في الحافلة المتجهة إلى تطوان، ركبتُ البارحة بجانب امرأة في متوسط العمر تحمل طفلا مصابا بإعاقة ذهنية حليق الرأس، تبدو قامته أصغر من سنه بكثير ولايكف عن البكاء لدرجة مزعجة.. تبين فيما بعد أنه طفلة، وأن لديها 8 سنوات رغم أن حجمها لايتجاوز حجم رضيع صغير.. تبادلنا أطراف الحديث أنا والأم لبعض الوقت، ثم سألتها بحكم تدريباتي السابقة في مصلحة الأطفال: «هل زوجك يقرب لك ؟»، فما أكثر الإعاقات والأمراض الوراثية الناجمة عن زواج الأقارب، حتى أن هذا السؤال من بين أولى الاستفهامات التي نطرحها على الأمهات في المصالح الاستشفائية مباشرة بعد السن والتلقيح.. وقد تجد أحيانا 3 أو 4 أفراد من ذوي الاحتياجات الخاصة بل وأكثر في الأسرة الواحدة.. وأنا أشرفت شخصيا عندما كنت طبيبة خارجية على حالات لصغار كان لديهم عدة إخوة متوفين بسبب نفس المرض الوراثي الذي يحملونه، والسبب هو القرابة التي تجمع أبويهم، بمعنى أن أمهاتهم كنٌ يعلمن مسبقا أن هؤلاء سيموتون تماما كإخوتهم، مما يشكل تعذيبا نفسيا لايحتمل. صدق حدسي، فلم يكن زوج مرافقتي في السفر سوى ابن خالتها المتوفي، ولم تكن الطفلة المريضة الوحيدة، بل لديها أخت تبلغ 23 سنة تعاني من نفس المشاكل «تخلف عقلي، قصور حاد في النمو بسبب مشاكل معوية، وجه شاحب، هزال شديد وجلد متغضن تتخلله عروق زرقاء كالفضائيين..»، علما أن الاثنتين لايمكنهما تناول شيء ماعدا الأطعمة السائلة من حليب وحساء. ابنتان كبيرتان لزمتا مرحلة الطفولة لسنوات طويلة ولم تبرحاها، تبكيان كالرضع بشكل متواصل ولاتكادان تفقهان شيئا.. أما الطفلة التي كانت بجانبي في حضن أمها في رحلة الرجوع بعد قضاءهما حوالي السنة في مستشفيات العاصمة، فقد كانت تعاني من نوبات اختناق بسبب وجود تضخم في العقد اللمفوية في العنق Adénopathies (لايمكن نزعها لأن سوء التغذية وتدهور حالتها العامة قد يعرضها لخطر الوفاة خلال التخدير)، لدرجة أنني ظننتها أنها قد تموت خلال سفرنا.. في الوقت التي تضطر فيه أمها الأرملة للعمل في المنازل للإنفاق عليها وعلى 5 بنات، اثنتان منهما معاقتان. زواج الأقارب تقليد يجب أن يندثر لما له من عواقب إنسانية كارثية، وهو من الأسباب التي تجعل نسبة الإعاقة جد مرتفعة في المغرب.. سيقول لي البعض أنهم يعرفون الكثيرين ممن تزوجوا ببنات عمومتهم ولم يحدث شيء لأبنائهم أو أن العاهات والتشوهات قد تظهر حتى لدى الأطفال المنحدرين من الأباعد.. ولكنني لاأدٌعي أن الأمر مرتبط بشكل حصري بهذا النوع من الزواج ولا أنه حتمي، إلا أن نسبة تمظهرات الأمراض الوراثية خاصة المتنحٌية منها تزداد عند الأقارب بشكل ملموس، وتجعل الآباء يشعرون بالكثير من الذنب في حال وقوعها.. لذلك كأطباء نقول لكم: «بعٌدوا ماأمكن» فالتنوع الوراثي خير.. حتى البويضة يقول بعض العلماء أنها تختار الحيوان المنوي الأكثر اختلافا من الناحية الجينية لتلقيحها والله أعلم. * طبيبة اختصاصية في طب الأشعة