حطت بنا الطائرة في مطار ياننينغ بمنطقة قوانغشي الذاتية الحكم، دخلنا بهو المطار سالمين آمنين في رحلة متواصلة مدتها ليلتين كاملتين، قضيناها في الجو بين الدارالبيضاء وياننينغ مرورا بمحطات تغيير الطائرة بكل من مطار اسطنبول وبكين. بدأ العياء يتسرب إلى وجوه الوفد المغربي المكون من أعضاء وعضوات مكاتب سياسية ومجالس وطنية للأحزاب المغربية، وبرلمانيين من الغرفة الأولى. أعمار أعضاء وعضوات الوفد المغربي من كوادر الأحزاب المدعوين للمهمة الاستطلاعية للصين الشعبية تراوحت بين منتصف العمر والإطلالة على الستين، وهو التعب الذي برر بالفعل لماذا رفض المنظمون من العلاقات الخارجية للحزب الصيني أعمارا تفوق ذلك من المشاركة المقترحة من الأحزاب السياسية المغربية. كل شيء كان منظما ومهيأ بعناية فائقة واحترام للفضاء والزمن، الحافلة في الانتظار في المرفق المخصص بباب المطار الداخلي لمدينة ياننينغ، مع انضباط المرافقين ويقظتهم، لم يمنعني ليل المدينة ونحن نتوجه إلى مقر إقامتنا بالمدرسة الحزبية، من التمتع بجمال المنطقة واخضرارها، وشوارعها النظيفة، في مشهد ساحر يدعوك إلى التأمل والاستنتاج لما تعرفه معرفيا عن الصين وما تشاهده بعينك بدون أسوار أو لغات ناقلة بخلفية وبدونها. سأعرف بعد ذلك أن ناننيغ هي العاصمة، وأن المنطقة ككل متميزة بالسياحة والثقافة والصناعة والزراعة والصيد البحري. ولكي أشاركك قارئي العزيز في معلومات عن منطقة قوانغشي ذاتية الحكم لقومية جوانج، فهي واحدة من مناطق الحكم الخمس للأقلية القومية بالصين، وتقع في جنوب غربي الخط الساحلي، وهي القناة الوحيدة لدخول البحر في منطقة جنوب غربي الصين. ويبلغ عدد ساكنتها حوالي 55مليون نسمة ومساحتها 237.6 ألف كيلو متر، وهي المنطقة التي تتعزز مناظرها الخلابة بتاريخ وحضارة عريقين، استطاع الصينيون أن يجعلوا منها منطلقا لمسيرة الإصلاح والتنمية، لتكون المنطقة اليوم أفضل من حيث البيئة والإيكولوجية، تنتشر فيها عطور الأزهار والفواكه طيلة السنة، وتغطي الغابات ما يقارب ثلثي مساحتها، وهي المنطقة المنفتحة على العالم، من منطلق وضعها الاقتصادي الجيد المرتكز على بناء الذات وحمايتها ثم انفتاحها كنقطة تجمع الدائرة الاقتصادية لجنوب غربي الصين ودائرة آسيان الاقتصادية، كما هي منطقة التعاون الدولي المتعدد الأطراف بمساحة استراتيجية هامة في مشهد الانفتاح الصيني على الخارج بميزة مجال يضم النهر والبحر. وهي المنطقة التي تعد أرضا ساخنة في مسيرة التنمية الغربية الكبرى، كما أنها المنطقة الأكثر حيوية في الصين، حيث شكل معدل نموها الاقتصادي في فترة الخطة الخماسية الثانية عشرة ما فاق العشرة في المئة متفوقة على مستوى المعدل الوطني الصيني بما زاد عن نقطتين مئويتين، ناهيك عن قيمة الناتج المحلي فيها، كما سيشرح لنا ذلك لا حقا الخبير الدكتور تشاوا يوهوا، مدير قسم العلم الاقتصادي والأستاذ الباحث بعد الدكتوراه لمدرسة لجنة الحزب الشيوعي الصيني في منطقة قوانغشي بأكاديمية قوانغشي للإدارة. قال السيد يوهوا إنه في سنة 2016 كانت الصناعات الثلاث الرئيسية في منطقة قوانغشي تبلغ 15.3 في المئة، و 45.1 في المئة، و 39.6 في المئة على التوالي، أما خصائصها الأساسية ففي هيكل الناتج المحلي الإجمالي بلغت الصناعة نسبة أولية وصلت إلى أقل من 20 في المئة، في حين كانت الصناعة الثانوية هي الأعلى، ومع التطورات المرحلية ضمن مخطط محكم ومدروس انتقل هيكل الصناعة إلى نسب مهمة عززت قوة التكتل للمدن الرئيسية في المنطقة. وعرفنا من تشاو يوهوا، الخبير الاقتصادي والجامعي المنخرط في الحزب الشيوعي الصيني باللجنة المحلية لمنطقة قوانغشي، أن هذه المنطقة تنتج نصف إجمالي من كمية إنتاج مادة السكر في الصين، كما تعد صناعة السكر بمنطقة قوانغشي الصناعة التنافسية في المحافظة المعنية، كما تشكل مدينة يوتشو في قوانغشي قاعدة لإنتاج السيارات، حيث تتطور قاعدة إنتاج «غويغانغ» الجديدة والتي تشغل كمية إنتاجها عشرة في المئة تقريبا من إجمالي كمية إنتاج السيارات في الصين سنويا، كما أن هذه النسبة ترتفع باستمرار. واستفاض المحاضر والخبير الاستراتيجي، الذي كان يتحدث بفخر عن التطور بالمنطقة، قائلا إن هذه الأخيرة لها أسس متينة في توليد الطاقة الكهرمائية وإنتاج الإسمنت والبيرة وحمض الكبريت والسجائر، وأن لمنطقة قوانغشي قدرة تنافسية قوية في مجالات إنتاج الآلات الهندسية وآلات التعدين والمعادن والسيارات الكهربائية وصناعة تكنولوجيا المعلومات.