كثيرا ما ينشغل المقبلون على الزواج بتجهيزات العرس ويتجاهلون أمراً لابد منه، كما يقول الكثير من الأطباء، وهو فحص ما قبل الزواج الذي يعد ضرورياً. إلا أن الفحص الطبي قبل الزواج هو سلاح ذو حدين .. فقد يكون سبباً في نجاح العلاقة الزوجية وتقويتها، كما يمكن أن يؤدي إلى اتخاذ القرار الصعب بالانفصال والرحيل. يشير الدكتور حازم سمور، استشاري أمراض النساء بجامعة القاهرة، أنه يجب على الجميع التيقن أن نتائج الفحص، مهما كانت لها من آثار سلبية، مثل اتخاذ أحد الطرفين قراره بعدم الإقدام على الزواج، ستكون أخف ألماً من الشعور بالذنب، عندما يولد لهما طفل مصاب بمرض وراثي. ومن الطبيعي أن يأمل الأبوان دائماً بأن يرزقا بأطفال أصحاء، إذا لم يوجد في العائلة أي مرض وراثي. إذ إن نسبة احتمال ولادة طفل لديه عيوب خلقية من أبوين تربطهما علاقة نسب (أبناء العم أو أبناء العمة أو الخال أو الخالة) تكون حوالي4 % إلى 6 %.. وبالطبع لا يستطيع أحد منع الذين يرغبون في الزواج وإنجاب الأطفال، وليس للأطباء الحق في منعهما ودائماً القرار يعود لهما وحدهما ولوليهما قبل الزواج، إلا أن الفحوصات تعتبر ضرورية جداً حيث يشمل دور الطبيب إعطاء الاحتمالات وشرح بعض الأمراض التي يرجح لديه أنه من الممكن أن تصيب الطرفين وأولادهما، كما أنه سيساعدهما إن أمكن في تجنب هذه الأمراض. ويؤكد على هذا الأمر الدكتور محمد علي ابراهيم، استشاري أمراض الذكورة والعقم بجامعة المنيا الذي ينصح «كل من هو مقدم على الزواج عليه إجراء هذه الفحوصات قبل الأقدام على الخطبة»، ثم اتخاذ قرار الخطوبة من عدمه حسب النتائج. فالقرار الذي سيتخذانه وهما على يقين بحالة كل منهما الصحية، سيكون أخف ألماً من الإقدام على الخطبة والبدء في التحضير للزواج، ثم إجراء فحوصات قد تترك نتائجها آثاراً نفسية سيئة على الطرفين إذا كان أحدهما مصاباً بمرض أو حاملاً لعدوى وراثية ما. أسباب إجراء الفحوصات ويضيف الدكتور سمور: «فحوصات ما قبل الزواج تنقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسية وتتمثل في فحوصات لتجنب الأمراض الوراثية، وفحوصات لمعرفة قدرة المقبلين على الزواج على إنجاب الأطفال، وفحوصات لمعرفة إن كان أي من الطرفين يحمل أمراضاً قابلة للنقل من طرف إلى آخر عن طريق العلاقة الزوجية الحميمة أو المخالطة اللاصقة». وأكد الدكتور حازم سمور، أن الغرض من الفحص قبل الزواج هو البحث في تاريخ العائلة المرضي ومحاولة معرفة إذا كانت هناك أمراض وراثية، مثل وجود حالات وفيات الأجنة بسبب عيوب خلقية أو إجهاض متكرر أو وجود إعاقات مثل الخلل في السمع أو البصر أو النطق أو تأخر في التحصيل العلمي. المتابعة الطبية ولفت الدكتور سمور إلى أن الفحص الطبي قبل الزواج ليس هو الضامن الوحيد لإنجاب ذرية سليمة. فهناك عدة برامج وخطط لتفادي الأمراض والعيوب الخلقية بشكل عام. ومن هذه الأمور التخطيط الصحيح للحمل وتناول المرأة «حمض الفوليك» لتفادي عيوب الأنبوب العصبي والذي يصيب طفلاً من أصل 1000 حالة ولادة، وهي تؤدي إلى شلل الأطراف السفلى وإلى مشاكل في الجهاز الهضمي والمسالك البولية. كما يجب على كل امرأة مصابة بالسكر أو ضغط الدم أن تتم متابعتها عن قرب من قبل الطبيب النسائي، وذلك قبل، خلال وبعد الحمل، والتأكد أن مستويي السكر والدم يبقيان في الحدود المعقولة. أما بعد الولادة، فيتم الكشف على المولود للتأكد من خلوه من الأمراض وإجراء تحليل لهورمون الغدة الدرقية والكشف عن الأمراض الإستقلابية إذا أمكن. لتفادى كل هذه المشاكل، على الزوجين الاستفادة القصوى من الخدمات الطبية المتوفرة، كما عليهما اتخاذ الحرص الشديد وعدم التقليل من شأن المتابعة الطبية الأخصائية. الفحوصات الطبية ويؤكد الدكتور محمد علي إبراهيم، أن أولى خطوات الفحص الطبي تشمل التعرف على التاريخ المرضي للشاب أو الفتاة، مع إجراء الفحص السريري، وهو من الأمور الهامة التي يمكن للطبيب من خلالها اكتشاف إذا ما كان أحد الزوجين يعانى من مرض مزمن يمكن أن ينتقل للأطفال مثل سكر البول، حيث أثبتت الدراسات الطبية أنه إذا كان أحد الوالدين مصاباً بمرض البول السكري، فإن احتمال إصابة الأبناء بالمرض كبيرة. والفحوصات الوراثية التي يجب عملها إلى جانب الثلاسيميا هي باقي فحوصات الدم وتكسرها. فثلاسيميا الدم هو مرض ينقل عن طريق الوراثة ويؤثر على عمر كريات الدم الحمراء. ففي هذا المرض تحصل طفرة في مكونات الهيموغلبين تكسر خلايا كريات الدم الحمراء، فيحاول الجسم أن يعوض هذا النقص عن طريق زيادة تكاثرها في الدم. ويضيف الدكتور محمد علي إبراهيم، أن الفحوصات ضرورية أيضاً لمعرفة إن كان لدى الطرفين قدرة على الإنجاب، حتى لا يصاب أي من الطرفين بكآبة تنغص عليه حياته إن وجد قرينه لا يستطيع الإنجاب أو يستطيع ولكن عن طريق أطفال الأنابيب. كما يجب أن تشمل هذه الفحوصات فحص الحيوانات المنوية عند الرجل لمعرفة عددها ونسبة ما هو سليم منها ونسبة الحركة الفاعلة فيها، ذلك بالإضافة إلى فحوصات الأمراض القابلة للانتشار عن طريق العلاقة الزوجية الحميمية. إذ من حق كل طرف يريد الارتباط بالطرف الآخر، أن يكون على علم مسبق وكامل بمجموع حالة هذه الأمراض عند قرينه، قبل الزواج به، حتى لا يشعر بالغبن أو بأن حياته في خطر مستمر. ونضيف إلى هذه التحاليل، تلك التي تفحص عمل وظائف الكبد والتهاب الكبد الوبائي أو الفيروسى Hepatitis B و Hepatitis C والالتهابات الجنسية بالإضافة إلى أمراض الكلى المزمنة. زواج الأقارب من جانبه، أكد الدكتور علي الشافعي، استشاري أمراض النساء، أن زواج الأقارب يلعب دوراً كبيراً في الإصابة بالأمراض الوراثية المتنحية كفقر الدم المنجلي وأنيميا البحر المتوسط، ولكن هذا لا يعني أن عدم الزواج من الأقارب يضمن أن تكون الذرية سليمة من أي مرض وراثي أو من الأمراض الوراثية المتنحية. ومن المهم القيام بتحاليل لكشف إذا ما كان الشخص حاملاً للمرض، بغض النظر عن صلة القرابة بين الخطيبين. لذلك ففحوصات ما قبل الزواج هي مهمة للأقارب وغير الأقارب وتكون أكثر أهمية للأقارب إذا كانت هناك أمراض وراثية. كما أن احتمال الإصابة بالأمراض الخلقية عند المتزوجين من أقاربهم أعلى من المتزوجين من غير أقاربهم. وتزداد نسبة هذه الأمراض كلما زادت درجة القربى. فوراثياً، لدى كل إنسان، بغض النظر عن عمره أو حالته الصحية، حوالي 10-56 جينات معطوبة (أو بها طفرة). وهذه الجينات المعطوبة لا تسبب مرضاً لمن يحملها، لأن الإنسان لديه دائماً نسخة أخرى سليمة من الجين. وعند زواج طرفين لديهما نفس الجين المعطوب، فإن أطفالهما قد يحصلون على جرعة مزدوجة من هذا الجين المعطوب (أي أن الأب يعطى جيناً معطوباً والأم أيضاً تعطي نفس الجين المعطوب) وهنا تحدث مشكلة صحية على حسب نوع الجين المعطوب.
هل التحاليل سليمة مائة بالمائة؟ يبقى السؤال: هل سلامة التحاليل تعني أن الشخص خال تماماً من الأمراض الوراثية؟ يجيب الدكتور على الشافعي أنه على الرغم من أهمية فحص ما قبل الزواج، إلا أن الأمراض الوراثية كثيرة جدا ًويصعب الكشف عنها كلها في الفحوصات، نظراً لعدم وجود تحليل لها. كما أن التحليل لا يستطيع اكتشاف الشخص الحامل للمرض بشكل دقيق. إضافة إلى أن العديد من هذه الأمراض ناتج عن خلل في الجينات، كما أن الكثير من الجينات- التي يصل عددها إلى حوالي 30 ألف جين- غير معروفة ولم يتم اكتشافها بعد؛ لذا لا توجد لها تحاليل. لذلك على الذين يتقدمون للفحص الطبي قبل الزواج معرفة أن الطب لا يستطيع الكشف عن جميع الأمراض. وينبغي على المتقدم التحري عن كل طفل أو بالغ في العائلة ولديه مرض يشتبه أن يكون خلقياً أو وراثياً. فالتاريخ المرضي لكل عائلة هو الذي ينبه الطبيب إلى وجود مرض ما، وفى هذه الحالة عليه أن يتحقق من احتمالية انتقاله لهذه الأسرة الجديدة.