تتمثل إحدى أهم فعاليات معرض البيضاء للكتاب في فقرة «ذاكرة»، التي هي «لحظة وفاء خالصة» لأسماء كان «أصحابها بيننا يصارعون القبح ويضيئون شموع الحياة في دروبنا المعتمة، ورحلوا عنا بعدما قالوا كلمتهم الصادقة». مع انطلاقة أنشطة الدورة الحالية للمعرض، ومن بين أنشطته الأولى المبرمجة يوم الجمعة 9 فبراير (الساعة 11 صباحا)، احتضنت قاعة القدس ندوة حول ذاكرة الكاتب الكبير والصحفي اللامع والقيادي في حزب الاستقلال عبد الكريم غلاب الذي غادرنا في 14 غشت الماضي، شارك فيها عبد العلي بوطيب وعبد الله البقالي وحسن بحراوي، وأدارها الشاعر محمد بشكار. وإذا كانت هذه الالتفاتة تستحق رفع القبعات تحية لها، فإن مجرياتها خلفت غصصا لدى كل من حضرها أو رأى صورة للقاعة التي احتضنتها… وهي شبه فارغة. لنترك رئيس القسم الثقافي للزميلة «العلم» ومسير اللقاء يشرح الأمر منطلقا باستعارة شعرية لا تخلو من دلالة… ومرارة: «كنا أربعتنا مكتظين في القاعة…» يقول صاحب «ملائكة في مصحات الجحيم: «اليوم الأول لانطلاق معرض الكتاب (الدورة 24)، والساعة الحادية عشرة صباحا، ويوم الجمعة حيث صلاة الجمعة، هل تكفي أسبابا لفراغ قاعة القدس الجميلة حقا في رحابتها و تأثيثها؟ هل تكفي أسبابا لحضور جمهور غفير يناهز عشرين نفرا لندوة حول أديب كبير وشاسع الصيت في العالم العربي مثل عبد الكريم غلاب الذي لو كان حيا بيننا اليوم لكتب بدل روايته الشهيرة(دفنا الماضي) رواية أبلغ في توصيف كسادنا الثقافي ولسمَّاها حتما (دفنا المستقبل)..! مع ذلك لم نترك أنفسنا نهبا للإحباط، وجعلنا قاعة القدس تكتظ بنا احتراماً لهيبة ذكرى هذا الأديب الذي أفنى عمره وهو يكتب حياة هذا البلد، فتألق في الندوة الناقد عبد العلي بوطيب والإعلامي عبد الله البقالي والناقد والمترجم والكاتب حسن بحراوي، جاؤوا من كل حدب وصوب يحملون كل الحب لغلاب، فبعثوا الدفء في القاعة وهم ينبشون رغم كل الرماد الذي يلفعنا عن جمر في الذاكرة..! شكرا لمن حضر للندوة فهم كثيرون غفيرون بالحب في أنفسنا على قلتهم، شكرا لإدارة معرض الكتاب لأنها لم تغفل أن تدرج في فقرة الذاكرة أديبا أكبر من نوبل كان ولا يزال غلابا..!» وبالإضافة إلى غلاب، تحضر فعاليات الدورة ذاكرات محمد الميموني وخالد مشبال ومحمد حسن الجندي وزهرة الزيراوي الذين عبروا إلى ضفة نهر الحياة الأخرى في هذه السنة كذلك. لكن اسما لامعا سقط من برمجة فقرة «ذاكرة» رغم وزنه وعطائه، ولم تنتبه لسقوطه للأسف أية واحدة من الجهات المساهمة في صياغة البرنامج، وعلى رأسها اتحاد كتاب المغرب الذي كان الراحل عضوا فيه. وبالفعل، فالكثير من الأسئلة تناسلت في رحاب المعرض عن غياب محمد غرناط المثير… تفاعلا مع حدث المحو هذا، رد القاص والشاعر عبد الله المتقي على علامة الاستفهام التي وجهنا إليه كاتبا: «كم كان المعرض الدولي للنشر والكتاب في نسخته الرابعة والعشرين فوق القسوة والجرح، قسوة تحتاج علاجا نفسيا، وجرحا بحاجة إلى غسله بمطهر كاوي، كي نتصالح مع هذا المغرب الثقافي الذي نريده شفيفا ومتوهجا، منصفا ومدركا لحجم تضحية مثقفيه الأحياء والراحلين، لا لئيما ومسيئا(…). مناسبة هذا الكلام، ذكرتني بي، وأنا أتصفح البرنامج الثقافي لمعرض النشر الكتاب صبيحة يوم الجمعة 9فبراير 2018بقاعة القدس بقصد متابعة فقرة ذاكرة عبد الكريم غلاب عميد السرد المغربي الحديث ، باحثا عن ذاكرة الصديق والقاص الراحل محمد غرناط، حتى أبرمجها ضمن زياراتي اللاحقة. محمد غرناط لا وجود له في برنامج المعرض، أعدت القراءة ثانية، محمد غرناط أخيرا، لن يكون لا في قاعة القدس ولا في قاعة القاهرة، وحتى في قاعة وجدة، لن تكون قصصه ورواياته لا في فقرة ذاكرة، ولا في ندوة، ولا هم يحزنون. هكذا، يحدث هذه السنة بالمعرض الدولي للكتاب محو اسم مغربي قصصي وروائي وباحث أكاديمي اسمه الراحل "محمد غرناط "، وإنه لتغييب جارح، لا يمكن أن نقول بخصوصه سوى أنه "عيب ثقافي" واعتداء على القصة القصيرة بالمغرب، ومن العسير احتماله أو قبوله لدى أسرة الفقيد وأصدقائه من المكتوين بلعنة الكتابة الجميلة. ما الحكاية ؟ هل سقط محمد غرناط سهوا، فعلا ؟ (…)". واستطرد صاحب "مساؤك بارد الخيانة" مضيفا: "كشكرا حقيقية وبرائحة الورد، للناقد والباحث بوشعيب الساوري الذي احتفى بالراحل في كتاب جماعي من تنسيقه وسمه ب "معابر التخييل القصصي والروائي في التجربة السردية لمحمد غرناط "، كما شكرا لجمعية الأنصار الثقافية بخنيفرة لاحتفائها بأربعينيته، والشكر موصول ثالثة، لجمعية مسار للتربية والثقافة فرع الفقيه بن صالح التي نظمت مسابقة قصصية باسمه لفائدة الشباب أسفرت عن مجموعتين قصصيتين، وملتقى قصصي استحضارا للفقيد نهاية هذا الشهر، باعتباره واحدا من أبناء المدينة، وواحدا من المبدعين المغاربة المتميزين، فرحم الله محمد غرناط، وهيا نحتفي بنا ونشتغل دون صمت ودون حروب صغيرة وبلا ضجيج كما كان صديقنا غرناط."