ونحن نتحدث عن بعض التشكيليين المغاربة الذين تناولوا تيمة المرأة في أعمالهم، نستحضر الفنانة التشكيلية والكاتبة بثينة أزمي، ابنة مدينة طنجة، المستقرة حاليا في الدارالبيضاء، بعد أن قضت أكثر من ثلاثة عقود بسويسرا، حيث كانت تطل علينا من هناك عبر روايات وكتابات نقدية باللغة الفرنسية، لم تأخذ الكل من وقتها طبعا، ولم تبعدها عن الفن التشكيلي،سيما وأنها وجدت في هذه المجال الراقي أكثر من مساحة للتعبير وبكل حرية عما يخالجها من مشاعر، وإعلان رفضها لبعض السلوكات المشينة تجاه العنصر النسوي،ولذلك غالبا ما تجدها تقذف عبر أعمالها بوجوه نسائية غير مألوفة بمنظرها البشع إلى عالمنا بعد أن كانت محبوسة في خيالها وكأنها تريد أن تظهر ما تخفيه المرأة من معاناة وقهر خلف أنوثتها، نستشفه من خلال هذا الوجه الشاحب الذي يبدو في هذه الصورة فظيعا بمنظره المخيف والمستفز، تعمدت الفنانة إخفاء جماله بطريقة سريالية، تجعل المتلقي يمعن فيه النظر، ليس للبحث عن الأنوثة والإغراء بين جفونه ومن خلال وجنتيه، بل للتعرف على قسماته المختفية، لعله يكتشف ويعرف سبب تقديمه بهذا الشكل، فيبطل عنده العجب، وهو أمام هذا البورتريه الذي لا يحاكي الواقع في شيء بفعل عناصره الغريبة المشكلة من أحمر كميتي يستمد لونه من الحناء ليوحي بالهوية، يخرج من شعر أشعث كثيف يغطي رأسا بحجم ضخم، يفرض وجوده ويدل على الأهمية، ويخلق الحدث على صفحة الأليمنيوم المسطحة التي تم توضيبها بعناية لكي لاتمتص مادة الأكريليك المستعملة، وتحتضن تلك الصورة المتحولة بفعل تقنية المزج التي تصنع كتلة تعتبر المحور الذي يأخذ حيزا أكبر، ولا يترك الفراغات، وذلك ما يفسر وجود كذلك تلك الأطياف اللونية التي أرادتها الفنانة أن تنبثق وتخرج عبارة عن رعشات تجعل الفضاء الغارق في السكون يعج بحركية تشير بأن هناك حياة، وأن هذا الوجه لم يستخرج من الأنقاض، بل لا يزال يحتفظ بنضارته الأصلية التي تزيح عنه تلك العتمة الخارجة من عمق هذا المكان المظلم والبارد ،وتمنح بشرته الجافة دفء الحياة،وأن هذا الفم المغلق الذي يحيل إلى الصمت المطبق، لا تريده الفنانة أن يفتح بطريقة لا إرادية لان ذلك يعتبر خروجا عن اللباقة، وعادة بذيئة وسيئة، ولذلك لن يفتح إلا ليطلق تلك الصرخة المدوية التي تتمناها أن تكون بدون شك أقوى من صرخة الرسام النرويجي إدفار مونك، فيسمعها كل من يزدري الأنثى،ويعتبر عالمها واهنا كبيت العنكبوت قد يهد بسهولة. تعتبر هذه اللوحة نموذجا للاختلاف الذي يميز أعمال هذه الفنانة لما تحمله من إشارات وأحاسيس كثيفة، وقد تم تصميمها بأسلوب فني مميز يجسد مآسي امرأة قابعة أمامنا وفي هذا المكان الموحش، تبدو في هيأة غريبة تستمد شكلها من المومياء التي تبقى بمثابة لغز يثير الاهتمام والجدل عبر الزمن مما يجعل المتلقي ينتبه إليها بفعل شكلها غير اللائق الذي يخفي أنوثتها، وينزع عنها تلك الصورة النمطية المتعلقة بها كرمز للإغراء والإثارة، لكنه لا يخفي جمالية لوحة تمزج بين رسم يشكل صورة ولون دال، وكذلك بين قبح وجمال، مما يخلق انسجاما تاما بين تلك الثنائيات، يحضر من خلالها تضاد لامرئي، يعطي للوحة بعدا تعيينيا يكتمل بالإيحائات اللونية، ويجعل الفضاء غير أجوف، ومفعما برسائل غير مبهمة، رغم أنه يحتضن رسما باهتا مشكلا بألوان غامقة، تغرقه في العتمة،أبت المبدعة إلا أن تلقيه على بساط أسود كثيف،يعتبر خلفية تحيل على مكان مظلم، حرصت على تحويله من الثابت إلى المتحرك عن طريق التحويل، ولذلك يبدو وكأنه يكتسح أمامية اللوحة كلها بسواده،تخرج منه بقع،أسقطت اثنتان عمدا على عيني المرأة التي تعتبر العنصر الأهم في اللوحة، للإشارة الى أنها تمنع من النظر والاستمتاع بالحياة. وللبحث في البعد التضميني لهذه اللوحة، يلاحظ أنها غير مثقلة بألوان فاتحة ومشعة تصنع البهجة، مما يمنحها صبغة درامية،ويضفي عليها بعدا إنسانيا يترسخ في الأذهان، يبث مشاعر قوية باستمرار من خلال لوحة يحضر فيها ضوء خافت، لكنها مفعمة بخطابات غير مباشرة، تدعو إلى التمرد والتجديد وكسر حاجز الصمت وإزاحة الستار الذي يحجب الشمس،لذلك تبقى علامة بارزة في مسار هذه المبدعة الملتزمة دون المفاضلة بين أعمالها الأخرى المنجزة بتقنيات مغايرة والتي تحمل دلالات مختلفة. يظهر من خلال هذه التجربة التشكيلية ذات الطابع الخاص أن السيدة بثينة أزمي لا تقوم برسم وتخطيط صورة لشخص معين، بل تبسط أمامنا دليلا صارخا على أن المرأة لا تزال تشعر بالغبن والقهر في زمن أصبح العالم فيه صغيرا، يختزله عمل يطفح بالغرابة التي تثير الفضول والتساؤلات، يرصد كل ما هو جوهري دون إغفال تلك الجزئيات المرئية التي تصنع الكمال. هامش هذه اللوحة تعرض حاليا في فيلا الفنون بمدينة الرباط إلى غاية 30 دجنبر ضمن أعمال أخرى لهذه الفنانة المقتدرة.