وصلت إلى بكين قبل التوجه إلى منطقة قوانغشي الذاتية الحكم لقومية تشوانغ، المطار فيها شاسع، والاستعانة بالأرضيات المتحركة تغري بالمشي أكثر من الوقوف في انتظار الوصول البطيء، اللغة الصينية مكتوبة بالبنط العريض أمام الترجمة باللغة الانجليزية التي تبدو محتشمة بخطها بحروف صغيرة، كقزم يلتمس المعذرة من أجل التسلل خارج الإطار، الذي امتلأت واجهته في رؤية تعني كلماتها، وإن لم يتسن لك فهمها، فهي تفرض عليك تصفحها، واحتساب خطوطها المرسومة بدقة وفنية عالية. اللونان الأسود والأحمر زادا المكان جمالا، والانفتاح على العالمية يبدو لك أنه ممنهج ومحسوب الخطوات. نفس الخطوات تصاحبك وأنت تقدم أوراقك المكونة من جواز السفر وورقة المعلومات الدقيقة، التي تكتبها باللغة الانجليزية إذا استعصت عليك، بالطبع ،الحروف الصينية ذات الحجم الكبير الذي فرض القزمية على لغة الجوار في الأوراق المصاحبة للهوية. نفس الصرامة والابتسامة، تعلو وجوه نساء ورجال أمن الحدود، ثنائية تجتمع في الوجه الواحد رغم التناقض بين السمتين. لاحظت أن فضولي يتيح لنظراتي التفحص في أشكال الأجسام الخفيفة، تساءلت ماذا يأكل هؤلاء، ربما لا يأكلون خبزنا المشحون بكل مسببات انتفاخه، أو ربما شايهم مميز عن شاينا، أو ربما تعود أسباب نحافة أجسادهم وأجسادهن إلى تجاهل وضع قطع السكر في كؤوسهم المزركشة بمختلف الرسوم والأشكال. تداركت في لحظة استيقاظ، أني أطلت النظر في أجسام النساء و الرجال، وقلت مع نفسي «غضي من بصرك أيتها الكاتبة الفضولية، فلربما فهم بعض المرافقين أن الأمر ليس كما تعتقدين، وأن عينيك «ماشي خوتات». خرجت صحبة «الوفد الاستطلاعي للكوادر الحزبية المغربية «من البوابة الأمنية من أجل الذهاب بوسيلة المترو إلى المطار الداخلي في الجهة المحاذية، للسفر من بكين إلى مدينة ناننينغ في منطقة قوانغشي الذاتية الحكم، بعدما تسلمنا حقائبنا بدون عناء، وهي الحقائب التي تدور في أمان، عبر الحزام الحديدي الدائر. كانت حقيبتي الحمراء اللون تزداد جمالا، بشريط أخضر تعمدت إلصاقه في واجهة حقيبتي بعناية، وسط الألوان الحمراء الموزعة في المطار، وضعت الحقيبة في الناقلة المخصصة. ركبت صهوة مخيلتي، وقلت للمؤلف الضمني الكامن في باستمرار «إننا سنصير يوما ما نريد.. ليس هناك شيء مستحيل يا شبيهي…ليس هناك شيء مستحيل». انتبهت إلى اليافطة التي حملها شاب صيني، مكتوب عليها «مرحبا بوفد الأحزاب المغربية»، هرعت إلى الشاب لأسلم عليه، كباقي الأخوة والأخوات المدعوين والمدعوات لزيارة الصين الشعبية، كان هناك مرافقون للشاب، لقد جاءوا وجئن لاستقبال الوفد المغربي بابتسامة معنونة لحسن الاستقبال الكبير في تقاليد الضيافة. قال الشاب الذي تحدث العربية: أنا اسمي «رائد « وهي ترجمة لاسمه باللغة الصينية shi Yuefei ، مهمته سكرتير بقسم غربي آسيا وإفريقيا، بدائرة العلاقات الخارجية للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، مترجم من اللغة الصينية إلى العربية. وبدأ الشاب في تقديم باقي مرافقيه للوفد المغربي، بداية من السيدة zhao lingjuan ، رئيسة الديوان للجنة الحزب بدائرة العلاقات الخارجية للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، والشابة « لبيبة» عن اسمها المترجم عن. huang di كل هؤلاء الذين سيسهرون بدقة على خدمتنا بمصاحبة منتجة ومفيدة، هم مناضلون في الحزب و موظفون في المدرسة الحزبية للجنة الحزب الشيوعي الصيني بمنطقة قوانغشي الذاتية الحكم. ركبنا الطائرة من بكين إلى ناننينغ عاصمة المنطقة مع مستقبلينا من دائرة العلاقات الخارجية للحزب الشيوعي الصيني الذين لم تغادر الابتسامة محياهم طيلة مدة إقامتنا في منطقة قونغشي. المسافة الزمنية بين بكين وناننينغ تتجاوز الثلاث ساعات، قال مرافقنا إن المنطقة توجد في الحدود مع الفيتنام،وأضاف أن خطها الساحلي يشكل قناة وحيدة لدخول البحر في منطقة جنوب غرب الصين، وأن ساكنة المنطقة تتجاوز خمسة وخمسين مليون نسمة، ومساحتها تتعدى مئة وثلاثين ألف كيلومتر مربع، وأن أرضها تسحرك بمشاهدها الطبيعية، وأن الذاكرة والتاريخ والانفتاح على لغة العصر جعلها منطقة تجدد معالمها بامتياز في كافة المجالات، في البيئة والفلاحة والصناعة والثقافة وفنون التعبير بكافة الصور التي سنراها واقعا ملموسا. تسرب إلى ذهني مختلف ما أعرفه اطلاعا عن المجال، قلت يبدو العالم بالفعل قرية صغيرة، لكن في ذهني اليوم تتسع القرية لتتفرع عنها قرى كبيرة، تختار تقرير مصيرها بلغة الوحدة في جمع الشتات، لتقوية الجسر المؤدي من عنصر إلى آخر في بنية تعي أهدافها الكبرى، لهذا لم يكن مفهوم المنطقة ذاتية الحكم كما في أفق تساؤلاتنا بل هو ترتيب لمجال يختاره الحزب الشيوعي الصيني كي تكون الصين كما اليوم قوة اقتصادية كبرى في العالم.