حرص الصينيون في ذلك اليوم الحار جدا على أن نودع منطقة قوانغشي الذاتية الحكم صوب بكين، على إيقاع زيارة صباحية «للريف الاشتراكي الجديد»، الواقع في منطقة قونغ تشنغ، وهي منطقة نموذجية للتنمية المستدامة على مستوى الدولة . لا أخفيكم قرائي أن كلمة الريف علقت في ذهني منذ اطلاعي على برنامج زيارة الوفد المغربي المكون من الكوادر الحزبية المغربية، في مهمة استطلاعية لمنطقة قوانغشي الذاتية الحكم، كما ترددت على تفكيري تساؤلات المقارنة، بين ريفنا الشمالي وريف الجنوبالصيني، وتمددت في مخيلتي كل تلك المغالطات التي صاحبت ملف الريف المغربي، بغية الرحيل به إلى أحلام المعتوهين، المتربصين بقضايانا الوطنية، تلك التي نقر بأننا اليوم عاقدين العزم على حلها بالتضامن المجالي، الذي ينبغي أن يكون بالبرنامج التنموي الجديد، المنتج والهادف لبناء مغرب الأفق المنشود. غادرنا فندق» تشيان جيون في يانغتشو» بقولين، بعد فطور بحث فيه الفقيه، والبعض منا،عن خبز ساخن، ولما يئسنا، عوضنا ذلك بحساء الأرز الساخن، الذي تفنن المطبخ الصيني في إلحاق العشب الأخضر به، مما جعل مذاقه محفزا لملء الصحن المخصص مرتين وثلاث. تحركت بنا الحافلة بعدما وضعنا حقائبنا بها من أجل التوجه إلى «الريف الاشتراكي الجديد» الذي يقع في محافظة قونغ تشنغ الذاتية الحكم لقومية ياو جنوبي منطقة قوانغشي الذاتية الحكم لقومية تشوانغ. وصلنا إلى المحافظة بعد ساعة من الانطلاق من الفندق، مررنا خلالها بطريق خضراء تنتشر بها البساتين التي تتخللها مبان مرتبة ومبنية بعناية وإبداع كبير، حرص أبناء قومية ياو، الحفاظ من خلالها،على خصوصياتهم الحضارية والثقافية الجبلية. رافقنا في الرحلة الرفيق رائد والرفيقة لبيبة، واللذان سافرا معنا إلى بكين، في حين ودعنا باقي الرفيقات بمطار قويلين، وهو الوداع الذي أدمع عيونهن، بعدما عانقنا بعضنا عناقا حارا ينم عن بداية صداقة متينة. استقبلنا في محافظة قونغ تشينغ مسؤول الحزب الشيوعي الصيني بالمنطقة، والذي حرص على مرافقتنا في جولتنا في القرية النموذجية للريف الاشتراكي الجديد، ومدنا بكافة المعطيات عن القرية التي تحولت خلال أربع وثلاثين سنة، من قرية فقيرة يعاني أهلها صعوبة العيش، إلى قرية غنية بمحافظة قونغ تشنغ لقومية ياو، بفضل وضع نموذج تنموي يعتمد الزراعة الايكولوجية، والتي رفعت من مستوى الدخل الاقتصادي للقرية والمحافظة، ناهيك عن استعمال غاز الميثان، الذي عزز تنمية قطاع تربية المواشي والدواجن، كما عززت الكمية الكبيرة من السماد العضوي التنمية الزراعية في محافظة قونغ تشينغ، ككل، والتي تضم سبع عشرة قرية بجوار القرية النموذجية بالريف الاشتراكي الجديد، والتي يعتز سكانها بالدعم الحكومي المركزي لهم، الذي جعلهم يتحولون من قرية مهمشة وساكنة فقيرة إلى ساكنة تسكن أجمل البيوت وتستخدم الأجهزة الكهربائية المنزلية المتطورة، وينتمي دخل الفلاح فيها إلى مستويات عالية، مع فائض في مناصب الشغل، الشيء الذي دفع المسؤول الحزبي إلى التصريح لنا، بأن المنطقة في حاجة إلى يد عاملة، وكل ذلك بفضل التخطيط العلمي لقرى المحافظة في بناء قرية جديدة ذات وظيفة سياحية بمعيار ومستوى عاليين. وهي المنطقة التي تجلب السياحة الصينية، مما زاد من الدخل الفردي بها، كما أن فائض الإنتاج بها دفع إلى تصدير بعض فواكهها إلى الخارج عبر شركات كبيرة في الصين. وفي شرحه لمستوى التقدم والتطور بالمنطقة، بدا المسؤول الحزبي فخورا بطريق التنمية العلمية، الذي أسس للريف الاشتراكي الجديد، الذي عنون إيديولوجية الحزب الشيوعي الصيني في جنوبالصين بعنوان التنمية، ليصبح نموذجا لأرياف أخرى ليس بالصين وحدها، بل لمناطق خارج الصين نقلت التجربة من أجل تعميمها عالميا في مخططات التنمية الزراعية المعتمدة على النظم الايكولوجية، والتي تأخذ بعين الاعتبار المبادئ البيئية.