وسط شارع علال الفاسي القلب النابض لمدينة العرفان وفي الجهة المقابلة للحي الجامعي السويسي، قريبا من كليتي الحقوق والآداب والمعهد العالي للإعلام والاتصال يوجد «بيت المعرفة»، بناية نصفها زجاجي، توحي السيارات الواقفة ببابها على أنها مخصصة لمكاتب تجارية، لكن الحقيقة أنها سيارات طلبة من فئة خاصة اختاروا السكن في إقامة جامعية خمس نجوم. بريستيج لم يعد ضروريا على أبناء البرجوازيين الوافدين على مدينة الرباط لاستكمال مشوارهم الدراسي أن يبحثوا عن كراء شقق مفروشة بأفخم أحياء العاصمة مثل أكدال والسويسي بعيدا عن الكليات والمدارس العليا، أو التكدس في أحياء جامعية تقدم خدمات لا تتناسب والمستوى الاقتصادي لهذه الشريحة التي تبحث جاهدة عن «البريستيج». ففي السنتين الأخيرتين دخلت على الخط إقامة جامعية خاصة توفر للطلبة خدمات على طريقة الفنادق المصنفة، يتعلق الأمر بأول إقامة جامعية خاصة حملت اسم «بيت المعرفة»، واتخذت كشعار دعائي: «اهتموا بدراستكم ونحن نهتم بالتفاصيل». في قاعة عند مدخل الإقامة، تنتصب أريكة جلدية سوداء وطاولات زجاجية قصيرة يجلس كل من آمنة وسارة وكريم، كلهم طلبة قدموا من مناطق مختلفة وجمعهم «بيت المعرفة»، فكريم القادم من مدينة القنيطرة يقيم هنا منذ سنتين، وهو راض عن الخدمات التي توفرها الإقامة، وفي ما يتعلق بسارة من مدينة مكناس فاختيارها للسكن في إقامة جامعية خاصة يرجع أيضا إلى القرب من مكان الدراسة وكذا لفقدانها الثقة بالأحياء العمومية: «أنا اخترت نجي لهنا أولا حيت قريب والأهم حيت «بريفي»(خاص) ماشي فحال الأحياء ديال الدولة كيعودو عليهم خيبين بالنسبة للبنات»، تعلق سارة بلغة دارجة مفرنسة. أما آمنة وهي طالبة في السنة الأولى بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، فقد قدمت من مدينة أكادير وقررت الاستقرار ببيت المعرفة «لأنه قريب جدا من المعهد الذي أدرس به وأكثر أمانا وصرامة من الأحياء الجامعية العمومية»، تقول آمنة وهي تشاهد فيلما من بطولة طوم كروز على التلفزة الرقمية المعلقة بجدار القاعة، وفي نفس «الصالون»، المقابل لقاعة القراءة، يتكئ على الأريكة طالب وطالبة في لحظة ملؤها الرومانسية، غير آبهين بالأنظار الموجهة إليهما، والقانون الداخلي لبيت المعرفة الذي يمنع ذلك «منعا كليا». منع الاختلاط قوانين الإقامة تتميز بالصرامة، ومن أبرز مظاهر هذه الصرامة منع كل اختلاط بين الذكور والإناث في الأجنحة المخصصة لكل منهما، بل ويصل الأمر إلى الطرد المباشر إذا تعلق الأمر بطالب يتجول في منطقة مخصصة للإناث أو العكس، وتتكلف بالمراقبة «كتيبة» من رجال إحدى شركات الأمن الخاص ينتشرون بقمصانهم البيضاء وسراويلهم السوداء بين جنبات الحي، بالإضافة إلى عدد من الكاميرات التي ترصد كل حركة غير عادية سواء في ممرات الأجنحة أو في الحديقة التي تفصل بين العمارتين المشكلتين للبناية، وكل اختراق ل«الطوق الأمني» يطلق معه صوت الإنذار، وسبق لبيت المعرفة أن شهد حالتي طرد في السنة الماضية، كانت الأولى في حق طالب ضبط يدخن لفيفة حشيش «جوان» وسط الصالون، وآخر من مدينة وجدة أقدم على كسر زجاج نافذته وهو في حالة سكر، يحكي مراد، طالب في السنة الثانية من مدينة ورزازات، الأمر الذي اعتبرته الإدارة أمرا غير معقول لأن ما فعله الطلبان يخل بالآداب والتعايش بين الطلبة. «إذا كانت الإقامة تضم 450 طالبا، فإن وجود حالتي طرد أمر معقول، والآباء يحبذون أن يكون أبناؤهم في مكان آمن»، يعلق فؤاد احسيسن مدير الإقامة. مشاكل البرجوازيين من أبرز الأمور التي تلقى معارضة شديدة من لدن الطلبة المقيمين ببيت المعرفة مسألة الزيارات، فالقانون الأساسي يلزم الزوار بوضع بطاقات تعريفهم الوطنية عند الاستقبال، ويشدد على ضرورة استقبال الزوار في الصالون، الشيء الذي لا يستسيغه الطلبة، خصوصا إذا تعلق الأمر بزيارة للأبوين أو الإخوة، «عندما جاء أبواي من أكادير لزيارتي أول مرة لم يقضوا سوى ساعتين واضطرا إلى المغادرة بسبب ضجيج الآخرين الموجودين بالصالون»، تقول آمنة، وتشاطرها الرأي مريم الطالبة بإحدى المدارس العليا الخاصة، «الزيارة مقبولة ولكن في الصالون لتفادي إزعاج الطلبة المجاورين»، يرد مدير المؤسسة. وبخلاف الحي الجامعي السويسي، فإن الإقامة لا تتوفر على ملاعب ومقهى يمكنها من استيعاب عدد إضافي من الزوار، حيث إنها مخصصة للسكن بالدرجة الأولى»، يقول مدير «بيت المعرفة» (المدير السابق للحي الجامعي السويسي الثاني). ويخضع استهلاك الماء والكهرباء أيضا في هذه الإقامة للتقنين، فبخلاف الأحياء الجامعية العمومية حيث يصل الاستهلاك إلى درجة التبذير، فإن كل زيادة في الكمية المحددة ينتج عنها أداء مبلغ إضافي، وهناك من الطلبة من لا تكفيهم ثلاثة أمتار مكعبة من الماء المخصصة لكل طالب في الشهر، مما يضطرهم إلى تأدية ثمن الاستهلاك الإضافي تقتطعه الإدارة من مبلغ 2000 درهم الذي يدفعه الطلبة أثناء عملية التسجيل لتغطية المصاريف الثانوية. وليس كل من اختار الإقامة ببيت المعرفة تستدرجه أجواء الإقامة وخدمات «اللوكس» المقدمة بها، فعبد الله طالب يقضي سنته الثانية بمدينة العرفان إلا أنه اختار هذه السنة تغيير السكن والبحث عن مكان آخر لأسباب مادية بحتة، فعبد الله القادم من مدينة صفرو لم يتم انتقاؤه من بين المستفيدين من الحي الجامعي السويسي الأول، فقرر الإقامة في داخلية المدرسة العليا لأساتذة التعليم التقني بمبلغ 500 درهم في الشهر تتضمن الأكل. يقول إن السبب الأساسي الذي دفعني إلى عدم تجديد السكن في بيت المعرفة هو السعر المرتفع، فليس من السهل على أي طالب في بداية السنة تقديم 2000 درهم كضمانة و3300 درهم كتسبيق لثلاثة أشهر من السكن»، يقول عبد الله بنبرة يطبعها الإصرار، «كما أن الغرفة صغيرة ولا تستحق هذا الثمن»، يضيف عبد الله. ومن وجهة نظر فؤاد احسيسن، فإن ارتفاع الأثمنة مقارنة بالأحياء الجامعية التابعة للدولة أمر عادي، لأن الأمر متعلق بالجانب الاستثماري»، فالشركة أنفقت الملايين في إنجاز المشروع وعليها التعامل بمنطق ربحي على خلاف الأحياء العمومية التي تتعامل بمنطق اجتماعي، فإذا أخدنا السويسي الأول كمثال، نجد أن مجموع المداخيل السنوية لا يتعدى 140 مليون سنتيم، وعند الوقوف على تكلفة الماء والكهرباء وباقي المصاريف، نجد أن إدارة الحي تقدم حوالي ملياري سنتيم كمعدل سنوي، أي الدولة تتحمل ما يقارب 96 في المائة من المصاريف»، يشرح مدير بيت المعرفة. بيت المعرفة في أرقام مشروع الإقامة الطلابية «بيت المعرفة» أنجزته شركة «ديار المدينة» باتفاق مع جامعة محمد الخامس أكدال ووزارة التربية الوطنية والتعليم العالي، ومول المشروع صندوق الإيداع والتدبير، وهو يدخل في إطار الشطر الأول من برنامج شامل للصندوق، حيث من المرتقب أن ينجز الشطر الثاني في مارس المقبل. بلغ عدد الطلبة المسجلين في بيت المعرفة خلال السنة الجارية 450 طالبا من بينهم 20 طالبا من بلدان أخرى مثل فرنسا وإيطاليا وكندا ودول عربية كتونس والأردن وفلسطين، وبالنسبة إلى الطلبة المغاربة فجلهم قادم من مدن كبرى كالدار البيضاء وطنجة والقنيطرة وفاس، وينتمي الطلبة الذين اختاروا السكن في بيت المعرفة إلى مختلف مؤسسات التعليم العالي، تأتي في المقدمة كلية الطب والصيدلة ب87 طالبا وطالبة، تليها في الرتبة الثانية المدرسة الوطنية للهندسة المعمارية ب45 طالبا، والأغلبية يدرسون في المعاهد والمدارس الخاصة. وجدد 40 في المائة من الطلبة و80 في المائة من الطالبات عقدة السكن في بيت المعرفة، وبلغ عدد ملفات طلب السكن برسم السنة الجارية 174 ملفا قبل منها 143 ورفض 33، وبقي 11 ملفا في لائحة الانتظار، ويضم الشطر الأول من مشروع بيت المعرفة 543 سريرا موزعا على 315 غرفة منها 205 غرف لشخصين مساحة كل واحدة منها 18 مترا مربعا، و110 غرف فردية بمساحة 4 أمتار مربعة لكل غرفة، أي بمدخول شهري يصل إلى أكثر من 63 مليون سنتيم. ومن المنتظر أن يوفر الشطر الثاني من المشروع، الذي سيفتتح شهر مارس المقبل، أزيد من 600 سرير، ليبلغ المجموع 1130 سريرا على مساحة إجمالية تبلغ 10500 متر مربع. مصاريف الإقامة يتحدد ثمن الإقامة ببيت المعرفة في 1100 درهم كواجب شهري بالنسبة للإقامة في غرفة مخصصة لشخصين، ويصل المبلغ إلى 1650 درهما في الشهر إذا تعلق الأمر بغرفة لشخص واحد. ومن بين الخدمات التي توفرها الغرفة هناك الربط بالأنترنت والربط التلفزي من خلال توفير سبع قنوات فضائية بالإضافة إلى ثلاجة وآلة طبخ كهربائية. منذ سنتين من إنشائه مازال العمل جاريا على إتمام أشغال الشطر الثاني من بيت المعرفة الذي سيضم عمارتين إضافيتين، ستطلان على ملحقة كلية الحقوق، ستخصصان للذكور ليتم عزلهم كليا عن الإناث، ومن المنتظر أن تنتهي الأشغال كليا في مارس القادم، وقبل ذلك لايزال الطلبة ينتظرون افتتاح مرافق أخرى جاهزة، لكن انطلاق العمل بها تعترضه بعض العقبات. ومن بين المرافق هناك صيدلية ومقهى ومصبنة. وحول العقبات التي تواجه افتتاح هته المرافق، يقول احسيسن إن هناك مشكلا قانونيا بين الشركة التي أنجزت المشروع (ديار المدينة) والدولة ممثلة في وزارة المالية حول من سيتولى مهمة تسيير المرافق، ولم يتم التوصل بعد إلى صيغة توافقية لتسيير المشروع، قبل أن يضيف أن المشروع لقي نجاحا على كل المستويات، وبدأ التفكير في تكرار التجربة في مدن أخرى أبرزها مكناس والجديدة.