انعقد مجلس الأممية الاشتراكية بمدينة مكسيكو في الفترة ما بين 30 يونيو وفاتح يوليو 2014 , باستضافة من الحزبين العضوين في الأممية الاشتراكية : الحزب الثوري المؤسساتي الحاكم وحزب الثورة الديمقراطية المعارض، وذلك بمشاركة عدد من قادة وزعماء الأحزاب الاشتراكية والمنظمات التقدمية واليسارية لمناقشة الموضوعات الأساسية المدرجة في جدول الأعمال والتي تخص: -أولوياتنا في الاقتصاد العالمي -جهودنا من أجل اقرار السلم وفض النزاعات -عملنا من أجل تعزيز الديمقراطية -مشروعنا من أجل ميثاق لحقوق المهاجرين الوفد الاتحادي ترأسه حبيب المالكي, رئيس اللجنة الإدارية وضم خدوج السلاسي, رئيسة المنظمة الاشتراكية للنساء الاتحاديات, ومحمد بنعبدالقادرعضو سكرتارية العلاقات الخارجية، كما شاركت في أشغال المجلس وفاء حجي بصفتها رئيسة للأممية الاشتراكية للنساء نائبة لرئيس الأممية الاشتراكية. قبل افتتاح دورة المجلس, كانت لجنة الأخلاقيات قد عقدت اجتماعها العادي يوم 29 يوليو تحت اشراف رئيسها البلجيكي جيل مايو وشارك في أشغالها محمد بنعبد القادر عن الاتحاد الاشتراكي. اجتماع لجنة الأخلاقيات: تدارست لجنة الأخلاقيات مختلف النقط المدرجة في جدول أعمالها والتي تخص بالأساس البت في طلبات الانضمام للمنظمة وطلبات تغيير الوضعية داخلها، وعلى اثر ذلك اتخذت عددا من القرارات لعرضها على أنظار المجلس من أجل المصادقة وتخص هذه القرارات: * قبول عضوية الحزب الجمهوري التركي لقبرص كحزب كامل العضوية * منح صفة العضو الاستشاري للحزب الاشتراكي الديمقراطي الأذربيجاني وللحزب الشعبي الموحد لبليز والحزب الديمقراطي لبتسوانا وحزب التناغم الشعبي للتوانيا. * منح صفة العضو الملاحظ لحزب الاتحاد الوطني من أجل الديمقراطية و التجديد التشادي، ولحزب المؤتمر من أجل الديمقراطية في ليسوتو، وللحزب الديمقراطي السوازيلاندي. * عدم الاستجابة لطلب الحزب الديمقراطي الاجتماعي المصري بشأن تغيير وضعه من ملاحظ الى كامل العضوية وذلك في ضوء موقفه من تطورات الأوضاع في مصر. * وبخصوص طلب جبهة البوليساريو لتغيير وضعها من عضو ملاحظ الى كامل العضوية, قررت اللجنة عدم الاستجابة للطلب على غرار ماسبق أن قررته في اجتماعيها السابقين في الكيب تاون واسطنبول ، وذلك بالنظر الى ما اعتبره رئيس اللجنة «انعداما لمستجدات تبرر هذا التغيير» ليحسم الأمر في بضع ثوان بدون مناقشة، وبدون أي تدخل من لدن ممثل المؤتمر الوطني الافريقي في اللجنة الذي هو نفسه الأمين العام للحزب . كما قررت اللجنة مواصلة دراسة عدة طلبات انضمام أخرى وعقد اجتماعها المقبل خلال الفترة الخريفية بلندن. الجلسة الافتتاحية للمجلس كان الأمين العام للأممية الاشتراكية لويس أيالا أول من تناول الكلمة في الجلسة الافتتاحية,حيث رحب بالحاضرين وشكر الحزبين المكسيكيين العضوين في المنظمة على حسن ضيافتهما، مذكرا بما عرفته المكسيك على امتداد تاريخها من حركات اجتماعية مناضلة من أجل العدالة والحرية، وهي القيم المشتركة التي لازال هذان الحزبان يساهمان في ترسيخها. كما أشار المتحدث الى سياق انعقاد المجلس المتسم أساسا بتحديات كبرى تمس الاقتصاد والديمقراطية والهجرة والسلام وهي التحديات التي تشكل موضوعات رئيسية في جدول أعمال اجتماع مكسيكو. بعد ذلك تناول الكلمة زعيما الحزبين المستضيفين للمجلس للترحيب بالوفود المشاركة والتمهيد لمناقشة القضايا المطروحة في الاجتماع، حيث أبرز سيسار كاماتشو زعيم الحزب الثوري المؤسساتي الحاكم خصال الاشتراكية الديمقراطية والتزام حزبه بالقيم المشتركة في نطاق الأممية الاشتراكية وبصفة خاصة المساواة والعدالة الاجتماعية التي تشكل الأولوية القصوى في السياسات العمومية للحكومة المكسيكسة. أما خيسوس ثامبرانو زعيم حزب الثورة الديمقراطية المعارض, فقد أبرز في كلمته مساهمة اليسار المكسيكي في ترسيخ الديمقراطية والاستقرار وإرساء دعائم مجتمع الحقوق والمساواة . في كلمته الافتتاحية, ركز جورج باباندريو رئيس الأممية الاشتراكية على تنامي ظاهرة اللامساواة التي تناضل ضدها الحركة الاشتراكية الديمقراطية العالمية داعيا الى تعزيز هذا النضال بإقرار حكامة دولية ترسخ معايير المساواة وقواعد الديمقراطية، معلنا في هذا السياق عن تشكيل لجنة جديدة داخل الأممية تعنى بالمساواة وتنطلق اجتماعاتها في الخريف المقبل من أجل وضع اشكالية المساواة في صدارة النقاش السياسي العام. المحور الاقتصادي في هذا المحور الأول المخصص لأزمة الاقتصاد العالمي وأولويات الأممية الاشتراكية استعرض المتدخلون آراءهم التي تركزت في أربع أولويات رئيسية تخص معالجة اللامساواة، مكافحة الفساد والانفلات الاقتصادي المالي من القيود ، و الاستثمار في حماية البيئة، وقد شكلت هذه العناصر أرضية أساسية لصياغة مقرر حول الأولويات في الاقتصاد العالمي صادق عليه المجلس، كما صادق على بيان تضامني مع الأرجنتين حول اعادة جدولة ديونها الخارجية. محور السلام وفض النزاعات ساهمت المداخلات ضمن هذا المحور في تسليط الضوء على عدد من بؤر الصراع السياسي والنزاع المسلح في العالم والتي تتطلب جهودا استثنائية ومقاربات جريئة من أجل وضع حد لمعاناة الشعوب ولمظاهر الدمار وعدم الاستقرار في مختلف أرجاء المعمور، وقد أفرزت عروض المتدخلين في هذا المحور معطيات أولية لصياغة مقرر حول العراق صادق عليه المجلس الذي عبر عن رفضه لإنشاء دولة الخلافة الاسلامية وعن تضامنه مع الأكراد وحقهم في المساهمة في أي حوار حول مستقبل العراق. كما تدخل في نفس المحور مندوبو أحزاب الأممية الاشتراكية في أوكرانيا وروسيا حول الأزمة الراهنة وتم الاتفاق على دعوة «لجنة مجموعة الدول المستقلة والقوقاز والبحر الأسود» لعقد اجتماع في أقرب الآجال من أجل استئناف الحوار وتقريب وجهات النظر. وبخصوص الوضع في كولومبيا أصدر المجلس مقررا لمساندة مسلسل السلام الجاري. محور تعزيز الديمقراطية أجمعت مختلف التدخلات في هذا المحور على ضرورة ارساء ديمقراطيات فعلية مسؤولة وناجعة، واستعرضت المكاسب المتعددة التي حققتها أحزاب الأممية الاشتراكية التي تناضل في ظروف صعبة كما أبرزت تحديات البناء الديمقراطي التي تواجهها الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية في عدة بلدان وخاصة منها البلدان العربية التي صادق المجلس على مقرر خاص بها ، كما صادق في نفس المحور على مقرر خاص بفنزويلا. محور الميثاق حول هجرة استهل هذا المحور حبيب المالكي, رئيس لجنة الهجرات بمداخلة شاملة استعرض خلالها الخلاصات الأساسية للاجتماع الأخير الذي عقدته لجنة الهجرات بطنجة في ضيافة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وقدم خطوطا عريضة لمشروع ميثاق أممي حول حقوق المهاجرين، ساهمت في اغنائها مداخلات في نفس المحور من المكسيك وغواتيمالا، وفي نفس السياق أصدر المجلس مقررا حول التجمع العائلي على خلفية المأساة الانسانية المرتبطة بالهجرة المكثفة للأطفال والقاصرين من المكسيك و أمريكا الوسطى نحو الولاياتالمتحدةالأمريكية. القضية الوطنية انطلاقا من دراية الوفد الاتحادي بآليات اشتغال خصوم الوحدة الترابية للمغرب في دواليب الأممية الاشتراكية ، فقد كان واضحا لديه منذ البداية أن جهوده في مجلس مكسيكو ينبغي أن تنصرف نحو نقطتين مبدئيتين هما مشروع الملتمس حول الصحراء وحق تناول الكلمة من طرف مندوب البوليساريو، كما كان واضحا أن الحزبين المكسيكيين أو أحدهما على الأقل سيتولى تقديم مقترح ملتمس حول الصحراء يتسلمه جاهزا من طرف وفد الانفصاليين. لذلك ومنذ اللحظات الأولى لأشغال المجلس اشتغل الوفد الاتحادي بكثافة في واجهتين : * اعتماد دبلوماسية الهجوم الايجابي اتجاه الحزبين المكسيكيين من خلال ربط الاتصال بقيادتيهما وفتح النقاش معها حول آفاق التعاون المشترك * الضغط على الأمين العام للأممية الاشتراكية من أجل الاحترام التام للنظام الداخلي للمنظمة الذي لا يمنح حق تناول الكلمة الا للأحزاب ذات العضوية الكاملة أو الوضع الاستشاري، وبما أن البوليساريو محكوم بوضعه كحزب ملاحظ فلا يحق أن يتناول الكلمة ضمن المتدخلين في أشغال المجلس. وكما كان متوقعا فقد اتصل زعيم حزب الثورة الديمقراطية المكسيكسي المعارض بالوفد الاتحادي وعرض عليه في اجتماع ثنائي خاص مسودة لمشروع ملتمس حول الصحراء من أجل ابداء الرأي، ومن خلال اطلالة سريعة على النص المقترح تبين أن الانفصاليين اعتمدوا لغة الحد الأقصى في صياغة المشروع ( الاستعمار، الاحتلال، الابادة ، القمع ، الانتهاكات الجسيمة، نهب الثروات، تقرير المصير...) وذلك اعتقادا منهم أن استضافة المجلس من طرف الحزبين الرئيسيين في دولة المكسيك التي تعترف بالجمهورية الوهمية، يشكل فرصة ذهبية لتمرير ملتمس قوي يتضمن ادانة شديدة اللهجة ضد المغرب، غير أن الوفد الاتحادي اعتذر عن مناقشة المشروع وبدل ذلك قدم توضيحات أساسية حول النزاع المفتعل بخصوص الصحراء مما جعل زعيم حزب الثورة الديمقراطية خيسوس ثامبرانو يسحب الورقة من الطاولة ، بل و يتراجع عن ايداعها لدى الأمانة العامة من أجل المصادقة. مما شكل مفاجأة حقيقة لكثير من الوفود المتابعة لهذا الملف والمطلعة على خباياه ، وهكذا بعد احتراق ورقة أمريكا اللاتينية, اضطر وفد البوليساريو الى البحث عن « وكيل « آخر بين وفود القارة الافريقية لتقديم مشروعه دون الاقتراب من وفد المؤتمر الوطني الافريقي الذي بدا حريصا على عدم الاصطدام بالاتحاد الاشتراكي. في هذا السياق اتصل لويس أيالا الأمين العام للمنظمة بالوفد الاتحادي وطلب منه التعجيل بصياغة مشروع ملتمس حول الصحراء وتسليمه اياه لعرضه على المجلس، وفي بضعة دقائق سلم الوفد الاتحادي للأمين العام مشروعا مقتضبا ينص على أن « الأممية الاشتراكية تدعو الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وجبهة البوليساريو الى اتخاذ مبادرات مشتركة من أجل تسهيل وتعزيز جهود الأممالمتحدة في البحث عن حل سياسي متوافق حوله لنزاع الصحراء الغربية» وكانت المفاجأة الثانية هي أن الأمانة العامة للمنظمة قامت ولأول مرة بطبع هذا النص واستنساخه وتوزيعه على الوفود المشاركة ضمن المشاريع الأخرى المعروضة للمصادقة، وهنا اهتز وفد البوليساريو في حالة هستيرية وصلت الى درجة استجداء الوفود في كواليس الجلسة العامة من أجل استعادة المبادرة من الوفد الاتحادي. في هذه الأثناء, انتبه الوفد الاتحادي الى أن الأمين العام لويس أيالا يهيئ كعادته لمناورة جديدة تتمثل في تمكين ممثل البوليساريو من أخذ الكلمة في آخر جلسة ضمن أشغال المجلس وقبل عرض الملتمس الاتحادي على المصادقة، واوضح للوفد الاتحادي أنه يتعرض لضغوط تجعله مضطرا لإعطاء الكلمة لمندوبة البوليساريو ، لكن الوفد الاتحادي في رد مكتوب, أكد له أنه سيكون مضطرا للانسحاب في حال انتهاك النظام الأساسي للمنظمة وتمكين حزب ملاحظ من أخذ الكلمة بدون وجه حق. لقد كان الوفد الاتحادي واعيا بخطة الانفصاليين الجديدة والمتمثلة في تكليف فاطمة المهدي (الأمينة العامة للإتحاد الوطني للمرأة الصحراوية عضو الأمانة العامة للجبهة) بالتدخل في مختلف المحافل الدولية اعتبارا لكفاءاتها المسرحية المعروفة, حيث أصبحت تعوض محمد سيداتي في ترأس الوفد الانفصالي لأنها بمجرد ما تتناول الكلمة تدخل في نوبة من البكاء والصراخ واستجداء العطف والرحمة من قلوب الحاضرين، وهذا أسلوب معروف في البروباغندا الانفصالية, بدأ البوليساريو يعتمده في اجتماعات الأممية الاشتراكية بعد أن لم تعد تنفعه مرافعات المدعو سيداتي. في اللحظات الأخيرة من الجلسة الختامية المخصصة للمصادقة على مشاريع المقررات والملتمسات،وأمام إصرار الأمين العام للمنظمة على إعطاء الكلمة لرئيسة الوفد الانفصالي وبعدها للوفد الاتحادي تمهيدا للتصويت على مشروع الملتمس حول الصحراء، اضطر الوفد الاتحادي الى انسحابه من القاعة لتصعد المدعوة فاطمة المهدي الى المنصة وتنخرط مباشرة في نوبة من البكاء والهذيان أمام ذهول الجميع. وإشفاقا على حالها, تدخل بعدها ثلاثة مندوبين من افريقيا وأمريكا اللاتينية مطالبين بإضافة فقرات حول تقرير مصير الشعب الصحراوي الى المشروع الاتحادي المعروض على المجلس، غير أن الأمين العام أدرك بخبرته أنه يصعب عليه تعديل المقترح الاتحادي وتمريره في غياب الوفد الاتحادي المنسحب، لذلك تناول الكلمة من أجل حسم الموقف بدون الحاجة الى اصدار المجلس لأي ملتمس حول الصحراء ، وذلك من خلال التذكير بالمهمة الاستطلاعية في المنطقة، التي سبق أن قررتها لجنة المتوسط المنعقدة بمدريد في 5 يونيو 2012 ، والتي يتعين في نظره تفعيلها في أقرب الآجال حتى تتمكن من تقديم تقريرها في الاجتماع المقبل لمجلس الأممية الاشتراكية ، ولإعطاء المصداقية الكافية لوصفته الحاسمة ,أكد أنه فيما اذا تبين أن هذه المدة غير كافية لانجاز هذه المهمة, فإن رئيس المنظمة وأمينها العام سيقومان شخصيا بزيارة المنطقة، وبذلك طوي الموضوع في نوع من عدم الاكتراث من لدن الأغلبية الساحقة للمجلس. أنشطة موازية في اليوم الأول للمجلس, أقام وزير الشؤون الخارجية المكسيكي خوسي أنطونيو ميادي كوربرينيا مأدبة غذاء على شرف الوفود المشاركة، وفي خطاب ألقاه بالمناسبة أبرز مكانة المكسيك في السياسة الدولية وجهود حكومة الرئيس انركي بينيا نييتو من أجل السلام والتنمية والازدهار في بلده. كما أقام سفير المغرب بمكسيكو في ختام أشغال المجلس مأدبة افطار وعشاء على شرف الوفد الاتحادي بحضور رئيسة منظمة النساء للحزب الثوري المؤسساتي السناتورة ديفا أداميرا غاستيليوم. وعلى هامش أشغال المجلس, أجرى الوفد الاتحادي عدة لقاءات مع قيادات حزبية ورؤساء بعض الوفود من أمريكا اللاتينية وإفريقيا وأوروبا، كان أبرزها اللقاء الودي والمثمر مع وفد من الحزب الثوري المؤسساتي برئاسة زعيمه سيسار كاماتشو ، وكذلك اللقاء الايجابي مع وفد حزب الثورة الديمقراطية المعارض برئاسة زعيمه خيسوس ثامبرانو. الخلاصات الخلاصة الأولى التي يمكن استنتاجها هي أن مجلس مكسيكو شكل بكل المقاييس والاعتبارات محطة بارزة لتكريس الأزمة، ازمة الأممية الاشتراكية التي انفجرت في المؤتمر الأخير بجنوب افريقيا وتعمقت مع الانسحابات التنظيمية والعملية لعدد من الأحزاب الأوروبية الوازنة وسعيها الى تشكيل بديل آخر. ولقد تجلت الأزمة بوضوح في تقلص عدد المشاركين كاملي العضوية الى الثلث، حيث نجد من مجموع 101 حزبا كامل العضوية في الأممية الاشتراكية لم يحضر مجلس مكسيكو سوى 38 حزبا، وكان قد شارك في مجلس استانبول في نوفمبر 2013 , 55 حزبا ، وفي مجلس كاشكاي في فبراير2013 كان قد حضر63 حزبا، مما يعني أن عدد الأحزاب كاملة العضوية المشاركة في مجالس الأممية الاشتراكية يمضي في تراجع مقلق منذ مؤتمر الأزمة في الكيب تاون بجنوب افريقيا في شتمبر 2012. كما تجلت الأزمة أيضا في تمكن الأمين العام لويس أيالا من بسط سيطرته التامة على دواليب المنظمة, حيث تحول في غياب رئيس فعلي وحازم، الى مناور خطير يعقد الصفقات في الكواليس ، ويلعب على جميع التناقضات ويخلط جميع الأوراق. كما أنه والحال هذه, أصبح يقرر في جدول أعمال الاجتماعات وتوزيع التدخلات وإعداد الخلاصات والرد على المتدخلين ، وهي مهام تتجاوز بكثير صلاحيات الأمانة العامة للمنظمة ، أما مجلس الرئاسة فقد أصبح مجرد هيأة صورية لاوزن لها ولا فعالية، والمجلس مجرد تظاهرة عامة لتسجيل المواقف الجاهزة ومنبرا للخطابة السياسية، لا يستأثر بأي اهتمام من لدن الصحافة والرأي العام (لم تكن الصحف المكسيكية تهتم بتغطية أشغال المجلس ولم تلتقط منه الا تصريحات زعيمي الحزبين الحاكم والمعارض بخصوص السياسية الداخلية للمكسيك). بل ان الأمين العام للمنظمة لا يجد أي حرج في خرق النظام الأساسي للمنظمة وابتزاز عضو نشيط و كامل العضوية كالاتحاد الاشتراكي من أجل إرضاء خصوم الوحدة الترابية المغربية . بل ولم يجد أي حرج في اقصاء الوفد الاشتراكي الاسباني من المشاركة كما جرت العادة في الاجتماع الأخير للجنة أمريكا اللاتينية والكاراريبي كما أبلغنا بمرارة الوفد الاسباني نفسه. فإذا كان الاتحاد الاشتراكي غير معني مباشرة بحل أزمة الأممية الاشتراكية في المنظور القريب, فإنه مطالب بمراجعة تعامله مع الرجل القوي داخل المنظمة الذي أصبح يقرر في كل شيء وذلك باتخاذ كافة المبادرات التي من شانها أن تجعل الوحدة الترابية المغربية لا تذهب ضحية الميوعة السياسية التي يكرسها الأمين العام الحالي للأممية الاشتراكية، وأول ما يتعين القيام به على الفور هو التفعيل الأمثل لعضوية الاتحاد الاشتراكي في مجلس الرئاسة ، ومراسلة رئيس الأممية الاشتراكية بخصوص ملابسات انسحاب الوفد الاتحادي من الجلسة الختامية لمجلس مكسيكو. أما الخلاصة الثانية التي لا تقل أهمية عن الأولى، فهي تخص انتزاع مكسب مهم يتعلق بتعديل آلية صناعة الموقف السياسي للأممية الاشتراكية من النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، فبعد ما كان استصدار الموقف من هذا النزاع يتم بمنطق الأمر الواقع المعزز بالأغلبيات العددية، حيث يكفي أن يتقدم تنظيم أو مجموعة تنظيمات مؤيدة للبوليساريو( السويد، جنوب افريقيا، لا يوزي، ناميبيا، زيمبابوي..) بمشروع ملتمس معاد للمغرب ومؤيد للأطروحة الانفصالية، حتى يتم تمريره دون استشارة الوفد الاتحادي أو حتى الانصات الجدي الى وجهة نظره، وبفضل الاستراتيجية الهجومية الجديدة التي بدأ يعتمدها الوفد الاتحادي, أصبحت الآلية المعتمدة تنحو في اتجاه نوع من التوافق بين وفدي الاتحاد الاشتراكي والبوليساريو, كما كرس ذلك المؤتمر الأخيرللأممية الاشتراكية بالكيب تاون، أما في مجلس مكسيكو فقد تمكن الوفد الاتحادي من تحقيق اختراق جديد تمثل في: * تراجع حزب الثورة الديمقراطية عن تقديم الملتمس الذي تسلمه جاهزا من الوفد الانفصالي. * طلب الأمين العام للمنظمة من الوفد الاتحادي أن يتولى اقتراح ملتمس بديل يمكن عرضه على المصادقة اذا حظي بموافقة حزب الثورة الديمقراطية المكسيكي. وذلك ما تم بالفعل, حيث سارعت الأمانة العامة ولأول مرة في تاريخ التعاطي مع هذا النزاع الى استنساخ الملتمس الاتحادي وتوزيعه على الوفود بغاية المصادقة لولا التحول الذي طرأ على مجريات الأمور عندما تنازل الأمين العام لضغوط الانفصاليين ومن معهم وقرر اعطاء الكلمة لمندوبة البوليساريو قبل اللجوء الى التصويت، حيث انسحب الوفد الاتحادي ولم يصادق المجلس على أي ملتمس بهذا الخصوص. والجدير بالتأكيد أن المشاركة الاتحادية كانت جد ايجابية بالنظر الى سياقها المعادي الواضح، اذ لا ننسى أن مجلس الأممية الاشتراكية انعقد في أمريكاالجنوبية, حيث تعترف 13 دولة من مجموع 22 بما يسمى الجمهورية الصحراوية، بل ان موقف الحياد الايجابي الذي اعتمده الحزبان المكسيكيان اللذان يعترفان من موقع الحكومة والمعارضة بالجمهورية الوهمية، هو بمثابة اختراق غير مسبوق حققه الاتحاد الاشتراكي في جهوده الدبلوماسية الموفقة والرامية الى تعزيز الوحدة الترابية ومحاصرة الأطروحة الانفصالية.