هي غرفة طفلة صغيرة، ضيقة ومؤتثة بالورد. لكن من يستغلها هي في 25 من عمرها. كانت عايدة، جالية على طرف السرير، المغطى بلون قرمزي. فيما جسدها المتعب الصغير، يظهرها كما لو أنها لا تزال في سن المراهقة. لكن، تلك الشابة المغربية، قد عاشت في الواقع جحيما منذ 4 سنوات. تقول: «كنت عائدة إلى منزلنا بليل، حين جاؤوا خلسة من ورائي وقادوني عنوة، إلى كراج غير بعيد». كان في صوتها وجل وتردد، كما لو أنها تبوح لأول مرة بتفاصيل حادث اغتصابها. رغم أنها سبق وكسرت حاجز الصمت أكثر مرة. «ففي ذات الليلة (تتذكر)، سمع الجيران صراخي. وحين ترجيتهم أن يشهدوا لصالحي، رد علي البعض بعنف، فيما ههدني آخرون منهم باغتصابي بدورهم، إذا لم ألتزم الصمت». كان حديثها سيقودها إلى دفع ثمن غال، لكن حادث محاولة اغتصاب فتاة في حافلة عمومية بالدارالبيضاء، حملها على العودة إلى البوح. قالت، بكلمات دارجة: «تم الإعتداء علي بالضرب، واغتصبت بوحشية من الدبر»، ولم تفهم كيف وجدت فيها ما يكفي من جرأة لإبلاغ الشرطة ليلتها. تم اعتقال مغتصبيها أياما بعد ذلك، وحكم عليهم بخمس سنوات سجن نافذة. لقد سألها القاضي، سؤالا غريبا: «ماذا كنت ترتدين حينها، وأين تأخرت بليل؟». أعراف ذكورية سائدة بحي درب الفقراء، الشعبي، بالدارالبيضاء، لا يسمح بالبوح عن بضع أمور، خاصة الإعتداءات الجنسية، التي هي كثيرة، مثله مثل أغلب مناطق المغرب. ذلك أن ثقافة «الحشومة» (قرينة «العار»)، تشجع على ذلك. حتى الآباء، نادرا من يضعون شكايات ضد تلك الجرائم، بضغط من تلك الثقافة. ومما تشهد به «عايدة»، أنها كانت محظوظة، لأن والديها الذين لهما بنتان، قررا مرافقتها إلى مركز الشرطة. هذا أمر نادر، لأن السائد في الغالب هو قانون الصمت. تقول السيدة عائشة الشنا، رئيسة جمعية التضامن النسوي: «في ما يتعلق بالإغتصاب، فإن رفع دعوى قضائية يستوجب الإتيان بأدلة. فهل تعتقدون أن الضحية ستذهب للقيام ببحث جيني للحيوان المنوي للمغتصب، مباشرة بعد فعل الإغتصاب؟». لكن، هذه المناضلة، عن حقوق النساء، المطلة على 77 سنة من عمرها، تعترف أنت هناك تحولا، قائلة: «كان الإعتداء الجنسي دوما حاضرا، لكنه مغطى بالصمت. لكن المغربيات اليوم، تعودن على التحدث عبر الجمعيات والإعلام». ذلك، أن منح إشعاع إعلامي لوقائع معينة، قد شجع على كسر الصمت. ففي يوم 21 غشت الماضي، شكل تعميم فيديو اغتصاب بحافلة عمومية بالدارالبيضاء صدمة، حيث تظهر فيه شابة باكية، نصف عارية، يعتدى عليها من قبل مجموعة من المراهقين، في واضحة النهار، وفي غياب تام لأي تدخل من باقي الركاب. ولقد شكل تعميم تلك الصور صدمة، حركت موجة عارمة واجهت مؤامرة تتفيه عمليات الإغتصاب، وصمت السلطات العمومية. تقول نادية نايير، وهي مناضلة حقوقية أخرى، أستاذة جامعية بتطوان: «ليس هناك امرأة واحدة، كيفما كان سنها أو وضعها الإجتماعي والمهني، لم تتعرض ولو مرة واحدة لملاحظة، أو محاولة إساءة، غير لائقة. وأحيانا حتى من صغار أغرار. فجميعهم يعتقدون أن ذلك حقهم الكامل. إذ، كما لو أن ذلك جزء من تربيتهم على معنى اكتساب الرجولة». يضاف، إلى هذه الأعراف الذكورية، السائدة، بالنسبة لها، تأويل وتفسير ديني محافظ صاعد بالمجتمع، بمرجعية وهابية. «فالخطابات السائدة بالمساجد والعائلات وفي القنوات الفضائية، تشجع على تلك المحافظة، رغم أننا مفروض قد حققنا تقدما». ففي سنة 2004، مكنت مدونة الأسرة الجديدة، من تحقيق تقدم واضح، حيث أصبحت العائلة تحت مسؤولية الزوجين معا، وليس فقط تحت مسؤولية الأب، وتم تحديد سن الزواج في 18 سنة، ضدا على 15 سنة التي كانت في السابق. مثلما تم تقنين التعدد بضوابط صارمة. مثلما تم تعديل قانون الشغل والقانون الجنائي.وإذا كانت عمليات مناهضة الإغتصاب قد تضاعفت منذ 2002، فإنها بالنسبة لنادية، لا تزال غير مؤثرة ومحدودة. تلعب الجمعيات، في هذا الإطار دور الرقيب. ففي مكتبها الصغير، بقلب حي سيدي مومن بضواحي الدارالبيضاء، تقوم سليمة (هذا اسم مستعار) بالرد على التعليقات غير اللائقة التي غزت الأنترنيت بعد حادث الحافلة. لقد أسست هذه الشابة، التي هي في 34 من عمرها، سنة 2013، جمعية «حقوقنا» الخاصة بتقديم الدعم والمساعدة للضحايا. «نحن نقوم بعمل ميداني، لكن بشكل سري. لأنه إن علم بعضهم في حينا بما نقوم به، فإنهم لن يترددوا في الإعتداء علينا». فهي تقوم بجولات على الدور منذ سنوات، لتوعية العائلات. تقول: «كل شئ يبتدأ في البيت، حيث أحيانا الأمهات تبررن الإغتصاب». قامت يوم الجمعة، بجولتها المعتادة، صباحا، بالأزقة الضيقة لسيدي مومن. «هنا، كانت الأمهات تفضلن الذكور على الإناث. لكن اليوم، الكل أصبح على قدم المساواة في التربية والمعاملة». ولقد نجحت جمعية «حقوقنا» شيئا فشيئا في ترسيخ ثقافة حقوقية وأساليب وتقنيات دفاعية بين النساء. فهي تشرح للشابات حقوقهن، وأن من تلبسن منهن اللباس الأروبي لسن متبرجات ولا فاسقات، وأن على الأمهات أن لا يربينهن على يقين أنهن دوما الخاطئات. «ذلك كان السبب في أن الحافلة، ذلك اليوم، بقيت سائرة، وكأن لا شئ يقع (تؤكد سليمة). لو كان الأمر يتعلق بشخص يفطر علنا في رمضان، لتوقفت الحافلة. ولكن لأنها امرأة، فهي ببساطة عندهم تستحق». لقد كانت سليمة، هي أيضا ضحية محاولة اغتصاب، حيث تقول: «كنت ضحية مجموعة من الشبان، وحين لمحت شرطيا عدوت اتجاهه وطلبت منه حمايتي. لكني أجابني: إذا كنت لا تريدين أن تغتصبي، فالزمي بيتك». قليلة هي الإحصائيات في هذا المجال. لكن المندوبية السامية للتخطيط، ستنشر في غشت الماضي، بحثا وطنيا حول العنف ضد النساء أنجز سنة 2009. وفيه نكتشف أن 40.6 % من النساء، بالوسط الحضري أكدن أنهم كنا ضحايا عنف. ومما يؤكد عليه المحلل النفسي، جليل بناني، فإن «المغربيات تطورن، وأصبحن فاعلات في الساحة العمومية، مما جعل جزء من الرجال يستشعرون أن مكانتهم مهددة، فاختاروا أن يعبروا عن قوتهم من خلال العنف والإغتصاب». كما أن الكبث الجنسي يلعب دورا أيضا، في بلد يعاقب بالسجن على الخيانة الزوجية وعلى اللواط. في كتابها «جنس وكذب، الحياة الجنسية بالمغرب»، تؤكد الكاتبة المغربية ليلى السليماني، أن ذلك يعتبر عنوانا على «بؤس جنسي». ف «الشبان يرغبون في التمتع بحياة جنسية والفوز بالحب أيضا وأخد يد بعضهم البعض. والأمر لا يتم منعهم منه فقط، بل تتم تربيتهم على أن ذلك معيب». بينما تناضل عائشة الشنا منذ سنوات، لفرض برنامج تربوي للتربية الجنسية بالمدرسة المغربية، لكن لا حياة لمن تنادي. ومما تؤكد عليه تلك المناضلة الراسخة في مجال التضامن النسائي: «إننا في حاجة إلى ذلك، لكسر الطابوهات، للتصالح مع جسده، وللتمكن من اكتساب تقنيات حمايته». أرض خصبة للمهانة يتمنى الكثيرون، أن تشكل حادثة الحافلة نوعا من صعقة ضمير. لأن الحادثة قد تم تتبعها من قبل الكثيرين، الذين عبروا عن إدانتهم لها. فقد خرجت مظاهرات تضامن في عدة مدن، مثل الرباط، مراكش، طنجة وأكادير، امناهظة ثقافة التحرش وجريمة الإغتصاب. بل إنه في يوم 23 غشت سيتم تنظيم مظاهرة احتجاجية بساحة الأممالمتحدةبالدارالبيضاء. ومما تؤكده منى، 37 سنة، ورجلان يحاولان منع تلك المظاهرة وتتفيهها: «إن التحرش بنا في الحافلات شائع، فلا حق لنا في الفضاء العمومي، ولا في أن نلبس ما نريد بحرية». فيما يؤكد الرجلان الآخران أن «المغربيات مستفزات بطبعهن» وردت عليه شابة أنها ملت أن تبقى سجينة البيت خوفا من التعرض للتحرش والإغتصاب، وأنهن تردن العيش في أمان. بادرت السلطات إلى التحرك بسرعة وفعالية، بسبب ردود الفعل الضخمة التي أحدثها الفيديو المسرب. حيث تم توقيف واعتقال 6 شبان من الذين شاركوا في ذلك الإغتصاب. ومما تؤكد عليه وزيرة التنمية الإجتماعية والأسرة والتضامن السابقة، نزهة الصقلي، «فإننا ضمن سياق احتجاج ضد السياسات العمومية، فقوة الإحتجاج تلزم الحكومة والبرلمان بالتحرك والمبادرة. فالمعركة متواصلة». ففي زمن مسؤوليتها الحكومية، هيأت مشروع قانون ضد العنف، يتضمن العنف الجنسي في الفضاءات العمومية. مؤكدة «لقد قاومت بصرامة من أجل تمريره، لكنني ووجهت بعقلية ذكورية متحجرة». مذكرة بمشروع قانون لا يزال سجين مجلس المستشارين، والذي لا يلقى أيضا دعم المنظمات النسائية، بسبب اتهامها إياه أنه نص رخو وغير واضح. ولا تتردد في وضع الحكومة الحالية في قفص الإتهام، قائلة: «إن حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة ينتمي إلى تيار إيديولوجي معروف بمناهضته لحقوق النساء وللمساواة». وبعد اعتداء الدارالبيضاء، تم انتقاد وزيرة التضامن والمرأة، بسيمة الحقاوي، من حزب العدالة والتنمية، التي بقيت 48 ساعة صامتة بعد نشر الفيديو، الذي اعتبرت الجريمة الواضحة فيه «غريبة عن مجتمعنا». تؤكد الباحثة المغربية أسماء لمرابط قائلة : «علينا التأكيد أن الإسلام بريئ من ذلك السلوك. فاغتصاب المرأة ليس من الدين في شئ. لكن علينا الإعتراف أن الخطاب الإسلامي في مجمله، خطاب حاط من قيمة المرأة، ويلزمها بالتبعية للرجل. وذلك خطاب يسعى إلى عنفا رمزيا ويشكل أرضية خصبة لترسيخ ثقافة الإحتقار المسرعة للفعل. علينا الإسراع بمقاربة جديدة، توسع من هامش الرؤية إلى المرأة والرجل بصفتهما كائنين بشريين متساوي الحقوق والواجبات، لتجاوز البطريركية الثقافية الدينية». إذا كانت العدالة قد أنصفت عايدة بحي درب الفقراء، فإن حياتها اليومية بقيت جحيما. حيث تقول، في غرفتها، التي كما لو أن الزمن قد توقف بها: «لم أعد عذراء، وأصبح الجميع ينظر إلي كعاهرة». وكل محتويات الغرفة تذكر بمرحلة غابرة للطفلة التي كانت. فمنذ اغتصابها أصبحت ترتدي حجابا كلما أرادت الخروج إلى الشارع، في محاولة لإبعاد خطر الإعتداء عليها. هامش: (*) نشر هذا التحقيق الصحفي بيومية «لوموند» الفرنسية، عدد يوم الثلاثاء 12 شتنبر 2017.