"المقاومة السلبية أو العصيان المدني طريق للحصول على الحقوق" "إن غاندي الذي يتزعم الشعب الهندي لا تؤيده في هذه الزعامة أية سلطة خارجية، وهو سياسي لا يقوم نجاحه على الحيلة أو المهارة في الوسائل الفنية إنما على القوة الإقناعية، وهو مكافح مظفر يحتقر على الدوام أساليب العنف، وهو حكيم متواضع تسلح بالإرادة كي يتناسق سلوكه، وقد أرصد كل قواه لأن ينهض بشعبه ويرقى بمصيره، وقد جَابَه تَوَحُش أوربا بوقار إنسانيته ولذلك كان دائما يرتفع عليها. إن الأجيال القادمة سوف تشك في أن إنسانا مثل هذا سعى بقدمه على أرضنا". مولده وحياته ولد غاندي الملقب "بالمهاتما" في الثاني من أكتوبر سنة 1869م بالهند، كان لأسرته المعروفة بتدينها باع طويل في السياسة والعمل السياسي، حيث تقلد جده ووالده منصب رئيس الوزراء في إحدى الإمارات بالهند، كان في صغره ضعيف الذاكرة وقد ظهر ذلك من خلال دراسته، تزوج في سن الثالثة عشرة من عمره كما كانت تقضي بذلك تقاليد الهندوس وأنجب أربعة أولاد. انتقل غاندي إلى بريطانيا سنة 1882م لدراسة الحقوق وحصل منها على الإجازة التي خولته ممارسة مهنة المحاماة، اطلع في آخر أيامه الدراسية على ما يسمى "بالصوفية الهندوسية" المترفعة عن الدنايا والداعية إلى الزهد والتقشف، وقد كان كذلك في حياته. عاد إلى الهند سنة 1891م لكنه واجه متاعب كثيرة من بينها أنه كان خجولا جدا ولم يكن يستطيع الحديث أمام الناس، حتى إنه ذات محاكمة وبعد أن جاء دوره للحديث أمام القاضي وقف عاجزا صامتا وطلب من موكله بعد ذلك أن يبحث عن محام آخر. في جنوب إفريقيا بعد الصعوبات الكثيرة التي واجهته في الهند انتقل إلى جنوب إفريقيا ليعمل كمتعاقد مع مكتب للمحاماة لمدة سنة، وقد شكلت هذه الرحلة مرحلة جديدة في حياة غاندي. سافر المهاتما غاندي إلى جنوب إفريقيا سنة 1893م وقد كانت مستعمرة بريطانية مليئة بالعمال الهنود كما كانت تئن تحت وطأة الاضطهاد العرقي والتمييز العنصري، لكن غاندي لم يكن ليقبل بتلك الأفعال العنصرية الشنيعة التي كانت تقترفها حكومة البيض وهو الذي عانى منها أيضا، فهو نفسه لم يجد فندقا يأويه لأنه لم يكن من البيض، كما أن مفتش القطار طلب منه ذات مرة أن يغادر الدرجة الأولى ويرجع إلى الخلف رغم أنه أدى ثمن الدرجة الأولى لأنه "مُلَوَّن"، كما طلب منه قاضٍ بريطاني ذات محاكمة أن ينزع عمامته الهندية ووصفه "بالآسيوي" والكلمة ترمز حينها للاحتقار، وكان أينما توجه يقابل بالإهانة والازدراء والتحقير، فقرر أن يطلق الصبر ويناضل دفاعا عن الكرامة والحقوق. ونتيجة لهذه الأوضاع اضطر الرجل لأن يبقى في جنوب إفريقيا 22 سنة بدل السنة التي وقعها في عقد العمل. مُقام غاندي بالهند والأحداث التي صاحبته جعلته يعمق تكوينه ومعارفه الفكرية في مختلف المجالات، وبذلك كانت جنوب إفريقيا مرحلة بارزة في مسار تطوره الفكري والسياسي. أثمرت جهود غاندي ونضاله بجنوب إفريقيا نتائج هامة، فقد رفع من معنويات الهنود المقيمين بجنوب إفريقيا، ورفع سقف المواجهة والتحدي ضد حكومة البيض العنصرية، كما حارب القانون الذي كان يحرم على الهنود حق التصويت، وغيَّر ما كان يعرف "بالمرسوم الآسيوي" الذي كان يفرض على الهنود تسجيل أنفسهم في سجلات خاصة، كما أنشأ صحيفة "الرأي الهندي" و"حزب المؤتمر الهندي" ليدافع عبرهما عن حقوق الهنود. اعتقل غاندي غير ما مرة من أجل أفكاره ومبادئه مضحيا بعمله وحريته، كما تعرض للتعذيب مرارا، ولما رأت السلطات الاستعمارية الانجليزية كل ذلك الصمود والثبات عرضت تسوية بين الجانبين وافق عليها غاندي وغادر بعد ذلك إلى الهند. إلى الهند من جديد عاد غاندي إلى الهند سنة 1915م مصحوبا بنضاله الكبير في جنوب إفريقيا، وبعد سنوات قليلة قضاها في الهند أصبح الزعيم الأكثر جماهيرية وشعبية، وقد كان نضاله موجها ضد الاستعمار البريطاني الجاثم على صدر الهند من جهة، وضد الظلم الاجتماعي الجاثم على صدر الفقراء من جهة ثانية. اعتمد غاندي في نضاله ونشاطه على ما أسماه "المقاومة السلبية" البعيدة عن العنف، وقد حاول المستعمر البريطاني افتعال كثير من الأحداث الدامية في العديد من المناطق لإثارة غاندي ورفاقه وليجرهم إلى نفس الأفعال حتى يجد المبرر للتدخل العنيف ضدهم، لكن غاندي لم يكن يرضخ للاستفزاز وكان دائما يبادر إلى تهدئة مواطنيه ودعوتهم للصبر. في سنة 1919م اجتمع عشرات الألوف من الهنود رجالا ونساء وأطفالا في إحدى الساحات فهاجمتهم القوات الإنجليزية المحتلة وقتلت منهم ستمائة شخص وجرحت الآلاف واعتقلت الكثيرين، عندها أعلن غاندي القطيعة مع المحتل ودعا إلى المقاطعة الشاملة والعصيان المدني، فاستقال الموظفون وأضرب الطلاب وهجر المتقاضون المحاكم، وبدأ غاندي ينظم الحركات الشعبية وينتقل من منطقة إلى أخرى، ودعا الهنود إلى مقاطعة البضائع البريطانية لأنهم كانوا يشترون القطن الهندي بثمن بخس ليعود الهنود ويشتروه قماشا بأثمان باهظة، وحمل مقابل ذلك مغزلا ليكون قدوة لمن سواه وليدفع الهنود إلى غزل القطن في أوقات فراغهم، وبذلك تتعطل مصانع بريطانيا فينتفض العمال ضد مسئوليهم، وانتشرت الفكرة بسرعة مذهلة فراح السكان يحرقون الأقمشة البريطانية ويعتبرونها رمزا للعبودية والاستعمار. وفي سنة 1920م عقد المؤتمر الوطني الهندي اجتماعا قرر فيه المطالبة بالاستقلال والعمل على إحرازه بالطرق الشرعية والسلمية، وكان غاندي ينتظر تمادي السلطة في طغيانها ليعلن العصيان المدني، كما طالب بإعادة الاعتبار للمنبوذين ، وقد لقي منهم تجاوبا كبيرا خاصة حينما أعلن أمام الناس: "خير لي أن أقطع إربا من أن أنكر إخواني من الطبقات المدحورة، وإذا قدر لي أن أبعث حيا بعد موتي فأقصى مناي أن أكون من هؤلاء الأنجاس لأشاطرهم ما يتلقون من إهانات وأعمل على إنقاذهم". كما كان من بين ما يسعى إليه المستعمر البريطاني بالهند التفريق بين المسلمين والهندوس وإذكاء الشعور الطائفي فيما بينهما، فرد غاندي بتضامنه التام مع المسلمين وقد كانوا أقلية. استمر نضال الرجل وألقي عليه القبض وحكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات، وأشعل اعتقاله فتيل المقاومة ضد الإنجليز، لكنه أمضى سنتين فقط وأفرج عنه لسوء حالته الصحية، وبعد مغادرته السجن اعتزل أي نشاط سياسي حتى استعاد عافيته، وبعد العودة أعلن ما يلي: - اتحاد الطوائف هو السبيل الوحيد للاستقلال. - المنبوذون مواطنون. - مقاطعة الاحتلال البريطاني. - إتباع سياسة اللاعنف نظريا وعمليا. - إنصاف العمال والفلاحين. قرر غاندي سنة 1930م دعوة الشعب إلى ما سماه "مسيرة الملح" وتوجه بها إلى البحر واستغرقت أربعا وعشرين يوما، وقد كانت تهدف إلى تحدي احتكار الاستعمار البريطاني لاستخراج الملح الذي كان الهنود يستهلكونه كثيرا، ولم يوقف المسيرة إلا بعد أن توصل الطرفان إلى حل وسط وقعا بموجبه "معاهدة دلهي". بعد النصر الذي حققته مسيرة الملح انصرف غاندي إلى علاج مشاكل المنبوذين حيث وضعت السلطة البريطانية المحتلة مشروع قانون يقضي بأن ينتخب "المنبوذون" ممثليهم على حدة وفي معزل عن الشعب الهندي، فعارض غاندي ذلك على اعتبار أن المنبوذين مواطنين هنود ولا بد من تغيير النظرة إليهم حتى من أبناء بلدهم، وانتصرت رؤيته حينها لكن بعد أن خاض صياما طويلا كاد أن يودي بحياته (إضراب عن الطعام). استمر غاندي في نضاله وكفاحه ضد الاحتلال البريطاني وضد كل أشكال التهميش والحرمان إلى أن حصلت الهند على استقلالها سنة 1948م. اغتيال المهاتما كان غاندي من أشد المدافعين على حقوق الأقليات المسلمة بالهند مما أوغر صدور بعض المتطرفين والمتعصبين فأطلق عليه أحدهم ثلاث رصاصات أردته قتيلا في 30 يناير 1948 عن عمر يناهز 79 سنة، وعندما سئل القاتل عن سبب قتله لغاندي قال: لأنه كان يحب المسلمين كثيرا حتى أنه أحبهم أكثر من نفسه وضحى بمصالح الهند إرضاء لهم. من أقواله الخالدة . - الإسلام هو الذي ساوى بين الإنسان وأخيه، لا تحرموا الإنسان من المساواة التي نادى بها الإسلام ونبي الإسلام، فالعظيم الخالد إلى الأبد محمد بن عبد الله رسول الإسلام كان قادرا على السيطرة على العالم كله ومع ذلك ترك نفسه إنسانا، فعاش نبي الإسلام رسولا بشرا عاديا أمام إخوانه من الناس كواحد منهم. - إني لا أريد أن أموت مهزوما نتيجة شلل بطئ يصيب حواسي وقدرتي على العمل، ولا بأس إذا انتهت حياتي برصاصة قاتل، ولكني أتمنى أكثر من كل شيء أن أختفي من الوجود وأنا أؤدي واجبي مع آخر نفس من حياتي. - أخذني صديقي مرة إلى بيت الدعارة (...) وكان كل شيء معد لي من قبل وتم دفع الحساب مقدما، ودخلت بين أنياب الخطيئة ولكن الله عصمني بواسع رحمته من نفسي، فقد أحسست بأني أقرب ما يكون إلى من أصيب بالعمى والصمم في ذلك الجحر للرذيلة، وجلست إلى جانب المرأة في سريرها ولكني ظللت معقود اللسان لا أستطيع النطق بكلمة واحدة، فكان من الطبيعي أن تفقد المرأة صبرها معي وأن تشيعني إلى الباب مصحوبا بالشتائم والإهانات (...) ولكنني لم أكف منذ ذلك الحين عن تقديم الشكر لله على أن خلصني من هذه الخطيئة. - إني واثق من وجود الله وثوقي من حقيقة جلوسنا معا في هذه الغرفة، وفوق ذلك فإني أعلن أني ربما استطعت أن أعيش بدون ماء أو هواء، ولكني لا أستطيع أن أعيش بدونه سبحانه، ولك أن تفقأ عيني لكن هذا لن يقتلني، أما إذا انتزعت مني إيماني بالله فإن ذلك سيتركني جثة هامدة. - إني لا أستطيع أن أعيش ثانية من غير دين... - في رأيي فإن السياسة التي لا تربط بالدين قذارة محضة يجب تجنبها، إن السياسة ميدانها العمل لخير الأمم ولذلك يجب أن نشد إليها اهتمام الرجل المتدين/ أو بعبارة أخرى الرجل الذي يسعى وراء الله ووراء الحق. - إن الإيمان هو الذي يقودنا إلى بر السلامة في البحار العاصفة، إنه هو الذي يحرك الجبال ويقفز عبر المحيطات، وليس هذا الإيمان إلا شعورا حيا دائم اليقظة بوجود الله في داخلك، ومن وصل إلى هذا الإيمان لا يفتقر إلى شيء، وإذا كان عليل الجسد فهو صحيح الروح، وإذا افتقر إلى المادة فهو غني بالثروة الروحية. - لست أعرف خطيئة أكبر من ظلم البريء باسم الله. - إن المقاومة السلبية (يعني البعيدة عن العنف) أو العصيان المدني أوضح الطرق وآمنها لأنه إذا تبين أن القضية باطلة فلن يتعذب من جراء ذلك أحد غير المقاومين وحدهم دون سواهم. - المقاومة السلبية أو العصيان المدني طريقة للحصول على الحقوق (...) إنها النقيض للمقاومة بالسلاح. - إن التاريخ يعلمنا أن الذين استعملوا القوة الوحشية في طرد الطامعين الشرهين من بلادهم- مدفوعين بإخلاصهم بلا شك- قد أصبحوا بدورهم فريسة لمرض أولئك الذين طردوهم. - إن عدم العنف الذي أدين به لا يسمح بالهروب من الخطر وترك أعزائنا بلا حماية. - إن الامتناع عن تناول المسكرات والمخدرات وأنواع كثيرة من الطعام وعلى الأخص اللحوم عون كبير ولا شك على تطور الروح، ولكنه لا ينبغي أن يعتبر بحال من الأحوال غاية في ذاته، فكثيرون ممن يأكلون اللحوم يعيشون خشية من الله أقرب إلى حرية الروح ممن يمتنعون دينيا عن أكل اللحوم وعن أشياء كثيرة ثم يكفرون بالله في كل عمل من أعمالهم. - علمتني الحياة أن السكوت عن الكلام جزء هام من التدريب الروحي للمؤمنين بالحق. - في اللحظة التي تختفي فيها روح الاستغلال سوف يصبح التسليح عبئا لا يطاق، إن نزع السلاح لن يصبح حقيقة واقعة إلا إذا كفت الشعوب عن استغلال أحدها الآخر. - لا بد لي أن أعترف بأنني لا أرسم خطا فاصلا بين الاقتصاد والأخلاق ولا أجعل بينهما تفرقة، فالاقتصاد الذي يضر بالصحة الأخلاقية لأي فرد أو شعب عمل غير أخلاقي ولذلك فهو خطيئة. - إن الرجل الجائع لا يفكر في إشباع جوعه قبل أي شيء آخر، إنه يبيع حريته وكل شئ آخر من أجل القليل من الطعام. - إن فهمي للديمقراطية هو أن أضعف الناس لهم تحت لوائها نفس الفرصة التي لأقواهم، وذلك أيضا لا يمكن تحقيقه إلا عن طريق عدم العنف. - إن الديمقراطية الحقيقية أو استقلال الجماهير الذاتي يستحيل بلوغه عن طريق وسيلة عنيفة أو غير صادقة. - إن الاستقلال لا يعني مجرد انسحاب الإنجليز، إنه يعني إحساس القروي العادي بأنه صانع قدره وأنه المشرع لنفسه من خلال ممثله المنتخب. - إن اختلاف الرأي لا يجوز أن يعني العداوة إطلاقا، فلو كان ذلك كذلك لكان لا بد أن أكون أنا وزوجتي عدوين دائمين. - لا جدوى في زعيم أو قائد يقدم على فعل يخالف صوت ضميره. - إن لحكم الأغلبية حدودا في التطبيق بمعنى أن الفرد يجب أن يخضع للأغلبية في مسائل التفاصيل، غير أنه من العبودية أن يخضع الإنسان لحكم الأغلبية أيا كانت قراراتها، إن الديمقراطية ليست حالة يتصرف فيها الناس كما تتصرف الأغنام، فتحت لواء الديمقراطية يجب ضمان حرية الفرد في إبداء الرأي والعمل. - إني أومن إيمانا ثابتا بأن الإنسان لا يمكن أن يفقد حريته إلا بسبب ضعفه. - من العادات القبيحة أن تقول عن أفكار الآخرين أنها سيئة وأن أفكارنا وحدها هي الجيدة، أو أن نقول عن أولئك الذين يعتنقون آراء مخالفة لآرائنا أنهم أعداء الوطن.