عرف الغرب في العقود الأخيرة صعود أحزاب يميمنية متطرفة ذات نظرة شوفينية وخطاب عنصري كريه موازاة مع تقلبات الأحزاب الليبرالية المحافظة الأوروبية، والتي هي الأخرى تغذت بالخطابات السياسية الشعبوية فحملت العوامل الثانوية مسؤولية الأزمات الاقتصادية المحلية والعالمية بسبب تزايد حركات الهجرة «السرية « أو «غير الشرعية» من القارات المستنزفة والمضطهدة (أفريقيا –…) نحو القارة العجوز ، وتواجد أعداد كبيرة من المهاجرين وأبنائهم ضمن القوى العاملة في هذه المجتمعات الأوربية . وفي ظل الارتفاع المستمر للبطالة من جهة وارتفاع نسبة الوجود البشري الإسلامي في أوربا من جهة أخرى، جاءت ردود الفعل لتربط الأزمة بالمهاجرين القادمين من القارات المنهوبة والمنكوبة من طرف الشركات الامبريالية العالمية، فولد ذلك خليط من العداء للآخر «الأجنبي» وخصوصا الذي ينتمي للديانة المختلفة. وشكلت هذه المصادفة التاريخية نقطة انطلاق لليمين المتطرف الذي حمل المهاجر- الغريب مشكلة أزمة الرأسمالية ، وهذه الصدفة التاريخية حملت معها أيضا التقاء بين بعض الطوائف الدينية ذات البعد السياسي وبين حركة اليمين المتطرف ، فاتضح من ذلك أن الغرب يحمل ازدواجية في الخطاب ، فهو من ناحية ضد الدين الآخر (الإسلام) خصوصا إذا كان هذا الإسلام معاديا لغطرسة وهمجية الغرب ، لكنه على النقيض من ذلك يدعم كل حركة سياسية موالية للغرب حتى ولو كانت دينية مثلما تجاوبه ومساندته وتأييده للمد الديني في أوربا الشرقية مثل بولندا وأوكرانيا، وحتى مع بعض الحركات الإسلامية المسلحة في أفغانستان(أثناء الغزو السوفياتي ) و دعمه للحركات المسيحية في مصر ولبنان ولكن المثل الأكثر سفورا دعمه لإسرائيل ككيان ديني عنصري غاصب. إن ما يشاع ويروج في وسائل الإعلام ومؤسسات الثقافة الأوروبية والأمريكية هي صور «لتعصب» المسلمين الديني و»العداء للسامية « يروجونه في إعلامهم وكتبهم ومقرراتهم الدراسية، مدعين م أن الإسلام يحتوي في جذوره ونظرته وتقاليده دفعا للمؤمنين إلى الاعتداء على غيرهم وقتالهم لمجرد الاختلاف الديني معهم . و(الحق أن الأصول الإسلامية تخلو من أي مظاهر للتعصب تجاه المسيحيين ، حتى نجد مبررا للجماعات الإسلامية المعاصرة في تفكيرها ومسلكها الراهن، إذ لم تكن المسيحية في الحجاز وقت نزول الإسلام قوة سياسية يحسب حسابها ولهذا لم يتصارع النبي معها بعكس ما حدث مع اليهودية، بل لم يعرفها الإسلام كمجموعة بشرية في عالمه المتكون إلا في أواخر حياة النبي عندما اتصل به مسيحيو نجران وعاهدته بعض المستوطنات المسيحية في أطراف الجزيرة ناحية الشام. ولهذا كان موقف القران بشكل عام ناحية المسيحيين ايجابيا سلوكيا وسياسيا ) – رضوان السيد «المسيحيون في الفقه الإسلامي – ص 36 إن التعصب هو صناعة أوربية أدخلت للمنطقة العربية مع الغزو الرأسمالي وليس منهجا ذاتيا إسلاميا. وفي هذا الإطار يستحضر المفكر السياسي الفرنسي « لوران بوفيه « مقاربة الكاتب البلغاري الشهير « تودوروف « في تفسير الجوانب الثقافية والفكرية من أسباب رواج الخطاب الشعبوي وأحزاب اليمين المتطرف في أوربا، ويرى انه يتأسس على مواقف قديمة وصور نمطية وأشكال مختلفة من ثقافة الإخفاق في تقبل الآخر والتعايش معه وقبوله كآخر مختلف عنه، وهي صور وأشكال مستنبطة منذ زمن بعيد ضد كل ما هو آخر، وخاصة ضد الثقافة العربية الإسلامية التي تحضر اليوم في القارة الأوروبية ويستثمر اليمين المتطرف هذا الحضور للحشد والتعبئة كلما افتقد أسبابا أخرى لنيل شعبية ومكاسب سياسية هي غاية ونهاية مشروعه السياسي. أصوات وكتابات أوربية تفضح الخطاب المزدوج للغرب من هذا الغرب جاءت بعض الأصوات لإزاحة هذا الخلط والوهم الكاذب. فهاهي الكاتبة بيانكا ماريا اسكارتشيا أموريتي، الأستاذة في معهد الدراسات الإسلامية بجامعة روما، تتناول أسباب الصورة المشوهة عن الحضارة الإسلامية التي تشيع في أذهان الغربيين والتي تجعل من اللقاء بين الحضارتين تصادما، حيث أن المؤسسة البابوية تعمل على بناء تركيب فكري عدائي بهدف تأكيد سلطتها الدنيوية وتتلاقى جهودها مع النشاط التوسعي الأوربي، بدءا من الحروب الصليبية حتى الغزوات الاستعمارية. واستطاعت النظريات المبررة للعدوان عن تفوق الأوربي و»انحطاط « المسلم و»همجيته « ترسيخ ذلك، مما أوجد جوا ذهنيا عاما لدى الأوروبيين يرى الإسلام دينا غير روحي، يربط بين المؤمنين وبين حكامهم برباط التعصب الجاهل. وترجع الكاتبة الايطالية عدم التفهم الأوربي للإسلام إلى بعض الأسس والمعتقدات الخاطئة، وأولها أن المسيحية واليهودية تجدان صعوبة في اعتبار النبي محمد (ص) نبيا وخاتما للمرسلين إذ أن ذلك يتخطاهما ، هذا في حين أن الإسلام يعترف بأهل الكتاب وأنبيائهم التوحيديين . والأساس الثاني لذلك التصادم هو أن القوى الغربية التي حاربت الشرق منذ ظهور الإسلام كانت قوى أجنبية عن المنطقة، ولم تستطع أن ترسخ جذورها فيها. في الفصل الأول من كتابها المعنون ب «الإسلام والغرب « تناولت الكاتبة الايطالية أسباب الصورة المشوهة عن الحضارة الإسلامية التي تشيع في أذهان الغربيين، والتي تجعل من اللقاء بين الحضارتين تصادما وبينت أن حركات العنف والتعصب التي ظهرت هنا وهناك في الشرق الإسلامي ليست في الحقيقة نابعة من الخلفية الحضارية والثقافية الإسلامية، بل هي رد فعل «متفرنج»للعدوان الأوروبي الاستعماري، وهي رد فعل الولوج الكامل في الميدان العلماني والديمقراطي للثقافة المعاصرة مع تأكيد العودة إلى التراث الخاص، كما يعمل الاستعمار على الاستفادة من هذا الوجود المتناقض في الحركات المتعصبة، وأن الدعاية الصهيونية تلتقط البراهين التي تجد الأذان الصاغية في الغرب لترمي شعوب الشرق بالوحشية وحب العنف والعدوانية والتعصب الديني والعنصري هنتغتون : الصدام قائم والإسلام هو «العدو البديل»: في 1993 أثار صامويل هنتغتونSamuel . P. Huntington جدلا كبيرا في أوساط منظري السياسة الدولية عن نظريته حول «صراع الحضارات» والتي جاءت ردا على أطروحة تلميذه فرانسيس فوكوياما عن «نهاية التاريخ» وبالإعلان عن نهاية الحرب الباردة وانتصار الديمقراطية الليبرالية. وركز هنتغتون على الإسلام وقال بأن (حدوده دموية وكذا مناطقه الداخلية )، مشيرا إلى صراعات المسلمين مع الأديان الأخرى مثل الصراع بين سودانيي الشمال وسودانيي الجنوب، أو بين الهند وباكستان أو بين طائفتي الهندوس والمسلمين في كشمير أو مشاكل الهجرة في أوربا وتنامي العنصرية في ألمانياوإيطالياوفرنسا ضد المهاجرين من شمال إفريقيا وتركيا . يقول هنتغتون إن قيم «الديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية والعلمانية هي قيم أوربية غربية عالمية» تستفيد منها البشرية جمعاء، لكن هذه القيم قد لا تبدو منطقية في عقلية المسلمين وستؤدي إلى ردود فعل سلبية وفقا لهنتغتون لأن هذه الديمقراطية ونتائجها قد تؤدي لعملية «تأصيل» المجتمعات وعودتها لجذورها . وحدد هنتغتون سيناريوهات للصراع بين الغرب ومن سماهم بالآخرين (المسلمون) ومن ذلك : السيناريو الأول أن تحاول تلك الدول عزل نفسها وحماية مجتمعاتها من «الفساد الغربي» ؛ السيناريو الثاني أن تعمل تلك الدول على مجاراة ومحالفة الغرب و»تغريب» مجتمعاتها مثل فعلت تركيا الاتاتوركية؛ السيناريو الثالث أن تتحالف تلك الدول أو الحضارات مع حضارات غير غربية (الصين) وتسعى لتشكيل قوة اقتصادية وعسكرية معها بغرض تحقيق التوازن أمام الدول الغربية . نظر هنتغتون لنظرية صراع الحضارات واعتقد أن الحرب القادمة إذا قامت فستكون حربا بين الحضارات، وسيكون العدو الأول للغرب في مثل هذا الصدام الحضاري هو( الإسلام). لقيت هذه النظرية الصدامية بين الحضارات انتقادات حادة من باحثين وكتاب ومفكرين من أبرزهم أوليفييه روي الباحث السياسي الفرنسي الذي وصف أطروحة هنتغتون بالتبسيطية، مفندا وجود تكتل جيو استراتيجي إسلامي مستدلا بحقيقة أن معظم نزاعات الشرق الأوسط هي بين المسلمين أنفسهم، كما يشير روي إلى الفروقات الموجودة بين الجماعات الإسلامية التي لا تحمل مشروعا موحدا ، وإنما تبشر بيوتوبيا إسلامية موعودة (القاعدة – الإخوان – الجهاد…) وبعض الحركات الاسلاموية الأخرى (حزب الله – حماس …) إنما تحمل مشاريع محدودة إقليميا وقوميا، وبالتالي لاوجود لكيان جيو سياسي استراتيجي في الإسلام، بل إن الباحث الفرنسي بين بأن أغلب الدول العربية والإسلامية تعتبر نفسها حليفا للغرب !!! يرى الكاتب الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد أن هنتغتون اعتمد في نظريته على آراء برنارد لويس فجسد لنا كيانات ضخمة وواسعة تسمى «الغرب» و»الإسلام» بل وبشكل متهور، متجاهلا التاريخ الطويل الذي مرت به أوربا لأنه يريد أن يجعل من الحضارات والهويات كيانات مغلقة تم تطهيرها من التيارات الأخرى التي حركت وتحرك التاريخ البشري. كما أن انقسام العالم إلى «حضارة غربية مسيحية» و«حضارة شرقية إسلامية» هي بالضبط ذات الخطاب الذي تستعمله جماعات الإسلام السياسي واستخدمها أسامة بن لادن في معظم خطبه وتصريحاته لأن أحد أهدافه كان «توحيد المسلمين ضد الغرب الصليبي»، مما يبين أن هنتغتون إنما يطرح عقيدة إيديولوجية سياسية صدامية ويبدو وكأنه «نبي علماني» يتنبأ بمصير الكون ونهاية فصول الصراع فيه بفضل «الضمير الحضاري»، والذي بدأ يتزايد منذ انهيار إمبراطورية الاتحاد السوفياتي. الاستشراق سلطة معرفية تمثل المركزية الأوربية للهيمنة على الآخر: إن الاستشراق منذ نشأته حتى اليوم كان يدور حول موضوع الدين، ونحن لا نستطيع أن ننظر إلى الاستشراق من غير الإشارة إلى علاقته بالتبشير فهو (لم يكن منزها عن الغرض، ولم يظهر لمجرد البحث العلمي، بل كان يهدف إلى تحقيق مشروع تبشيري بالنصرانية ) كما جاء على لسان روجيه غارودي- ولقد حاول هذا الأخير، على غرار ادوارد سعيد، نقد هذا الفكر الاستشراقي إبستمولوجيا والكشف عن ضمنياته مركزا على عدة نقاط من أهمها: أن خطاب الاستشراق محكوم بالنزعة المركزية الغربية، وكأنه لا تاريخ إلا تاريخ الغرب ولا عقل إلا عقل الغرب ولا تقدم إلا تقدم الغرب، وبذلك تكون عقدة التفوق الجنسي والثقافي هي المهيمنة على هذا الخطاب . أن المستشرقين لا ينظرون إلى الآخر (الإسلام ) لغاية معرفته وتعلم إيمانه وثقافته، وإنما ينظرون إليه نظرة» خارجية» أي أنهم درسوا الإسلام دون الانفتاح الفعلي عليه، بل لاستخدامه في الصراعات الإيديولوجية والحروب . أن شرق المستشرقين هو الصورة المقلوبة للغرب والوجه الآخر الذي لا يريده الغربي لنفسه فيسقطه على الآخرين … إنه الشرق الشاذ والمجنون والمنحرف والذي يجتهد العقل «الغربي» قي استبعاده. (انظر روجيه غار ودي والمشكلة الدينية: محسن الميلي –ص200/201 ). ذهب الدكتور إدوارد سعيد إلى أن الاستشراق « شكل من أشكال السلطة» ولا نظنه يبالغ حين يصل بتحليله إلى القول أن الاستشراق يعاني من مرض العظمة وأنه معرفة ليست بمستوى المعرفة العلمية والتاريخية..ويقول عنهم – المستشرقين – هم عبارة عن رحالة مرضى مصابين بمرض ازدواج الشخصية لأنهم كانوا يبحثون في رحلاتهم عن أقصى حدود الشذوذ، وأقصى حدود الغرابة ولذا يطرح التساؤل التالي : أي حوار حضارات مع المستشرقين الذين لا يرون في شرقنا إلا تطرفه وهلوسته؟ إنهم ( ينظرون إلى المرأة الشرقية مستوحين صورها من حكايات ألف ليلة وليلة – فهي المرأة التي تختفي وراء الأسوار والحجاب ، وهي المرآة الشبقية إلى أقصى الحدود ،فمن شاطو بريان إلى كوتيميه تظهر المرأة الشرقية كائنا مشوها. ويقتبس ادوار سعيد بعض الصور الشاذة الواردة في كتابات فلوبير عن إحدى البطلات الواردة في رواياته – كوشوك هانم – تمارس الجنس وهي مملوءة بالقمل !!! …) لقد قال شارنييه قولته المعروفة (الشرق هو الآخر) وهو تلاعب مقصود بجملة سارتر الشهيرة « جهنم هو الآخر». إنه تلاعب دو دلالة إذ الشرق ليس مشرق الشمس بل مشرق الجحيم !!! وزاد ميتر لانغ في عدائه للإسلام وللشرق فاعتبرهما :الشرق والغرب /الإسلام والمسيحية شقان منفصلان في الدماغ يشلان بعضهما البعض. فهل لا نقلق ولا نيأس من حوار الحضارات مع مستشرقي القرن الماضي وأحفادهم وتلامذتهم من السياسيين و الشعبويين في أحزاب اليمين المتطرف في الوقت الحاضر، أو منظري الكراهية والعنف للأجانب في المؤسسات الإعلامية والثقافية الغربية الذين يحملون ويروجون هذا الفكر وهذا الإرث العدائي للآخر وللإسلام خصوصا؟ هل يمكن أن نتفاءل بحوار بين الحضارات وما هي شروطه ؟ إدوارد سعيد غير متفائل لهذا الحوار بسبب الموقف المعادي للشرق والمبني على الاحتقار والاهانة و الإغراب والعجائبية والبدائية والتوحش، ولو أنه يقدم بعض الأمثلة عن بعض الكتابات الاستشراقية التي تستشرف الحوار وتدعو للتواصل والتلاقح الحضاري من قبيل: أ- شارنييه في كتابه (المشارق المضادة) الذي يتصور المستقبل على أساس آخر، حيث يرى أن باستطاعة الشرق والغرب أن يلتقيا، فالثقافة الغربية بالنسبة إليه تداخلت مع لغة الشرق بشكل أصبح من المستحيل على الشرقي أن يخلعها دون أن يخلع معها جلده. أما الإنسان الغربي فإن عليه أن ينفتح نحو الآخر ليحاوره في جدلية مستمرة مهما رأى صاحب الحضارة الأخرى في ذلك تحرشا وإهانة، ومهما كان في ذلك الحوار الذي يسميه التثاقف (Acculturation) نفي للجوهر والذات . ب – ماكسيم رودينسون في كتاب صدر له في باريس (جاذبية الإسلام)حاول أن يعطينا آراء جديدة في حركة الاستشراق منها : أن المستشرق أدى مهمة جليلة للحضارة العربية ،ك (تأليف القواميس اللغوية – التعريف بالفنون والعمران والعادات والتقاليد …) بغض النظر عن جنسيته آو دوره كعميل للاستعمار، ويعطي المثال بشامبوليون وسبقه التاريخي والحضاري في فك الرموز الهيروغليفية، وهي خدمة لا تقدر بثمن للعالم العربي ومختلف الحضارات الإنسانية . إبداع مذاهب ومناهج علمية (الانتروبولوجيا – علم الأعراق – الألسنية ) وكلها مذاهب يمكن أن تطبق على شعوب كثيرة في مرحلة ما، ويقترح رودينسون مع شارنييه في إطار الحوار الحضاري تأسيس حركة يطلق عليها « الاستغراب « تحاول أن تدرس الغرب أو على الأقل أن تقدم نتاجا شرقيا عن الغرب في محاولة لإعادة التوازن بين الحضارتين، لكن رودينسون يعترف في كتابه هذا بأن الشرقيين أنفسهم سيساهمون أكثر في الدراسات الاستشراقية. ج- جاك بيرك في إطار حوار الحضارات وفي إطار تأسيس هوية عربية لاتينية، يدعو إلى إنشاء اتحاد دولي يجمع دول الجنوب الإسلامية والشمال المسيحية على النمط الأمريكي (ولايات متحدة بحر أبيض- متوسطية) وهي من التصورات الاستعمارية التي تبناها علم الاجتماع الكولونيالي بعد احتدام الصراع بين فرنسا والحركات الوطنية في المغرب الكبير…ودعما للفكرة قام فليكس كوتيي برسم خريطة جديدة للمغرب الكبير، تلك التي تربطه بجغرافية البحر الأبيض المتوسط وجبال الألب، فبنية المغرب في نظره تربطه فيزيائيا بإفريقيا والشرق ولكنها تربطه بالخصوص بضفة البحر الأبيض المتوسط بدليل أن جبال الأطلس تعتبر بمثابة بقايا ومخلفات انهيار جبال ترينيان. ويدعو جاك بيرك إلى إعادة البناء أو إعادة اللقاء، وهو الرجوع إلى «الأصل كما سبق وحدث في فترة وبشكل متقطع بالأندلس. ويقول في مكان آخر (كنا عند نهاية حرب الجزائر نؤمن بإعادة إحياء نسق جديد للجنسين الفرنسي والعربي، وفشل للأسف لكن يجب إحياؤه من جديد. ولقد لاحظنا هذه الفكرة كذلك عند الباحث لويس برتروند الذي قال إن إفريقيا الشمالية بلد بدون وحدة عرقية، بلد المرور والهجرات المستمرة ومفروض عليه بسبب قربه من المحور أن يتحمل تأثير وسلطة أوربا اللاتينية، فالمغرب لاتيني في أصوله ولاتيني في مستقبله) وعن رأيه في الإسلام وحوار الأديان يدعو بيرك إلى: إعادة قراءة القرآن حيث التقدم والتمازج بين مختلف الشعوب وارد لأن المجتمع الإسلامي ليس مجتمعا مغلوقا ولا مغلقا ، كما أنه لا يمكن أن يكون كذلك لكون الإسلام دينا عالميا . توجيه النقد للفقهاء والعلماء في قراءتهم للنصوص الدينية ، فالمشكل في نظره هو بحثهم المستمر عن الأخلاقي عن طريق مراقبة الحياة الاجتماعية فجردوا الإسلام من كل مقوماته التي تناشد التطور. مناشدته بالاجتهاد الذي أصبح في خبر كان، فالاجتهاد والتجديد هما اللذان سيمكنان هاته المجتمعات من المرور من دور (الملتقط – المضيف) إلى دور المساهم النشيط لإثبات الهوية الثقافية، والبحث عن مسايرة الثورة العلمية وإعادة البناء على المستوى الاجتماعي والسياسي كما يدعو إلى ضرورة تكثيف النقاش الفرنسي – المغاربي لأن مستقبل الضفتين سيمر ضروريا عبر محور الجوار العربي اللاتيني وإسلام التقدم والاختلاف. إذا كان جاك بيرك قدم ملاحظاته عن سبل اللقاء والحوار بين الحضارتين الإسلامية والغربية من زاوية الآخر، إلا إنه نسي أن يرد أو ينتقد النزعة المركزية الغربية التي تحدد مواقع الآخرين وتحكم عليهم وفقا لتاريخه وغاياته وقيمه. شروط الحوار مع الآخر: حتى يقوم حوار الحضارات يرى إدوارد سعيد وروجيه غارودي أنه لابد من : السيطرة على الوعي الأوربي ، واحتوائه بداية ونهاية ، نشأة وتكوينا إضعافا لقوة إرهابه أو تقليلا منها ،وفي هذا الصدد ذكر ادوار سعيد في كتابه» الاستشراق» أن الكتب التي نشرت في العالم عن العرب والإسلام بلغت ما بين عام 1800و1950 حوالي 60 ألف كتاب لذا يمكن القول إن الاستشراق كان قوة في اتجاه واحد تمكن من أن ينشر آراءه بهذه السلطة . إعادة النظر في مفهوم « المثاقفة « التي تعني لدى الغربيين الحوار الثقافي أو التبادل الثقافي، وهي في الحقيقة تعني القضاء على الثقافات المحلية من أجل فتح المجال للثقافة الغربية لكي تهيمن وتنتشر واعتبار الغرب النمط الأوحد لكل تقدم حضاري ولا نمط سواه. دراسة الإسلام من الداخل أي من خلال نصوص الرسالة وخاصياتها وأثرها الحضاري وإسهاماتها التاريخية، والامتناع عن إسقاط الأحكام القبلية والمسبقة عليها و(عدم الانطلاق المبدئي من جهاز مفهومي مادي تاريخي أو وضعي ينكر أصلا كل إمكانية للوحي والتعالي الإلهي والغيب) لأن هذه (المناهج غير ملائمة لموضوع البحث الذي هو الإسلام، وفي نفس الوقت فهذا لا يقتضي التزام الباحث بالعقيدة الإسلامية بل يمكنه ألا يكون مسلما ولكن دون أن يكون له موقف مسبق إزاءها يقتضي إنكارها) «روجيه غار ودي والمشكلة الدينية – ص 202» نستنتج إذن انه: لا حوار في وجود يمين متطرف مستحكم في الغرب ومستهدف للآخر إن مستوى الجهل أو العداء للإسلام والذي صنعته المناهج والمقررات المدرسية ووسائل الإعلام ومؤسسات الفكر والبحث والتشريعات القانونية لمنع الهجرة، قد استثمره اليمين المتطرف فأنتج خطابات سياسية عنصرية شعبوية لحجز مواقع له ضمن تشكيلة المشهد السياسي الغربي والذي – نظريا – يرفضه ديمقراطيا وينبذه أخلاقيا، فانعكس ذلك على سياسات بعض الحكومات الأوربية (إيطاليا – النمسا – ….) والتي يشارك فيها اليمين المتطرف أو يترأسها، منتجا خطابا معاديا للأجانب والأقليات المهاجرة، ويبرز للعيان أن العرب والأفارقة والمسلمين هم المستهدفون على أرض الواقع أكثر من سواهم من عمليات الاعتداء حتى أنه انتقل هذا العداء والكراهية من فئة المستشرقين في ما مضى، ومن مستوى الكتب المدرسية والكنيسية ووسائل الإعلام إلى مستوى مؤسسات التمثيل السياسي ثم إلى أعلى صناعة القرار الغربي في القطاعات الأمنية والسياسية والفكرية في الاتحاد الأوربي. لقد تحول الخطاب الغربي السياسي من شعار «صراع الحضارات» إلى شعار «مكافحة الأصولية «كما جاء في بيانات قمم الحلف الأطلسي، وذلك تجنبا لذكر كلمة الإسلام وعدم إحراج الدول الإسلامية والتي من بينها دولة تركيا العضو الرئيسي في الحلف، وهذا التطور الخطير والمنهجي أوصل هذه الدول الأوربية والأمريكية في خاتمة المطاف إلى إطلاق شعار (الحرب ضد الإرهاب) في قمة واشنطن الأطلسية. في ظل هذا التطور المعادي للحضارة الإسلامية، من المتوقع مزيد من صعود اليمين المتطرف في أوربا وكسبه أرضية قوية في مستقبل السنوات القادمة مما سيزيد من ثقافة الكراهية وصدام الحضارات. إذن لا حوار حضارات ولا تعايش إنساني ولا مثاقفة في ظل تصاعد المد اليميني المتطرف في أوربا وأمريكا، فهم وقود الكراهية والحقد والصراع، وقنابل لنسف الديمقراطية وحقوق الإنسان التي طالما تغنت بها القارة الأوربية.