مع بداية كل موسم دراسي، تشهد مدينة الدارالبيضاء إقبالا متزايدا على «الكراء»، من قبل الطالبات اللواتي يفدن عليها من مختلف الجهات، من مواصلة طلب العلم في مختلف المستويات، سواء الجامعية أو المعاهد العليا، حيث يواجهن صعوبات وإكراهات عدة للحصول على مأوى ، خاصة وأن في أغلب الأحيان لا توجد الظروف الملائمة بالأحياء الجامعية التي تعرف اكتظاظا كبيرا، إضافة إلى أن الولوج إليها محدد بتاريخ معين، وهذا ما يدفع أغلبهن إلى محاولة إيجاد مكان قريب لمقر الدراسة للاستئجار. التوجه إلى الاستئجار يفتح أنفاقا أخرى «مظلمة»تشكل صدمة لأغلب الطالبات، خاصة اللواتي ينتمين إلى الفئات الاجتماعية الهشة، حيث يتم التوجه إلى الأحياء الشعبية، وفي حالة إيجاد شقة أو غرفة يتم في أغلب الحالات اقتسامها مع طالبات أخريات، وهو ما يخلق أحيانا جوا غير ملائم للدراسة. تتعدد قصص معاناة الطالبات بحثا عن السكن من طالبة إلى أخرى، وفي هذا السياق استقينا مجموعة من الشهادات لطالبات قادمات من مناطق مختلفة للإقامة بالعاصمة الاقتصادية. بداية الصدمات «زهيرة.ل» قادمة من نواحي مدينة مكناس تقول «بعد مرور ثلاث سنوات من سلك الإجازة بمدينة مكناس، حيث كنت أستأجر غرفة ومطبخا بثمن 550 درهما رفقة طالبة أخرى، فإنني عند رغبتي في إكمال دراستي بسلك الماستر واجهت تحديات أخرى، حيث شاء القدر أن أحط الرحال بمدينة الدارالبيضاء، لأصدم بالأسعار الملتهبة للغرف، والفرق الشاسع بين المدينتين، وبذلك تحول حلمي من التفوق الدراسي إلى إيجاد سرير بالحي الجامعي، وهو الأمر الذي لم يتحقق، لكون حضوري كان بعد انتهاء آجال التسجيل بالحي الجامعي، وبذلك بدأت رحلة جديدة في البحث عن مسكن قريب ولو ب 30 دقيقة من مقر الدراسة. أول مشكلة واجهتها هو أن بمجرد الشروع في البحث عن شقة أو غرفة ألزمت بدفع ثمن «للسمسار»حسب (رغبته). بعد المحاولات العديدة اضطررت إلى كراء غرفة واحدة بحي شعبي بثمن 1300درهم «بحي السلام «تقاسمتها مع أربع طالبات من نفس الكلية اللواتي يواجهن نفس الظروف « . وفي السياق ذاته، هناك مجموعة من الطالبات يتعرضن إلى نظرات جارحة من طرف سكان الحي لانفرادهن في السكن ،تروي خولة.م القادمة من مدينة مراكش إلى مدينة الدارالبيضاء بعد حصولها على الباكالوريا للدراسة بمعهد للإعلام والصحافة، الصعوبات والمخاطر التي واجهتها رفقة أختها بهذة المدينة، قائلة : «هذه أول سنة لي رفقة أختي بهذه المدينة، حيث استأجرنا شقة مكونة من غرفتين ومطبخ بثمن 1800درهم بحي «أناسي «. لقد واجهتنا في البداية صعوبات عدة تخص إيجاد مسكن بثمن مناسب إلا أننا لم نجد ما يقل عن 2500درهم بالأماكن الآمنة نوعا ما، وهو ما دفعنا إلى التوجه إلى هذا الحي الذي نواجه به مخاطر كثيرة من طرف بعض أبناء الحي، خاصة بعد علمهم باستقلالنا عن الأهل وهو الأمر الذي يدفع البعض إلى الاعتقاد بأننا فتاتان متحررتان اختارتا الابتعاد عن مدينتهما وأهلهما بحجة إكمال دراستهما العليا وبذلك فإننا في نظرهم – منحلات أخلاقيا -، إلا أننا دوما نتجاوز هذا الأمر. وكذلك عند حديثنا باللهجة المراكشية يعاملون البعض باحتقار وكأننا لسنا منهم، وهذا ما يدفعنا إلى محاولة الحديث باللهجة المحلية أو «تجنب»الحديث أصلا إلا للضرورة». مصاريف ثقيلة كما أن مجموعة من الطالبات عبرن عن الخوف الذي ينتابهن ببعض الأحياء ، سواء داخل منازلهن أو خارجها، بقول إحداهن:»إننا نشعر بالخوف الشديد خارج المنزل، وذلك عند خروجنا في وقت مبكر للوصول إلى الجامعة في الوقت المحدد، الأمر الذي يشكل خطرا كبيرا علينا، وحتى عند تواجدنا داخل المنزل لا نشعر بالأمان خوفا على تهجم أحدهم علينا، لغياب الأهل لحمايتنا. وهذا ، حسب رأينا ، عائد بالأساس لعدم انتظام حضور بعض الدوريات الأمنية ببعض الأحياء الشعبية «. وتواجه بعض الطالبات تحديات أخرى، إضافة إلى غلاء أثمنة الاستئجار، تخص مصاريف النقل، هذا الذي جاء في تصريح للطالبتين ر.ج و إ.ح من مدينة ميدلت، و هما طالبتان متدربتان في أحد التخصصات بالدارالبيضاء، عبرتا من جهتهما عن المعاناة التي يعشنها، بقولهما : «إننا عند قدومنا إلى مدينة الدارالبيضاء ذهلنا بأثمنة الكراء، وهو ما دفعنا إلى التوجه للكراء بالحي المحمدي، وهذا تطلب منا ضرورة الاستعانة بوسائل النقل، التي تتطلب منا 20درهما على الأقل ذهابا وأخرى إيابا كل يوم، للوصول إلى مقر التدريب، وذلك لاستحالة إيجاد شقة أو غرفة للكراء بثمن معقول قرب مقر التدريب، لذلك اضطررنا إلى كراء غرفة واحدة بمساحة ضيقة جدا بثمن 800درهم، وذلك مراعاة للوضعية المادية لأسرتنا خاصة وأن كل واحدة منا متابعة بمصاريف أخرى مثل النقل والأغذية … التي تشهد بدورها ارتفاعا « . شهادة أخرى للطالبة فدوى.ق ، التي بعد حصولها على شهادة الإجازة بمدينة آسفي، توجهت إلى مدينة الدارالبيضاء بعد قبولها بالماستر بكلية العلوم بن مسيك بالدارالبيضاء، في البداية كانت تقطن مع أحد أقربائها، لكن بعد حدوث مشاكل اضطرت إلى البحث عن مسكن خاص، ولكونها وحيدة في هذه المدينة الضخمة، ضحى أهلها بكراء شقة بثمن 2500درهم بأحد الأحياء «الراقية»تقاسمتها مع صديقة لها، وذلك لضمان أمانهما». السمسرة سبب الغلاء حسب رأي العديد من الطالبات القادمات من مدن مختلفة، فإن من أسباب الارتفاع المبالغ فيه لسومة الكراء بمدينة الدارالبيضاء والمدن الكبرى عامة، هو دخول السماسرة على الخط، حيث يتم الاتفاق بين صاحب السكن و»السماسرة»لرفع الثمن، مستغلين فرصة الطلب المتزايد من قبل الطلبة القادمين من مختلف الجهات ، بالإضافة إلى كون المدينة هي مدينة اقتصادية، فإن ارتفاع نسب الوافدين عليها من أجل العمل ، يؤدي إلى عدم التمييز بين الطالب الذي ليس له أي مدخول والعامل، و»بهذا فإن من الواجب فرض سقف محدد للطلبة « تصرح طالبات يواجهن محنة «المقام الاضطراري» بالدارالبيضاء. «*»صحافية متدربة