سجلوا في آلتكم التي تستنطق الموتى أيها الدرك أنه لم يقتلني أحد، لا ترموا التهمة على أحد، ولا تقوموا بأي بحث جنائي. لن تجدوا بصمة ولا أثر فاعل. سأسهل عليكم المأمورية وأحكي كل شيء. وبعد التسجيل اجمعوا أدواتكم وارحلوا. فرغم كوني ميتا فأنا في كامل قواي العقلية الآن، وليس كما كنت في حياتكم؛ مشوش الذهن؛ وملتبس الفكر؛ ومختلط الوجدان، ومتردد السلوك غامضه. سجلوا قبل أن يهبط المساء وقبل أن أخلد للنوم، فنحن الموتى ننام مبكرين لنستيقظ مع النسمات الأولى للفجر لنزور أماكننا المحببة في الحياة، ولمرافقة من نحب في أعمالهم البسيطة اليومية. نحن دوما معكم وإن كنتم لا تلاحظون ذلك. نحن نرى ونسمع ونشم ونأكل. فقط لا نلمس ولا نتكلم، نعرف ولا نقدر كما يحلو لكم القول أهل الدنيا. الذي قضى علي هو قريني الذي أتعبني وأتعبته طوال عمري؛ تارة أتهور ويلومني؛ وتارة يجنح فأعنفه؛ عندما أفكر في أمر يبعث لي بعشرات النقائض؛ أهم بفعل شيء فيسبقني إلى شيء آخر، أو مبالغا في الأول أو مقللا من شأنه. عندما أهدأ وأسكن يغويني بموضع للشهوات فأهتاج، عندها يتدخل بصور مفزعات ليحبطني. بدأت الحكاية ذات فجر عندما جاء المخاض أمي، ولم يكن في البيت غيرها وغيري الذي سيخرج للوجود، وكذلك هو الذي معي، أشعر أنه وأنا في الرحم،يزاحمني في الخروج، ولما غلبته دحرجني وسقطت على الوتد الذي ربطت به الأم الحبل الذي استعانت به لتساعد عضلات جسدها الهزيل على إخراجي. أثر جرح الوتد ما زال في جبهتي، وجحوظ عيني يخبرعن المخ الثاني في داخل جمجمتي، دماغ القرين. لم أكن حيا ذات يوم عندما كنت بينكم، كان الأتراب يسخرون مني ويعيروني بالوتد الذي في رأسي، وكبر مقلتي، وعدم انسجام حركات جسدي، وتلعثمي في الكلام. كنت أفكر في القتل في كل لحظة، إما لنفسي أو لغيري، أو لقريني إذا تمكنت منه، وإلا دعوته لإماتتي. لم أدخل المدرسة وما كان ذلك ممكنا. لم أتخذ صديقا ولم أرقص في الأعراس كما يفعل غيري. لم أغازل فتاة ولم أطمع في مغامرة عاطفية. أسعدني كثيرا لما سمعت أن الدرك سيأتي بآلة تستنطق الموتى حتى لا يظلم أحد. الذي يجب أن يحاكم ويعاقب ويسجن هو شيطاني الذي أغواني، وهو بالمناسبة شيطان الجماعة، تستشيره وتتخذه أميرا مطلقا يقرر لها في مكانها ويشرع، يحكم في القضايا، يسكن (بتكسير الكاف) القرية إن شاء ويؤججها إن شاء، وهو أمر لم أدركه حتى توفيت. الجماعة شيطان فرضت علي الزواج بواسطة النساء ولسان أمي، وقبلت لتكون لي ذرية فحسب، وأنا الذي لم أطمع يوما في أن تنظر إلي أنثى. ولعب الشيطان الجماعي مرة أخرى وخطبوا لي فتاة مثل فاكهة الرمان بجديلتين كساقيتي الفدادين السفلى. أقيم العرس ورقص الشباب وخضبوا يدي ورجلي بالحناء وأنا مقنع كمجرم يخاف أن تضبط هويته. كان القرين محتفلا ومزهوا بقميص العرس والنعال الصفراء. كان يغمز إلي ويسخر من قناعي. ودخلنا إلى السرير نحن الثلاثة، وتدخل الكلب بلعبته الدنيئة وبالصور المحبطات. وتأكد لي بالملموس أنني لم أكن رجلا ذات يوم. لم تنزعج الرمانة بل مسحت دموعي وأقسمت أن تكون لي. لكن الأعور أقسم أن أستعمله كشيطان الجماعة لأنقذ بالرمي بالعار فاكهة الرمان من أجل عارالعشيرة؛ والقبيلة؛ والقرية؛ والرجال؛ وحتى النساء والأطفال.وأرميها بتهمة فقدان العذرية لينجو شرف الجميع. في الصباح طلقتها، وكان ذلك ممكنا يومها، وفي الغد أحضرت الضحية شهادة طبية ورفعتها في قصبة وركبت بغلة تجول بها بين الحارات. من يومها وأنا في عراك مع القرين اللعين، حتى جاء هذا المساء الذي رماني فيه في الساقية ومت لأحيا.