كثير منهم جاؤوا إلى العاصمة وصدورهم مليئة بالحماس ورؤوسهم تفيض أحلاما، ولكنهم لما حضروا إلى الرباط وجدوا أنفسهم في الشارع مثل الشحاذين والمشردين.. إنهم طلبة الرباط وهذه حكاياتهم بعضهم يبيت في المساجد وآخرون يقضون الليل متنقلين بين المقاهي والعراء أعيش كمتشرد»، «كل نهار فين تنبات، مرة فالشارع ومرة فالجامع»، «كل الأبواب مغلقة وأشعر باليأس»، هذه ليست شهادات أشخاص مشردين من المنحرفين الذين يعيشون في الشارع ويدمنون «السليسيون» ويمتهنون التسول لسد رمقهم، إنها شهادات طلبة أعمارهم لا تتجاوز العشرينات، منهم طلبة الطب والهندسة والآداب والقانون وغيرها من التخصصات، قاسمهم المشترك أنهم من مدن بعيدة عن العاصمة، انتقلوا إلى الرباط بهدف التحصيل العلمي غير أنهم اصطدموا بداية السنة الجامعية الجارية بإغلاق الحي الجامعي «السويسي1» بحي العرفان في الرباط، ليجدوا أنفسهم وغالبهم من أبناء الأسر محدودة الدخل عرضة للضياع والتشرد في ظل افتقادهم لسقف يأويهم، وعدم توفرهم على الإمكانيات المادية التي تتيح لهم استئجار بيت أو حتى غرفة في العاصمة أو نواحيها. فوجئ الطلبة القدامى وكذا الجدد بمجرد وصولهم باب الحي الجامعي بالعرفان في الرباط متم شهر غشت المنصرم وشهر شتنبر الجاري، بمنعهم من دخول الحي حيث تم إطلاعهم بأن الحي مغلق بقرار من وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر، لحسن الداودي، وذلك تحت ذريعة إتمام أشغال الإصلاحات الجارية في الحي، خصوصا بعد تعرضه للتخريب على يد بعض الطلبة في وقت سابق. الخبر كان له وقع الصاعقة على الطلبة الذين لم يعرفوا حينها أين يتجهون، فالحي كان يأوي أعدادا كبيرة من الطلبة (أكثر من 2000 طالب بالرغم من أن طاقته الاستيعابية أقل من ذلك بكثير)، أغلبهم يتحدرون من أسر محدودة الدخل، ما يعني عدم إمكانية تدبرهم لسكن في أحد الأحياء الخاصة أو استئجار شقة أو بيت تتوفر فيه الشروط التي تسمح بالتركيز في التحصيل العلمي من دون الانشغال بأية مشاكل جانبية. وإلى جانب الخبر الصاعقة المتمثل في إغلاق الحي، فوجئ الطلبة القدامى الذين تركوا بعض حاجياتهم في الغرف بتعرضها للسرقة والإتلاف. ومعلوم أن نسبة مهمة من طلبة جامعات ومعاهد الرباط هم أصلا وافدون من مدن بعيدة حيث أنهم يعولون دائما على الإقامة في الحي الجامعي، خصوصا أن إمكانيات أغلب الطلبة لا تتيح لهم تأجير بيت أو على الأقل غرفة تتوفر فيها أدنى شروط العيش الكريم وتساهم في مساعدة الطالب على التركيز في التحصيل العلمي. وفي الوقت الذي سبق أن تقرر نقل الطلبة القدامى نحو الحي الجامعي مولاي إسماعيل وترك الطلبة الجدد عرضة لمصير مجهول، لم يتم اتخاذ أية إجراءات عملية حيث أن حتى الطلبة القدامى الموعودون بالترحيل لمولاي إسماعيل، يعيشون أزمة لكون مسألة الترحيل بدورها تقتضي إجراءات إدارية طويلة ومعقدة، حيث ستتم دراسة طلبات الانتقال على أساس الاستجابة للحالات المستعجلة كحالة طلبة كلية الطب، وكلية العلوم الذين بدؤوا الدراسة قبل حوالي عشرين يوما، في الوقت الذي ترفض فيه إدارة الحي الجامعي «السويسي1» قبول طلبات التحاق الطلبة الجدد، بمعنى أنه حتى بعد افتتاح الحي في وقت غير معلوم، لن يكون في استطاعة الطلبة الجدد الالتحاق به. طلبة مشردون «قبطت الباك هاذ العام، ودفعت للكلية فرباط، عند بالي غادي نسكن فالحي الجامعي ودابا تقبلت وتحولت للرباط، ولكن تفاجأنا أن الحي مسدود» يقول عبد الله، طالب من الأقاليم الجنوبية قدم طلب الالتحاق بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، بعدما رفض طلبه في أكادير نتيجة الاكتظاظ، فبعدما اعتقد أن مشاكله حلت بالتحاقه بكلية الرباط، وجد نفسه في مأزق حقيقي بسبب السكن، إذ يضيف «أبيت عند أحد الأقارب، فيما يقضي بعض الزملاء لياليهم في المسجد»، مشيرا إلى أنه يبحث رفقة زملائه عن سكن خاص لعدم قدرته على البقاء مدة أطول في ضيافة أقاربه، غير أن البحث عن سكن، يعد في حد ذاته مشكلا بسبب ارتفاع قيمة الكراء في الرباط ونواحيه، إلى جانب رفض بعض المؤجرين الكراء للشباب غير المتزوج. «أعيش حياة متشرد» يقول نبيل الطالب في سنته الأولى بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، والقادم من مدينة تازة، مضيفا أنه لا يملك أي مأوى حيث قضى أولى لياليه في حديقة الحي الجامعي، كما قضى باقي الليالي متنقلا، «كل ليلة فين تنبات، غير تنعديو وصافي» قبل أن يضيف بأنه يفكر جديا في التخلي عن هذه السنة الدراسية، والعودة إلى مدينته واستئنافها في السنة القادمة بعدما يكون مشكل السكن في الحي الجامعي قد وجد طريقه للحل. «مازال الطلبة لقدام ممكن يعرفو يسلكو راسهم ويشوفو شي حل، المشكل فطلبة اللي يالله قابطين الباك وجايين من مدن بعيدة، ما تيعرفوش الرباط وما عندهم حد هنا» يقول سليمان صدقي مسؤول نقابي محلي تابع لمنظمة التجديد الطلابي الذي يصف حالة مئات من الطلبة ب»المأساوية»، خصوصا أولئك الجدد، حيث يوضح أن المنظمة اقترحت على المسؤولين إسكان الطلبة في بعض المركبات والمخيمات التابعة لوزارة الشباب والرياضة، إلى حين إنهاء الإصلاحات التي سبق لمدير المكتب الوطني أن وعد بإكمالها في غضون شهرين أو ثلاثة كأقصى تقدير. طلب المنظمة قوبل بالرفض، الأمر الذي يقلق آلاف الطلبة المعرضين للضياع والتشرد، والذين يفكر الكثير منهم جديا في التخلي عن هذه السنة الجامعية. منحة رمزية ومصاريف لا تنتهي «منحة الوزارة لا تكفي حتى لشراء الكتب والتنقل، فبالأحرى أن تكفي الكراء» يقول محمد، أحد طلبة كلية الطب الذي يؤكد أن أسرته لطالما ساعدته ماديا إلى جانب المنحة التي يحصل عليها كل ثلاثة أشهر، وبالنظر إلى ارتفاع مستوى المعيشة في الرباط، يؤكد صعوبة إيجاد بيت للكراء بمبلغ مناسب، مع العلم أنه يبحث رفقة أربعة أصدقاء له سيتقاسم وإياهم المصاريف، «بالرغم من أننا نفكر في اقتسام مبلغ الكراء، إلا أنه يبقى كبيرا جدا بالنسبة لإمكانياتنا، فقيمة الإيجار في العاصمة تصل أرقاما خيالية، وإن فكرنا في البحث عن كراء في الأحياء العشوائية بعيدا عن العاصمة، سنواجه مشكل النقل والمصاريف التي يتطلبها» يضيف محمد الذي يؤكد أن مجرد انشغاله بهذا المشكل يهدد بفشله خلال هذه السنة، خصوصا أن دراسته تتطلب تركيزا لا يمكن أن يتحقق في ظل هذه الظروف. طلبة يبحثون عن عمل لتجاوز هذه الأزمة التي يزيد من حدتها ضعف الإمكانيات المادية، أكد عدد من الطلبة أنهم بصدد البحث عن عمل يساعدهم على تغطية المصاريف الجديدة التي فرضت عليهم بعد الإغلاق المفاجئ للحي الجامعي «السويسي1»، وإن كان أكثر هؤلاء يواجهون ضغوطا من أسرهم التي تطالبهم بالعودة. «دارنا على قد الحال وما يمكنش نطلب منهم يعانوني على الكرا داكشي علاش قلت ليهم غادي نقلب على خدمة، ولكن ما بغاوش، وقالوا لي نرجع للبلاد حتى يتحل مشكل الحي»، يقول أحد الطلبة الذي كان من بين من قضوا أولى لياليه في حديقة الحي الجامعي، والذي يبحث اليوم عن عمل بدوام جزئي يوافق توقيت الدراسة في الجامعة. أغلب الطلبة الذين يستفيدون من الإقامة في الحي الجامعي «السويسي1» يتحدرون من طبقات متوسطة أو فقيرة وأغلبهم لا يستطيعون تحمل تكاليف إضافية، وفي الوقت الذي لا يجد طلبة ميسورون صعوبة في إيجاد سكن يوفر لهم شروط وظروف العيش الكريم وكذا التحصيل العلمي من دون مشاكل جانبية، يجد مئات الطلبة المتحدرين من أسر محدودة الدخل أنفسهم يتخبطون في مشاكل لا حصر لها من بينها إغلاق الحي الجامعي بدل الانشغال والتركيز في دراستهم. الداودي : إصلاح الحي الجامعي السويسي سيكلف 700 مليون أعلن وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر، لحسن الداودي، في ندوة منتصف الأسبوع الجاري، أن ميزانية إصلاح الحي الجامعي السويسي1 المغلق منذ بداية الموسم الجامعي الجاري، ستصل إلى 700 مليون سنتيم. وكشف الداودي أن الحي الجامعي المخصص للذكور سيشهد إصلاحات واسعة، خصوصا بعد الخراب الذي طاله على إثر الأحداث التي سبق أن شهدها خلال الموسمين الجامعيين الأخيرين، بعد مواجهات بين طلبة ينحدرون من الأقاليم الجنوبية، والتي وصلت آخر مرة أوجها بعد إحراق مجموعة من منشآت الحي. الوزير لم يكشف عن الوقت الذي ستتطلبه هذه الإصلاحات، ما يجعل الطلبة الذين يستفيدون من الإقامة بالحي، وعددهم أكثر من 2400 طالب قديم و400 من المسجلين الجدد، في وضع حساس للغاية. وفي ظل عدم توصلهم لحلول مع مختلف الجهات التي قابلوها، والتي وضعوا بين أيديها ملفهم المطلبي مشددين على استعجالية بعض الحالات، فقد دعا كل من الاتحاد الوطني لطلبة المغرب ومنظمة التجديد الطلابي إلى وقفة احتجاجية أمام الحي الجامعي السويسي 1 بالعرفان في الرباط، للتنديد بالتوقيت الذي اختير للقيام بالإصلاحات، وطلب التعجيل بإيجاد حلول بديلة من أجل إيواء مئات الطلبة الذين غادروا أسرهم المنحدرة أغلبها من مناطق نائية وتوجهوا للعاصمة بغرض التحصيل العلمي ليجدوا أنفسهم عرضة للضياع والتشرد. فوضى واختلالات بالجملة في الأحياء الجامعية حالة الفوضى التي تسود الحي الجامعي السويسي1 بالرباط وحالة القلق المسيطرة على نفوس الطلبة ليست استثناء، بل إنها واحدة فقط من مظاهر الفوضى التي تسود عددا من الأحياء الجامعية في عدد من المناطق في أنحاء التراب الوطني. إلى جانب الاختلالات والخروقات المسجلة على مستوى تسيير بعض الأحياء، والتي فتح في شأنها وزير التعليم العالي والبحث العلمي لحسن الداودي تحقيقا ميدانيا، فقد سجل في الأسبوع الأخير اعتصام عشرات الطالبات الجديدات المنحدرات من أقاليم بعيدة أمام المدخل الرئيسي للمركب الجامعي ظهر المهراز، الذي فوجئت الطالبات، سواء القديمات أو الجديدات، بإغلاق أبوابه وذلك قبل أن يقررن اقتحامه في ظل رفض الإدارة فتح الأبواب، وقد تمكنت الطالبات من فرض الأمر الواقع على المسؤولين عن الحي الذين لم يجدوا بدا من الاستسلام للوضع حيث طلبوا لاحقا من الطالبات تقديم وصولات التسجيل في إحدى الكليات لضمان إقامتهن في الحي. في حين سبق لعناصر الأمن أن تدخلت بالقوة لإخراج مجموعة من الطلبة المنحدرين من الأقاليم الجنوبية والذين قاموا باقتحام الحي الجامعي سايس بعدما فوجئوا بإغلاقه.