يصل عددهم إلى 37000 ويأتون من 17 إقليم تابع لأربع جهات "" عندما ينتهي الموسم الجامعي وتبدأ عطلة الصيف يتناقص عدد السكان الذين يقطنون الأحياء المحيطة بجامعة ابن زهر ويعمّها الصمت بعد أن يغادرها الطلبة. يقلّ الرواج التجاري لدى أصحاب دكاكين البقالة والخضّارين وبائعي الأسماك الرخيصة والدجاج. وعندما يعود الطلبة تعود الحركة التجارية وتتخلص الأحياء من الصمت الذي يلازمها طيلة أيام العطلة الصيفية. في ثاني أيام التسجيل برسم الدخول الجامعي 2009/2010، والتي امتدّت ما بين الثالث والثاني عشر من شتنبر الماضي، بدتْ كلية الآداب والعلوم الانسانية التابعة لجامعة ابن زهر بأگادير هادئة. على الساعة السادسة والنصف صباحا كان مجموعة من الطلبة يرقدون على الجانب الأيمن لبوابة الكلية، وبجانبهم حقائب وأمتعة. الطلبة الذين يأتون من المدن البعيدة ينزلون من الحافلة على الطريق المؤدية إلى مراكش، والتي لا تبعد سوى ببضع مئات من الأمتار عن الجامعة، ويتوجهون رأسا إلى إحدى الكليات قصْد التسجيل أولا، قبل أن تبدأ رحلة البحث عن مأوى للسكن في أحد الأحياء المجاورة. مع اقتراب الساعة الثامنة، بدأ الطلبة الجدد يتوافدون على الساحة الخارجية للكلية. وجوه أغلبهم تغمرها مسحة من دهشة البداية، يتوجهون صوب باب الكلية ويطالعون لافتة طويلة تحوي الوثائق المطلوبة للتسجيل، وأرقام المدرجات الأربعة التي تتم بداخلها عملية إيداع الملفات، قبل أن يشرعوا في تبادل أطراف الحديث بصوت هامس، فيما الذين يأتون فرادى يغرقون في الصمت أو يلهون بهواتفهم المحمولة، وبين فينة وأخرى تقف سيارة أجرة صغيرة ينزل منها أب رفقة ابنته الطالبة، ونادرا ما يأتي أحد الطلبة على متن سيارة خاصة، ما يوحي بأن جلّ القادمين إلى هنا ينتمون في الغالب الأعم إلى الطبقة الشعبية. أول من يستقبل الطلبة هم أطفال صغار يبيعون الأظرفة المتنبرة، بمجرد أن يلمحوا أحد الطلاب يسرعون نحوه ويعرضون عليه بضاعتهم، أحد هؤلاء الأطفال صرح ل"هسپريس" بأنه يأتي إلى هنا في الصباح الباكر، يشتري الأظرفة والطوابع البريدية من المكتبة بثلاثة دراهم ونصف، ويعيد بيعها بأربعة دراهم، مستفيدا من هامش ربح لا يتعدى خمسين سنتيما. حيرة البداية على الساعة الثامنة وعشرين دقيقة فتح الحارس بوابة الكلية. جهة اليمين تنتصب خيمة بيضاء تتوسطها طاولة وثلاثة كراسي، وتحفّها سبورات تحمل ملصقات توجيهية. هنا يتلقى الطلبة الجدد أولى الارشادات حول الدراسة بالجامعة، وعلى بعد أمتار من هذه الخيمة التابعة ل"مركز الارشاد والتوجيه والدعم" التابع لجامعة ابن زهر، يوجد جناح آخر للارشاد والتوجيه، الجناح تابع ل"الاتحاد الوطني لطلبة المغرب". الشبان المكلفون بتقديم الارشادات للطلبة الجدد يعلقون على صدورهم "بادجات" مستطيلة تدل على هويتهم، ويشتغلون بحيوية ظاهرة. هنا تبدو علامات الحيرة ظاهرة بشكل جلي على وجوه الطلبة الجدد، يطرحون الأسئلة بصوت خافت ويتابعون الارشادات حول الدراسة في مختلف الأسلاك باهتمام كبير. كل مرشد يتكلف بتقديم شروحات حول أحد الأسلاك، أغلب الطلبة الجدد يظهرون كما لو أنهم جاؤوا إلى الجامعة دون أن يكونوا قد حسموا في أي شعبة سيدرسون. يستمعون إلى إرشادات حول سلك الدراسات الاسلامية، ثم يتوجهون صوب المرشد المكلف بشرح سلك الدراسات الانجليزية أو الفرنسية، وهكذا إلى أن يستمعوا إلى الارشادات حول الدراسة في جميع الأسلاك، قبل أن يختاروا الشعبة التي سيتسجلون بها. أحد أعضاء مكتب الارشاد التابع ل"أوطم" يشرح الأمر على أن الطلبة الجدد يأتون إلى الجامعة دون أن يكونوا قد حصلوا على أي توجيه قبل ختْم التعليم الثانوي، ويضيف أن مهمتهم هو وزملاؤه كمرشدين تتجلى في التحدث إلى الطلبة لمعرفة ميولاتهم، دون الاعتماد على النقط التي حصلوا عليها في سلك الباكالوريا. "الميولات هي الأهم، وهي التي تحدد أي شعبة سيختارها الطالب الجديد". يقول المرشد. بعد الحسم في اختيار الشعبة وقبل التوجه إلى المدرجات التي تتم فيها عملية التسجيل، يمر الطلبة على جناح آخر للارشاد والتوجيه، في هذا الجناح توجد لجان استقبال يتشكل أعضاؤها من الأساتذة الذين يدرّسون بالجامعة، أمامهم يحسم الطالب توجهه الدراسي بصفة نهائية. "نحرص على توجيه الطلبة قبل القيام بإجراءات التسجيل، نشرح لهم طبيعة الأسلاك الدراسية بشكل مفصّل حتى يكونوا على اطلاع تام بها، ونطلعهم على المستجدات بهدف أن يكون اختيارهم مبنيا على الاقتناع التام". يوضّح أحد الأساتذة المكلفين بالتوجيه والارشاد. عندما يحسم الطالب قراره بشكل نهائي، يتوجه إلى أحد المدرجات الأربع التي تمّ تخصيصها لعملية التسجيل مصحوبا بملف من عشرة وثائق تبتديء بالشهادة الأصلية للباكالوريا، وتنتهي بالملف الصحي للطالب. الطلبة الذين يأتون إلى الجامعة لأول مرة يطلبون الارشاد حتى عندما يبحثون عن المدرجات المخصصة لعملية التسجيل أو تلك التي توجد بها لجان الاستقبال المكلفة بالتوجيه، في غياب أي علامات أو إشارات داخل ممرات الكلية. أحد الطلبة علق على الأمر بأنه اطلع على مرافق الكلية من خلال صور خريطتها على أحد المواقع الالكترونية، لكنه عندما دخل إلى الكلية كان عليه أن يسأل من يصادفهم في الممرات قبل أن يعثر على مدرج التسجيل. القيام بجولة سريعة داخل بعض مرافق كلية الآداب والعلوم الانسانية يعطي انطباعا بأن الاستعداد للدخول الجامعي لم يبدأ إلا مع انطلاق عملية التسجيل. عمال البستنة يشذبون أغصان الشجيرات المتدلية على جنبات الممرات، وصوت محرك آلة قصّ عشب الحديقة يثير ضجيجا يتردد صداه بين جدران الكلية، فيما الحشائش وأوراق الأشجار اليابسة تكسو مساحة من الحديقة والممرات، وعلى الجدران وأركانها غبار مترسب وخيوط أعشاش العناكب. الغبار المترسّب يعلو أيضا واجهة النوافذ الزجاجية، فيما إطاراتها الخشبية يبدو أنها لم تحظ بزيارة فرشاة الصبّاغ منذ أمد بعيد، خصوصا تلك التي تظل عرضة لأشعة الشمس على مدار النهار. زجاج نافذة إحدى القاعات المطلة على الطريق تخترقه كوة وشقوق بعد أن تعرض للكسر دون أن يتم استبداله، وخرطوم المياه يتدلى من مركز إطفاء الحريق رغم أن الكلية لم تشهد أي حريق. تحت أحد الأسقف ينتصب تلّ من كراس غير صالحة للاستعمال، ومع ذلك ما يزال لها مكان داخل فضاء الكلية، فيما تنبعث رائحة مقرفة من دورات المياه المخصصة للطلبة والأساتذة على حد سواء، أغلب المراحيض كانت مجاريها مخنوقة بالفضلات والقاذورات، ولا توجد بها صنابير المياه، فيما أبواب عدد منها غير قابل للاغلاق، وفي بعض الأركان توجد سلل قمامة مليئة بنفايات يظهر أنها ظلت هناك منذ بداية العطلة الصيفية دون أن يقوم أحد بإفراغها. المدرجات تبدو واسعة لكن كثافة الطلبة الذين يدرسون بالكلية يجعلها تعاني من الاكتظاظ عندما تنطلق الدراسة، داخل هذه المدرجات ما زال الأساتذة يشرحون الدروس للطلبة على سبورات الطباشير عوض السبورات العصرية التي لا توجد إلا ببعض المدرجات. معاناة البداية بطلها السكن أول مشكل يواجهه الطلبة مع بداية كل موسم جامعي هو مشكل السكن. الجامعة لديها حي جامعي ودار للطالبة، لكنهما معا لا يستوعبان سوى أعدادا قليلة من الطلبة، أضف إلى ذلك أن السكن في الحي الجامعي، حسب عدد من الطلبة، لا يوفر للقاطنين بداخله شروط الراحة. أحد الطلبة وصف ظروف العيش هناك ب"الكارثية"، ويقول بأن غرفة واحدة يكتظ فيها ما بين خمسة وثمانية أشخاص. "ما نطالب به هن بناء حي جامعي آخر لاستيعاب أفواج الطلبة المعوزين الذين يفدون على الجامعة من مختلف جهات الجنوب". يقول الطالب. الطلبة الذين يأتون من مناطق بعيدة عن أكادير هم الأوفر حظا في الغالب للظفر بالسكن في الحي الجامعي، لكن قبل ذلك، يلزمهم البحث عن مسكن يؤون إليه ريثما يفتح الحي أبوابه بداية شهر أكتوبر. أحد الآباء جاء رفقة ابنتيه الطالبتين من مدينة السمارة. وصلوا إلى محطة الحافلات على الساعة الرابعة والنصف صباحا، وظلوا هناك إلى غاية الساعة السابعة قبل القدوم إلى الجامعة. طيلة الوقت الذي كان يتنقل فيه الأب رفقة ابنتيه داخل مرافق الكلية كانت حقيبة كبيرة لاتفارق يده، يقول بأنه جاء ليسجل ابنتيه أولا، قبل أن يبحث لهما عن سكن. "إذا لم أعثر لهما عن غرفة للسكن هذا اليوم سنضطر للمبيت عند أحد أقاربي في ترّاست، (ضواحي مدينة إنزكان). يقول الأب الذي بدا متعبا من السفر. بعد ذلك سيتحتّم عليه أن يعود مرة أخرى إلى السمارة لجلب الأمتعة واللوازم التي ستحتاج إليها ابنتاه في مسكنهما طيلة السنة الدراسية. في حي الداخة وحي السلام القريبين من الجامعة ترتفع أسعار الغرف والشقق الصغيرة، وينشط السماسرة بشكل كبير. أسعار كراء الغرف تتراوح ما بين سبعمائة وألف درهم، فيما يتراوح ثمن كراء الشقق ما بين 1500 و 1800 درهم، مساحة الشقة أو الغرفة ومدى اقترابها من الجامعة هي التي تحدد أسعار الكراء. عدد من أصحاب دكاكين البقالة والمهن الحرة يتحولون مع بداية الموسم الجامعي إلى سماسرة، كل واحد يتوفر على مذكرة بها عشرات أرقام هواتف أصحاب منازل الكراء، يجلبون لهم الزبناء من الطلاب والطالبات مقابل إكرامية تتراوح ما بين خمسين ومائة درهم عن كل عقد كراء. العقود تتم بشكل شفهي فحسب، ولا يتوصل الطالب المكتري بأي وصل لما يدفع قيمة الكراء، أصحاب المنازل يلجؤون إلى ذلك تهربا من أداء الضريبة. على رصيف أحد الشوارع يظهر مجموعة من الطلبة محيطين بسمسار ويترجوّنه بلغة أقرب إلى الاستعطاف أن يبحث لهم غرفة بثمن مناسب. رشيد، طالب في السنة الثالثة شعبة الاقتصاد جاء من إقليم اشتوكة ايت باها، كغيره من الطلبة يبحث عن سكن، تسلّم رقه هاتف أحد المكترين من السمسار، قبل أن يتوجه إلى مخدع الهاتف، بعد دقائق سيأتي صاحب البيت، لكنهما لم يتفقا في النهاية على السعر. رشيد يقول بأن السماسرة يتعاملون بنوع من اللامبالاة مع الطلبة الذكور، في الوقت الذي يولون عناية كبيرة للطالبات، والسبب حسب رأيه، هو أن الطالبات يضفن إكرامية مالية إلى السمسار علاوة على الاكرامية التي يمنحها له صاحب البيت. معاناة الطلبة مع مشكل السكن لا تنتهي بعثورهم على سكن، الطلبة الذين يكترون الغرف غالبا ما يقتسمونها بأربعة أو خمسة أشخاص من أجل تقليص مصاريف الكراء، وبعد ذلك يتحتم عليهم أن يتقاسموا المطبخ والمرحاض مع طلبة الغرف الأخرى للبيت. "عندما تستيقظ في الصباح يلزمك أن تنتظر وقتا طويلا في انتظار أن يحين دورك للدخول إلى دورة المياه". يقول رشيد مبتسما. عدد من أصحاب المنازل يفضلون كراء الغرف والشقق للطالبات، أحدهم يشرح الأمر على أن "الدراري فيهم الصداع". في إشارة إلى بعض الطلبة الذين يصطحبون فتيات إلى غرفهم، مما يسبب لصاحب البيت في مشاكل مع الجيران. الطلبة ينعشون الحركة التجارية بعد عودة الطلبة إلى مدرجات الجامعة تعود الحياة لتدبّ في أزقة وشوارع حي الداخلة بعد السكون الذي يعمّه طيلة أيام عطلة فصل الصيف. الطلبة يخلقون حركة دؤوبة في كل مكان، ويساهمون في الرفع من الحركة التجارية لدى أصحاب محلات البقالة وبائعي الدجاج والخضارين وتجار الأسماك الرخيصة وبائعي "سوندوتشات" السردين والحمامت العمومية. إبراهيم، صاحب دكان للبقالة يعترف بأن أرباحه تتقلص بشكل ملحوظ بمجرد أن يفرغ الزقاق الذي يقع فيه دكانه من الطلبة في بداية العطلة، ويقول بأن عدد الوحدات التي يبيعها من الخبز في أيام العطلة بالكاد يصل إلى ستين أو سبعين وحدة في كل يوم، بينما يبيع أكثر من أربعمائة وحدة عندما ينطلق الموسم الجامعي وتعود أفواج الطلبة إلى الحي. الرواج التجاري الذي يخلقه الطلبة لا يعني أنهم يعيشون ظروفا اجتماعية جيدة، أغلبهم يتعامل مع البقال ب"الكريدي"، ولا يدفعون ما بذمتهم إلا حينما يتوصلون بمساعدة مالية من عائلاتهم، أو عندما يتوصلون بالمنحة الجامعية التي لا تتعدى قيمتها ألفا وثلاثمائة درهم لكل ثلاثة شهور. بعض الطلبة المنحدرين من القرى النائية وينتمون إلى أسر معوزة يضطرون للعمل طيلة عطلة الصيف في أعمال موسمية من أجل توفير مصاريف الدراسة. آخرون يقدمون دروسا خاصة لتلاميذ الابتدائي والاعدادي، وثمّة من يشتغل في المكتبات ومقاهي الأنترنت، مقابل أجر شهري بالكاد يصل إلى سبعمائة درهم. وبين بداية الموسم الجامعي ونهايته يعيش الطلبة على هاجس المستقبل بعد الحصول على الاجازة، في ظل محدودية التوظيف في القطاع العمومي، وعدم توفر خريجي الجامعات، خصوصا طلبة الشعب الأدبية على تكوين يؤهلهم لولوج عالم الشغل بالقطاع الخاص. جامعة ابن زهر في سطور أنشئت جامعة ابن زهر سنة 1989، وتغطي الجامعة حاليا ما يقارب 51% من التراب الوطني، إذ يتوافد عليها الطلبة من سبعة عشر إقليما تابع لأربع جهات: جهة سوس ماسة درعة- جهة كلميمالسمارة- جهة العيون بوجدور الساقية الحمراء- جهة وادي الذهب الكويرة. تضم الجامعة عددا من الكليات والمعاهد: كلية الآداب والعلوم الانسانية- كلية العلوم- المدرسة الوطنية للتجارة والتدبير- المدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية- كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية- المدرسة العليا للتكنولوجيا. الكليات والمعاهد التابعة للجامعة تتمركز جميعها في مدينة أكادير، باستثناء كلية الشريعة التي تتواجد بمدينة أيت ملول، وينتظر أن تنطلق الدراسة في الكلية متعددة الاختصاصات التابعة للجامعة بمدينة تارودانت انطلاقا من هذا الموسم، نفس الكلية توجد بمدينة ورزازات، وسيتم إنشاء كليتين جديدتين في كل من كلميموالعيون. عدد الطلاب والطالبات الذين تستقبلهم الجامعة يصل إلى 37000 ألف طالب وطالبة، يشرف عليهم 550 أستاذا باحثا، و50 أستاذ مساعد، ويبلغ عدد الموظفين الاداريين بالجامعة 360. حسب أرقام الموقع الالكتروني للجامعة الذي فضل القائمون عليه أن تكون محتوياته عن آخرها باللغة الفرنسية، في غياب تام للغة العربية. روبورتاج مصور للجامعة وبعض مرافقها