أن تكون شاعرا اليوم، هنا والآن، معناه أن تخلص الكلمات مما تدل عليه، في لغة التداول اليومي، من عنف يومي، مادي ورمزي، سماته إقبار إنسانية الإنسان، وسيادة السوق الذي لا محرك له غير ترويج السلع المنمطة ومراكمة الربح، وزحف الأنموذج الأحادي الجارف القاضي بنهاية التاريخ، والاعتناق الكوني لزبور ماك دونالد. أن تعتقها من أبوية سيبويه المتسلطة، وطهرانية الأكاديمية الفرنسية المستبدة، وكليانية مجاميع الألسن الحية والمنقرضة. أن تهبها عضوا جنسيا ينتصب في مواجهة الطمأنينة المهادنة، وفي وجه الأصنام المقدسة والمدنسة. أن تعلمها قول «لا» لتحلق في «هنا والآن» مغايرة. لتكشف عنفها الداخلي بلا رقيب، وتشي بنفَسها المنفلت من سطوة حراس معابد اليقينيات بدون رب ولا سيد. أن تكون شاعرا اليوم، هنا والآن، معناه أن تبحث، في اللغة والمعنى، في الاستعارة والتركيب، في البياض ومحوه، في ما يأتيك في لحظة الصحو ولحظات التيه ولا تجرؤ على تدوينه، عن تخوم ما تحب عبر تجديفه. أن تصرخ كلمة «كفى» مغترفة من قاموس لا يتضمن كلمة «كفى»! أن تسأل محترقا: «هل مستنفد هو المعجم ؟»، ليأتيك الجواب من حيث لا تعلم: « لِنَجْتَرِئْ إذن على تصور كلمات أخر تعكس لكمات أخر…» أن تصرخ في وجه العشيرة: «أيتها القبيلة، ها أنذا أرتد عنك. انفيني من لسانك، سجين راو من الصحراء. من سمائك، قبة النهار، رحم الإسراء والمعراج، و»أبانا الذي في السماوات…» المسيحية، والصلوات اليهودية والبقية اللاتعد.» أن أشطب على نفسي من سجل مآذنك، من كنائسك، وبيعاتك ومعابدك الوثنية. من نقوشك المقدسة، وأيقوناتك، وأرحامك، ومقابرك، وجهنمك وجناتك. أن أحنث بالطقوس الواجبة لأعلامك المشوهة، بأوليائك وخبلهم وولياتك الصالحات ودونيتهن، بجلود نسخ دعائمك الخاتلة.