«مكتباتهم» لمحمد آيت حنا، صيغة جديدة لإنتاج المعنى من المقروء. كتاب حواري بشكل من الأشكال أو لنقل تفاعلي بامتياز، اعتمد فيه مُؤلفه على بناء نصوصه المُتخيّلة من خلال قراءات وحفريات نوعية فى مُتون الأسماء المنتقاة بدائقة سامية، كما عمل على البحث عن مدخل خاص، أو علامة فارقة فى كتابة هؤلاء الكتاب الذين أطلعنا على جانب بالغ الأهمية من كونهم الافتراضى . نوع من الحياة الخاصة أو المطبخ الداخلي الذى تتغذى كتابتهم منه، يُحاول أن يشيد معنا، رفّا رفّا، مكتباتهم التى شكلّت خزنة أسرارهم، علبتهم السحرية. الحياة كل الحياة تكمن فى مكتبة، هي خريطة الأرخبيلات التى ترسم توليفة دماغ هؤلاء المفكرين والمبدعين الذى سعى الى تتبع مساراتهم ومسالكهم الابداعية من خلال ما تضمه كتاباتهم من مصنفات وأعمال، هو عمل تخييلي بامتياز لكنه لا يجانب الصواب لانه فى تشييده لهذه النصوص والمكتبات من خلالها، يستند على مقروء أو على فكرة وردت فى مُنجز أو فى حوار المعني, يعمل كاتبنا على رسم نوع من البورتريهات الخاصة لهؤلاء الكتاب، بورتريه إن صح التعبير فكري أو جينيالوجي يتعقب هذه السلالة الفكرية التى أمدّت صاحبها بإلهامه وجذرت فرديته وتميزه. هي نصوص مُهاجرة ترصد مكتبات مُتخيلة تجعلنا مرهونين لسحرها، مستطعمين لذتها الباهرة. طريقته فى البحث، فى النبش عن مواضيع جديدة، فى تشييد كتابة مُخالفة ومختلفة : « المادة الخام لهذا الكتاب، نسيجها الخيال والتأويل والكثير من الأكاذيب، والقليل فقط من الحقائق « (ص13) عن سبق اصرار وترصد يُقدم لنا الكلمات المفاتيح لنلج عالمه التخييلي، ألم يقل لنا القدماء: «أجمل الشعر أكذبه»، بالمعنى الاستعاري المجازي، لا المعنى القدحي الفج، لذا صمم الكثير من المتاهات وأقام الفخاخ والمصائد لطرائد مُحتملة، مارس الكثير من اللعب والتدليس الجميل، حتى الحوار المفترض مع الرائد أحمد بوزفور يدخل فى هندسة مشروع تخييلي اعتمد البناء الاحادي والحوار الفردي: يسأل ويُجيب، الكل في الكل، المُلمّ بجميع الحيثيّات والراصد المطلع على الافكار والنوايا، مُتمما معمارية هذا الكتاب بوضع النص القفل لأحمد بوزفور فى خاتمة الكتاب، وبذلك نستشعر هذه الهندسة الدقيقة فى تشييد أجزاء هذا المؤلف الذى نُشر مع دار توبقال في خانة « المعرفة الفلسفية» وهم بذلك وضعوه فى المرجل المناسب الذى يغلي بالأفكار والرُؤى، ورسموا له الطريق، طريق الضلال….