كشهقة عشق كانت.. تكاد تنتهي قبل أن تبدأ، وتحوم حول الرعشة لتصلها أخيراً بعد أن تموت. جميلة حين ترتَّل وجليلة حين تصمت ليتسرب خوفك من بين همساته. *** لم يكن كأقرانه هذا الصمت، هو أقرب للترقّب لكلمة أنت نطقتها سبقْتَها إليها ورحمتها من رحلة الاعتراف الرسولية. تماماً كليلة عشق تخاف أن يطلع الصبح عليك عليها. وأنت تعرف أن الليل، وإن احتواه العشق، لن يخالف قوانين الخالق ليجامل هذيان عاشقِ. (فلماذا تعشق إذاً؟) لماذا كذبت على كلماتك وأقنعتها بأنك هناك وبينهم؟ وأنك تشاركهم برودة مائها وتقاطع شوارعها وعشق لياليها؟ وأنهم يتركون لكرسيك أن ينتظرك، وفنجان قهوتك أن يبرد؟ لماذا تلاحق الليل إلى عوالمه اللاحقة، وأنت تعرف أن الصبح أسرع إليك منك إليه؟ ابق حيث أنت واعبث بكلماتك ورتبها أو بعثرها كما شاء شيطانك ستبقى حيث أنت. ابحث عن شيء تعشقه في هذا الصباح وإن كأس ماء واترك لليل ساكنيه، اتركهم يرتلون عشقهم كما يحلو لهذا العشق أن يسهر. استح من كلماتك، من حنثك بها، وابتعد بها. واترك للصوت أوتاراً يهتدي إليها وارم السماء بأوراقك. بهت حفيفها ولا موسيقى لأسطرها. اترك البرتقال يزهر في بياراته واحمل كلماتك في نعشك، على كتفك، إلى صحرائها. احمل أشياءك بعيداً، أو اتركها حيث أنت فأنت هكذا بعيد وإن تحركتَ قد تقترب فاسكن مكانك إذن. ولا تنتظر ليلاً طويلاً وأنت نهارك أطول من ليلك بعامين وجيل، وربما أكثر فايأس على كرسيك وأعد ترتيب ما فاتك وعد إلى شتاتك، من شتاتك وتعلّم ألا تعشق ثانية وتعوّد أن تبكي بعيونك وفمك وأصابع كفيك، لا بصوتك وأن تسدل أحبالاً من دموعك تروي صمتك الأحدب. *** جميلة كانت.. حين يبتسم الجليل بشفتيها وتبكّل قراه خصلاتِ شعرها وحين تتناسى على طرقات عكا وحيفا قطرات من عطرها كيفما اتُفق على موعد الليل وكلما اشتهيتَ السجود على كفيها وتمريغ أصابعك بنهديها كما يغوص النحّات في الطين وكلما انسكبتْ بصوتها في شرايينك وحملتْكَ به إليها ثم أرجعتك إليك فأوجعتك كنت تراها جميلة. *** كان صوتها يرقص على اللحن إذا غنّت وإذا تكلمتْ كالخاشع كنت، كزيتونة رومية تنحني. كوردة احتارالأوان متى يؤونها ومن أي جهة يقضمها في أي فصل من السنة على أي نوتة موسيقية من ذقنها أم زاوية التقاء الشفتين، من تجويف قاع عنقها أم باطن كفيها المصقولين كالرخام. *** مازلت تراها الأجمل من بين الشهقات والهمسات والأقدر على إغواء الليل لتجوب به سهرات حيفا والقدس ورام الله والأعذب على الغناء لنغمات عود ما عرفتَ العزف على أوتاره. يبقى الليل ليلاً لأجلها، وينسى الصباح أن يطلع. يطلع صباحك أنت وبقيظه يوقظك: يومٌ آخر لشتاتك يا عاشق! فلتأكل أيام شتاتك وانهها، أو أكلَ أيامك ونهبك، لتمضي العمر صباحات. وإن فعلتَ، فلتأكلها لوحدك ولا ترتكب المزيد. لا تعشق. *** أما تعلمتَ أن الشهقة تختنق إذا ولدتْ وأنها لا تُرتّل أصلاً؟ وأن لها من الصمت والصباح ما يكفي شتاتك بعداً؟ فكن عاقلاً واترك صياحك بعيداً عن العود وحفلاته واصرخ في صمت صباحك كما تشاء، فلن يشكو لك، ولا لغيرك، أحدٌ صمتَك. وإلى أن تعود.. دموعك هذه، لك أن لا تكبتها. لك أن تتألم إن تماديتَ، وترتّل حزنك بكاءً. ولكن. كن لوحدك. =============== سليم البيك من مجموعة "خطايا لاجئ" www.horria.org