب واختيار، «وليست وظيفة، بل هي على شاكلة الفن، والفنان لا يبحث عن طرف ديال الخبز، الفنان له هاجس ويريد التعبير عن شيء ما»، فيما الصحافي -يضيف الناجي- «له هاجس فهم العالم، والأخذ والرد مع العالم والتنظيم المجتمعي الديمقراطي، وحكي ما يجري ولعب دور الوسيط، فالمقال لا يكتب انطلاقا مما تعرفه بل مما تتعلمه باستمرار». وأضاف الناجي، في سياق تعريفه ل«مهنة» الصحافي من منظوره، أن محرك الصحافي هو التضارب، «شيء ما كسر ولم يعد صالحا، وفي الوقت نفسه تناول ما حدث في سياق رغبة في العيش في سلم»، ليخلص إلى أن هذا «التعريف» هو مدخل الأخلاقيات. الناجي، الذي كان يتحدث في افتتاح يوم دراسي من تنظيم اليونسكو، قال إن مستهلك وسائل الاتصال يطلب أكثر فأكثر الحكي والحدث، الذي هو أصل الصحافة، ويطلب من الصحافيين النزول أكثر إلى الميدان، ف«الصحافي في السابق كان بطلا لأنه كان يأتي بالحقيقة، أما اليوم فالبطل هو ويكيليكس مثلا وليس الصحافي، أي البراح الجديد. صحيح أن الصحافي كلب حراسة على الحاكم، لكن يجب أن تكون على المجتمع أيضا. الصحافي الشجاع هو الذي يستطيع السير ضد المجتمع». هذا يعني، حسب الناجي، ضرورة التوفر على إمكانيات، و«تترتب عليه، في المقابل، الحكامة داخل المؤسسة الإعلامية، ويتطلب سياسة عمومية للدعم ووقوف الجسم المهني نفسه الذي يقع عليه عبء الأخلاقيات». من جهته، ذكر عبد الله البقالي، رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، أن «الإعلام العمومي معني أكثر بهذا الموضوع من الإعلام غير العمومي». ملاحظة قال البقالي إنها تنبثق من كون إشكالية أخلاقيات المهنة في وسائل الإعلام العمومية هي أكثر خطورة مما يسود في المشهد الإعلامي غير العمومي، لأن الأخلاقيات هنا ترتبط بموقف الدولة مما يجري في المجتمع. البقالي لفت إلى إشكالية أخرى قال إنها تعني المؤسسات الإعلامية أكثر مما تعني الصحافي، «فمجمل المقالات والسلوكات المرتبطة بأخلاقيات المهنة تكون غير موقعة، بنسبة تصل إلى أكثر من ثمانين في المائة من المقالات التي تخرق أخلاقيات المهنة، ما يعني أن الإشكالية تندرج ضمن الخط التحريري للمؤسسة»، مبرزا أن الإشكال مرتبط أساسا بخطوط تحريرية لمؤسسات إعلامية، ولا علاقة لها بتكوين فردي للصحافي، «بل هي قضية مجتمع تتفرع إلى العديد من المناحي». وأقر البقالي بخصوصية مهنة الصحافي التي شبهها بمهنة رجال المطافئ والتدخل السريع، لكنه نبه في المقابل إلى المبالغة في الحديث عن موضوع أخلاقيات المهنة، «في وقت لا يتحدث فيه أحد عن أخلاقيات الطب والصيدلة والسياسة». وعاد البقالي ليستدرك بالقول إن التركيز على أخلاقيات الصحافي مرده أن الخسائر أكثر خطورة، «لكننا ندعو المجتمع إلى تفهم خصوصية العمل الصحافي، فلا يمكن أبدا أن نأمل مهنة دون أخطاء»، مشددا على أنه لا يمكن مواجهة الظاهرة بمقاربة أمنية أو عقابية فقط، بل يجب تثمين الجيد لإغراء الجمهور به، وبالتالي، نتخلص من العديد من المسائل، ومشيرا إلى أن النقابة، من جهتها، ستحرص على تطبيق الشروط القانونية المطلوبة في الصحافيين ومديري المؤسسات الصحافية، مضيفا أن م«دير موقع أصبحت مهنة من لا مهنة له، وجزء كبير من الفوضى السائدة حاليا جاءت من هذا الترع، ونحن سنقيس إرادة السلطات من خلال تطبيق هذا القانون». وزير الاتصال والثقافة الجديد، محمد الأعرج، قام بمقاربة موضوع أخلاقيات المهنة داخل منظومة الإعلام، عبر طرح مجموعة من الإشكاليات تؤسس للتغيرات التي طرأت على هذا المفهوم، «فبالرغم من اختلاف التوجهات الفلسفية وطبيعة المؤسسات، يبقى دائما هناك إحساس بأهمية الالتزام الأخلاقي للإعلامي». أسئلة قال الوزير إن بعضها يتمثل في تحديد آثار التحولات التقنية والرقمية على الممارسة المهنية، وأخرى تتمحور حول كيف يمكن لوسائل الإعلام أن تستفيد من المستجدات التكنولوجية دون التفريط في القيم والقواعد التي تحدد شروط استخدامها، علاوة على تحديد أي نموذج للأخلاقيات نريده ونصبو إليه، ليخلص إلى أنه من المنطقي الإقرار بأن البحث عن أجوبة لهذه التساؤلات يندرج ضمن مسؤوليتنا المشتركة غير القابلة للتفويت أو الإرجاء، مشددا على أن المجلس الوطني للصحافة رافعة أساسية في مواكبة تأهيل القطاع من خلال المتابعة والرصد والوساطة.