الفحص ما قبل الزواج هو مجموعة من الاختبارات المعملية والإكلينيكية والاستشارات الاجتماعية والنفسية التي يقترح إجراؤها وتقديمها للزوجين قبل إقدامهما على الزواج. ويهدف هذا الفحص إلى إسداء المشورة العلمية الطبية الصحيحة للشريكين قبل الإقدام على الزواج من أجل التمهيد لحياة زوجية سعيدة وآمنة، وتكوين ذرية من أطفال أصحاء، لتكون المحصلة النهائية وجود أسرة سليمة ومجتمع سليم. ومن فوائد الفحص قبل الزواج، أن المقدمين على الزواج يكونون على علم بالأمراض الوراثية المحتملة للذرية إن وجدت فتتسع الخيارات في عدم الإنجاب أو عدم إتمام الزواج. ومن الفوائد أيضا تقديم النصح للمقبلين على الزواج إذا ما تبين وجود ما يستدعي ذلك بعد استقصاء التاريخ المرضي والفحص السريري واختلاف زمر الدم. ويفيد الفحص الطبي قبل الزواج في المحافظة على سلامة الزوجين من الأمراض، فقد يكون أحدهما مصاباً بمرض يعد معدياً فينقل العدوى إلى زوجه السليم. دم إيجابي وسلبي حسناء وأحمد زوجان مثلهما مثل الكثير من الأزواج المغاربة، الذين حصلوا على شهادة طبية بهدف إتمام عقد الزواج، ولأن المشرع لم يحدد لائحة الأمراض التي يجب الكشف عنها من قبل الطبيب، فإن هذه الوثيقة الشكلية لم تمكنهما من التنبؤ بما يمكن أن يصاحب الحمل وإنجاب الأطفال من أمور لم تخطر على بالهما، وكان من الممكن تجنب بعضها حين كان إجراء الفحص الطبي قبل الزواج مجديا وذا نفع تحذيري..، إذ فوجئا بالطبيب ينقل لهما خبر فحوصات وليدهما بين كلمات العتاب والألم، بأنه سيكون مصابا بمعضلة صحية سببها تعارض دم الأب مع دم الأم (ريزوس سلبي خ إيجابي)، ولحسن الحظ أنه هناك لقاح خاص لهذه الحالة تحقن به الزوجة بعد الولادة مباشرة وإلا تحطم الحلم في إنجاب ذرية سليمة معافاة، لكن المأساة أن اللقاح نادرالوجود بالصيدليات المغربية، وتوفيره يكون تحت الطلب، وبتكلفة مادية غير متيسرة لأغلب من يطلبونه، رحلة البحث عن رفع هذا التهديد الذي يواجه مولودهما، عاشه الزوجان ومعها الأهل والأحباب بالدقائق والثواني، من أين وكيف سيتم الحصول عليه، الحظ وحده أنقذ الأسرة حين تكفل طالب صادفت عودته إلى بلده الوقت المطلوب، فتكفل بحمل اللقاح من فرنسا. لكن فاطمة قدر لها أن تتعايش مع واقع أقوى على الاحتمال، حين اكتشفت عند إجراء بعض التحاليل المخبرية أنها مصابة بداء فقدان المناعة (السيدا)، وأن العدوى انتقلت إلى وليدها، حيرة الأم المكلومة ازدادت عندما كشفت التحاليل المخبرية أن المرض نقل إليها أيضا عن طريق العدوى، حينها طلب من الزوج إجراء التحاليل، وسرعان ما تم الكشف على أنه هو من يحمل الفيروس قبل زواجه، لقد قبلت الزوجة بحياتها المكتشفة على مضض، فلو كان الكشف قبل الزواج لكان التعامل الصحيح وفي التوقيت الصحيح مع أي احتمالات، لكن كلمة لو المتحسرة، لن تعيد الزمان إلى الوراء. إصابات قصة حسناء وفاطمة هي واحدة من آلاف القصص التي قد تختلف في بعض التفاصيل والحيثيات المؤسسة لها، ولكن عقدة المشكلة في الموضوع، وإن لم تكن في استطلاع لآراء المواطنين، هناك آراء رافضة مطلقا للفحص الطبي قبل الزواج..، وهي الإهمال وعدم الشعور بالحاجة إلى فحوصات ما قبل الزواج، أوالتشكيك والتغاضي عن نتيجتها..، لأن شهادة السلامة من الأمراض المعدية من غير فحوص، لن تختصر الطريق كما يتوهم البعض، فكلمة (لو) المتحسرة التي ترددت على أفواه المصابين برزء هذه الأمراض الوراثية في فلذات أكبادهم.. تحمل في طياتها الرغبة الجارفة نحو الوعي والحرص على أهمية هذه الفحوصات الطبية.. لرفع التهديد عن أجيال المستقبل ضحايا الزواج غير المتوافق، إذ يتوقع إحصائيا بحسب الهيئات الطبية العالمية، أن يصاب طفل واحد من كل 25 طفلا بمرض وراثي ناتج عن خلل في الجينات أو بمرض له عوامل وراثية خلال 25 سنة من عمره، كما يتوقع أن يصاب طفل واحد لكل 33 حالة ولادة لطفل حي بعيب خلقي شديد. ويصاب نفس العدد بمشكلات تأخر في المهارات وتأخر عقلي. وتسعة من هؤلاء المصابين بهذه الأمراض يتوفون مبكرا أو يحتاجون إلي البقاء في المستشفيات لمدة طويلة أو بشكل متكرر، مع ما لكل ذلك من تبعات مالية واجتماعيه ونفسية، علما أن القاعدة العامة شرعيا وطبيا لا تمانع من زواج الأقارب أو عدم إتمام زواج غير المتوافقين صحيا، ولكن تنصح بإجراء الفحص الطبي قبل الزواج للتعامل السليم وفي التوقيت الصحيح مع أي احتمالات مستقبلية. بما يمكن أن يقي أطفال المستقبل من انتشار الكثير من الأمراض وإنجاب أطفال غير أصحاء، أطفال أبرياء لا ذنب لهم سوى أنهم ولدوا لأبوين غير واعيين بأهمية وحق كل طرف في معرفة الحالة الصحية. بالمغرب شهادة طبية فقط لاشك في أن مئات الملايين من الزيجات التي عقدت بالمغرب، خرج منها أطفال أصحاء، لكن لا شك كذلك في أن بعض الزيجات أنجبت أطفالا غير أسوياء، بدنيا أو عقليا، بسبب تناقضات طبية في أحد الزوجين، أو لعيوب وراثية..، لكن الحقيقة التي لا تقبل الجدل هي أن الشعور بالمسؤولية اتجاه أجيال المستقبل، وتيسير سبل الحياة الطبيعية لهم، تقع على عاتق المقبلين على الزواج، وذلك بالخضوع للفحص الطبي والتقيد بالنتيجة والامتثال للنصح العلمي المترتب عنها، والذي يمكن كل طرف من تفادي تبعات كثيرة قد تكون لها انعكاسات سلبية في حال جهل كل واحد ببعض الأمراض المستعصية عند الآخر. ولأن نتيجة الفحص الطبي قبل الزواج قد تكون سببا في نجاح العلاقة الزوجية وتقويتها، أويمكن أن تؤدي إلى اتخاذ القرار الصعب بالانفصال.. فإن بعض الزيجات تصر على إتمام الزواج بالرغم من النتائج غير المتوافقة، أوإتمام استعدادات الزواج قبل إجراء الفحص، وفي كثير من الحالات يتم إخفاء أو تزوير نتيجة الفحص خوفا من الوقوع في الإحراج. في الواقع تشير العديد من الحالات كانت ضحية تدليس أحد الزوجين إلى أن هذه الشهادات الصحية تحولت إلى وثيقة إدارية يمكن الحصول عليها بأي وسيلة، دون التقيد بإجراءات الحصول عليها، في تجاهل تام للعواقب المترتبة عن ذلك. ويكون السؤال عن الأمراض المتوارثة في عائلة كل من المقبلين على الزواج، وعن مدى القربى العائلية بين العروسين، وعن رمز دمهما.. وأسئلة أخرى محور فحوص طبية خاصة وأخرى مشتركة لدى الزوجين قبل الزواج، الذي تنصح به جميع الهيئات الصحية، لدراسة مدى تأثير ذلك على الإنجاب وإمكان تفادي إنجاب أطفال مرضى أو معوقين. غير أن الواقع بحسب ما كشفه بعص الأطباء المتخصصين لالتجديد أنه لا يوجد بالمغرب ما يسمى بالفحص الطبي قبل الزواج، مشيرين إلى أن المسمى الحقيقي لهذا الإجراء، هو شهادة طبية تسلم لطالبيها بعد أداء ثمن 100 درهم، بتوقيع طبيب عام أو خاص يقوم بفحوصات سريرية باسترشاد من منشور وزارة الصحة في الموضوع، وأكدت المصادر ذاتها أن التكلفة المادية للتحاليل والفحوصات الطبية في هذا الشأن، (تقدر ب 6000 إلى 7000 درهم للتحليلة الواحدة) تغيب هذا الإجراء تماما من واقع تفكير المقبلين على الزواج. وهذا الإجراء تنص عليه المادة 65 من مدونة الأسرة، فبخصوص الإجراءات الإدارية والشكلية لإبرام عقد الزواج، تنص المدونة على ضرورة اشتمال ملف عقد الزواج على شهادة طبية لكل واحد من الخطيبين. وتعتبر هذه الشهادة من الوثائق التي يجب التوفر عليها للحصول على إذن القاضي قصد إبرام عقد الزواج، غير أن مدونة الأسرة - يؤكد نور الدين الشيهب محامي بهيئة القنيطرة - لم تشترط أي طبيب متخصص لمنح هذه الشهادة، ولذلك فيمكن لأي طبيب منحها، مضيفا بأن شهادة الفحص قبل الزواج من حيث المبدأ يجب أن تشير إلى خلو الراغب في الزواج من الأمراض المعدية أو المزمنة التي يمكن أن تصيب الزوج الآخر. وأشار نور الدين الشيهب إلى أنه من الانتقادات التي توجه إلى هذا الإجراء، هو كون الشهادات الطبية أصبحت تمنح على سبيل المجاملة دون حتى أن يتأكد بعض الأطباء من سلامة الشخص الذي يطلبها، بإجراء الفحوصات اللازمة، مضيفا أن منحها بطريقة عشوائية قد يكون سببا في انتشار الأمراض وخاصة الجنسية منها، على المشرع أن يوكل منح هذه الشهادة لأهل الاختصاص خاصة فحوصات الدم. وأشار المحامي بهيئة القنيطرة إلى أنه إذا ثبت تزوير هذه الشهادة، فإن المشرع يعاقب المزور حسب مقتضيات الفصل 361,360 من القانون الجنائي بالحبس والغرامة، وتمنح للطرف المتضرر حق طلب الطلاق لرفع الضرر إذا ثبت تحريف الوقائع، والمطالبة بالتعويض إذا ترتب عن ذلك تبعات صحية خطيرة. فرصة الزوجين ولإلقاء مزيد من الضوء على موضوع الفحص الطبي قبل الزواج ومدى أهميته من الناحية الطبية، ذكرت الأخصائية في أمراض النساء والتوليد الدكتورة نيان فاطمة الزهراء، أن الفحص الطبي قبل الزواج هو فرصة لكلا الزوجين للتعرف على حالتهما الصحية، وهو يدخل ضمن فحص الجسم بكامله والاستعانة بالتحاليل البيولوجية. وتظهر أهمية هذا الفحص بحسب الدكتورة نيان، في الكشف عن وجود أمراض مزمنة، كما يتضمن فحوصات عن أمراض الدم والأمراض المعدية والوبائية، كي لا يصطدم الطرف الآخر بإصابته بها أيضا بعد الزواج، وكي تمنح الفرصة للمصاب للكشف عن المرض في وقت مبكر ليتمكن من العلاج. وهو إجراء سهل وبسيط وميسر للجميع يتعرف من خلاله المتقدم على الحالة الصحية العامة للزوجين وإمكانية إنجاب أطفال أصحاء عند الولادة وأثناء النمو لاحقا، تضيف الأخصائية في أمراض النساء والتوليد، مشددة على أن المراد من الفحص الطبي ليس إبعاد أو تفريق من اتفقا على الزواج عند اكتشاف مشكلة صحية إثر الفحص مثلاً، بل على العكس تؤدي الفحوص إلى إيجاد حلول لتجنب التعقيدات التي يمكن أن تحصل بعد الزواج وقبل وأثناء الحمل. وكشفت الدكتورة نيان فاطمة الزهراء لالتجديد أن 10 في المائة فقط يجرون التحاليل المخبرية، و90 في المائة يخافون من إجرائها قبل الزواج لئلا يفترقا.. وقد يؤدي بهم إهمالها إلى الافتراق بعد الزواج والإنجاب إذا ما ظهرت لديهم مشكلات وراثية أو وجود أطفال غير أسوياء. أما إذا أثبت الفحص وجود مشكلة صحية للمتقدمين، تقول الدكتورة نيان لا نلزمهم بعدم الارتباط، إنما نحذرهم طبيا من الارتباط، وهذا يحدث بنسبة قليلة، وغالبا ما تكون في زواج الأقارب، خاصة في الأسر التي تتكرر فيها أمراض وراثية معينة. فحص ما قبل الحمل ذكرت أخصائية أمراض النساء والتوليد بالدار البيضاء لالتجديد بأنه بإمكان المتزوجين الذين لم يجروا تلك الفحوصات القيام بذلك بعد الزواج، وهي تدخل في برنامج آخر يسمى فحص واستشارة ما قبل الحمل، وتدخل في إطار تقديم معلومات للزوجة والزوج فيما يتعلق بالنواحي الصحية للإخصاب والحمل، والتوعية باحتمالات الأخطار المحيطة في حال وجودها، ومن ثم عرض الخيارات المتوفرة لاتخاذ الطرق التي يرونها مناسبة للمتابعة الصحية المستقبلية. أما بالنسبة لإجراء الفحص الطبي من الوجهة الشرعية، فهو بحسب محمد بولوز، باحث في العلوم الشرعية، أمر وإجراء لا تخفى مصلحته ومنفعته للفرد والمجتمع، وهو أمر مشروع موافق لمقاصد الشرع، وتدل على ذلك الأدلة العامة الآمرة بالتداوي وحفظ الصحة والنسل وحسن الاختيار والبعد عن الإضرار بالنفس أو الغير، ومعروف أن الفحص الطبي قبل الزواج من باب الوقاية، والوقاية كما هو معلوم خير من العلاج. فالفحص يضيف بولوز يمكن من أخذ بعض الأسباب في معرفة ما يثبت خلو الخطيبين من الأمراض المعدية، والعيوب الوراثية وكذا الأمراض الجنسية المؤذية كالسيدا وغيرها مما قد يؤثر على صحة الزوجين مستقبلاً أو على الأطفال عند الإنجاب.. كل ذلك حتى لا يكون هناك تغرير بطرف من الأطراف، ويكون كل واحد منهما على بينة مما هو مقبل عليه. ويؤيد هذا من الناحية الشرعية قوله تعالى: (وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) والفحص يمكن من عدم الدخول في عقد قد يكون فيه هلاك النفس أو الذرية بسبب الأمراض الفتاكة والمؤذية. وقال تعالى مبينا لنا سنة الأنبياء في طلب الذرية الطيبة: (قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء) والأمراض المحتملة، مع وجود مقدماتها في الزوج والزوجة، مما يشوش على الظفر بذرية طيبة سليمة تنعم بالمعافاة. وأما عن الأضرار المحتملة لأحد الطرفين من جراء إلزامية الشهادة الطبية كفسخ الخطبة وتلويث السمعة وغير ذلك من الأضرار، فيشير محمد بولوز أنه من الناحية المبدئية لا يجوز لأحد الخطيبين أن يكتم عن الآخر عند الزواج ما به من أمراض معدية أو مؤثرة إن وجدت، وفي حالة كتمانه ذلك وتحقق إصابة أحدهما أو موته بسبب ذلك فإن الطرف المتسبب يتحمل كل ما يترتب عليه من عقوبات وتعويضات حسب أحكام الشرع وضوابطه. فيبقى الأفضل والأنسب بحسب بولوز أن يكون العلم والإخبار قبل عقد الزواج والفحص أحد وجوه ذلك. ولا شك أن الضرر الواقع قبل العقد أخف بكثير من ضرر الفراق بعد العقد والزواج. ثم إنه من القواعد الفقهية أن الدفع أولى من الرفع، ذلك أنه إذا أمكن دفع الضرر قبل وقوعه يكون أولى وأسهل من رفعه بعد الوقوع، ومن القواعد أيضا؛ تحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام، وقد يكون الكشف الطبي خيرا، فيقدم الإنسان على تلمس أسباب الشفاء حتى يتخلص من علله ويصلح لحياة زوجية سليمة مستقرة، أو يلقى أحيانا من الطرف الآخر قبولا وتحملا وربما رغبة.