اللوحة نافذة إبداعية مليئة بالحركة والدلالات افتتح أول أمس بقاعة النادرة، معرض للفنان التشكيلي صلاح الدين أطوبي، بحضور نخبة من الفنانين التشكيليين والنقاد والصحفيين ومحبي الفن التشكيلي والذين حضروا بكثافة لمعرفة جديد الفنان العصامي صلاح الدين أطوبي. ويختزل هذا المعرض الذي سيستمر إلى غاية يوم 28 من الشهر الجاري، من خلال أزيد من 40 لوحة فنية، جزءا مهما من الحياة الفنية والعملية لصلاح الدين أطوبي، كفنان وكطبيب مختص في جراحة الفم والأسنان، عرف كيف يزاوج بين الريشة والمشرط، وكيف يزواج في لواحاته بين مختلف مدارس الفن التشكيلي من المدرسة التصورية إلى التكعبيبة والتجريدية والتعبيرية، وكأنه يبوح لك بسر مساره الفني، كيف كان في ريعان شبابه إلى أن أصبح ناضجا يستطيع التعبير عن ذاته بشكل صريح وبكل عفوية من خلال اختياراته الفنية التي تتميز بالدقة في استعمال الألوان. وأنت تتجول بين لواحات الفنان أطوبي، تستوقفك ملاحظة جوهرية تعطيك الانطباع، أنه لم يتأثر بمدرسة فنية واحدة، وأن خلاصة أعماله هي مزيج بين أكثر من مدرسة.. لا يمكن الجزم بأن هذه اللوحة أو تلك من مدرسة بعينها، بل هناك عدة مدارس في لوحة واحدة، وكأنك أمام مدرسة فينة جديدة بدأت كشف عن نفسها، ليس فقط مع الفنان صلاح الدين أطوبي، بل يمكن أن نجدها في لوحات فنانين آخرين. من جانب آخر، فالفنان صلاح الدين أطوبي، استلهم جل لوحاته من الواقع المغربي، عكس ما يفعله العديد من الفنانين التشكيليين الذين اختاروا عوالم أخرى لاستلهام لوحاتهم، فمجموعة من لوحات أطوبي تحملك إلى أمكنة وأزمنة مغربية محضة، سواء في الجنوب الشرقي للمغرب، كورزازات أو الشمال كمدينة الشاون أو تطوان، الإحالة هنا، ليس فقط، بطريقة انطباعية، من خلال معالم معروفة في هذه المدن، ولكن من خلال الألوان المستعملة وطريقة مزجها، وكيف أن الفنان استطاع أن يحول اللوحة إلى وثيقة تاريخية مليئة بالحركة والدلالات التي تحيلك مباشرة على رؤية الفنان صلاح الدين أطوبي للواقع. في جل لوحات الفنان أطوبي، هناك دقة متناهية في استعمال تقنية الضوء والظل، فالعتمة أو الظلمة تكاد تختفي من لوحاته، وإن وجدت فهي فقط لتدلك على منار أو درب مضيء في العمق، مفتوح على المستقبل، فرسوماته تتميز بالتدرّجات اللونية (للإيحاء بالعمق والمسافات المكانية أو الزمانية) وتسليط الضوء على أجسام واقعية متواجدة مع أشكال غير واقعية أو متخيلة، تتداخل، فيما بينها بانسجام موضوعي، مع بعض الإشارات المادية المستوحاة من الواقع والتي تحيل في الأصل على عادات وأعراف متأصلة في المجتمع المغربي. حضور جسد المرأة بشكل كبير في لوحات الدكتور صلاح الدين أطوبي هي في نظره ، نتاج لمسار قضية تحرر المرأة وحضارة الأنثى وهي، أيضا، ثمرة كفاح ونضال المرأة منذ بدايات القرن العشرين، ولكن مع ذلك فالمرأة في لوحاته لا تتخذ مساحة رباعية الشكل وهي ليست لوحة قياساتها وأبعادها ثابتة وفق معايير الفن التشكيلي، فهي ليست شكلا هندسيا، بل هي مساحة واسعة، وأفاق مفتوحة، تجسد عمق البعد النظري والفكري لصلاح الدين أطوبي كواحد من المتشبعين بالفكر والفلسفة التحررية، وينتمي إلى مدرسة فكرية مناصرة لقضايا الحداثة والتقدم ولقضايا المرأة، بالرغم من وجود بعض المؤثرات الاجتماعية مثل بعض العادات والتقاليد المستمدة من الواقع المغربي، وهي مؤثرات اجتماعية تحيل على مفهوم الإرادة عند صلاح الدين أطوبي، والتي هي جوهر أي رغبة في التغيير. يشار إلى أن الفنان صلاح الدين أطوبي، يعتبر من الفنانين التشكيليين المغاربة العصاميين الذين ولجوا عالم الفن التشكيلي عن طريق الفطرة، منذ طفولته قبل أن يتلمس بعض المبادئ الأولية للرسم بثانوية مولاي عبد الله بالدار البيضاء، في بداية ستينيات القرن الماضي، حيث كانت مادتا الرسم والموسيقى مادتان إجباريتان. بعد ذلك طور نفسه و معرفته بمختلف المدارس التشكيلية.