ترامب يهدد بمحاولة استعادة قناة بنما    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الذكرى 145 لميلاد غاندي .. هل يمكن نهج»تبني»اعتماد نضاله السلمي؟

والعالم يحتفل بميلاد هذا الرجل ,الذي اغتيل في 1948 لأنه طالب الهندوس بمراعاة حقوق المسلمين في الهند، هل من الممكن نقل تجربة هذا الرجل السلمية إلى العالم؟ أم أن تجربة غاندي لمحاربة الاستعمار بالسلم وعدم استعمال واستهلاك المنتجات الأجنبية وبعدم الفعل هي ابتكار خاص واستثنائي بهند غاندي؟
غاندي
في 30 يناير 1948 اغتيل غاندي من طرف أحد المتعصبين من أعضاء منظمة R.S.S الهندوسية، وكان زعيم الهند قد ولد في 2 أكتوبر 1869 لعائلة تنتمي إلى المذهب الجانتي و إلى طبقة «فيسيا».
وفي الذكرى 145 لميلاده والذكرى 66 لوفاته نتذكر هذا الرجل العظيم، ولكي نتحدث عن «غاندي» المهاتما أو الروح المقدسة أو السامية, لابد أن نتحدث عن المذهب «الديني» الذي انحدر منه والذي هو أحد مذاهب الهندوس المتعددة، لأننا عندما نتعرف على المذهب الجانتي قد نستوعب فلسفة العصيان أو اللاعنف أو النضال السلمي أو عدم التعاون -البهميسا أو الساتياغراها- فغاندي عبر بطريقته النضالية السلمية في مكافحة الاستعمار الإنجليزي عن قيم يكتنزها الشعب الهندي معتقداته العديدة المتميزة. لقد كان غاندي أحد «القديسين›› الذين عرفهم التاريخ، والأغرب أنه عاش في القرن 20، كان اسمه «موهنداس كارام شاند غاندي»، وكانت عائلته تنتمي إلى المذهب الجانتي وإلى طبقة «فايسيا» وفق النظام الطبقي الديني عند الهندوس الذي يتميز بالطبقات الأربع. وهو غير النظام الطبقي الاقتصادي المعروف في باقي العالم، فالهند تعرف نوعين من الطبقات، فقد تكون غنيا ويكون انتماؤك لطبقة المنبوذين الذين لا يجوز حتى لمسهم. وكان غاندي كريما مع هذه الطبقة حتى أنه خلع عليها اسما جديدا هو الهاريجان «الكرام».
في سنة 1869 ولد هذا الرجل الذي قاد أمة بعصا ونصف لباس خشن وصندال بسيط ونول وعنزة حلوب والذي لم يأكل لحما إلا مرة واحدة في حياته تحديا وأثناء فترة الشباب ,والذي تحول إلى «براهما شاري›› أي إلى «اعتزال الجنس و متزوج». و كان خطب زوجته الوحيدة «كاستور باي» في الثامنة من عمره وتزوج بها وهو في الثانية عشرة - للتذكير:- زواج الأطفال لازال يتعثر في الهند حتى الآن-، وفي عمر 18 حصل على الشهادة التي تخوله الدخول إلى الجامعة وسافر لمتابعة دراسته القانونية في لندن بعد أن تعهد لعائلته ولطائفته باحترام عقيدته في المأكل والملبس والتزام العفة, إذ أن الهندوس من الطبقات العليا كانوا لا يسافرون إلى الخارج بسبب التحريمات وكان غاندي أولهم، وعاد إلى الهند حيث حاول فتح مكتب للمحاماة في مدينة بومباي الواقعة على بحر العرب, إلا أنه فشل في ذلك وانتقل إلى مسقط رأسه «كوجرات» للعمل بمكتب شقيقه المحامي. وأثناء هذه الفترة كلف بمهمة في جنوب إفريقيا حيث كان الهنود قد كونوا جالية كبيرة وبقي غاندي هناك يكافح الظلم الواقع على بني جلدته وعلى غيرهم، وهناك انبثقت عقيدة عدم التعاون.
20 عاما في جنوب إفريقيا
كان لانتقال غاندي إلى جنوب إفريقيا أحد أهم مهاجر الشعب الهندي أثر كبير في حياته, فهو الذي تقلد الدفاع في قضية لمدة مؤقتة أصبح مقيما في جنوب إفريقيا لعشرين عاما بعد ذلك، وهناك انبثقت في أعماقه خطة (الساتيا غراها) المرتبطة «بالاهميسا» وهناك كافح الظلم الاستعماري والتمييز العنصري والأوبئة ودخل ثلاث مرات السجن في 1908 وفي 1913 وان لم يكمل المدة التي حكم بها عليه لضغط الرأي العام وللطابع السلمي لنضاله. كان إقليم «ناتال» هو المركز الذي قاد منه غاندي نضاله من أجل مكافحة الاستعمار والتمييز العنصري وأسس أول تنظيم سياسي، ومن أهم تأثيرات غاندي في حركة جنوب إفريقيا تأسيس المؤتمر الوطني الإفريقي في 1912 لم يكن الأمر بعيدا عن حركة غاندي، وعندما عاد إلى الهند ترك رصيدا نضاليا هائلا للحركة الإفريقية حتى بعد وفاته, فقد أعلن المؤتمر الوطني الإفريقي في 1952 حركة العصيان الكبرى التي شلت جنوب إفريقيا بتأثير «الساتيا غراها» ومن المعروف أن نيلسون مانديلا من أتباع الحركة.
وغاندي هو أول من أسس منظمة سياسية لمناهضة الاستعمار في جنوب إفريقيا «مؤتمر ناتال الهندي» عام 1894 وكان بحركته تلك قد أعطى للأفارقة وغيرهم فكرة عن التنظيم الجماعي الذي أسس لأول مرة. وإذا كانت حركة مناهضة الاستعمار عنيفة بطبيعتها, فإن غاندي هو الذي أبدع فكرة مناقضة تماما وهي أن مناهضة الاستعمار يمكن أن تتم بشكل سلمي. والسنوات التي قضى في جنوب إفريقيا كانت من أخصب سنوات حياته. وقد عاش مراحل الوباء الذي أصاب جنوب إفريقيا وأقسى مراحل التمييز العنصري تجاه السود وتجاه الهنود ومرحلة التنظيم السياسي لمناهضة الاستعمار في سنوات 1896 و 1902 و 1912، وعاد إلى الهند ليقود الكفاح الكبير الذي انتهى في 15 غشت 47 باستقلال الهند و باكستان. وكانت مرحلة صعبة واجه فيها غاندي الصراع الطائفي بين المسلمين والهندوس والخلافات بينهما بالإضافة إلى الاستعمار.
نشب الخلاف مع قادة حزب المؤتمر الهندي الذي تأسس في 1885 بعيدا عن غاندي رغم أنه كان الزعيم الأول لهذا الحزب بفضل جماهيريته الواسعة جدا، ورغم أن في حزب المؤتمر من كان لا يرى نفس رؤية غاندي فكانت خلافات عديدة تنشأ بينه وبين زعماء الحزب ومن ضمنهم جواهر لال نهرو (1889-1964) رئيس وزراء الهند (47-64) ووالد أنديرا غاندي (1917-1984)، إلا أن هذه الخلافات لم تؤثر في العلاقة بين الأطراف وفي تقديرهم لمكانة المهاتما غاندي.
المذهب الجانتي
جاءت كلمة «جانتي» من «جنا» أي القاهر لا بمعنى المنتصر على الملذات فقط, بل بمعنى المعلم أو الأستاذ أو المصلح، فكما كان «بوذا» مجرد تجل «لبوذات» كانوا في السابق و سيأتون فيما بعد، كذلك معنى «جنا» وكان زعيم المذهب هو «ماهافيرا» الذي وضع أسس المذهب في القرن السادس ق.م والذي توفي عن 72 عاما وطائفة الجانتيين ترتكز على الأسس التالية:
* عدم إيذاء أي كائن حي.
* أن الحق مسألة نسبية ولا وجود لحق مطلق.
* أنه ليس هناك سبب أول.
* أن أسفار «الفيدا» وهي كتب الهندوسية المقدسة لا تنفع.
* أن الحياة ليست إلا عذابا و قيدا مقيما بما فيها التناسخ المتوالي إلى الأبد بدون خلاص.
والخلاص لا يكون إلا ب «الاهميسا» أو المبادئ الخمسة وهي:
* أن لا تؤدي كائنا قط.
* أن لا تكذب.
* أن لا تأخذ حق الغير.
* أن تمارس العفة التي قد تصل إلى أن تكون «براهما شاري».
* أن تلغي جميع اللذائذ الخارجية من لباس و طعام و رغبات يمكن أن تضعف أمامها.
لذلك كان الجانتي التقي يضع كمامة على فمه حتى لا يؤذي الكائنات اللامنظورة، لا يحرث لأن المحراث يمزق التربة، لا يأكل العسل لأنه غذاء النحل، يضحي من أجل الحيوانات، لا يزهق أي روح، والحياة الوحيدة التي يمكن للجانتي أن يزهقها هي حياته. فالانتحار جائز عند الجانتيين حتى أن والدي مؤسس المذهب ماتا انتحارا... من الجوع. من هذا المذهب الذي اختصرناه جاء غاندي... والمذهب نفسه جاء من عالم الهندوسية الواسع الذي يقبل أي عقيدة ويدمجها في فكرة الشاسع، لذلك فإن غاندي عندما نادى بالاهميسا (عدم الإيذاء) (والساتياغراها) اللاعنف كان يستند إلى قيم مكتنزة في الشعب الهندي الذي استجاب إلى دعوته الفريدة في تاريخ العالم. والجانتيون الذين ضاعوا في بحر الهندوسية، ولم يبق من أتقيائهم إلا القليل يعبرون تعبيرا عميقا عن الفكر الفلسفي الذي يستمد منه الشعب الهندي ويغرف من معينه الذي لا ينضب. وكان غاندي بانتمائه إلى هذا المذهب وإلى الهندوسية ككل وقراءاته الإسلامية والمسيحية العديدة وفضائله الشخصية وثقافته الإنسانية ... «جنا» أي قاهر القرن العشرين، وفي اللحظة الزمنية المعاصرة كان قائدا استقلاليا في مواجهة الاستعمار البريطاني. ورغم انتمائه الفكري النخبوي والاجتماعي فقد ألغى المسافة الفاصلة بين النخبة و لجماهير حتى ليعجز المتتبع عن التمييز بينهما فهل نزل غاندي إلى الجماهير أم صعدت هي إليه؟ أم التقيا معا واندمجا في «الساتياغراها» وأبدعا معا بالنظرية وبالتطبيق أحد أعجب أشكال الكفاح لمقاومة الاستعمار حتى أن القانون الجنائي الاستعماري وقف عاجزا عن معاقبة هؤلاء، فكان أن تدخل المشرع لوضع قوانين جديدة تعاقب على النضال السلمي أو اللاتعاون. ومن تأثيرات ذلك أن صدر في المغرب مثلا ظهير 1935 الذي يعاقب على كل ما من شأنه أن يمس بالسير العام ... والذي ألغي فيما بعد....
في الهند:
رغم مقام غاندي الطويل في جنوب إفريقيا إلا أنه غادرها عدة مرات للعودة للهند لأسباب عدة... التعرف على الظروف التي تعيشها الهند آنذاك وزيارة العائلة لبقائها في الهند لأن رحيل غاندي إلى ناتال كان بهدف الترافع في قضية ثم العودة، إلا أن المقام طال 20 سنة. وفي جنوب إفريقيا شكل غاندي التنظيمات الاجتماعية والسياسية التي شكلت نواة لما كانت و ستكون عليه في الهند، كان حزب المؤتمر الهندي قد تأسس في 1885 أي بعد ولادة غاندي بستة عشر عاما. وقد ضم الحزب مختلف الطوائف هندوسا ومسلمين وغيرهم، وكان هدفه في البداية تحسين أوضاع الهنود في وطنهم في ظل الاستعمار البريطاني الذي بدأ يزحف ويتراجع حسب ضعف أو قوة الدولة الإسلامية إلى أن استطاع القضاء على آخر أباطرة الهند المسلمين في 1858، علما أن الدولة الإسلامية في الهند عاشت حوالي 8 قرون ما بين 1193-1857.
وكان حزب المؤتمر الذي انتقلت مطالبه من المطالبة ببعض حقوق المواطنة إلى المطالبة بالاستقلال فيما بعد وتحت زعامة غاندي لجميع الطوائف وأهمها المسلمون والهندوس. إلا أن جزء هاما من المسلمين أسسوا حزبا جديدا وانفصلوا عن حزب المؤتمر في 1906 وأعلنوا الجماعة الإسلامية التي أظهرت خوفها الشديد من الأغلبية الهندوسية وحاولت نشر الانتماء إلى الخلافة الإسلامية «تركيا». ثم تطور الطلب إلى الانفصال عن الهند بعد مؤتمر لاهور في 1941 قبل ست سنوات من الاستقلال عن انجلترا...
عاد غاندي إلى الهند في هذه الظروف القاسية الصعبة في ظل خلاف شديد بين قادة الهندوس وقادة المسلمين حول كيفية حل المسألة الطائفية. وكان هناك حزبان كبيران في البلاد، بالإضافة إلى جماعات سياسية عديدة وجماعات دينية ومذهبية هنا وهناك إمارات مستقلة، ثم الاستعمار البريطاني الذي يعتبر الهند جوهرة التاج، والحركة الشيوعية، بحزبها المخضرم الذي تأسس في 1920. وكانت كل الظروف الموضوعية تؤكد أنها تعمل لصالحه وأن الهند حقل خصب للاشتراكية كما الصين وفيتنام بماوتسي تونغ 1893-1976 وهوشي منه (توفي عام 1969). إلا أن الحركة الشيوعية في الهند كان ينقصها غاندي الذي بخلفيته الدينية العميقة قاد حزب المؤتمر الوطني بعد أن كان عضوا مؤسسا لفرع الحزب في جنوب إفريقيا، ورغم أن ولادة «البهميسا› و «الساتياغراها» بشكلهما الجديد كان في إفريقيا فإنهما سيجدان في الهند انتشارا هائلا قاده غاندي بصيامه المتكرر وبطريقته النضالية المتميزة ...لذلك فإن حفيد «الجانتيين» الذي ترك كل شيء من أجل المبدأ السامي الذي نذر له نفسه. أرغم الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس إلى الجلوس معه إلى مائدة المفاوضات بعد أن انتشر العصيان المدني في الهند وتوقف الشعب الهندي عن استعمال واستهلاك المنتجات البريطانية وعمّ النضال السلمي ذو الفعالية القوية في وسط الشعب الهندي.
اللاماسسية:
لقد واجه غاندي تعقيدات المجتمع الهندي رغم خلفيته الهندوسية، فقد واجه المشكل الطائفي بين الهندوس ككل و لمسلمين وهو الأمر المعروف الذي انتهى بمأساة الانفصال وإنشاء باكستان، علما أن عدد المسلمين في الهند كبير، ثم واجه المشكل الطبقي بين الهندوس أنفسهم. فالهندوسية عقيدة تتسع حتى للإلحاد، فقد استوعبت عقائد سكان الهند الأصليين (=الدرافيديين) والآريين الذين جاؤوا إلى الهند واستوطنوا شمالها قبل الميلاد. وهم الذين وضعوا أسس الهندوسية وكتبها المقدسة «الفيدا» وملاحمها «المهابهارتا» و»الرامايانا» و»الاوبانشياد» لكنهم أدمجوا عقائد الهنود الأصليين وآلهتهم في الجنوب.
ولكون الآريين أقلية فقد وضعوا سدودا بينهم وبين باقي السكان حتى يمنعوا ذوبانهم ووضعوا إحدى أعجب الطبقيات التي عبر عنها قانون «مانو» واحتالوا على ذلك بذكاء يتميز به فقهاء الدين في كل مكان وزمان. وفق قانون «كارما» ومعناه التناسخ الكائن لا تموت روحه (بل وعاؤه فقط أي جسده) بل تنتقل إلى (وعاء) جسد آخر طاهر على أساس أن لا يرتكب الذنب في حياته السابقة لا بفكره ولا بجسده ولا بلسانه. فمن ارتكبه باللسان أو بالجسد عوقب في حياته المقبلة بأن ينقلب حجرا أو حيوانا، ومن ارتكبه بفكره كما لو رفض واقعه كمنبوذ يولد في حياته المقبلة منبوذا أي جسدا بلا روح، والجسد بلا روح معناه انعدام الطهارة وارتكاب المعاصي في الحياة السابقة. ولا يجوز لمس المنبوذ أو الأكل معه أو السكن المشترك معه.
واللامساسية هذه هي التي حار بها غاندي وكانت في جنوب إفريقيا أخف منها في الهند حيث كانت -ولا زالت نسبيا في الريف الهندي- متمكنة من الشعب، ورغم أن غاندي لم يعلن رفضه لقانون «مانو» فانه قبل التعاون في «الأشرم» الذي أسسه بأعضاء من المنبوذين علما أنه واجه رفضا مبطنا وأحيانا صريحا من باقي أعضاء «الاشرم». وقد واجه غاندي «اللامساسية» باعتبارها دخيلة على الهندوسية، وتعاون مع المنبوذين ورغم أنه نظرا لخلفيته الدينية- لم يستطع إعلان المطالبة بإلغاء الطبقية الطائفية تلك ومساوئها، فقد استطاع التخفيف من قسوتها.
وبعد الاستقلال، فإن الدستور الهندي الذي أعلن في 26 يناير 1950 ساوى بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات، بل إن الرئيس الهندي الأسبق السيد «كوشريل رامان نارايان» كان من الطائفة المنبوذة ولأول مرة في التاريخ الهندي. وإن كان الريف الهندي لازال يعاني من هذه «الطائفية» المعقدة اجتماعيا...
رجل المبادئ:
إن الحديث عن غاندي الزعيم يرتبط أشد الارتباط بغاندي الإنسان، فالرجل كان متمسكا بمبادئه حتى في مواجهة الجماهير فعندما أعلن في الأربعينيات رفضه لسياسة بريطانيا في الهند وقامت الجماهير بترجمة هذا الرفض كل جماعة بطريقتها أدى ذلك إلى قتل العشرات فأعلن توقيف حركة اللاتعاون مما أدى إلى ردة جماهيرية و حزبية ضده لكن هذا لم يتنازل عن رأيه، فالرجل كان كتلة من العظم والمبادئ والأمر نفسه عندما أعلن أثناء الحرب العالمية الثانية المساندة لبريطانيا وسط رفض عام إذ كيف تساند الهند مستبعدتها في مواجهة ألمانيا والمحور؟ وهو أمر يدل على ذكاء استثنائي.
وغاندي الإنسان الذي كان صريحا مع نفسه ومع الآخرين إلى درجة الإيلام اعترف طوال حياته بارتكابه الأخطاء وكان يقولها بكل بساطة بل وسار الأمر حتى في حياته المهنية كمحام فقد أكد أنه في أول قضاياه أمام المحكمة لم يستطع حتى الكلام وارتج عليه واعترف بأكل اللحم مرة واحدة في حياته ومحاولته ممارسة الدعارة، فالرجل الذي كان يمشي حتى 30 يناير 1948 والذي اعتبر أحد أبرز شخصيات القرن العشرين كان سهلا ممتنعا وكان أشبه بالقديس منه بالإنسان، وكان تأثيره عالميا ليس فقط على مستوى الحركات التي أخذت عنه كحركة نلسون مانديلا في جنوب إفريقيا و عبد الغفار خان في باكستان، ولكن على المستوى العالمي في شعوب الأرض بأسرها.
وعلى مستوى القوانين الجنائية فبريطانيا اضطرت أثناء العصيان المدني الذي قاده إلى تعديل القانون ليواكب هذه الحركة، فالقانون الجنائي قبل «البهميسا» والساتيا غراها» كان يعاقب على الفعل لا على عدم الفعل. لكن المشرع البريطاني تدخل لإصدار قوانين جديدة في هدا الصدد وانتقلت هذه القوانين إلى الاستعمار الفرنسي فقد صدر في المغرب قانون عرف بقانون 1935 يعاقب على كل ما من شأنه إثارة الرأي العام وكان هذا القانون السيئ الذكر قد الغي في تسعينيات القرن الماضي وذلك من تأثيرات نضال المهاتما غاندي السلمي.
هوامش:
* غاندي تعني البقال
* براهما شاري (الصائم جنسيا) بإرادته المعتزل للجنس باعتباره رغبة جسدية توهن وتعرقل الإنسان عن أن يصبح أكثر شفافية و حرية وأقرب للنرفانا أو الفناء في الذات العليا.
* سافر غاندي في 1887 إلى لندن وعام 1891، وذهب إلى جنوب إفريقيا في 1893.
* يشكل المسلمون في الهند حاليا حوالي 250 مليون نسمة أي 20في المئة من مواطني الهند الذين يبلغ عددهم مليار نسمة، و هناك المسيحيون الذين يشكلون 2في المئة,و البوذيون حوالي 1في المئة والسيخ نفس النسبة والباقي هندوس .
* الأشرم: مدرسة أو زاوية تتعايش فيها مجموعة من الأسر أو الأفراد يشتركون في السكن والعمل و التعليم و الإنتاج بغض النظر عن خلفيتهم المذهبية فكأننا أمام كومونة من نوع خاص.
* لا قرابة بين المهاتما غاندي و رئيسة الوزراء الراحلة أنديرا غاندي فالأخيرة ابنة جواهر لال نهرو الزعيم الهندي الكبير وقد أخدت لقب غاندي عن زوجها فيروز غاندي والد نجليها سانجاي وراجيف.
* الرامايانا: ملحمة تحكي قصة «راما» ومعركته من أجل إنقاذ «سيتا».
* المهابهاراتا: ملحمة تحكي صراع عائلتين ملكيتين من أجل السيطرة على شمال الهند.
* الاوبانشياد: «الجلوس قرب الأستاذ» كتاب الحكمة الهندي.
* الفيدا «المعرفة» الكتب المقدسة الهندية وهي أربعة في مختلف نواحي الحياة.
* R.S.S منظمة المجلس الهندوسي العالمي وهو تنظيم يعتبر أن الهند للهندوس فقط و قد تفرعت عنه منظمات عديدة ولازال يعمل في الهند وفي التجمعات الهندوسية في الخارج. وحزب جاناتا الحاكم في الهند حاليا احد نتائجه.
* حكم نظام الطبقات المغلقة ظهر مع حكم الآريين للهند في القرن 6 قبل الميلاد يتفرع إلى أكثر من 2700 طبقة إلا أنها حرف أكثر منها طبقات، أما الطبقات الأربع الأساسية فهي: البراهما-الكشاتريا-الفايشا-الشودرا. أما المنبوذون ففي أسفل السلم الاجتماعي تشكلوا في البداية من العبيد والقبائل و الأسرى وهم في الهند حوالي 260 مليون نسمة وإن ما يشكل خطورة غرائبية هو إيمان الناس بهذا النظام بما فيهم المنبوذون أنفسهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.