يكثر الحديث عن مشاكل السكن الجامعي كلما لاحت بداية السنة الدراسية في الأفق، هذا الأخير وإن بدا مشرقا لبعض الطلبة بفضل قدرة معيليهم على سداد المصاريف الدراسية المرتفعة، فإن آخرين مهددون بالتخلي عن حلم الحصول على شهادة عليا تؤهلهم لشغر مناصب محترمة في المستقبل بسبب المشاكل الجمة التي تعترضهم والتي يبقى السكن الجامعي أخطرها، و باعتبارهما أهم قطبين دراسيين بالمملكة، ‹العلم› جالت بمراكز السكن الجامعي بكل من الرباطوالدارالبيضاء وخرجت بالخلاصات التالية. معاناة طلبة جامعات الرباط مع السكن تعود للواجهة مجموعة من الطلبة يتحلقون حول لائحة علقت على باب الحي الجامعي السويسي، تشرئب أعناقهم لرؤية ما تحمله تلك الورقة من وثائق سيكون توفيرها في الآجال المحددة «معجزة» لن تتحقق إلا بجولات ماراطونية على مختلف إدارات العاصمة الرباط ومدنهم الأم، من عقود الإزدياد إلى شهادة الحصول على المنحة، تستمر معاناة الطلبة الوافدين على الرباط واكتواءهم بنارين، نار الحصول على مقعد بمدرجات الجامعة، والظفر بسرير بأحد الأحياء الجامعية، يقيهم خطر التشرد أو أداء سومة كرائية مرتفعة لا تستطيع إمكاناتهم المادية ضمانها، ويوفر لهم فضاءا-مهما بلغت مساوئه وإكراهته- لقضاء ليالي الدراسة وتذوق «حلاوة» الدراسات العليا، التي لا تكتمل قصتها إلا بفصول الحي الجامعي ومعاناة الولوج والإقامة والإشعارات المفاجئة بالإغلاق. حي القامرة...الملجأ يفضل معظم الطلبة كراء غرف بحي القامرة بالرباط والمجاور ل»مدينة العرفان»، التي تضم بين جنباتها معظم الكليات والمعاهد التي تضج بها مدينة الرباط، ويمكن تمييزخريجي الدراسات العليا «المستقبليين» في هذا الحي من خلال ملابسهم ‹الرثة› وسحنات لفحتها شمس الطريق المختصرة الرابطة بين حي القامرة ومدينة العرفان المعروفة بانعدام الأمن خلال الليل، قابلنا ‹محمد› طالب بأحد المعاهد العليا وهو بصدد التهام صحن من العدس الذي تشتهر به المطاعم الشعبية بحي القامرة، ‹محمد› وبعد استئناسه بالحديث أعرب لنا أن «مشكل السكن بالحي ثابث بسبب كثرة الطلبة الذين يفضلون السكن به بفضل قربه من مدينة العرفان»، الشيء الذي يسبب في نظره « ارتفاعا مهولا في السومة الكرائية وصعوبة العثور على منزل أو غرفة لإكتراءها» معتبرا أن «إغلاق الحي الجامعي السويسي خلال السنة الماضية زاد الوضع تفاقما واضطر عدد كبير من الطلبة لإستئجار غرف بأحياء أكثر بعدا عن مراكز التكوين والدراسة، مع ما يفرضه ذلك من مصاريف إضافية للتنقل أو تحمل عبء الطريق تحت رحمة الظروف المناخية المختلفة»، ينهي محمد وجبته تحت تأثير انفعالات مختلفة ذكرته بالمعاناة التي قاساها وصعوبة التأقلم مع مدينة كالرباط بعيدا عن الأهل، تشوب عينيه نظرة حذر ممزوجة بمسحة من الحزن قبل أن يسر لنا «تحقق الأسوء من السيناريوهات التي وضعتها نصب عيني قبل مقدمي للعاصمة، فبإغلاق أبواب الأحياء الجامعية في وجهي وجدت نفسي في وضعية لا يسر بها عدو ولا حبيب، لتضطر أسرتي بذلك لتأجير غرفة بسطح المنزل لمساعدتي على تسديد ثمن الكراء›الذي لا يرحم›، يعلق محمد بنبرة متحسرة. إن كان ‹محمد› محظوظا بما يكفي ليجد سقفا يؤويه رغم ظروفه غير الملائمة للتحصيل العلمي، فإن الجنس اللطيف -خصوصا المنحدرات من أوساط هشة- أكثر ضعفا في وجه هذه المشاكل، من بينهم ‹فدوى›، الطالبة بكلية الحقوق، التي ذاقت الأمرين قبل أن تتمكن من الحصول على سرير بالحي الجامعي السويسي. الغاية:الحي الجامعي السويسي لا تختلف قصة فدوى عن الكثير من الفتيات اللواتي قدمن للرباط وحلم الدراسة والتفوق يراودهن، قبل أن يصبح ضمان كرامة العيش أول مطلب لهن، التقينا فدوى بعد وساطة من إحدى زميلاتها، ولعلمها المسبق بالموضوع بادرت بالقول» كلشي كايتمشى بالرشوة ومنطق باك صاحبي»، بعدما طلبت لنفسها كأس عصير جلست تحركه بكل فتور، «في البداية لم أدع مجالا صغيرا للشك بأنني سأحرم من حقي بالسكن في الحي الجامعي يتسرب إلى نفسي»، تضيف فدوى، المنحدرة من مدينة أكادير،» توفر كافة الشروط في ملفي وشهادة الباكلوريا بميزة متفوقة التي أحملها جعلا مشكل السكن آخر شيء أفكر فيه»، تضيف قطعة ثانية من السكر إلى العصير وتسترسل بشكل مفاجئ في غمرة الهدوء الذي ساد بالمقهى»شكل عدم ورود اسمي بلائحة المستفيدات من خدمات الحي الجامعي صدمة قوية لي، ما جعلني ألتجأ لأحد المسؤولين الذي بادرني بالسؤال›أنت من طرف من؟› تلميحا منه لضرورة تقديم رشوة، لم أرضخ رغم خطر التشرد المحدق بي، واستمررت في التردد على غرفة إحدى الفتيات بالحي الجامعي بشكل سري، قبل أن يطردنني خشية اكتشاف أمرهن»، ‹فدوى› ورغم ظهورها بمظهر قوي إلا أن دمعة انسدلت من عينيها دون أن تبالي بها وتتابع بصوت متهدج» ذقت الذل لدى تنقلي بين منازل صديقاتي اللواتي اعتبرني عبئا عليهم»، كل هذه الظروف، أثرث على فدوى لتبدأ بالغياب عن حصصها الدراسية، قبل أن تتوج مساعيها بالنجاح لما رق لها قلب أحد المسؤولين والذي مكنها من سرير بأحد الغرف مراعاة لظروفها الاجتماعية و الانسانية»، تحكي فدوى التي غادرت إثر نوبة بكاء غمرتها دون أن تمس قطرة واحدة من العصير بعدما استقرت في حلقها غصة كأنها نصل معقوف. من جهتها، تشتكي صفاء، الطالبة بالمعهد العالي للإعلام والاتصال من عدم تلاءم مواعيد افتتاح الحي الجامعي مع انطلاق الدراسة، التي تنطلق بالمعهد خلال الشهر الجاري في حين أن ‹السويسي› لن يفتتح أبوابه في وجه القاطنات إلا أوائل شهر أكتوبر بسبب الإصلاحات الجارية، تضيف صفاء:» جابهتني الإدارة بضرورة إحضار شهادة تبين أنني سأبدأ الدراسة في ال16 من سبتمبر، عندما أحضرتها اقترحت علي الإدارة العودة يوم انطلاق الدراسة، ولا أرى في إجراء كهذا سوى تماطل وتملص من المسؤولية»، ‹صفاء› تخشى كذلك تكرار سيناريو السنة الماضية حينما أغلق الحي الجامعي في وجه الذكور. سكن طلابي خمس نجوم إلى جانب الأحياء الجامعية العمومية تصطف أخرى›خاصة› تستقبل فئات من الطلبة قادرة على أداء مبالغ تفوق الألف درهم شهريا نظير السكن بغرف مزدوجة وأزيد من ألفي درهم للمنفردة، قرب بوابة أشهر هذه الأحياء الكائن بمدينة العرفان استملنا الطالبة ‹مريم› للحديث لنا عن تجربتها بهذا الحي كطالبة ميسورة الحال، لتستدرك بقولها «أنا زبونة من الطبقة المتوسطة فقط والتي ينحدر منها 10 % من مجموع الطلبة، وعكس الفكرة الرائجة لدى البعض وهي أن هذه الإقامة «جنة للطلبة»، فإن ظروف السكن غير مريحة لدرجة كبيرة بفعل الضجيج الذي يحدثه البعض خلال الليل، زيادة على اعتباره «ملاذا لجميع القاطنات بالرباط اللواتي جئن لممارسة مهن أخرى (الدعارة مثلا) ، و يستفدن من خدمات الإقامة التي تقدمها الإدارة بخصوص وثائق التسجيل ، حيث لا يطلب منهن سوى وثيقة التسجيل بإحدى المعاهد، و ما أسهل ذلك عند المدارس و المعاهد الخاصة» معتبرة أن»هذه التسهيلات لا تشمل أبدا مبالغ الكراء الواجب أداءها كل شهر، وأن الإدارة جد متشددة بهذا الشأن، علاوة على تسجيل زيادة حوالي مئة درهم للشهر كل سنة، ناهيك عن مصاريف التسجيل البالغة ألف درهم»، تقاطع حديثنا زميلة مريم في الغرفة بقولها:» العلاقات الشخصية و الزبونية هو الشعار اللي رافعاه إدارة الإقامة فيما يخص التعامل مع طلبات الغرف الأحادية ,,, و حتى في اختيار الغرف المزدوجة... أسوء الغرف هيا اللي كاتعطا لأمثالنا... رغم أن سومة الأداء موحدة» للملاكين رأي.. عدنا أدراجنا نحو حي القامرة حيث كان لنا موعد مع أحد›ملاك› الغرف المعدة للكراء والذي أتى بصحبة أحد الوسطاء، لاذ المالك بالصمت في الوقت الذي تكلف السمسار بالرد على استفسارنا بشأن ما إن كان الملاك يفضلون تأجير غرفهم وشققهم للطلبة بقوله» يتوقف ذلك على غياب ‹مول الدار› عن المنزل أو سكنه به، فإن كان غائبا فإن أكثر ما يهتم به هو من يدفع أكثر، أما إن كانت أسرته قاطنة بذات المنزل فإنه يبحث عن أشخاص محترمين لشغر الغرف، والطلبة عموما أوفر حظا للظفر بها، لكن بعد جملة من الشروط التي يضعها المالك، أولاها الإلتزام بسداد الكراء في الوقت المحدد وآخرها الإلتزام بفضائل الأخلاق وعدم تبذير المياه والكهرباء». الحي الجامعي بالدارالبيضاء: تتعدد الأماكن والمشاكل واحدة يعاني الطلبة المتوافدون على الدارالبيضاء من أجل متابعة الدراسات العليا من ضعف الطاقة الإستعابية للحي الجامعي الوحيد بالمدينة التي لا تتجاوز 1400 سرير، مخصصة لطلبة يتابعون دراستهم بمختلف مراكز التكوين بالمدينة، زيادة على العراقيل التي تضعها الإدارة المركزية بالرباط في أوجههم والسلوكات المضرة بمصالحهم، والتي لا تترك لهم من بد غير البحث عن غرفة أو شقة تأويهم رغم ضيق ذات اليد. ما يثير الإنتباه حقا في المسألة هو أن الطلبة يتقدمون بطلبات التسجيل بالحي الجامعي بعد ملإ إستمارة والمرور عبر العديد من الإدارات،وفي غاية من السرية تبعث طلبات التسجيل إلى المكتب المركزي بالرباط وهذا الأخير هو الذي يقرر قبول هذا الطالب أو ذاك وفق شروط لايعلمها إلا العاملون بالمكتب المركزي،علما بأن جميع الطلبة الذين يمتلكون الأهلية لهم الحق في السكن. كما وقفت ‹العلم› على عدم جهوزية أربع عمارات بسبب غياب الماء والإنارة وإنعدام مجموعة من التجهيزات بسبب «المشاكل والشبهات التي تحوم حول الصفقات التي تبرمها الإدارة المركزية بالرباط والتي تقف عائقا أمام الإصلاحات و المجهودات الجبارة التي تقوم بها إدارة الحي الجامعي بمساعدة الموظفين والأعوان الذين تقلص عددهم من 320 إلى حوالي 100 معظمهم إما مرضى أو مشرفون على التقاعد»، يصرح مصدر من إدارة الحي. يتساءل أحد الطلبة المنحدرين من تيط مليل والذي صادفته ‹العلم› قبالة الحي الحامعي عن « مصير تصريحات وزير التعليم العالي أمام الملأ عندما تحدث عن الزيادة في عدد الأسرة ودور المؤسسات المنتخبة بالولاية في حين أن الأوفر حظا من الطلبة من يستقر به المقام في الحي الجامعي عوض دفع مبالغ خيالية تفرغ الجيب مقابل صناديق «، مستنكرا « توفر مدينة من حجم الدارالبيضاء على حي جامعي واحد»، كما يرتقب فتح حي جامعي خاص بالمدينة تنطلق أثمنته من 1200 درهم، فبقدر أهمية استثمار الخواص في السكن الجامعي تطرح كذلك أسئلة أخرى حول «استغلال الطلبة ماديا».