مع اقتراب موعد الاستحقاق الرئاسي في تونس المُتوقع أن تجري دورته الأولى في 23 نونبر المُقبل، ازدحم المشهد بالمترشحين الراغبين في الوصول إلى قصر قرطاج، ليتجاوز عددهم إلى غاية الآن 30 مترشحا منهم 4 نساء، وذلك في سابقة لم تعرف مثلها تونس التي مازالت تفخر بأنها رائدة في مجال حقوق المرأة رغم النقائص والتهديدات التي تتربص بها. وتُشير المُعطيات المُرافقة للسباق الرئاسي نحو قصر قرطاج إلى أن عدد المُترشحين الذكور في تصاعد، تماما مثل عدد المترشحات، حيث مازال الباب مفتوحا لأخريات قد يُقدمن على خوض هذا السباق من منطلق أنهن يرين في أنفسهن الكفاءة والقدرة على منافسة الرجال على الوصول إلى أعلى هرم السلطة. ولئن يبدو طموح الرجال للوصول إلى رئاسة البلاد مشروعا بالنظر إلى الانفتاح الكبير الذي تعيشه البلاد في أعقاب كسر القيود التي كانت تحول دون خوض مثل هذا السباق، فإن اللافت هو تجرؤ المرأة على المشاركة فيه لتكسر بذلك احتكار الرجل له، لاسيما في هذه المرحلة التي تنعم فيها تونس بمناخ ديمقراطي وتعددي. وبحسب البيانات الرسمية، فإن 4 نساء يعتزمن خوض الانتخابات الرئاسية، حيث سبق لهن أن أعلن نيتهن الترشح، وهن ليلى الهمامي الجامعية والخبيرة في مجال التنمية البشرية، وهي تتقدم للاستحقاق الرئاسي كمستقلة، ثم آمنة منصور رئيسة حزب الحركة الديمقراطية للإصلاح والبناء، والقاضية كلثوم كنو التي كانت تُوصف ب»المُشاكسة» أثناء فترة حكم بن علي، بينما الرابعة هي بدرية قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الأمنية والعسكرية. وقالت ليلى الهمامي، في تصريحات نُشرت يوم الأحد، إن «ترشح المرأة للرئاسيات حق يكفله الدستور»، وأشارت إلى أنها «لاحظت الكثير من النزاعات والخطابات الحزبية التي قسمت التونسيين بدل توحيدهم حسب أيديولوجيات وثقافات وأفكار معينة، وهو ما يثير القلق والريبة بعد أن كان شعبا متنوعا ومتجانسا على مدى التاريخ»، على حدّ تعبيرها. ولفتت إلى أن وضع المرأة التونسية «متميز ومن الطبيعي أن يترجم هذا في الشأن العام وفي الحياة السياسية وهو أمر طبيعي وليس بغريب ينبع من تاريخ تونس التي تجاوزت مرحلة مناقشة مدى تمتع المرأة بحقوق تجعلها في الصف نفسه مع الرجل»، وذلك في مسعى لتبرير إقدامها على هذه الخطوة. ومن جهتها، قالت آمنة منصور إن ترشحها لخوض الاستحقاق الرئاسي جاء لأنها «تؤمن بالخبرات النسائية ومن الممكن أن تخدم مصلحة البلاد وتوحد صفوف الشعب وتحقق الاستقرار الأمني». ولا يُعرف ما إذا كانت المُترشحات للرئاسة التونسية سيواصلن مشوارهن إلى الأخير أم لا وفقا للقانون، ومع ذلك يُنظر إلى هذه الخطوة بأنها نوعية، وتعكس رغبة مُلحة لكسر احتكار الرجل لمنصب الرئيس الذي يحظى برمزية كبيرة لدى التونسيين. وينص القانون في الفصل 38 من الدستور التونسي الجديد على ضرورة حصول المترشح على تزكية عشرة آلاف مواطن، لضمان قبول ترشحه من الجانب القانوني، أو الحصول على تزكية من عشرة نواب في المجلس الوطني التأسيسي الحالي، أو 40 من رؤساء البلديات. فاقتحام النساء للمُعترك السياسي، بهذا الشكل المستقل الذي تشهده تونس حاليا، قد يفتح المجال في المستقبل أمام وعي جديد، يتطور عبر الممارسة والتراكم.